من كتابة القصّة القصيرة، قاده القلم والإبداع إلى أغوار الرّواية، فاختار الغوص في تاريخ منطقة توات بأدرار وحكايات مقاومة وصمود سكانها إبان التواجد الاستعماري الفرنسي بالجزائر، فكانت رواية “الطرحان” الصادرة عن دار النشر خيال، والحائزة على جائزة أسيا جبار للرواية في طبعتها السادسة.
عن وقائع الطرحان والرواية التاريخية ونظرته للكتابة عن الذاكرة الوطنية ومواضيع أخرى يحدّثنا عنها القاص والروائي عبد الله كروم من خلال هذا الحوار الذي خص به «الشعب».
الشعب: تجدّد في الآونة الأخيرة عند العديد من الكتاب الجزائريين، الاهتمام بالرواية التاريخية وخاصة تلك التي تحاكي الذاكرة الوطنية، لماذا يا ترى؟ وهل يمكن القول إننا نستعيد من جديد أمجاد التأليف حول المقاومة الشعبية الجزائرية؟
الرّوائي والقاص عبد الله كروم: التّمسّك بذاكرتنا الوطنية والاشتغال عليها أدبيا ينم عن وعي لدى الجيل الجديد من الكتاب للتعرف على تاريخه، وكشف الظروف التي عانى منها المجتمع الجزائري إبان الفترة الاستعمارية، ثم الإشادة بخيار المقاومة ضد الغزاة بوصفه سلوكا طبيعيا وإنسانيا وحكما مطردا بين المحتل والسكان الأصليين..
قلت بوعي لأنّ الاشتغال على التاريخ والذاكرة لا يعني أبدا أن يكتب الأديب دائما من الزاوية الضيقة أو المبتذلة أو المكرسة أو النمطية، أي أن يعالج الكاتب إبداعه بضرب من التوسط يبعده عن تضخم الذات أو جلدها..
تطرّقت في روايتك الأولى «الطرحان» الفائزة مؤخرا بالجائزة الكبرى آسيا جبار للرّواية، إلى أحداث وتراث ومحطات من تاريخ منطقة أدرار، من أين أو كيف جاءت الفكرة؟
فضاء توات أو فضاء الصحراء بكل مؤثثاته الجغرافية والاجتماعية والثقافية والتاريخية بالنسبة لي خيار استراتيجي، وليس خيارا تكتيكيا فرضته هذه الرواية المتوجة «الطرحان»، فقد سبق لي أن نشرت مجموعتين قصصيتين هما «حائط رحمونة» و»مغارة الصابوق» تتحدّثان أساسا عن هويتي المكانية وذاكرته وسياقاته. الجديد في رواية «الطرحان» هو محاولة ربط ما هو بسياقات وثقافات عالمية..إذ تتحاور في هذا النص الثقافة الفرنسية والثقافة الفيتنامية مع ثقافة الأنا بكل مكوناتها.
“الطرحان” تحاكي هوية ووطنية سكان منطقة توات
حدّثنا بأكثر تفصيل عن معنى «الطرحان» وعن أحداث الرّواية؟
«الطّرحان» هو كلمة متداولة في اللهجة التواتية زمن الثلاثينيات والأربعينيات، وخصوصا زمن الأزمات الاقتصادية مثل (عام الغلاء)، وهي معاملة ربوية تتطور أحيانا لتبلغ رهن الممتلكات، مما يؤدي إلى ضياعها بالكامل، وهذا ما حدث لبطل الرواية السباعي ولد نجوم مع رفيقيه بازا والحساني، الذين طرح بهم الطرحان كل مطرح وسلبهم أرضهم وممتلكاتهم وأخرجهم من قراهم صعاليك، ليرتموا في أحابيل المستعمر وبدأوا يعانون من الاستغلال والتجنيد ليفقدوا بذلك الحبيبات والوطن والاستقرار..
في الرواية ثلاثة سياقات: سياق الأنا (العربي الإسلامي الأمازيغي)، أبرزت فيه الجوانب المشرقة والإضافة في الحضارة الإنسانية كالزاوية والمخطوطات والفقارة وحضارة الطين والتراث اللامادي..كما أبرزت الجوانب المدانة مثل الطرحان والصراعات حول الإرث والجشع الذي وصل حتى إلى بعض معلمي القرآن، السياق الثاني هو الثقافة الفرنسية، وأبرزت من خلالها الجانب المظلم المتمثل في المشروع الاستعماري بقسوته وجشعه ووحشيته، وبالمقابل نبهت لجوانب مشرقة من الثقافة الفرنسية كالآداب والفنون والثقافة من خلال شخصية نادين وما قدمته للبطل السباعي من انفتاح على العالم من خلال اللسان الفرنسي، السياق الثالث الثقافة الفيتنامية وفيها إشادة وتعريف بالثقافة البوذية بشقيها السلمي والتعايشي والإنساني، والشق الآخر المظلم المتعلق بالتعصب وحكم الفرد..
جميل هو الشّعور بالفوز والتّميّز، كيف استقبلت أدرار درع جائزة آسيا جبار؟ وما كان شعورك وقتها؟
شعرت بالفخر والاعتزاز لي ولأسرتي ولجامعتي ولمنطقتي التي لم تشهد تتويجا كهذا، خصوصا وأنها باسم كاتبة عالمية بحجم آسيا جبار، وفي طبعتها السادسة، وبرعاية سامية من طرف السيد رئيس الجمهورية، وأن يتم ذلك التتويج من طرف لجنة وازنة وعارفة بالكتابة الروائية وعلى ثلاث مراحل: القائمة الطويلة، فالقائمة القصيرة، ثم التتويج..هذا يعني لي الكثير وأعتبر الفوز بجائزة آسيا جبار وسام شرف لي ولأسرتي وجامعة أدرار، كما أعتبره انتصارا للهامش على المركز.
هل يمكننا القول إن هذا النوع من الكتابات هو طريقة لنفض غبار النسيان عن أشواط كثيرة من المقاومة الشعبية في مناطق الجنوب؟
هو طريقة لوصول أصوات شابة وقادمة، ظلمها البعد عن المركز والأضواء وهي تعبر عن فضائها المهمش على أكثر من صعيد أو هي تعرف به سواء من خلال المقاومة والصمود، أو من خلال الممارسات الوحشية للاستعمار أو حتى من زاوية إبراز البنية الثقافية المؤثثة لمنطقته، وفي تجربتي أبرزت توات وزخمها الحضاري وتجاربها الإنسانية وتمسكهم بالحياة رغم كل الظروف الصعبة التي عانوا منها.
كيف يمكن توظيف الرّوايات التاريخية في حمل الأجيال القادمة على الاهتمام أكثر بالذاكرة الوطنية؟
يحتاج ذلك إلى مهارة الكاتب لإيجاد توليفة وخطاب أدبي يوظف مكونات الذاكرة الوطنية، واسترجاع ما فيها من آلام وآمال وجوانب مشرقة تعيننا على مناقشة قضايا الحاضر والمستقبل، حماية للوطن والأمة من أي اختراق أو استلاب يمحي مقومات الأنا أو يتجاوز خصائصها ومميزاتها.
المعروف عن عبد الله كروم كتابته للقصة، كيف ثم الانتقال إلى كتابة الرواية؟
أؤمن بالمرحلية والحوارية بين الأجناس الأدبية والتطور بمرور الوقت، لذلك بدأت بالقصة القصيرة لسهولتها وقصرها ومنحها للكاتب فرصة التطوير والتجريب..
انتقلت إلى الرواية لأنها الجنس الأدبي الأول في العالم بالنظر لعدة عوامل تتعلق بالنشر والقراء والسينما والإعلام، ولأنّ الرواية أصبحت ديوان الأمم والشعوب والجنس الأدبي الأكثر استيعابا لحاجة الإنسان المعاصر، الذي يبحث عن الحرية والرأي والديمقراطية والتسبية والتعددية وهي مفاهيم تستوعبها الرواية.
ما هو جديدك بعد «الطرحان»؟ وهل ستواصل في أغوار الرّواية؟
نعم أظن أن الرواية هي مستقري الأدبي، وبها أناقش مع المتلقي عوالمي وأفكاري ونضالي من أجل التعريف بهويتي وثقافتي وخطابي الذي ينخرط في الصحراء وفضاءاتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية، مع محاولة إدراجها ضمن حوارية مع ثقافة الآخر..أفكر على إكمال ثلاثيتي الأولى والتي منها الطرحان، وأتمنى أن أواصل الإبداع بشكل يضمن الإمتاع والإقناع.
عبد الله كروم في سطور..
عبد الله كروم بن سالم من مواليد 6 أفريل 1974 بقرية زاوية الشيخ بن عبد الكريم المغيلي بتوات بلدية زاوية كنتة، انتسب إلى الكتاب وختم القرآن الكريم على يد الشيخ الحاج أحمد الدمراوي رحمه الله، وبالموازاة أكمل دراسته الابتدائية متنقلا بين مسقط الرأس وقرية بوعلي، درس الإعدادية بزاوية كنتة، والثانوية برقان وأدرار، دخل بعدها مرحلة الثانوي للمعهد التكنولوجي للتربية، وتخرّج منه معلما للمدرسة الابتدائية بداية من الموسم 1993 – 1994..
تحصّل سنة 2000 على شهادة بكالوريا أحرار، وسجل بقسم الأدب العربي وتخرج في سنة 2007، متحصل على شهادة المعهد التكنولوجي للتربية وشهادة ليسانس 2007 من جامعة أدرار، إضافة إلى شهادة الماجستير من جامعة تبسة سنة 2011، متحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة تبسة سنة 2017 بعنوان (الفكر التأويلي عند فخر الدين الرازي)، وشهادة الليسانس في الإنجليزية جامعة أدرار.
يتكوّن رصيده الأدبي من: كتاب «الرحلات بإقليم توات» 2007، المجموعة القصصية «حائط رحمونة» 2011، مجموعة «مغارة الصابوق» 2016 ورواية «الطرحان» 2022.