تحل الذكرى الخامسة لوفاة أيقونة الأغنية الوهرانية الفنان بلاوي الهواري ، والذي يعتبر رمزا من رموز الفن الجزائري الأصيل بما تركه من رصيد فني تجاوز الـ 500 أغنية.
ساهم الراحل بلاوي الهواري في مجالي الغناء والتلحين وعلى مدار عقود طويلة في تجديد وعصرنة الموسيقى الجزائرية وتأسيس الأغنية العصرية الوهرانية من رحم الأغنية البدوية التي احتك الراحل بالعديد من روادها وشعرائها خدمة للفن الجزائري الأصيل.
ويعتبر الفنان أيضا من صانعي الأغنية الوطنية التي كانت سلاحا فنيا إلى جانب العمل الثوري حيث وظف فنه إبان فترة الاستعمار الفرنسي لخدمة القضية الوطنية من خلال تأسيسه لفرقة فنية عام 1943 كانت تنشط في سبيل غرس الروح الوطنية وبعث الروح التحررية في الشعب.
وترعرع بلاوي الهواري، المولود في 23 جانفي 1926 بحي سيدي بلال، بالمدينة الجديدة بوهران، في كنف عائلة موسيقية إذ كان والده عازفا على آلة الكويترة فيما أتقن شقيقه قويدر العزف على الماندولين والبانجو.
وغادر الفنان مقاعد الدراسة في سن الـ13 ليعمل في مهن مختلفة استهلها بمقهى والده أين كان مكلفا حينها بتغيير الأسطوانات على آلة الفونوغراف لتلبية أذواق الزبائن ثم عمل في ميناء وهران حيث بدأ في تلك الفترة في تعلم العزف على آلتي البيانو والأكورديون.
ونال فقيد الأغنية الوهرانية العصرية عام 1942 جائزة الإذاعة ليتوجه منذ ذلك الحين إلى أداء الأغاني البدوية اعتمادا على مخزون ثري من نصوص شعراء الملحون والبدوي الأصيل، وفي العام التالي أسس فرقة موسيقية ضمت عددا ممن اعتبروا مجددي الأغنية الوهرانية والجزائرية.
ونجح الراحل في تسجيل أولى أسطواناته في 1949 ليسطع نجمه في الخمسينيات، وقد تنوعت أغانيه في فنون وأشكال مختلفة مثل غناء الشعر الملحون وغيرها من الطبوع التراثية، كما تميز بتأليفه لعدد كبير من أغانيه التي لحنها بنفسه.
وخلال حرب التحرير الوطني تم اعتقاله من طرف الإدارة الاستعمارية ليزج به في معسكر اعتقال بسيق، بتهمة النشاط الثوري، وكان الفنان أيضا صديقا للشهيد أحمد زبانة والذي تأثر بإعدامه بالمقصلة ما جعله يلحن ويغني إحدى أشهر أغانيه، “زبانة”، التي كتب كلماتها شريف حماني.
وبعد الاستقلال، من 1962 إلى 1965، أشرف بلاوي الهواري رفقة زميله الفنان الراحل أحمد وهبي، على الفرقة الموسيقية للإذاعة والتلفزيون لمحطة وهران الجهوية وتخرج على يديه جيل من الفنانين الشباب.
وفي تلك الفترة (الستينيات) عمل رائد الأغنية الوهرانية وشيخها بشكل كبير على تجديد الموسيقى الجزائرية والحفاظ على الموروث الفني للمنطقة حيث قدم آنذاك أشهر أغانيه مثل “بيا ضاق المور” و”حمامة” و”يا لوشام” و”أرسم وهران” و”المرسم” و”راني محير” و”يا لزرق”.
وقدم أيضا “طال عذابي” و”نجمة” و”اسمع يا سيد الغزلان” و”جار علي الهم” وغيرها من الأغاني التي أثرت الساحة الفنية الوهرانية والجزائرية، وقد واصل مساره الإبداعي وإثراء الوسط الفني حتى آخر لحظات عمره.
وأثرى الراحل الفضاء الفني وأسهم في ترقية الموسيقى الجزائرية بتقديمه لأكثر من 500 أغنية منها ما غناها بصوته الشجي ومنها ما غناها فنانون شباب على غرار صباح الصغيرة و بارودي بن خدة وهواري بن شنات وسامية بن نابي وغيرهم من نجوم الأغنية الوهرانية والرايوية خلال سنوات الثمانينيات ومنهم أيضا الشاب خالد الذي أعاد أداء بعض أغانيه وحظيت بشهرة و رواج عالمي.
وبعد مسيرة حافلة توفي عميد الأغنية الوهرانية في 19 جويلية 2017 عن عمر ناهز 91 عاما بعد معاناته من مرض ألزمه الفراش عدة سنوات، وذلك بعد ثلاثة أشهر فقط من منحه وسام الاستحقاق الوطني من مصف عشير عرفانا بالرصيد الفني الذي خلفه ومساهمته في الحفاظ على التراث الشفوي وأداء أغاني الشعر الملحون في قالب عصري.