يتناول كتاب جماعي قيد الإنجاز من طرف ثلة من الأساتذة والمختصين بجامعات عديدة، معالم الثورة الجزائرية وأبعادها الوطنية في الآداب والفنون، من خلال تسليط الضوء على أحد أبرز الأجناس الأدبية والفنية التي ساهمت في تقوية العمود الفقري للثورة الجزائرية من خلال تقديم نماذج حية.
ينظم مخبر اللهجات ومعالجة الكلام، بجامعة وهران 1، مشروع كتاب جماعي حول “الثورة الجزائرية و علاقتها بالآداب والفنون”، خاصة وأن الثورة الجزائرية شكلت مصدر إلهام واهتمام كبير من أقلام إبداعية تغنت ببطولات وأمجاد هذه الثورة العظيمة عظمة شعبها، فتباينت الأعمال الأدبية في أجناس وفنون متعددة “شعر، قصة، رواية، ملحمة، مسرح، سينما، فن تشكيلي”، وتماهت فيما بينها لتبرز وجها من أوجه التاريخ الإنساني، أعمال ساهمت في تجسيد الروح الثورية لدى الجزائريين. وفي كشف خفايا القضية التي شغلت الرأي العام فراح يواكب مرحلة تأريخية مميزة في القرن العشرين، بحمل هم وطن تستنزف خيراته وثرواته، فبرزت عدة أعمال إبداعية تفاوتت في مستوياتها وفي رؤاها وطرحها، لكنها اشتركت في نقطة واحدة هي الوعي الإنساني بكل قيمه وأبعاده الجمالية الخفية والمتجلية في كل عمل إبداعي.
ووظفت الفنون – حسب تقديم المخبر للكتاب الجماعي – بضروبها المختلفة ” مسرح، سينما، فن تشكيلي: بفنية ما و احترافية معينة في مناشدة القضية الجزائرية ومؤازرتها وفي تجسيد واقع مر عاشه الشعب الجزائري، فاستثمرت هذه الفنون لغاية إنسانية بالغة الأهمية، واشتركت في هذه الغاية إبداعات جزائرية وعالمية، حملت وعيا وهما إنسانيا أكثر.
فالفن التشكيلي من الفنون التي حملت الهم الجزائري، حيث جسدت فيه أنمال إبداعية، صورا ومشاهد لأحداث عظيمة. رسختها الذاكرة الجمعية بريشة فنانين حاولوا أن يثيروا الرأي العام ويشدوا المتلقي بطريقتهم الخاصة.
أما المسرح فقد أسهم بدوره في نصرة القضية الجزائرية، وإعلاء الحق، فقد كتب “كاتب ياسين” مسرحيته ” الجثة المطوقة” التي عرضت بمسرح موليير، ولم يكن المسرح الجزائري وحده مناشدا لهذه الثورة التي أحدثت أثرا كبيرا على الرأي العام والشعوب الرافضة لضروب الظلم والاستبداد، وإنما أسهم المسرح العالمي أيضا في إثارة أحداث وحقائق القضية الجزائرية، فكانت فرقة جان ماري سيري قد عرضت أيضا مسرحية “الزلزال” للكاتب الجزائري هنري زكريا.
وتأتي السينما لتعلب دورا هاما في نقل واقع الثورة ومحاكاته بتقنية معينة، وباعتبارها وسيلة إعلامية تحمل أبعادا متباينة ومختلفة “إيديولوجية وفنية..” تتفاعل فيها عناصر عدة “المكان، الحدث، الممثلون، الصورة بكل خلفياتها”، وتتداخل فيها أجناس معينة : شعر، قصة، رواية، ملحمة.. في سيناريو يحمل إيديولوجيته لتجسيدها فيلما/ صورة ومشاهد، ومثال ذلك فيلم “جميلة بوحيرد” الذي حاول استنطاق تاريخا نضاليا لشعب رفض الذل والاستبداد من خلال التركيز على شخصية جميلة بوحيرد/ الشخصية الرمز، وما حملته من قيم إنسانية، تاريخية وقومية.
وكان للشعر أيضا نصيبه من وجه أبطال نوفمبر وشهدائه، فقد ارتبطت الثورة التحريرية بقيم الإسلام وعقيدة الجهاد، وقد وظف الشعر هذا المعنى كثيرا، وكان من الطبيعي أن يجبد القراء حضورا مكثفا للمرجعية الدينية في نصوص الشعراء، وقد وظف الشعراء كثيرا دلالات الشهيد والشهادة، وكتبوا القصائد الطوال التي توظف الرمز الديني.
وتعلق الجزائريون بالحرية فحضرت نصوص الشوق إلى التحرر في الشعر، فلم يستسلم الشعب الجزائري للإدارة الاستعمارية، فكانت المقاومة الشعبية، ثم نشاط الحركة الوطنية، لتأتي ثورة نوفمبر وتواصل النضال الوطني، معلنة عدم التراجع طلبا للحرية، وعبر الشعراء عن هذا المعنى الجليل.
وكشفت النصوص الشعرية الهمجية الاستعمارية، ونقلت أهمية السلاح في التحرير، ولقد تجلى شهر نوفمبر بكل الوهج في الشعر الثوري الجزائري، وكتب عنه أغلب الشعراء، ليكون رمزا شعريا جزائريا خالصا، يميز التجربة الشعرية الجزائرية عربيا، لجانب رمز جميلة بوحيرد ورمز الأوراس، لتضاف هذه الرموز لرموز معروفة في الشعر العربي والعالمي، مثل الرموز الشعبية والأسطورية والدينية..
ويحاول مشروع الكتاب الجماعي، تسليط الضوء على أحد أبرز الأجناس الأدبية والفنية التي ساهمت في تقوية العمود الفقري للثورة الجزائرية من خلال تقديم نماذج حية.
ويركز المساهمون وأعضاء هيئة تحرير الكتاب الجماعي القادمين من جامعات عديدة بالولايات ، على محاور عديدة، منها الثورة في العلوم الإنسانية والاجتماعية، الثورة والتاريخ، الثورة من منظور الفلسفة، الثورة والأدب الجزائري، الثورة في الفنون، والثورة في الآداب العربية…