اعتبر الكاتب عبد الرزاق بوكبة في عرض تجربته الشخصية حول فن أدب الرحلة، بأن فعل الكتابة يقتضي نوعا من التضحية إزاء المشاغل اليومية المقترنة كثيراً بالظروف المصاحبة لفعل الكتابة، إلا من باب المزاج، وقال: “عندما تكون الكتابة فعلاً مشروعاً، تتعالى عن ردود الأفعال، وعمّا هو خارج الفعل ذاتِه، فقد روّضتُ نفسي على أن أكتب بغض النظر عن طبيعة الزمكان المتاح، مستعيناً في رغبتي في الكتابة، وأكتب حين أرغبُ، وأرغب حين تعجز الأفعال الأخرى عن تعويض فعل أن أكتب، هنا لا بد من الاعتراف، انطلاقاً من تجربتي الشخصية، بأن هناك فرقاً بين الكتابة الشعرية والكتابة السردية”..
رابح سلطاني
ويرى الكاتب عبد الرزاق بوكبة، أن الشعر لحظة مكثفة من مزاج خاص، أو بعبارة أخرى يقول: “أراها مناسبة: الشعر لحظة كهفية/ داخلية/ تأمّلية، أنغلق فيها على نفسي لأتفتح على الكون، بينما السرد هو العكس تماماً: أتفتح على الكون لأقبض على الذوات في تحولاتها/ اعتمالاتها المختلفة، ويحدث أن أكتب الجنسين معاً “شعر/ سرد” في الوقت نفسه، خاضعاً لوعي خاص بتخومهما على حد وصفه”.
وأكد بوكبة في حديثه لـ«الشعب” عن الدوافع التي تساعده على استثارة الإلهام من أجل فعل الكتابة بأن هناك ما يستفزه كاتباً، مثل السفر في الإنسان والمكان.
وقال “كلما حصل لي احتباس في الكتابة سافرتُ، وكلما سافرتُ كتبت عفوياً، تلهمني تلك اللحظة التي أمد فيها يدي إلى حقيبة ظهري، أما بالنسبة لحقيبة الظهر فأعتبرها اختراعا عظيما، وحين أعود اليوم إلى نصوصي التي نشرتها، أجدها مؤرخة وفق أمكنة مختلفة”.
واستشهد الكاتب بتلك العلاقة التكاملية التي يولد فيها النص من خلال مصاحبة السفريات: “أكاد أجزم أن نصي ثمرة لأسفاري، حيث أجد متعة عميقة في محاورة الأمكنة، أستنهض ذاكراتها وأثوِّرُ أرواحها، للمكان روح وأسرار، لا يقبض عليها السائح الاستعراضي المهموم بالتقاط الصور، وفي باله عدد الإعجابات في الفايسبوك، و هل لاحظتم أن كثيراً من الكُتاب يتاح لهم أن يسافروا إلى بقاع استثنائية في الكوكب، ولا يعودون إلا بصور، تفتقر هي نفسها إلى ذوق وجمال، ذلك أن الصورة نص أيضاً؟ يسألني كل من يلقاني عن سر الريشة التي ترافقني في الخلوة والجلوة، أتعرّض لهذا السؤال منذ ثلاثين عاما، أي منذ دخلتْ هذه العادة إلى حياتي، وأنا طفل في قرية “«أولاد جحيش”.. أحياناً أصمت، أتهرب، وأحياناً أعطي إجاباتٍ فضفاضة، حتى أن شاعراً سرقها مني، وأخذها إلى عراف ليدله على سرها، أقول إنه لا سر لها، سوى أنني لا أستطيع الكتابة وأنا أعزل منها، إنها طقسي الوحيد الذي تنتفي الكتابة بدونه”.
واعتبر المتحدث عادة الشعر والكتابة لديه أصبحت جزءا لا يتجزأ من يومياته.. يستدرك: “بل عادة ما أترك مبلغاً من المال لأمي أو لأم علياء، بعد أن أجعل الثلاجة ملأى بكل ما تحتاج إليه أسرتي الصغيرة، فلم تكن الكتابة يوما سببا في إهمالي لأسرتي، أتدبر بيتاً فارغاً أتحلل من كل الارتباطات في العمل والحياة، أغلق الهاتف والباب وأعزل نفسي أياماً لا حلاقة لا فايسبوك لا طعام، إلا ما هو معلب وجاهز لا تواصل مع خلق الله أتحلل من كل ثوب، أوْقِدُ الموسيقى الحزينة والأغاني العابرة للقارات أفخخ رأسي بالأشجان، وأستسلمُ للبياض”.
يذكر أن عبد الرزاق بوكبة أطلق العديد من المبادرات التي تصب في هذا اللون الأدبي المبني على المغامرة والترحال، منها “مقهى براري” الذي يسافر من خلالها عبر قرى ومدن الجزائر العتيقة للاستكشاف والمغامرة والتدوين، على غرار سفرياته إلى أعماق الصحراء والمرتفعات الجبلية، يلتقي من خلالها بالمثقفين ورواد الفن والكاتبة وينقل تجربته الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال مرويات قصصية يدونها في كتاباته.