صدر كتاب “جوائز نوبل الروائية بين الفنّ والإيديولوجيا”، للدكتورة هاجر بكاكرية حديثا، عن دار “ميم” للنشر.
وجهت المؤلفة بحثها إلى الروائيين “النوبليين”، وما خلفه فوزهم من نقاشات نقدية كثيرة، خاصة تلك الأسئلة المرتبطة بأسباب الاختيار. ويقترح الكتاب نماذج متباينة زمنيا، وجغرافيا، وثقافيا، فازت إما لأسباب فنية مرتبطة بعناصر جمالية خالصة، أو لأسباب إيديولوجية بصبغة سياسية، أو الجمع بين الفني والإيديولوجي.
«جوائز نوبل الروائية بين الفنّ والإيديولوجيا”.. هو عنوان إصدار دار النشر “ميم” الجديد، لمؤلفته الدكتورة هاجر بكاكرية. وفي هذا الكتاب، تسلط الباحثة الضوء على المعايير المعتمدة في توزيع جوائز نوبل للأدب، من المعايير الفنية والجمالية، إلى تلك السياسية وحتى التوظيف الإيديولوجي، كما يظهر من عنوان الكتاب.
قسمت الباحثة كتابها (قرابة 300 صفحة) إلى مقدمة، ومدخل، وأربعة فصول، وخاتمة. ويتطرّق المدخل إلى جائزة نوبل للأدب، من خلال عرض مجموعة من القضايا المرتبطة أساسا بوصية ألفريد نوبل، التي هي أساس جوائز نوبل الشهيرة. كما تضمّن هذا المدخل حديثا عن مهام مؤسسة نوبل وهيكلها التنظيمي، والتفصيل في ماهية لجنة نوبل التي أسست عام 1901 لتشرف على كل ما يتعلق بالجائزة الممنوحة للأعمال الأدبية، تحت إشراف الأكاديمية السويدية. كما تطرّق المدخل إلى مراحل عملية الترشيح الأساسية، ومتوسط أعمار الفائزين بنوبل منذ تأسيسها، وقائمة النساء الفائزات، وأعضاء الأكاديمية الذين فازوا بها، والأدباء الذين رفضوها.
أما الفصل الأول “جوائز نوبل الروائية”، فناقش قضية الثابت والمتحول في معايير منح جائزة نوبل للأدب، بالتركيز على المراحل الأساسية للجائزة (وهي ثمانية مراحل حددت من قبل العضو الدائم للأكاديمية السويدية “كيجل إسبمارك”). كما نجد في هذا الفصل حديثا عن أهم الإشكالات التي تواجه الجائزة، خاصة إشكاليتي التوزيع الجغرافي، والترجمة، وما خلفته هذه الأخيرة من آراء ومواقف نقدية، إلى جانب مناقشة أفكار تتعلق بجوائز نوبل الأدبية منذ عام 2000 وصولا إلى 2017.
وخصّص كل من الفصل الثاني، والثالث، والرابع، إلى أرنست همنغواي، وغابريـال غارسيا ماركيز، وأورهان باموك، وأهم الحيثيات التي رافقت منحهم الجائزة، مع تحليل رواية/روايات كل واحد منهم.
جدل حول معايير الاختيار
وتعتبر بكاكرية، في مقدمة الكتاب، أن جائزة نوبل للأدب تعدّ من الجوائز العالميّة الأكثر إثارة للجدل، عكس باقي جوائز نوبل لتخصصات أخرى، ويظهر الجدل الكبير من خلال جملة من الإشكالات العديدة التي خلفتها هذه الجائزة منذ تأسيسها عام 1901، تقول المؤلفة، فعادة ما تقوم الجوائز المخصّصة للأدب على أحكام ومعايير نسبيّة ومتباينة كونها تبحث في القيم الجمالية، وهو ما يجعلها تبتعد عن الأحكام العلميّة الدقيقة وكثيرا ما ينظر إلى معايير التميز في حقل الأدب على أنها ذاتيّة إلى حدّ كبير، أين يحتل الذوق فيها مرتبة معتبرة سواء تعلق ذلك بالقراء أو بالنقاد أو باللجان المشرفة على هذه الجوائز. غير إن الإشكال الأساسي الذي يواجه جائزة نوبل للأدب هو التشكيك في وفاء لجنة نوبل لمعياري الذوق والفنية، إذ يتهمون بأنهم يخفون تحيزا إيديولوجيا يسيطر عليهم ويوجه أحكامهم إلى جهات بعينها.
وتعود المؤلفة، في مقدمتها، إلى بدايات الجائزة الشهيرة، وتفصّل في الأمر، قائلة إن الوصية التي تركها ألفريد نوبل بأن يخصص جزءًا من ثروته الماليّة لخمس جوائز يتم توزيعها سنويًا على الذين قدموا أكبر فائدة للبشرية خلال العام السابق، نتج عنها تخصيص جائزة تمنح سنويا لأحسن عمل أدبي أو أعمال أدبية، وهو ما يعرف بجائزة نوبل للأدب، والتي “عدت ظاهرة فريدة من نوعها، ويكمن تفردها فيما تثيره كل عام من إشكالات هامة وما تنتجه من مجموع التوقعات العالمية بماهية الفائز بها، وهو ما يفرز بعد ذلك تباينا في مستويات المواقف والآراء التي يسجلها النقاد والدارسون في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يؤدي إلى انقسامهم بين مؤيد لمنح الجائزة وبين معارض ومشكك”.
وتشير بكاكرية إلى أن فكرة ألفريد نوبل القائلة بـ«أكبر فائدة يقدمها صاحب الجائزة للبشرية” أثارت جدلا كبيرا بالنسبة إلى جائزة نوبل للأدب (على عكس جوائز تخصصات العلوم الطبيعية، والطب، والفيزياء) “ليطرح هذا المعيار على الأعمال الأدبية الكثير من الأسئلة والإشكالات حول طبيعة الأدب ووظيفته لدى الشعوب والأمم.” وبما أن المنحة المالية المقدمة للجوائز الخمسة يجب أن تكون متساوية، فقد وضع الأدب على قدم المساواة مع المجالات الأربعة الأخرى. وحسب المؤلفة، فقد دار جدل كبير بين أعضاء “الأكاديمية السويدية” حول كلمة “مثالية” الواردة في نص وصية نوبل، ما جعل أعضاءها يجتهدون في تأويل هذه الكلمة، خاصة في السنوات الأولى من تاريخ الجائزة، انطلاقا من مقولة نوبل بأن جائزة الأدب تمنح “للشخص الذي أنتج في مجال الأدب أكثر الأعمال تميزًا في الاتجاه المثالي.” وفُتح المجال للحديث عن وجود تحيز سياسي وأخلاقي وجمالي من قبل لجنة نوبل، ومن خلالها الأكاديمية السويدية، خاصة مع عدم توفر معلومات عن مداولاتها (لمدة خمسين سنة بعد منح أي جائزة).
وبررت الباحثة توجيه بحثها للاهتمام بجائزة نوبل الروائية، بكون الجائزة تمنح كثيرا إلى الأدباء الذين يكتبون الرواية، حيث تجاوز عدد الفائزين في هذا الجنس الأدبي نصف العدد الإجمالي المقدر بـ114 جائزة.
جدلية الفن والإيديولوجيا
يحاول الكتاب الإجابة عن سؤال مركزي: “هل تخضع عمليّة منح جوائز نوبل الروائية لمعايير أدبية فنية صرفة، أم لمعايير إيديولوجية، أو أنها تخضع إلى الجمع بين المعيارين؟” ومن هذا السؤال، تتفرع مجموعة من الأسئلة على غرار: ما هي جائزة نوبل للأدب؟ ما مضمون وصيّة ألفريد نوبل؟ ما هي الإشكالات البارزة التي واجهت لجنة نوبل المشرفة على الجائزة؟ ما هي الانتقادات الأساسيّة الموجهة للجائزة؟ وما هي أبعادها؟ وهل مازالت مستمرة إلى اليوم؟ أيّ المعيارين غلب في تحكيم الجائزة: الفني أم الإيديولوجي؟
وذكرت بكاكرية مجموعة من الدراسات السابقة، التي تطرّقت إلى هذا الموضوع، بما فيها دراسة لها (2015) تمحورت حول إشكالات جائزة نوبل للأدب، مركزة على نموذج نجيب محفوظ.
أما مدونة البحث، فتضمنت نماذج روائية منحت على أساسها الجائزة، أولاها رواية “الشيخ والبحر” (1952) للأمريكي أرنست همنغواي، ويرجع اختيارها كونها “العمل الوحيد الذي نال حظا وافرا في خطاب الأكاديمية السويدية، وهي الرواية الوحيدة التي فاز عنها صاحبها بنوبل، والأكثر تحقيقا لمعيار الفنية”.
وعن الرواية الثانية، “مائة عام من العزلة” (1967) للكولومبي غابريـال غارسيا ماركيز، تقول الباحثة إنها اختارتها “لقيمتها الفنيّة ومضامينها السياسيّة والتاريخيّة، وهي التي نالت نصيبا معتبرا في خطاب الأكاديميّة السويديّة الذي عرض عند فوز ماركيز”، دون إغفال باقي رواياته مثل “لا أحد يكتب للعقيد”، و«ساعة شر”، و«وقائع موت معلن”، و«خريف البطريرك”.
وفي محطة ثالثة، يتطرّق الكتاب إلى رواية “ثلج” (2005) للتركي أورهان باموك، وهي من الروايات التي “حصلت على إسهاب لجنة نوبل في الحديث عنها، وكذا من قبل الصحف العالمية التي رافقت حدث حصوله على نوبل عام 2006”، مع الرجوع إلى باقي أعماله الروائية التي تمّ ذكرها في خطاب الفوز، وهي: “البيت الصامت”، و«الكتاب الأسود”، و«القلعة البيضاء”، و«الحياة الجديدة”، و«اسمي أحمر.”
وكما جاء في الكتاب، فقد اختيرت هذه النماذج لأسباب أهمها: أولا، تباينها من الناحية الزمنية والجغرافية والثقافية. وثانيا، توزع أسباب فوز هذه النماذج بين أسباب فنية ترتبط بعناصر جمالية خالصة، وأخرى إيديولوجية تضمر عناصر إيديولوجية ذات صبغة سياسية، وثالثة تجمع بين الفني والإيديولوجي.