بَعد الغزو الاستعماري العسكري الفرنسي للجزائر سنة 1830، شَهدت الجزائر وجها آخر للغزو، تمثّل في المغامرين Les Aventuriers والمكلفين بمهام Les Missionnaires وعشاق الغرائبية. وكتاب ورسامين ومشاهير. وأصناف أخرى كانت تبحث عن صناعة أسمائها من خلال تجربتها الجديدة في عالم جديد.
كل واحد من هؤلاء كان يحلم في تحقيق رغبة ما، ظاهرة أم باطنه، وكل”رحالة كان يحمل من فرنسا جزائره، وتصوره عنها”على حد وصف “بيير مارينو” (Pierre Marino) الجميع كان يسكنه حلم الشرق وحلم غزو هذه الأرض البكر الطاهرة.
ومن الأسماء الأدبية والفنية الشهيرة التي غزت الجزائر مبكرا نذكر منهم: “تيوفيل جوته” (Théophile Gautier) و”الأخوة قونكور ” (Goncourt)، و”فرومنتان ” (Fromentin)، و”فلوبير ” (Flaubert )، و”إرنست فايدو ” (Erneste Feydeau)، و”فرانس دوديه” (Daudet) و”موباسان” (Maupassant ) وغيرهم كثير.
عشرون ألف سنة قبل الميلاد
إذا كانت الصحراء بسحرها وتاريخها وأساطيرها وطقوسها، مصدر جذب لكل هؤلاء، فإن قصر البخاري كانت البوابة والعتبة، والربع الجميل، ليأخذ الرحالة أنفاسهم وتستريح فيه خيولهم، فتأخذهم الدهشة، وتسكنهم المتعة بعد اكتشاف هذا المجهول المختلف.
إن كل النصوص بأشكالها وأنواعها، وكل اللوحات بألوانها، أعادت بناء مدينة الشمس، في غياب وتغييب النص التاريخي.
بعضها كان عابرا مستعجلا في صورة ما كتبه “ألبير كامو” (Albert Camus) في كراساته، و” جول لومتر” (Jule lemaitre)، أو” أنيا س راي”(Agnes Rey) من خلال كتابه ” الصندوق الصغير لقدري”.
و”عطلة في بوغاري ” لـ” جاك برميدوز” (jacque Bermudez) ورواية ” طريق بوغاري” لـ” جاك شفروز” (Jacque chevreuse )، ” جولة في أولاد عنتر ” لـ ” دوجو ” (Dejoux)، و”أليكانت، بوغاري، عوالم والدي” لـ” أنطوان بلانكا Antoine Blanca) ).
وشهادات بعض الجنرالات والعسكر وهم في الطريق نحو الصحراء مثل الجنرال ” مينير” (Meyner) من خلال كراسته “من أجل الفوز بالجنوب وشمسه”.
وتقارير عسكريين وتوصيفات طوبوغرافيين وغيرها وأسماء أخرى محورية، وازنة في صورة ” فرومنتان” وّموباسان” وجوتيه” و”مالتسان”، أطالت في التوصيف. وأخذت وقتها في تأمل مدينة الشمس، وأعادت تشكيل شخصيتها بجناحيها، الكولونيالية والعتيقة، بأبعادها الجغرافية والطبوغرافية والإثنية والدينية. ونقلت لنا طقوسها الاحتفالية من عدة زوايا ورِؤى، بحكم “أن المدينة ليست مجرد حضور مادي يعيد الكُتاب إنتاجه،” بقدر ما هو فضاء “يُعاد اختراعه”.
إنّ ما نقلته هذه الكتابات والرحلات والتوصيفات، بموضوعيتها مرة وذاتيتها في كثير من المرات، تخص الفترة الزمنية ما بعد الكولونيالية. وهي نصوص في أغلبيتها لها علاقة بالرحلة، غير أنها منفتحة على الإثنوغرافية، وعلى التاريخ، وعلى الجغرافيا وعلى الميثيولوجيا وعلى علم الاجتماع وعلى الاستشراق…
أثبتت البحوث والدراسات والحفريات أنّ عُمر هذا الفضاء يَعود إلى ما قبل التاريخ، حيث قُدر بعشرين ألف سنة قبل الميلاد، (1). وقد توصلت بعض المصادر إلى وجود آثار للساكنة في هذه الفترات المُمتدة في تاريخنا السحيق، وأنّ مُدنا وحُصونا قد دُفنت، ولم تبق سوى آثارها، كما أنّ حضور الحضارة الأمازيغية الضارب في تاريخ الجزائر، كان بالغ الأهمية في المنطقة.
وتمَّ اكتشاف جِرار ومقابر جنائزية شمال شرق البلدية المختلطة القديمة تعود إلى الفترة الرومانية وإلى ما قبلها. وقد شـملت الآثار أيضا مـحيطها مـُمثلة في أولاد معرف وسانق (UZINAZA) وخربة أولاد هلال وخربة السيوف وعين السبع وبوغار ودوار ” بوسْكين” في أولاد عنتر ومعقل موران(Camp Morand (، وشعبة أم الدرابي بأولاد حمزة وفي محيط قُبة سيدي بن حوي وبخربة الأعراف (القصيبة) بالمفاتحة وفي مجبر(أم جابر) وبوغزول(2).
بوغار شُرفة الجنوب
إن هذا الزخم من الآثار يَدل على أهـمية فضاء قصر البخاري، وأنّه كان عبر تاريخه موطن تعاقب حضارات عديدة، منها من حطت الرّحال فيه وبعضها كان عابرا.
وذلك لإمكاناته الاستراتيجية وتَوفره على قدرات حياتية مهمة من ماء وزراعة وحِرف، و يُؤكد هذه العَراقة تسمية بُوغار (Boghar) الذي كان حصنا وبرج مراقبة للرومان (Castellum Mauritanum des Romains)، الذي يُرجح بعضهم أنها مستمدة من كلمة ” أبو غار”، و نَعني بها الرجل الذي كان يسكن المغارة.
ومن الممكن أن تكون مغارة منطقة “سبعة رقود” هي المَعنية، والتي تمتد عبر سلسلتها إلى غاية الحمرة. حيث كشف السيد “ريغال” (Rigall) الباحث والطوبوغراف بيتا تاريخيا وآثارا لإنسان ما قبل التاريخ في هذه المغارة(1).
وعليه نرى أن تسمية بوغار مستمدة من المغارة، وقد اختارها الأمير عبد القادر قلعة للمقاومة، ونصب نائبه البركاني محمد بن عيسى قائدا هناك، فأعاد ترتيب بناء هذا الحصن سنة 1839، مع بناء مخبزة ومصنع للكبريت وجناح لترميم البنادق والمسدسات والسيوف، ومسبك حديد، وسجن. ومطحنة للقمح، ومستشفى. واسطبل للخيول. وآخر للألبسة ومستودعات للتخزين وأجنحة لجنوده. وبعد استيلاء الجنرال “براغاي ديلي”(Baraguey dh illiers) بتاريخ 23 ماي 1841 على الحصن بعُدة جيش قُدر عدده بـ 27 ألف جندي (2).
وانسحاب البركاني وجنوده منه بعد حرقه، أتمَّ الغُزاة حرق ما تبقى من الآثار وهدم جزء منه، ولأهمية المكان وإستراتجيته حطوا رحالهم بتنصيب خِيمهم البيضاء، ثم بنى الغزاة سنة 1943 ثكنة وقاعة حفلات وجناح للضباط ودار للهندسة.
وذلك من أجل المراقبة المستمرة لحركة الثورات والانتفاضات وقطع الصلة بين الشمال والجنوب، وعليه أُطلق على بوغار اسم شُرفة الجنوب (le balcon du sud)، ومن عادة الجنود الذين يَقضون سبع سنوات في الخدمة، يُسرحون مع منحهم قطع أراضي ببوغار قصد الإقامة والاستقرار، وعليه تكونت نواة الساكنة الكولونية بمحيط الحصن.
بوغاري المدينة الأوروبية
ونظرا لضيق المساحة، كان لزاما على الغزاة تأسيس مدينة كولونيالية لعائلاتهم وللوافدين الجدد، فأسّسوا مدينة ” بوغاري “(Boghari)، التي تُسمّي في أغلب أدبيات الرحاَّلة المدينة الأوروبية، وقد تمَّ نَحت اسمها في تقديرنا من اسم “بوغار”(Boghar)، تصغيرا ودَلعا.
ومن الآثار والأعمال الأولى التى تأسست فيها نذكر البلدية في مقرها الأول، وهي البناية المقابلة لمكتب البريد، ومعمل إنتاج الكهرباء الكائن بشارع حركات عبد القادر قبل أن يتحول إلى مقره الجديد بشارع خميستى، بمحاذاة المركز الثقافي البلدي،مبنى الدرك الوطني، المجمع المدرسي، القنطرة التي تربط القصر ببوغار، محكمة السّلم. كان مقرها في البناية الحالية لمقر البلدية، وكانت تحتل جزءا من المبنى قبل أن تتحوّل إلى المقر الكائن بشارع العقيد بكباشي واللصيق بـ” دار العسكري” فرع الأشغال العمومية، دار العسكري.
قصر البخاري القلعة البيضاء
أما كلمة “قصر البخاري ” (Ksar el boukhari) فليست تَرجمة لـ” بوغاري”(Boghari) حيث إن كلمة قصر تدل على كلّ تَجمع سكاني مُحاط بسور، مثل قُصور غارداية.
وحسب بعض المصادر فقد تم تأسيس قصور في المنطقة، ومنها قصر سيدي علي بن مالك في المفاتحة، وقصر آخر ثان أخذ شهرة كبيرة، هو ما يسمى بالقصر العتيق، الذي نُسب إلى اسم الشيخ الإمام محمد البخاري.
ولسنا ندري هل التسمية منسوبة إلى الحفيد الذي عاش في القرن التاسع عشر أم إلى الجد محمد البخاري بن الصديق بن علي بن مالك، الذي عاش في القرن السابع عشر، وعليه وجب التفريق بين بوغاري (Boghari) المدينة الأروبية السفلية، وقصر البخاري (Ksar el boukhari المدينة الواقعة في أعلى صخرة هضبة”عين النخلة”، أو في مرتفعات “رأس الأفعى” وحلمة الثدي الجاف كما يحلو للبعض وصفها، والذي يعلو بـ 200 متر على مستوى سطح وادي الشلف، وعلى ارتفاع 687 م من سطح البحر والتي كان يقطنها السكّان الأصليين أو (الأنديجان في الخطاب الاستعماري).
و” تبين المباني القديمة للقصر بوضوح الأشكال الهندسية الشبيهة بالقصبة، وأن عبقرية المكان من عبقرية بنائيه وساكنيه. حيث الأقواس المزاوجة وحواشي الحنايا التي تحمي الممرات والمنازل وتجعل المساكن في اتصال مستدير يبعضها.
ورغم أن أسلوب البناء يذكر بأسلوب بناء قصبة الجزائر، فان قصر البخاري يقدم كذلك تشابها مدهشا مع الميزات المعمارية لوادي ميزاب، حيث نلاحظ فيها أقواسا مزدوجة وشوكة اليهود والزخرف المخرم والزخارف التى تغطي جدران الحمامات وبعض المنازل.
وهو ما يحمل على الاعتقاد بوجود عناصر ميزابية وتركية…كما شاد السكان أغلب البناءات من الحج، ويلاحظ في بعض البنايات أثر الهندسة المعمارية الرومانية “.
ولسعة قلب القصر، كان متسامحا مع الديانات المسيحية واليهودية وحاضنا لكثير من الأجناس والألوان والطرق الصوفية،والشواهد التاريخية الخالدة تؤكد ذلك،من خلال المسجد المالكي، الملتحم بدار العرش (تادارت العرش)الإباضي، الذي كان مقرا للمسافرين والعابرين وخلوة للعابدين من أمثال الشيخ اطفيش، وغيره من العلماء.
وقد كان يحتوي دار العرش على مصلى ومراقد وبئر يفيض ماؤها زلالا، وتفصلهما مسافة نَفس عن المعبد اليهودي (الشنوقة)، الواقع مقابل لعين الصباغ، شارع بشير مدني حاضرا، وكانت للمسيحيين مقابرهم، كما كان مسجد امحمد البخاري والطرق الصوفية ممثلة في عيساوة وسيدي الطويل وزاوية الشيخ امحمد المواز تمارس أورادها وطقوس الحرية بطعم الحب والسلام.
ولم يحدث أن تجاوز أي طرف الخط الأحمر، أو انتهك خصوصيات وحُرمة الآخر، ولم نسمع أنّ قصراويا تنَّصر أو تَهَوَّد، أو ارتدَّ، لأن إسلام أجدادنا كان بسيطا على الفطرة، خاليا من المضافات والمثخنات، وغير مُعدل بالحموضة وبدون حافظ.
وقد تشرّفت القصر منذ قرون باحتضان أسرا ميزابية كثيرة، صنعت الحياة في تفاصيل القصر، وقد ربطت صلات عميقة بينهم وبين الميزابيين وخصوصا ناس مليكة.
ففي عهد الأمير عبد القادر تَحولت قلعة قصر البخاري (القصر العتيق) إلى ملحقة لقلعة بوغار، وفُتحت بها ورشات في خياطة ألبسة جيش الأمير، وصناعة البارود، والأحذية Les bas de chameau)) ولوازم أخرى للثورة.
وبعد انسحاب البركاني ونائبه القائد من أولاد عنتر جنوده من قلعته ببوغار، ازداد الاستعمار الفرنسي قناعة، بأن قلعة القصر العتيق، مناوئة وخطيرة، وتُهدد استقرارهم، فاستولوا عليها سنة 1856 م، وتمَّ تعيين حاكم لها، وإدارة مُمثلة في قُضاة وشرطة وسبايسية وسجن ومحكمة، لتشديد الحصار على هذه القلعة المتمردة.
إنّ المزيج البشري وتنوع الثقافات والطقوس والتقاليد هو من صنع عبقرية المكان في قصر البخاري، وحوَّلها إلى قرية كوسمبولوتية، وإلى متحف تفاعلي حي باهر متعدد الألوان والأشكال واللغات.
إن التشكيل العمراني في القصر العتيق بزنقاته الشهيرة، والتى لكلّ واحدة منها أسرارها وناسها وحكاياتها، من زنقة البرَّانية، التى كانت تستقبل الغرباء عن القصر، والعزاب على الخصوص أصحاب الحرف،والواقعة في طريق سيدي الطويل، والزنقة الرئيسة المسماة بالميزابية، وهي التى تشق القصر إلى جناحين. وهي أكثر الزنقات حيوية وحركية لوجود المقاهي والفنادق والملاهي والـمحلات وصاغة الذهب، مـحكمة وسجن، وزنقة القصورية، التي كانت عبارة عن خلية للناشطين من الحركة الوطنية ابتداء من سنة 1840 وبها المسجد العتيق، ودار القلاليل (الفقراء وعابري السبيل). وهما ملك للحاج مقطوف أحمد الذى كان صاحب ثروة وجاه ومحبا للخير وزنقة أولاد نايل، وهي زنقة لصناعة المباهج.
وكانت القصر هي المدينة الأولى التي تلتقي فيها بأولاد نايل وأنت مسافر باتجاه الجنوب، و به أيضا زنقة أولاد هلال أو الزنقة الأندلسية، وأصل سكانها من القبيلة الهلالية المعروفة التي شاركت في فتوحات الأندلس ثم عادوا بعد النكسة للاستقرار في سفح الصخرة، وزنقة المْعاليم، وتقع في آخر السور، وتطل على زاويتي الشيخين يحياوي الموّاز وامحمد الميسوم، وعلى مسجد امحمد البخاري. وهي من أرقى الزنقات، حيث كانت مقر إقامة للإدارة والحاكم والقضاة والشخصيات النافذة.
إن القصر في النهاية هو عبارة عن تاريخ من الأحداث المشوقة والعجيبة وفي تشكله هو شبيه بـ “لابيرنت” يحمل دلالة التضامن والترابط وفي الوقت نفسه دلالات التخفي والمقاومة.
قصر البخاري بالألوان
مثلما تناولت أغلب الرحلات نقل مشاهد القصر العتيق، فكذلك شدّ سحر القصر الكثير من الرسّامين ومنهم”أوجين أليكسيكس جيرارد (Albert Alexis Girard) لويس ماتو (Louis matout)(1811-1888)صاحب اللوحة الشهيرة ” بنت بوغاري . و “ألبير غابريال ريغولو”(Albert Gabriel Rigolot)(1862-1932)” و”فريديريك ماريوس بوزون”(Frederic Marieus de Buzon)(1879-1958) وموريس بوفيول”(Maurice Bauviolle )(1923-1971). و” مكسيم نواري”(1861-1927)(Maxime Noire) و”موريس بوفيول” (Maurice Bauviolle) (1923-1971)، و”ماركو دو كاستين” (Marco de Gastyne)، و” دو لوريي”(De Laurier).
قصر البخاري والأزمة الوجودية
إنَّ المتأمل في كل ما كُتب عن مدينة الشمس وتحليل شفرات لوحاتها الفنية يراها محايثة للأدب والتاريخ والإثنوغرافيا والجغرافية ولعلم الاجتماع، سيكتشف صورة القصر في مخيلات كُتابها ورساميها، وبقدر ما يُعجب بها سيتعرف أيضا على إسقاطاتهم الاستشراقية وسَقطاتهم المُرّة، وفي أن “عيونهم كانت تسكن الإمبريالية المقيتة” .
بعد الانتهاء من كل هذه الشواهد الرحلية والفنية، حتما سَتعلق في ذهنك توصيفات جميلة لقصر البخاري، بأنها إفريقية الإفريقية. عتيقة مليئة بالعطور والأسرار وخلقها الله للمتصوفين والمتأملين والفلاسفة. وبأنها الحضارة الطفولية، بكل تجلياتها والساّحرة لأنها هي من تمنح كلّ المفاتيح للعابرين من الشمال إلى الـجنوب، وأنّ الأنهار كلّها تصب في بـخاري. وزائرها سيستحضر دليلة تتبختر وشمشون يرقص وكليوباترا تبتسم.
وستتعرف أيضا على سلطانة الفاتنة وعلى رقصة الحَمامة المُبهجة والمُدهشة للنايليات وعلى القدرة العجيبة في الإبهار للمدّاحة المغربية،وعلى صور الدراويش وتسبيحاتهم، وتَخلص إلى أن القصر كانت دوما مدينة للفرح، وأنّ حوار الحضارات بدأ هنا، والعولمة تشكلت في مخزونها المعرفي الجمعي، القادم من أزمان غابرة والعابر للمستقبل.
وفي مفاصل النصوص تتكشف لنا الوجه الآخر لغضبة القصر في حال استفزازه في كرامته، فيتحول إلى قلب نابض لكل الانتفاضات والثورات التي حدثت ومنها مشاركة كل القبائل وعروش المنطقة في كل المقاومات، كما كان القلب النابض للحركة الوطنية.
وقدم سكانها النفس والنفيس في الثورة التحريرية الكبري، فبقدر ما يرحب بالضيف، فهو يقف “في وجه الغازي. ومتأكد أنّه يستحيل الدخول في حرب مع القصر، فبلوغ قمته مُتعذر، حتَى العُقاب يعجز عن إقامة وكر هناك.”
وبالرُّغم من نقل هؤلاء الكتاب والرّحالة لكثير من المشاهد واللوحات، التي لها علاقة بالطبيعة، و الضيافة، والحفلات الشعبية، والدّين، والمساجد، بقيت أوجه كثيرة للقصر مخفية ومسكوت عنها، حيث اصطدم الكثير منهم بأسوارها، حيث كانت البيوت والهواجس والحميميات مغلقة في وجوههم.
وصدق أحدهم حينما قال: إذا استطعنا أن نسيطر على البحر وعلى الفضاء، فإنّنا فشلنا في السيطرة على القلوب، فوجدنا بيوتا مغلقة، ونوافذ صغيرة لا ترى فيها حتى الطيف.
إنّ قصر البخاري (القصر العتيق) في راهنه، يتعرض لأزمة وجودية، وإلى محو تراجيدي، لا يليق برمزيته التاريخية، وسمعته النضالية، وكونيته الثقافية والحضارية، ويُنكل به يوميا بتخريب نسيجه الحضري والاجتماعي، بدلا من استثمار هذا الموروث ثقافيا وحضاريا، كونه كان متعايشا مع الديانات، وفضاء مسالما مقربا للمذاهب ومتسامحا مع الطرق الصوفية، ومتواصلا بحب مع كل الأجناس والألوان .
وتشهد ” بوغاري” المدينة الكولونيالية هي الأخرى أيضا المصير نفسه، حيث تعَرضت فيها الكثير من المعالم العمرانية التاريخية والرموز التاريخية الثقافية القديمة الجميلة للتخريب والانتهاك، وخَلَفها جديد بشع، خال من الروح والحياة، وعليه ندعو مسئولينا للإسراع لنجدتها لإعادة البهجة والحياة السعيدة في ربوعها بما يليق وسكانها الشرفاء، وأول خطوة للفعل، التفكير في أبنائنا وشبابنا القادمين للحياة، ثم الاطلاع على “الميثاق العالمي للحق في المدينة “…لعلَّ وعسى.سلام.