شكلت قصبة الجزائر العاصمة، الحي العتيق المصنف ضمن التراث العالمي لليونسكو، مصدر إلهام للكثير من الفنانين المبدعين، من الجزائر وخارجها، في شتى المجالات الثقافية كالأدب والسينما والمسرح والموسيقى والتشكيل.
في المجال الأدبي صدرت العديد من الروايات والدراسات التي سلطت الضوء على القصبة وتاريخها وثقافتها أو اتخذتها مكانا لأحداثها ، منها إصدارات قدور محمصاجي “القصبة زمان.. من جزيرة النوارس إلى القصبة” و”القصبة زمان.. الزواج” وكذا “البوقالة”.
واهتم الباحث الاجتماعي رشيد سيدي بومدين بعلاقة سكان القصبة بفن العمارة إبان العهد العثماني وهذا في مؤلفه “سيراميك مدينة الجزائر”، حيث ركز فيه على شغفهم بالعمران وأساليب تزيين بيوتهم وقصورهم مفردا الجانب الأكبر من عمله لتاريخ مربعات السيراميك التي تعرف بالزليج.
وتعتبر من جهتها رواية “مؤامرة في الجزائر العاصمة” للكاتب الصحفي أحمد قاسمية بمثابة سرد لأحداث تاريخية في القصبة أيام العثمانيين أعاد تشكيلها في جو من الخيال يبرز الأجواء السياسية والاجتماعية والثقافية التي كانت تميزها آنذاك كحاضرة عالمية.
والروائي الجزائري مرزاق بقطاش هو أيضا من أهم الروائيين الذين استحضروا مناخات القصبة وما يتصل بها من عوالم وخصوصا البحر إذ كان مشحونا بزخم هذا الحي العتيق وهو ما انعكس في العديد من أعماله على غرار مجموعته القصصية “دار الزليج” وروايته “كواترو”.
وفي الفن السابع تبرز الكثير من الأفلام التي تستلهم من القصبة وخصوصا التاريخية منها حيث كان هذا الحي العتيق قلعة لمقاومة المستعمر الفرنسي بمدينة الجزائر، ومن أشهرها “معركة الجزائر” (1966) للإيطالي جيللو بونتيكورفو، وهو عمل عالمي يعتبر من أفضل الأفلام في تاريخ السينما.
“أبناء نوفمبر” (1975) لموسى حداد يبرز بدوره نضال سكان القصبة ضد الاستعمار الفرنسي بمن فيهم الأطفال الذي تجندوا دفاعا عن وطنهم وهذا من خلال قصة بائع الجرائد مراد بن صافي.
وتبرز القصبة كفضاء في العديد من الأفلام الاجتماعية على غرار “عمار قاتلاتو” (1976) و”باب الواد سيتي” (1994) لمرزاق علواش و”تحيا يا ديدو” (1971) لمحمد زينات وكذا “حسان طيرو” (1968) لمحمد لخضر حمينة.
وأنتجت من جهة أخرى العديد من الوثائقيات التي خصصت للقصبة وتاريخها وثقافتها على غرار “ثوار القصبة” لمراد أوزناجي الذي يبرز بطولات ثوار كبار استشهدوا بالقصبة وهم كل من علي لابوانت ومحمود بوحاميدي وعمار ياسف وحسيبة بن بوعلي.
ومن هذه الأعمال أيضا “قصبة الجزائر، البهجة” (2011) لنصر الدين بن عالية الذي يسلط الضوء على الوضع الحالي للقصبة من الناحية المعمارية والتراثية.
وكان تصوير الأفلام في القصبة قد برز منذ عشرينيات القرن الماضي إبان الفترة الاستعمارية غير أنه كان بطابع استشراقي كولونيالي، وقد كان فيلم “بيبي لو موكو” (1937) لجوليان دو فيفيي أبرز الأفلام الفرنسية التي اتخذت القصبة فضاء لأحداثها.
وأما في الفن الرابع فتبرز عدة أعمال أشهرها مسرحية “أبناء القصبة” (1963) التي كتب نصها عبد الحليم رايس وأخرجها مصطفى كاتب، وهو عمل يصور جانبا من مقاومة الشعب الجزائري للاستعمار الفرنسي من خلال قصة عائلة مناضلة في القصبة، وكذا مسرحية “حسان طيرو” (1963) التي ألفها رويشد وأخرجها مصفى كاتب، قبل أن تحول لفيلم سينمائي.
موسيقيا كانت القصبة حاضرة في العديد من أعمال المطربين الذين تغنوا بجمالها وسحرها وخصوصا فناني الشعبي، الفن الذي ظهر وترعرع بها، ومن أشهر هذه الأغاني “ألو ألو” للهاشمي قروابي و”البهجة” لدحمان الحراشي و”يا دزاير يا عاصمة” لعبد المجيد مسكود وكذا “القصبة وأنا وليدها” لعبد القادر شاعو.
وأما الفنان العازف محمد روان فقد استلهم من حي القصبة مطلقا نوعا موسيقيا سماه “القصبة جاز” وهي موسيقى تمزج بين الشعبي والجاز والفلامنكو وأنماط موسيقية أخرى.
لقد ساهمت القصبة كفضاء اجتماعي ثقافي ذي تاريخ عريق وثقافة مميزة في بروز العديد من الأنواع الموسيقية فإضافة إلى الشعبي الذي اشتهر عالميا فقد برز أيضا الفن الأندلسي بمدرسته “الصنعة” وكذا “الزرناجية” التي تميز الأعراس إضافة إلى الشعر الشعبي بمختلف أنواعه.
وأفرد من جهتهم الفنانون التشكيليون اهتماما خاصا للقصبة إذ لطالما استلهموا من جمال عمرانها وزرقة بحرها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها البحري المجيد، وفي هذا الإطار يبرز اسم الفنان العالمي ومؤسس مدرسة المنمنمات الجزائرية محمد راسم الذي أبدع في تصوير القصبة بجماليات فائقة، ومن أشهر لوحاته “شرفات القصبة”.
و كانت القصبة أيضا مصدر الهام للكثير من التشكيليين الأوروبيين من فرنسا وسويسرا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وهي أعمال تندرج ضمن التيار الاستشراقي، على غرار لوحات الفرنسي أوجين دو لا كروا والأمريكي فريديريك آرثر بريدغمان.