تمر الذكرى الـ 44 لوفاة رائد أغنية الشعبي وأستاذ موسيقى، الراحل الحاج محمد العنقى، الذي ساهم في إثراء رصيد التراث الموسيقي الجزائري، ويعود له الفضل في ترسيخ طابع الشعبي المعاصر بآداءه المتميز وتكريسه للعزف على آلة الماندول.
فالجزائر التي تحتفل هذه السنة بالذكرى الستين لاستعادة السيادة الوطنية تبقى ممتنة له بتأليف ترنيمة للاستقلال بعنوان “الحمد لله مبقاش استعمار في بلادنا” وهو عمل كتبه ولحنه “الكاردينال”، عميد الأغنية الشعبية عندما هبت نسائم الاستقلال حيث أدى هذه الأغنية لأول مرة في 3 جويلية 1962.
وتعتبر هذه الشخصية البارزة في الفن الجزائري التي وافتها المنية يوم 23 نوفمبر 1978 احد المؤسسين للطابع الشعبي ومعلما وقدوة لثلة من مطربي الشعبي الذين اختاروا مدرسة “العنقاوية” وكذا عدة أجيال من الموسيقيين الذين قام بتكوينهم في المعهد المركزي للموسيقى بالجزائر العاصمة .
عند خوضه هذه التجربة الموسيقية الفريدة، كان الحاج محمد العنقى عازما على التميز عن فرق الموسيقى الأندلسية الأخرى من خلال إدخال العديد من الآلات فيها مثل البانجو و البيانو و كذا على “فرض شخصيته” من خلال تصميم آلة موسيقية تضاهي خامة صوته يمكن سماعها من خارج بيوت القصبة، حسب ما صرح به كمال فرج الله أستاذ موسيقى وتلميذ العنقى.
وكان العميد قد تحدث عن تصميمه للآلة الموسيقية “ماندول” في حوار مع المؤلف كاتب ياسين حيث أكد أنه “اعد تصميم هذه الآلة في عام 1935 ليقدمه لصانع الآلات الموسيقية الوترية بباب الواد جان بيليدو”، أستاذ موسيقى أيضا.
و في نفس الحوار، تحدث العنقى بإسهاب عن تعاونه وعلاقته بالحاج مريزق و قصصه مع العديد من تلاميذه من بينهم الحاج منور (1913-1971) الذي وصفه بـ”أفضل تلامذته” وخليفة بلقاسم (1907-1951) وعمر مكرازة (1924-1986) وحسيسن واسمه الحقيقي أحسن العربي بن عمر (1929-1959).
“الفن هو الحياة والحياة لا تقدر بثمن”
درس محمد العنقى و اسمه الحقيقي محمد إيدير حالو المولود في القصبة بالعاصمة سنة 1907 ، في المدرسة القرآنية بالقصبة و في المدرسة الاستعمارية إبراهيم فاتح.
وكان منذ صغره مولوعا بالموسيقى حيث ترعرع في بيئة مشجعة على الإبداع و تعلم لدى وجوه فنية بارزة مثل مصطفى الناظور ومحمد عياد، المعروف باسم محمد خيوجي.
وبعد وفاة مصطفى الناظور في 1926، خلفه الشاب محمد لإحياء الحفلات العائلية، وبدأ ينأى عن الموسيقى الأندلسية.
وستمكنه اللمسة الموسيقية الجديدة من تسجيل عدة أسطوانات و تأدية أغاني وتسجيلها بالأمازيغية في الفترة الممتدة من 1929 إلى 1931، وقيادة أول أوركسترا للموسيقى الشعبية في الإذاعة، والتي ستصبح بداية من سنة 1946 “أوركسترا الشعبي” بفضل مساهمة بودالي سفير.
وفي سنة 1955، التحق مؤدي أغنية “سبحان الله يا لطيف”، من نص المرحوم مصطفى تومي، بالمعهد المركزي للموسيقى بالجزائر العاصمة بصفته أستاذا مكلفا بتدريس موسيقى الشعبي، وهي المغامرة التي ساهمت في ميلاد أوركسترا يقودها محمد فركيوي.
أسطوانات موسيقية وتلاميذ ومسار فني خالد
ترك الحاج محمد العنقى سجلا ثريا لا يقل عن 360 قصيدة وحوالي 130 اسطوانة خلال مسار طويل يزيد عن 60 سنة احترف فيها الموسيقى مرفوقا بموسيقيين متميزين على غرار مصطفى سكندراني وعلي دباح المدعو عليلو وعبد الغاني بلقايد وكذلك محمد صغير عوالي.
كما رافق مؤدي قصائد “المكناسية” و”الباز” و”والفي مريم” كل الاحتفالات المخلدة لاسترجاع السيادة الوطنية والاستقلال منذ ستين (60) سنة من خلال أغنية “الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا”، وترك بصمته في حفلات عائلية لا تعد ولا تحصى، نشطها هو بحد ذاته أو من خلال عديد المغنين الذين تتلمذوا على يديه.
ويعتبر عبد القادر شرشام ورشيد السوكي وأحمد برناوي ورشيد بركاني وكذلك روبار كاستال من بين تلاميذ الحاج العنقى الذين تكونوا لديه في سنوات 1950، وكانوا متواجدين مع نجله الهادي خلال مغامرة “الغوسطو”، وهي أوركسترا اعيد تشكيلها لتقوم بجولة عالمية لترقية موسيقى الشعبي.
وفي هذا الصدد، صرح الباحث والمتخصص في التراث الموسيقي الجزائري، عبد القادر بن دعماش بقوله “لو قصصوا عليا حكايات موسيقى الشعبي، لكنت بالتأكيد قد أعجبت بالشيخ محمد العنقى دون أي تردد مني، لأنه نقش اسمه بأحرف من ذهب في تراث الموسيقى الجزائرية بفضل شخصيته وكاريزمته وجرأته الفنية وبراعته في العزف على آلة الماندول”.
واعتبر محافظ المهرجان الوطني لموسيقى الشعبي أن “إسهام الحاج العنقى في إنشاء هذه الآلة الموسيقية وفي إصلاح هذا النوع الموسيقي الموروث عن الأجداد قد جعل منه مؤسسا لموسيقى الشعبي التي تبقى فخرا لنا”.
وبعد مسار فني طويل انتهى بإحياء حفلة عائلية لزواج حفيد معلمه مصطفى الناظور، أعرب الحاج محمد العنقى عن احترامه العميق للفن، مصرحا للكاتب المشهور، كاتب ياسين “الفن هو الحياة و الحياة لا تقدر بثمن، الفن ليس ستارا نختفي من ورائه و نمد يدنا”.