رواية “متاهة قرطبة” للكاتب الطيب صياد نصّ منسوج بأسلوب صوفي رمزي، تروي مغامرة صعبة يجبر البطل على خوضها.
كشف الكاتب الطيب صياد لـ “الشعب”، أنّ “متاهة قرطبة” المندرجة في طابع الرواية النفسية، صدرت في طبعتين، الأولى عن “دار المثقف” بينما الثانية من إصدارات “دار ومضة” 2022، وجاءت في 180 صفحة، مضيفا بأنه اختار الأسلوب البسيط في كتابة روايته، كونه الأنسب والملائم لعنصر الخيال الطاغي على العمل، معتمدا بذلك على لغة رمزية صوفية تختلف عن لغة روايته “العثمانية”، التي قدّمها بأسلوب بسيط ومعاصر، وحسبه، فهي لغة تعد الأقرب إلى الشباب.
وذكر الكاتب أنّ هذا العمل هو الثاني في تجربته الروائية، وله خصوصية كبرى لديه، كما جاء على لسانه “لقد كتبتُه بلغة خاصة جدا هي اللغة الصوفية العالية التي تتقاطع مع اللغة الشعرية، وأنا الذي نشأتُ عاشقا للشِّعر وقائلًا له؛ لم يخلُ عملٌ من أعمالي الروائية من موضوعات شعرية تتناغم مع أصل القصة، اخترتُ عنوان متاهة قرطبة وهو يوهم بأنها متاهة مكانية فيزيائية سوف تأخذ بالقارئ إلى أماكن أو احياء ومناطق من مدينة قرطبة الأندلسية، لكن سيكتشف القارئ أن الإطار المكاني للرواية إنما هو في جبل معزول في مدينة سيدي عامر قرب بوسعادة”.
وأضاف أنّ المتاهة هي متاهة نفسية تخيُّلية، تأخذ به في زوايا من تاريخ الفكر الأندلسي مع مجموعة من كبار هذا الفكر، وهم ابن حزم وابن عربي وابن خفاجة الشاعر، موضحا بقوله “أضفتُ في الطبعة الأولى عنوانا فرعيا هو: غواية الزمن والكلمات، بحكم أن القصة مبنية على التلاعب باللغة والتكثيف الزماني، ثم عدلت في الطبعة الثانية إلى عنوان فرعي متسلسل للثلاثية على النحو التالي: العثمانية/تاريخ التردُّد، متاهة قرطبة/ تاريخ التأمُّل، بيت آسيا قرمزلي/ تاريخ التخلُّص والدهشة، وذلك لأنّ هذه الثلاثية تحكي قصتين اثنتين: قصة مادية تتمثل في البحث عن مخطوطة من طرف عدة شخصيات، وقصّة معنوية تمثل البنية العميقة أو البنية الأكثر عمقًا لهذه النصوص، وهي البنية الفلسفية التي حاولت من خلالها رصد تطوُّر حياة الإنسان في علاقته مع الأشياء، فهي علاقة تبدأ بالتردُّد والحيرة في الصِّغَر، ثم التأمل والتفكر في معاني الحياة، ثم تنتهي بالتخلُّص الذي يعني أن قمة الحكمة التي يمكن للإنسان أن يصل إليها هي الحرية، التي تتمثل في التخلص من كل ارتباط دنيوي زائل”.
وذكر الكاتب أنّ عنصر الدهشة الذي استعمله يشير إلى صفة ملازمة للإنسانية كلها في كل طور من أطوار حياتها، مشيرا إلى أن الدهشة هي المحرك الأول لكل عمل، وهذه البنية الفلسفية العميقة لأعمالي الثلاثة تجعل من الرواية الجزائرية والرواية العربية عموما أعمق من مجرد سرد أحداث تشويقية، محصورة في زمان ومكان محددين، بل تجعلها مفتوحة للقراءة المستمرة مثل أي نص فلسفي.
أبدع الكاتب الطيب صياد في عمله في المزج بين التاريخ والفلسفة، وتجلى ذلك في ملخص العرض “بداية عندما دخل بطل الرواية سفيان في عالمه الخاص، عالم نفسي ينبني على التفكير وطرح الأسئلة الوجودية: كسؤال الحرية والتوحيد والخلق والتضحية والحب وغيرها، وهو في حالته تلك يُخَيَّل إليه أن شخصيات من التاريخ الأندلسي الإسلامي تزوره في عزلته تلك، يتبين أن أحدهم هو الشاعر ابن خفاجة والثاني هو الشيخ الأكبر ابن عربي الحاتمي والثالث هو الفيلسوف والفقيه ابن حزم الظاهري، فيدخل معهم في حوارات متسلسلة ونقاشات فكرية متعددة وغامضة أحيانا، وتكون هناك شخصية أخرى هي شخصية الزمن الذي صورتُهُ في صورة تجمع بين الشباب والشيخوخة، ثم تستمر تلك الحوارات بين الخمسة: سفيان وابن خفاجة وابن عربي وابن حزم والزمن، حتى يصل إلى اكتشاف الغاية من تلك الجلسة الغريبة، فيناديه صوت يبلغه بسبب وجوده هنالك، وفي آخر وقت من تلك الليلة وبداية الفجر من صباح غدٍ تبلغه العصابة بسبب اختطافهم له، وهو الأمر الذي كشفه له الصوت الخفيُّ سابقا، يهدّدونه فيحاول التجاوب معهم لكنه في لحظة ما يستيقظ من نومته ليجد نفسه في منزله على سريره وبجوار زوجته وقريبا منهما ابنه.
وهنا يبقى على القارئ تفسير ما حدث هل هو حُلُم أم حقيقة أم تخيُّل أم ماذا؟ وفي خضم بحثه عن جواب هذا السؤال سيكتشف أمرًا متعلقا بالنهاية المفتوحة لروايتي السابقة وهي رواية العثمانية، وتكتمل صورة قصة البحث عن المخطوطة الأندلسية المفقودة التي تشارك سفيان وصديقته آسيا قرمزلي في البحث عنها، لكن مع ذلك سوف ينتظر القارئ روايتي الثالثة “بيت آسيا قرمزلي” ليكتشف أبعادا أخرى للقصة ممتدة بين التاريخ البعيد والمستقبل!”.
للإشارة، الطيب صياد، 34 سنة من مواليد مدينة سيدي عامر جنوبي المسيلة، خرّيج قسم اللغة العربية والدراسات القرآنية من كلية العلوم الإسلامية الخروبة بالجزائر العاصمة، بدأت علاقته بالكتابة منذ الطور المتوسط، حيث طوّر من نفسه في كتابة القصص المطولة والشعر العربي الموزون، قضى مرحلتي الثانوية والجامعية في كتابة الشعر، بعد ذلك توجه إلى الرواية مع أول نص له وهو رواية “العثمانية” التي تتحدّث عن البحث عن مخطوطة أندلسية مفقودة، وهي مخطوطة مسند الإمام “بَقِيِّ بن مَخلَد القرطبي” رحمه الله، بعد ذلك كتب رواية “متاهة قرطبة”، وهي الرواية الثانية المتممة للعثمانية.
عن الرواية..
يُحتجز بطل هذه الرواية في بداية الأحداث من قِبل عصابة مجهولة، ويقتادونه من خلال سيارتهم إلى وجهة لا يعرفها بحكم أنهم عصبوا عينيه وامتنعوا عن الحديث معه، ثم يقيّدونه في كهف مهجور بأعلى جبل في منطقة صحراوية، ويتركونه وحيدا في ذلك المكان الموحش، يتخبّط بين ثنايا المجهول ونوبات الخوف، ليدخل بعد ذلك في عوالم من التفكير والتأمل تجعله يستحضر شخصيات تاريخية يُجري معها حوارات متسلسلة تصل به إلى نهاية الرواية، التي تتضمن رسالة يفهمها بعد عملية ذهنية مطولة تجعل القارئ يستحضر أحداث الرواية السابقة.