بدأ “الأدب الرّقمي” في طرح إشكالاته على الساحة النقدية العربية مع تحقّق فكرة “اتحاد كتاب أنترنيت العرب” في مطلع الألفية الثالثة؛ ولم تسلم الطروحات النقدية ـــ كما هي الحال في الحاضنة الكلاسيكية ـــ من تعدّد المصطلحات وغموضها، بل وتضاربها في أحايين كثيرة، بعد أن تعدّدت أوصاف “الأدب” المتداول عبر الوسائط الرقمية على وسائل الإعلام التي وصفته بأنه “الرّقمي” و”التفاعلي” و”السيبرنيطيقي” و”الإلكتروني” و”الآلي” و”الروبوتي” و”المبرمج” و”الحاسوبي” و”اللوغاريتمي” و”الشبكي/الويبي” و”الأنترنيتي” و”الهاتفي” و”الفايسبوكي” وغيرها كثير من المصطلحات التي لا تعبّر عن مفاهيم واضحة، بحكم أنّها اقتحمت المشهد الإعلامي قبل أن تكتمل فكرة أنترنيت نفسها، ولم تتدرّج على المسار التاريخي الذي واكب التطوّرات التقنية كما عرفتها في حاضنتها الأصلية التي لم تسلم هي الأخرى من تعدّد المصطلحات وغموضها.
وإذا كان مفهوم “أدب” هو نفسه، يمرّ دون مساءلة ولا تحديد في الحاضنة العربية، كما وصفه عبد الفتاح كيليطو الذي قال إنّنا نستعمل كلمة “أدب” و«لا نفكّر أو لا نرغب في تحديدها وتوضيح معالمها. كأنّ المدلول الذي تؤديه معروف وطبيعي ولا يشكّل معضلة خليقة بأن تؤدّي إلى دراسة مستقلة وجدّية»[1]؛ فكيف تكون الحال مع مفهوم “الأدب” حين يرتبط بـ”الرقمنة”؟! لا شكّ، إذن، أن المفهوم الجديد المركّب سيجد كثيرا من التخريجات والتوليفات التي قد تلقي عليه كثيرا من الغموض؛ ومثال ذلك أن عمر زرفاوي الذي يراهن على مصطلح “الأدب التفاعلي”، يصفه بأنه «جنس أدبي جديد تخلّق في رحم التقنية قوامه التفاعل والترابط، يستثمر إمكانات التكنولوجيات الحديثة، ويشتغل على تقنية النصّ المترابط، ويوظف مختلف أشكال الوسائط المتعددة يجمع بين الأدبية والإلكترونية»[2]؛ بينما يحبّذ جميل حمداوي استعمال مصطلح “الأدب الرقمي”، ويصفه بأنه «ذلك الأدب السردي أو الشّعري أو الدّرامي الذي يستخدم الإعلاميات في الكتابة والإبداع، أي يستعين بالحاسوب أو الجهاز الإعلامي من أجل كتابة نصّ أو مؤلف إبداعي»[3]؛ أما حافظ الشمري وإياد الباوي فيراهنان على تركيبة ثلاثية ويصطلحان بـ”الأدب التفاعلي الرّقمي” استنادا إلى محور تطوّر تاريخي يفترض أن “الأدب الإلكتروني” يمثل الجيل الأول من الثورة التكنولوجية، ثم تطور الأمر إلى أن أفاد المبدع من معطيات البرمجة الحاسوبية، فاستثمر الصّوت والصّورة في بناء النصّ الأدبي دون أن يكون متفرعا، وهو ما وصفه بأنه “الأدب الرقمي”، وانتهي التطور التقني إلى النصّ المتشعب الذي فتح الآفاق أمام الجيل الأحدث من “الأدب الإلكتروني”، فصار يسمى “الأدب التّفاعلي”[4].
ولعلنا قدمنا صورة عن تشرذم المصطلح وتعدّد التعريفات في ساحة النقد العربية، وإذا كنا لا نرغب في مناقشة كل تعريف على حدة، فإنّنا يجب أن نشير إلى أن التعريفات ثلاثتها تحتاج إلى ضبط وتصحيح، ذلك أن “الأدب الرقمي” لا يمكن أن يكون “جنسا أدبيا” كما وصفه زرفاوي، لأن مقتضى كونه “أدبا” أن يكون حاضنا لمنظومة أجناسية وليس مجرد جنس، أما حمداوي فلم يتعرّض لغير الوسائط، ذلك أن تصنيفه للآداب على أنها “سردية” و”شعرية” و”درامية” لا أساس له، فالسّرد ـــ على سبيل المثال ـــ يمكن أن يكون شعرا كما هي الحال مع المنظومات الملحمية، وإن كنا لا نحسب منظوماتها القديمة مثل “الإلياذة” و”الشهنامة” و”التغريبة الهلالية” على حاضنة الأدب، ثم إن الوسائط التي اعتمدت عليها التعريفات للإحاطة بالمفهوم، تبدو تحصيل حاصل، لأنّها هي نفسها التي أنتجت ما يتواضع عليه الدارسون بـ”الأدب الرقمي”، فالمخترعات الجديدة ـــ كما هي عادتها ـــ تترك آثارها البارزة في المجتمعات الانسانية، ذلك أن الإبداعات التكنولوجية لثقافة ما، تعتبر محرّكا أساسيا في عمليّة التغيّر[5].
نشأة الأدب الرّقمي
ارتبط وصف “الرّقمي” بالثورة التكنولوجية التي منحت الأشكال الأدبية وسائط جديدة اعتمدتها بتلقائية لتكون وسيلة تواصل بين المنتج والمتلقّي، تماما مثلما استغلت “الطباعة” من قبل وأنتجت أشكالا أدبية منسجمة مع الوسيط المحدث؛ وهو نفس ما حدث مع تطور وسائط الاتصال الحديثة مع إصدار دار النشر الأمريكية (Eastgate System) سنة 1985م، لبرنامج (Storyspace) فيتحمّل المادة الأدبية في الوسط الرقمي؛ ويصبح أول أداة للكتابة والقراءة، ويدشّن عصر القراءة التّفاعلية الجادّة لأعمال قصصية وتوثيقية؛ وقد بلغت الدار الأمريكية اليوم الطبعة الثالثة من (Storyspace) وضمنتها كثيرا من المزايا تجعلها تشتغل بأسلوب شفاف من خلال اعتماد ملفات “لغة التوصيف الموسعة” (Langage de balisage extensible – XML)[6].
أما الجهاز الثاني الذي اشتغل على رقمنة الأعمال الأدبية، فهو يتمثّل في مجلة “Alire” الفرنسية التي تأسست عام 1989م بمبادرة من تيبور باب (Tibor Papp) وفيليب بوتز (Philippe Bootz)، وهما اللذان أسّسا جماعة (LAIRE)· عام 1988م؛ وحرصت مجلة Alire على نشر برامج شعر رقمي على الأقراص المرنة (Disquettes)، ثم على الأقراص المدمجة (Cédéroms)، وتمكنت من وضع أطر عامة للتفكير في مفهوم “الشعر الرقمي”، ولقد اختصرت ــ منذ تأسيسها ــ كثيرا من المسائل التي كان ينبغي أن تنتظر سنة 1993م كي توفر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN) الأدوات التي تسمح للجميع باستعمال أنترنيت من خلال وضع نظام النّص التشعبي العام الذي يمكن أن يشتغل على ما صار يعرف بـ”الشّبكة العنكبوتيّة العالميّة” (World Wide Web)··.
وجاءت “منظمة الأدب الإلكتروني” (Electronic Literature Organization) من شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1999م لتجمع الكتّاب والباحثين والمؤسسات لأجل ترقية القراءة، ونشر مفهوم الأدب الرقمي، وهي حاليا ممثلة عبر القارات الخمس ولديها تأثيرها الواسع عبر أنحاء العالم[7]؛ بينما جاءت المؤسسة الرابعة، وهي ندوة أو مهرجان الشّعر الإلكتروني، سنة 2001م، وهي النّدوة التي أطلقها مركز الشّعر الإلكتروني (Electronic Poetry Center)، وأقامها عبر عواصم عديدة (لندن 2005، باريس 2007، برشلونة 2009)؛ ليصبح مفهوم “الرقمي” متداولا بالبديهة حتى وإن لم يضبط في مفهوم محدّد؛ فقد تعدّدت الوسائط التي اخترقتها الأعمال الأدبية والشّعرية، فتعدّدت التّعريفات والاصطلاحات، فصار “أدب تويتر” (Twittérature) ـــ على سبيل المثال ـــ متداولا، وصار له تنظيم مؤسس بكندا، بعد أن تم الاعتراف بأدبيّة أعمال تمّ تأليفها على الهاتف مباشرة أو أعمال استغلت الرّسائل الإلكترونية، كما هي الحال مع ما يعرف بـ”الشّعر المزعج” (Spampoetry) الذي أطلق أول آلاته سنة 1996م لتجتاح العناوين البريدية الإلكترونية[8]؛ أو مع الياباني كيتاي سوشيتسو (Keitai Shosetsu) الذي ألّف رواية كاملة على الهاتف، ورجاء الصانع التي ألّفت رواية “بنات الرياض” على واحد من منتديات أنترنيت مباشرة[9].
ولقد أسهمت الكتابات العربية في التأسيس لـ”الأدب الرقمي” مع ميلاد اتحاد كتاب أنترنيت العرب على يدي الأردني محمد سناجلة سنة 2000م، ولكنّ النقاش بالسّاحة العربية بقي محتشما لا يتجاوز المبادرات الفردية، وبعض الأطروحات العلميّة المعدودة التي درست ما صار يعرف بـ”الواقعيّة الرقميّة” أو “التفاعليّة” إضافة إلى دراسات متعلّقة بروايات “ظلال الواحد” و”شات” و”الصّقيع” وبعض الأعمال الشّعرية المنشورة على موقع يوتيوب (Youtube)[10]، وهي ـــ في معظمها ـــ أعمال تكتفي باستغلال الوسيط فقط، ولا تقدم أيّة إضافة تسوّغ تصنيفها في الحاضنة الرّقمية، ولا تختلف في هذا عن الأعمال التي نشرها مركز الشّعر الإلكتروني الأمريكي.
بين “الرّقمنة” و”الرّقمية”
راهن محمد سناجلة في تحديد معالم “الواقعية الرقمية” على تقنية “تنسيق الوثيقة المحمولة” (Portable Document Format) وعلى تقنية “الفلاش”؛ ولقد تداول القراء صيغة PDF على أنّها الكتاب الرّقمي أو الجريدة الرقمية، وهي صيغة تقدم المنتج الأدبي والإعلامي في صورته التي يصدر بها ورقيا، قبل أن تتوفّر لها أدوات التعامل مع نصوصها بالتلوين أو التسطير لوضع علامات أو إدراج تعليقات على النصوص وحتى حفظ تعليقات صوتية على الملفات، وهي الخصائص التي تحققت مع صدور طبعة 2010م الاحترافية من الأكروبات ريدر (Acrobat Reader)؛ وبما أن الوثيقة الورقية لا تقدم على الأكروبات سوى نسخة مطبوعة افتراضيا لا تختلف عن النسخة الورقية؛ فهل يمكن أن نعتبرها من الأعمال الرّقمية بعد أن أتاحت للقارئ التدخل في الملف؟!
يرى فيليب بوتز أن رقمنة الأعمال الأدبية واستعمال برامج إلكترونية في قراءتها، لا يسوّغ وصفها بأنّها من “الأدب الرّقمي”، فالعمل الرّقمي ليس محاكاة إلكترونية للعمل الورقي، وليس يكفي رقن النّصّ على الكمبيوتر، ونقله إلى برنامج معين كي يحسب على الأدب الرقمي، فالحال هنا هي أن العمل اكتفى بتغيير الوسيط فحسب، وهو بهذا لا يقدّم خصوصيات فنيّة ولا يستدعي جهازا اصطلاحيا جديدا بالضرورة[11]؛ وهي الحال مع كتب “غوغل” (Google Books) وغاليكا (Gllica) والأرشيف الأمريكي (Archive.org)، وحتى كتب السوري علي مولا على منتدى الاسكندرية، وكتب الجزائري بن عيسى قرمزلي المتوفرة على أقراص صلبة خارجية، وغيرها من المكتبات التي عملت على رقمنة الكتب وتوفيرها، أو توفير أجزاء منها، وفق مقتضيات حقوق التأليف.
واضح إذن أن الرّقمنة لا تنتج الرّقمية بالضرورة، فهذه الأخيرة يشترط لها بوتز أن تستخدم ميزة واحدة على الأقل مما يتيحه الفضاء السيبراني، وأن يكون استخدامها بما هي من “الضّروريّات” في بنائيّة العمل وليس بما هي من معوقاته، ولهذا فإن النصّ الذي يكتسب قابليّة القراءة على الشّاشة لا يكون “أدبيّا رقميّا” بالضّرورة، وهو ما يعني أن تحديد الأدب الرّقمي بما هو حقل فنيّ حديث، وانفتاح جديد على المتخيّل، يمرّ عبر مدى استخدام النّصوص لخصوصيّات الوسيط المعلوماتي، أو استخدام الشّيفرات (codeworks) لتكون مرجعيّة للعمل[12]؛ ما ينتهي بنا إلى القول إنّ نصوص الأدب الرّقمي لا تكتفي بالكتابة التقليدية، وإنما تتجاوزها إلى كتابة المؤثّرات المسموعة والمرئية التي تتموقع داخل بنية النصّ، ولا يمكن أن يكتمل بدونها في رقميته؛ دون أن نفوّت طبيعة النّصوص التّشعبيّة التي تقتضي وضع روابط لكلّ ما يخدم النّصّ ويكون إضافة إلى بنيته العامة.
ضروريات “العمل الأدبيّ الرقميّ”
وبناء على ما سبق، نعتقد أن تحديد مفهوم “الأدب الرّقمي” وإحكام تعريفه يبقى مفتوحا على الممكن؛ ولكنّنا يمكن أن نحتفظ حاليا بالخصائص الضّرورية لكل عمل أدبيّ رقمي، وهي في مجموعها خصائص معروفة ومصنّفة منذ الثّمانينيات، ويمكن ترتيبها كما يلي: الخوارزمية (l’algorithmique)، التوليدية (la générativité)، الحاسوبيّة (la calculabilité)، التّشفير الرّقمي (le codage numérique)، التّفاعليّة (l’interactivité)، الملاءمة (la compatibilité) والانتشار الواسع (l’ubiquité).
أما “الخوارزمية” فهي مجموع القواعد المنطقية المشفّرة في لغة برمجة بقصد التوصّل إلى نتيجة وفق نظام من الدّوائر يقدّر مسبقا عددا من الممكنات ضمن سيرورة ينبغي أن تنتهي في زمن معقول بعد أن يتمّ تحقيق عدد معيّن من الخطوات، كما يجب أن تكون مؤثرة (Effective)، أي أن تنقل المسألة من حالة سابقة إلى حالة لاحقة باتجاه النتيجة؛ ويرى فيليب بوتز أن هذه الخاصيّة لا يمكن اعتبارها جزءًا من العمل إلا إذا استخدمها المؤلف استخداما واعيا ليمنحها دورَها في بنية النّصّ الأساسيّة، ويضيف أن العمل يمكن أن يستعمل المنطق الرّياضي في شكله الفنيّ[13]؛ وهو ما يستدعي “التوليد” و”الحوسبة” بما يمثلانه من خوارزميات خاصة؛ فالبرمجيّات جميعها تعتمد الخوارزميّات، وتطبيقاتها ـــ كما يراها بوتز ـــ تكون توليديّة حين تصطنع البنى في وقت التنفيذ بما يوافق الوسائط المستعملة لتجمع بين النّصوص والأصوات والصّور المقترحة للقراءة، كما يمكن للبرنامج استخدام خوارزميّات للحساب الرّياضي، مثل حساب مسارات العرض على الشّاشة، أو مواضع ومواقيت ظهور المؤثرات الصّوتية أو المرئيّة المرافقة للنصّوص، وهذه عملية حسابيّة محض تدخل في بنية النّصّ الأساسيّة، وتمنحه شكله الرّقمي.
أمّا “التشفير الرّقمي” فهو من طبيعة الكمبيوتر، ذلك لأن الآلة لا تتمتّع بأيّة نسبة من الذّكاء، ولكنها تعتمد كليّا على الشّيفرات الثّنائيّة (Codes Binaire)؛ فالبرامج لا تعرف قراءة الصّور والأصوات والنّصوص، وإنّما تعالجها من منطلق المعطيات الرقميّة المكوّنة من “الأصفار” و”الآحاد” بما يوافق القواعد البرمجيّة[14]، وبهذا يكون التّشفير مضمّنا في العمل الأدبيّ الرّقمي، حتى وإن لم يكن المؤلف/الأديب يعيره انتباها مع البرمجيّات الحديثة التي تتولى عملية التّشفير آليّا.
وتبقى “التّفاعلية” أهمّ خصائص العمل الأدبي الرّقمي، فالأدب الرّقمي نفسه يوصف أنّه “الأدب التفاعلي”؛ ولعلّ أقدم صورة عن “التّفاعل” هي ما تميّزت بها بعض مواقع أنترنيت التي حرصت على وضع ما يتيح للفأرة إنتاج أصوات أو صور معيّنة ترافق تحركاتها على الشّاشة، ولكن هناك من يعتبر أنّ “التّفاعل” يتوقّف عند “الكتابة المشتركة” (Co-écriture) من خلال مساهمة القراء في تصاعد النّصّ رقميّا، وهو ما حدث فعلا مع رجاء الصّانع في أثناء كتابة “بنات الرّياض” التي كانت تعرض على قرائها أحداث العمل الرّوائي، وتفتح نقاش حول ما يتوقّعونه من مسارات السّرد؛ ولكن هذا التّفاعل لم ينتج العمل الرّقمي في الأخير، وإنما انتهى إلى نسخة ورقيّة من “بنات الرياض”، وهذه لا يمكن أن تستوعب التّفاعل الذي صاحب النّص؛ ويبقى أن مفهوم “التّفاعل” ما يزال موضوع جدل، فهو بالنسبة لجان لويس فايسبيرغ (Jean-Louis Weissberg) متعلّق بـ”القدرة على إثارة نشاط القارئ الفيزيائي أو الاستجابة له”؛ بينما يوسع جان لويس بواسيي (Jean-Louis Boissier) المفهوم إلى “المميّزات التي يمتلكها كل عمل أدبيّ في مكوّناته وتفاعلها أو تواصلها بينيا”، أما فيليب بوتز فهو يرى “التّفاعل” من خصوصيّات العلاقة التي تتمأسس بين القارئ والبرنامج، فالقدرات الممنوحة للقارئ ليست سوى “واجبات” بالنّسبة للبرنامج، ما يعني أن القدرات التي يمنحها العمل الأدبيّ لقارئه كي يؤثر على تركيبة العلامات المقترحة للقراءة، مضمّنة في متطلبات البرنامج، وبهذا لا يكون العمل الأدبيّ مجرد برمجة ينخرط فيها القارئ، وإنما يكون أداة أو آلية يستعملها لأجل بناء المعنى من خلال القراءة[15]، وهو ما يفتح العمل الأدبيّ على الممكن، ويمنحه قوة التّأثير.
أما “الملاءمة” فهي مطلوبة للعمل الأدبي الرّقمي كي يضمن “الانتشار الواسع”، فالعمل ينبغي أن يتوافق مع أنظمة التّشغيل على اختلافها حتى يتمكن القراء من مطالعته بنفس الشّكل، ويؤدي رسالته دون أيّ تحوير أو تغيير؛ فإذا كان العمل يستغل البرامج المحمولة (Portables)، فهذا يعني أنه سيظهر بالشّكل نفسه على أنظمة Windows, OS X, linux, DOS وغيرها، وهذه خاصيّة معلوماتيّة محض تسمح بعرض العمل عبر كل الأنظمة بنفس الشّكل، وتحتفظ له بتفاصيله الدّقيقة، ذلك أن تطبيق أي برنامج خارج بيئته المعلوماتيّة يمكن أن يؤثر على بنية العمل، وهو ما من شأنه أن يؤدّي بالقراء إلى تأويلات مختلفة يكون لها تأثيرها على خاصية “الانتشار” ويكون لها صداها في ردود الأفعال (Feedback).
يمكن لنا الآن أن نتصوّر طبيعة العمل الأدبيّ الرّقمي الذي لا يكتفي بأن يكون مجرد محاكاة للنّسخة الورقيّة، وإنّما يتجاوزها إلى صناعة المشاهد وما يرافقها من مؤثّرات صوتيّة؛ ولقد تنبّه محمد سناجلة إلى هذه النّقطة في رواية “صقيع”، فسجّل في الجينيريك أنّه “كتب ونفّذ”، ولكنه ركّز على وصف “الإخراج”، بل لقد سجّل أن للعمل “مخرج مساعد”، وهو ما يعني أن “الكتابة” لم تعد تكتفي -من التقانة – بـ”الرّقن” و”التّصفيف”، وإنّما صارت تتطلّب “مشهدة” المكتوب بنصوص من الأصوات والصّور لا يتوقف دورها عند حدود المرافقة، وإما تتماهى مع المادة المرقونة لتشكّل النّصّ، وهو ما اشتغل عليه سناجلة في “صقيع” كما قلنا من خلال وضع روابط على النّصّ تحيل إلى مشاهد متحركة أو إلى موسيقى ترافقها نصوص قصيرة. ولعل هذا يوضّح بأن الأدب الرّقمي لا يمكن أن يشمل كل الوثائق المرقمنة.
عن “أجناس” الحاضنة “الرقميّة”
قد يكون من السّابق لأوانه الحديث عن منظومة أجناسيّة رقميّة تمثل في مجموعها الأدب الرّقمي، ذلك أن التّأسيس النّظريّ لـ”الأدب الرّقميّ” نفسه ما يزال محلّ أخذ وردّ؛ والأعمال التي تستغلّ أجهزة المعلوماتيّة (شعريّة ونثريّة)، قليلة ولا تفي حاجة البحث عن ملامح أجناسيّة يمكن تصنيفها؛ وهي ـــ في معظمها ـــ ما تزال قاصرة عن توظيف كل ما تتيح التّطبيقات التكنولوجيّة لغايات جماليّة؛ فالمطّلع على رواية (Sunshine 69)[16] مثلا، سيكتشف كثيرا من الإضافات الصّوتية والمرئيّة التي لا تفيد كثيرا في البنية العامة للرّواية، وهو ما لاحظناه على “صقيع” محمد سناجلة الذي يضع روابط غير مجدية، كأن يربط عبارة (قمت أجرّ نفسي) بصورة متحرّكة لرجل يقوم من الأريكة ويمضي إلى سبيله، أو ربط عبارة (الجدار يترنّح تحت يدي) التي ينقر عليها القارئ، فيرى رجلا يسير باتجاه بهو ثم يضع يده على الجدار فيتحرك؛ والأمثلة عن هذه الروابط غير المجدية كثيرة، وهي لا تضيف شيئا إلى عملية التلقّي، ولا تسهم في بنية النّصّ سوى بمجرد الوجود، ونعتقد أن نصوص “ويكيبيديا” الأفضل حاليا في تطبيق فكرة “النّص التّشعبي” أو “النّصّ” المتفرّع”، وإن لم تكن نصوصا أدبيّة، ولكنّها تمثّل نموذجا جيّدا عن الوظائف التي يمكن أن تضطلع بها عمليّة تفريع النّصّ، ذلك لأن روابط “ويكيبيديا” تقدم إضافات هامّة للنّصوص التي تسجّل عليها.
ونعتقد أن مصمّمي “الألعاب الإلكترونية” كانوا أكثر براعة في صياغة القصص، بل كانوا أقرب إلى ما نتوسّم أنه “الأدب الرّقمي”؛ فهم عادة يضعون “إطارا قصصيّا” عاما لمجريات اللّعبة، ثم يتركون اللاعب ليواجه احتمالات الجماليّة الخوارزميّة، ولعل أبرز مثال على هذا ما يعرف بـ”الحياة الثّانية” (Second life) التي تسمح لـ”مواطنها الافتراضي” بأن يعيش قصصا يصنعها بنفسه رفقة “مواطنين افتراضيين” آخرين من كل أصقاع العالم؛ بل إنّها تمنح “اللاعبين/المواطنين” حق خيار المجسّم البشريّ الذي يتواصلون مع الآخرين من خلاله، وعادة ما يصطنع البرنامج عقدا عويصة أمام اللاّعب في صميم عالمه المفترض، وهو ما نرى فيه صناعة محكمة لـ”الحبكة” وإثارة متميّزة لـ”التّشويق” لم تحقّقه الأعمال الأدبية الرقميّة بعد؛ ولهذا كلّه نذهب إلى القول إن أجناس الأدب الرّقمي ـــ كما صنفتها فاطمة البريكي (قصيدة تفاعليّة، مسرح تفاعليّ، رواية تفاعليّة، رواية الواقعيّة الرّقميّة) ـــ لا تكاد تنسجم مع تعريفاتها الخاصة عند التّطبيق، بل إن تعريفاتها المختلفة تكاد تكون تعريفا واحدا بصياغات مختلفة، حتى أن فاطمة البريكي، لم تجد من فرق بين ما يسمى “الرّواية التّفاعليّة” و”رواية الواقعيّة الرقميّة” سوى ما وصفته بأنه “يقع في المضمون”، وهو فارق يعتريه الغموض باعتبار أن موضوع “رواية الواقعيّة الرقميّة” «محصور في زاوية محدّدة، هي زاوية المجتمع الرّقمي الموجود في ذاكرة الانسان الافتراضي، ويتشكّل عبر شبكة أنترنيت، وبطل هذا المجتمع/الرّواية هو الانسان الافتراضي الذي يعيش في المجتمع الرقمي وفي شبكة العلاقات الافتراضية التي يبنيها ومنظومة القيم الأخلاقية التي تصرّف من خلالها»[17]، بينما ينفتح موضوع “الرّواية التفاعلية” ـــ كما تراه البريكي ـــ على «كل ما يعنّ للانسان هاجس الكتابة عنه، فيستطيع توظيف الأساليب الجديدة في الكتابة الإبداعية، المعتمدة على الوسائط المتعدّدة، والنّصوص المتفرعة، والتّقنيات الحديثة بكافة أشكالها ومستوياتها، دون أن يشترط فيها الكتابة عن الفضاء الافتراضي بالتحديد كي يسمح له بالاستعانة بما هو متاح في عالم أنترنيت والوسائط المتعدّدة»؛ ونلاحظ هنا بأن التّعريفين اللّذين قدمتهما البريكي متطابقان، وحتى إن اختارت لـ”الواقعيّة الرقميّة” أن تشتغل بما هو افتراضي خلافا لـ”التّفاعليّة” المفتوحة على “هاجس الكتابة”، فإنّ نماذج رواية الواقعيّة الرقميّة التي لا نجد لها في اللّغة العربيّة حاليا، سوى أعمال محمد سناجلة، لا تصدّق انغلاق “الرقمية” على الافتراضي، وإنما تنفتح على التّاريخ والحياة اليوميّة تماما مثلما تفعل “الرّواية التّفاعليّة”، ولهذا نرى أنه من السّابق لأوانه الحديث عن منظومة أجناسيّة واضحة المعالم انطلاقا من مدوّنة لم ترسم بعد ملامحها ومميزاتها التي تسمح بتصنيف الأعمال، ومع هذا، يمكن أن نقرأ تصنيف البريكي وفق رؤية فيليب بوتز الذي تحدث عن مجموعتين كبيرتين لأعمال الأدب الرّقمي، أوّلها تجمع تلك التي تركز على فعل “القراءة على الشّاشة، والثانية التي تستدعي مجمل أجهزة التواصل[18]، وهنا نجد أنفسنا أمام مجموعتين من الأعمال، تستغل كل واحدة منهما نفس الأدوات والآليات، ولا يفرّق بينهما سوى مشهدة أعمال المجموعة الأولى من قبل مؤلّف واحد، بينما يتمّ تأليف أعمال المجموعة الثّانية جماعيّا على مدى زمني مفتوح يكبر في أثنائه العمل إلى أن يأخذ شكله النّهائي···.
“الأدب الرقمي” في الميزان
سجّلت فاطمة البريكي موقفين اثنين متعارضين من “الأدب الرّقمي” يتباينان بين “الرّفض” و”القبول”، وقالت إن من يتقبّلون فكرة اقتحام التكنولوجيا الأدب، يرون “الأدب الرقمي” نموذجا معبّرا عن العصر، وأنه يقرّ بدور المبدع والمتلقي معا، كما أنّه ينطوي على قدر من الحيويّة والحرية في التّفاعل ويكسر رتابة النصوص التقليدية، ويرى هؤلاء أن الأدب الرقمي يشحذ الأذهان ويحفّز على الابتكار. أما الرافضون ـــ تقول البريكي ـــ فيعتبرون الأدب الرقمي هجينا، ودخيلا على العملية الإبداعية، وأنه ملجأ من لا يمتلك موهبة حقيقية لأجل تعويض النّقص باستثمار الخصائص التي تتيحها التكنولوجيا[19].
ومهما تكن أسباب الرفض القبول ومستوى معقوليتها؛ فإنّنا يجب أن نسجّل بأن سيرورة “الأدب الرقمي” التاريخية حاليا انتقالية بامتياز، وطبيعي جدا في الحالة الانتقالية أن تتكوّن جماعات محافظة في مقابل جماعات تطوّرية، وهما معا بما يخوضانه من “صراع” يضمنان تواصل سيرورة الفكرة، ويحقّقان أسس “التحوّل” ضمن مفهوم “التّضاد المؤسّس” الكانطي، أما مسوّغات موقفي “القبول” و”الرفض” معا، فهي مما يمكن هدمه بمنتهى السّهولة، ومن ذلك مقولة “الأدب الرّقمي يشحذ الأذهان ويحفّز على الابتكار” التي لا يمكن أن تكون صحيحة إلا بالنّسبة للمؤلف، إذ لا يمكن أن نشحذ الأذهان ونترك للخيال مساحاته التي تحفّز على الابتكار حين نحرم القارئ من مشهدة ما يقرأ بحريّة، ونفرض عليه الصّور التي نراها ملائمة؛ ومثلها مقولة الرّافضين الذين يعتبرون الأدب الرقمي “هجينا”، وهذا تحصيل حاصل، وطبيعي جدا أن يكون نصّ الانتقال هجينا لأنه جديد على السّاحة، كذلك كانت الرّواية الجديدة تهجينا للرواية، وكانت أناشيد المآثر تهجينا للملاحم. ولهذا نعتبر أن بلوغ الأدب الرقمي مرحلة “الرّفض” و”القبول” إنّما هو تحقّق ضمن سيرورة انتقالية نتوقع أن تحدث تحوّلات عميقة على نظرية الأدب والنّظرية الأجناسيّة وغيرها من حقول الدّراسات الأدبيّة.
هنا، يجب أن ننبه إلى نقطتين اثنتين نراهما غاية في الأهميّة؛ أوّلها أنّه ينبغي أن لا يغيب عن أذهاننا أن مواقع أنترنيت تخضع لحسابات تجارية محض، ولا تعير انتباها لما هو موروث أدبيّ أو علميّ، وبالتّالي، فإن الموقع الذي ينشر العمل الأدبي يبقى عرضة للضّياع في أيّ وقت، مثلما كانت الحال مع “الموسوعة الرقميّة للأدباء والشّعراء الجزائريين” التي أعدّها المرحوم الأستاذ طاهر وطار.
وينبغي أن لا يفوتنا كذلك أن عالم أنترنيت كاملا، خاضع لإكراهات خارجيّة، أهمّها أنه مرتبط بالطّاقة الكهربائيّة التي يمكن أن تنقطع لسبب أو لآخر، ما يؤدي إلى تقطّع أسباب وصول القارئ إلى الأثر الأدبي، وهو ما صوّره ببراعة ألبير وآلان هيوز (Albert et Allen Hughes) سنة 2010 في فيلم “كتاب إيليا” (The book of eli) الذي يروي قصة “نهاية المعرفة” بعد ثلاثين عاما من كارثة نووية أحرقت كل شيء، ولم تسلم منها سوى نسخة وحيدة من الإنجيل يتصارع عليها مجرمون يرغبون في الحصول عليها لأجل اكتساب السّلطة المطلقة في عالم اكتسحه الجهل؛ ولقد عرف غاري ويتا وأنتوني بيكهام (Gary Whitta et Anthony Peckham)، مؤلفا السّيناريو، كيف يسيّران بالأحداث إلى غاية تجريد إيليا من كتابه الذي تبين في الأخير أنه مكتوب بلغة “برايل” ولا يمكن الوصول إلى مكنوناته، ولكن إيليا الأعمى (دينزل واشنطن Denzel Washington) وصل إلى الجزيرة التي احتفظت بمطبعة كلاسيكيّة، وألقى الكتاب من ذاكرته مباشرة على النّساخ، ليطبع وتتم استعادة الإنجيل الذي لم تنفع الذّاكرة الثّانوية الآلية في الاحتفاظ به، ولم يكن من نافع للمجتمع البشري سوى ذاكرة الانسان، ذلك الأعمى الذي يتمتع بقوة الحفظ مثل هوميروس القادم من حضارة شفاهيّة موغلة في القدم.
[1]– كليطيو، عبد الفتاح؛ الأدب والغرابة: دراسة بنيوية في الأدب العربي؛ دار توبقال للنشر؛ الطبعة السادسة؛ 2006؛ ص 15.
[2]– ينظر: باللودومو، خديجة؛ نظرية التلقي والأدب الرقمي: حفر في نقاط الاتفاق؛ مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية؛ العدد الرابع؛ ديسبمر 2014؛ ص 124.
[3]– حمداوي، جميل؛ الأدب الرقمي بين النظرية والتطبيق؛ شبكة الألوكة؛ الطبعة الأولى؛ 2006؛ ص 15.
[4]– ينظر: الشمري، حافظ و الباوي، إياد؛ الأدب التفاعلي الرقمي الولادة و تغيير الوسيط؛ مركز الكتاب الأكاديمي؛ 2018؛ ص 11 و12.
[5]– ينظر: عماد، عبد الغني؛ سوسيولوجيا الثقافة: المفاهيم والإشكاليات من الحداثة إلى العولمة؛ مركز دراسات الوحدة العربيّة؛ الطبعة الأولى؛ 2006؛ ص 203 و206.
[6]– Cf: http://www.eastgate.com/storyspace/index.html; Consulté le 14-12-2018.
- – LAIRE هو مختصر قراءة Lecture، فن Art، إبداع Innovation، بحث Recherche، كتابة Ecriture؛ وقد تأسست الجماعة بقصد تعزيز رقمية الشعر على الشاشة، ولقد اعتمدا على آليات فيزيائية في تطبيقاتهما مثل “الحركية” التي تميّز بها العرض الشعري.
- ·- للتوسع في تاريخ تأسيس الشبكة العنكبوتية العالمية، يرجى الاطلاع على:
https://fr.wikipedia.org/wiki/World_Wide_Web#Synonymes_de_World_Wide_Web consulté le: 14-12-2018.
[7]– Consulté le 14-12-2018.Cf: http://eliterature.org
[8] – Cf: Boisnard, Philippe; Le retournement des présupposés de la diffusion littéraire à partir de l’analyse du spampoetry; In: E-Formes: écritures visuelles sur supports numériques; Dir: Alexandra Saemmer, Monique Maza; Université de Saint-Etienne; 2008; p 70.
[9]– ينظر: كاديك، محمد؛ من الملحمة إلى الرواية: آليات الانتقال الأجناسي؛ دار التنوير – الجزائر؛ الطبعة الأولى؛ 2019؛ ص 428.
[10]– ينظر موقع اتحاد كتاب أنترنيت العرب؛ http://www.arab-ewriters.com
[11]– Cf: Bootz, Philippe; La littérature numérique en quelques repères; In: Lire Dans un Monde Numérique; Dir: Claire Bélisle; https://books.openedition.org/pressesenssib/1095#bodyftn7 – consulté le: 15-12-2018.
[12]– Cf: Bootz, Philippe; Ibid.
[13] – Cf: Bootz, Philippe; Les Basiques de la littérature numérique; http://www.olats.org/livresetudes/basiques/litteraturenumerique/5_basiquesLN.php – consulté le: 15-12-2018. وينظر: صادق مصطفى الجواد، دلال؛ وصالح علي، مالك؛ أساليب البرمجة؛ دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع؛ 2018؛ ص 03.
[14]– Cf: Bootz, Philippe; Ibid; consulté le: 15-12-2018.
[15]– Ibid.
[16]– http://www.sunshine69.com/noflash.html Consulté le 17-12-2018.
[17]– البريكي، فاطمة؛ مدخل إلى الأدب التفاعلي؛ المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 206، ص 127.
[18]– Cf: Bootz, Philippe; Les Basiques de la littérature numérique; Op.Cit; consulté le: 15-12-2018
- ··- قلنا: توسع فيليب بوتز في وصف الأجناس التي تصنف ضمن كل واحدة من المجموعتين، ونرى بأن الأمر سابق لأوانه، فالأعمال الغربية التي طالعناها لا تستجيب إلى شروط بوتز، والأعمال الشعرية التي يصفها في مقاله، لا تتجاوز استعمال الشاشة وخورزميات بسيطة كأن تتوزع الحرف على الشاشة، ثم تجتمع لتشكل قصيدة، وواضح أن حركة الحروف لا تضيف شيئا إلى النص، فقد ينبهر القارئ لأول وهلة من حركة الحروف، ولكن اللعبة لا تلبث أن تصبح مجرد مضيعة وقت.ا.ه
[19]– ينظر: البريكي، فاطمة، سبق ذكره؛ ص 129 و130.