ما يميّز المعرض الجماعي «رؤية المستقبل» المقام بالمركز الثقافي مصطفى كاتب، والذي يستمر إلى غاية 28 من الشهر الجاري، هو تلك اللمسات الساحرة لريشة 8 فنانين تشكيليين، المنبثقة من لوحات طغى عليها الطابع الكلاسيكي المفعم بعطر الأمومة والانتماء إلى الأرض، وما زادها رونقا تلك الملامح والتعابير الناطقة لشخصيات من خيرة أبناء الجزائر، حيث من المنتظر أن يكون الفضاء فرصة يكتشف من خلالها الزوار والمهتمين بالفن التشكيلي لأعمال تفنن في رسمها ثلة مبدعة.
تزيّن الرّواق الرئيسي بالمركز الثقافي مصطفى كاتب بنحو 55 لوحة تشكيلية، أغلب ما تضمنته مواضيعها عن الأم، أما مواضيع ما حوته المجموعة المتبقية والتي تبرز من خلال الإطارات الفاتحة اللون بكل عذوبة وتناسق، فقد تنوّعت بين حب الوطن وذلك من خلال رسومات تروي تاريخ الأحياء الشعبية كقصبة الجزائر، والتي تضمنتها 05 لوحات تظهر فيها النسوة بالحايك والعجار في الأزقة المتراصة بين ممرات على شكل سلالم عريضة.
في السياق، من بين أبرز اللوحات التي يشع من بين ألوانها الدافئة سحر الأصالة والتراث، ما يظهر في لوحة ساحة سوق قصر غرداية أين أضفت ريشة الفنانة لمسة عجيبة فيها، حيث سيلمحها الجمهور جليا، إذ سيحسب وأنه بالفعل في ذات السوق المنتعش بحركة السكان وهم يقتنون لوازمهم من الباعة، وسيستشعرهم وهم يتفاوضون على سعر أحد الزرابي المبثوثة على الواجهة الرئيسية من السوق، إلى جانب لوحات تجسدت فيها مناظر خلابة من قرى بسكرة الملقبة بلؤلؤة إفريقيا، أين تظهر في الأعلى سعف النخيل وهي تتماوج مع الريح الخفيفة، بينما تظهر في الأسفل ملامح رجل يرتدي لباس تقليدي يبدو وكأنه عائد إلى منزله بعد يوم شاق من العمل.
في ذات الصدد، وفي المعرض أيضا رسومات لشخصيات جزائرية خلدت اسمها بحروف من ذهب، حيث تمثلت في كل من الشخصية التاريخية كريم بلقاسم أحد مفجري الثورة التحريرية المباركة وأحد قادة جبهة التحرير الوطني، حيث يخيل للمار بين الرواق وكأن الرسمة تتكلم معه، والذي حتما سيستسلم للتفاعل معها بابتسامة لطيفة.
بينما تمثلت اللوحة الثانية في التقاسيم الهادئة للشاعر والروائي والصحفي الطاهر جاووت الذي يظهر بابتسامته المعهودة، بينما تنعكس على جفنيه التي تتوسطهما نظرات مختبئة خلف نظارته الكبيرة الشفافة التي لن يفهم لغتها إلا من عرف الرجل عن قرب، في حين كانت ثالث لوحة من هذه المجموعة للالة فاطمة نسومر واحدة من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية في بدايات الغزو الفرنسي للجزائر، حيث تبدو بكل وضوح ملامحها الأنثوية القوية وبرنوسها المزخرف بأشكال مطرزة بشكل أنيق مرتب ذو دلالة ترمز للوطنية والحرية، أما رابع لوحة التي تسابق الزوار على أخذ صور معها، فهي لعميد أغنية الشعبي الحاج امحمد العنقى، بطربوشه الأحمر وبهندامه الراقي، وبحركة إبداعية تظهر فيها أسنانه المصطفة وكأنّ ريشة الفنان طوعت الزمن الجامد في تلك الملامح، وأجبرته على الحركة لنسمع من بين شفتيه وهو يدندن «الحمد لله ما بقاش استعمار في بلادنا».
تعود الرسومات الجميلة التي حواها المعرض الجماعي «رؤية المستقبل» إلى الفنانين التشكيليين الثمانية فتيحة حميدي، حسين منى، أنيسة مسدور، بوشوشي مروان، لطفي مقراني، بوشوشي عمر وشرفاوي عبد السلام، الذين أحسنوا اختيار مواضيع اللوحات المرسومة بكل احترافية وجمال، وذلك بشهادة الزوار الذين لم يفوتوا الفرصة في التقاط صور للوحات المعروضة، خاصة من الزاوية الأمامية للمعرض أين يتربّع في الأعلى علم الجزائر بألوانه الضاربة في أعماق التاريخ، بينما تتواجد لوحة الحاج امحمد العنقى على مستوى علو مناسب لأصحاب القامة الطويلة.