صدر للباحث بلعالية دومة ميلود كتاب “البخاري حمانة: فيلسوف الثورة الجزائرية”. حاول المؤلف في هذا البحث تسليط الضوء على سيرة الفيلسوف الجزائري البخاري حمانة واهتماماته بمسائل فلسفة التاريخ ومفهوم فلسفة الثورة الذي صاغه.
يتناول بلعالية دومة في كتابه الصادر عن منشورات الوطن اليوم، سيرة ومسار الباحث البخاري حمانة، كما وردت على لسانه، ويشير الى أن سيرته كإنسان تتداخل مع مساره كمناضل.
وُلد الفيلسوف الراحل في قمار بوادي سوف. تعلم في الكتاتيب القرانية، وحصل على الشهادة الابتدائية الفرنسية، ثم أرسله والده الى الزيتونة وحصل على شهادة التحصيل.
يذكر البخاري حمانة أنه بعد الإعلان عن قيام الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية سنة 1958، انخرط من أول لحظة في مسار الثورة التحررية وحاول أن يكون من المجندين لكن طلبه قوبل بالرفض بسبب صغر سنه وضعف بنيته الجسدية.
ويشير إلى أنه بعد حصوله على شهادة الليسانس من تونس، سافر إلى مصر لمواصلة دراسته، وعُيّن على رأس وكالة الانباء الجزائرية في الشرق الأوسط ككل.
ويروي البخاري رحلة نضاله الطويلة بالجامعة، والتي بدأت بالتحاقه لجامعة وهران عام 1972، وسعيه لتعريب قسم علم النفس، ونضاله مع الأستاذ عبداللاوي محمد لفتح قسم الفلسفة، ثم اهتمامه بتأطير طلبة الماجستير والدكتوراه، حيث سعى إلى تعليم الجانب المنهجي للطلبة حتى يتمكنوا من إعداد أعمال فلسفية راقية وذات أثر.
يتطرق الكاتب بلعالية في المحور الأول من الكتاب إلى فكر الفيلسوف البخاري حمانة، إذ يشير إلى ان جل بحوث البخاري حمانة كانت فلسفية في المقام الأول، سواء على مستوى الرؤية أو المنهج، وذلك لاحتكاكه ببعض كبار فلاسفة العصر، ومعرفته الواسعة بطبيعة البحوث التي تنجز في الجامعات الغربية المتطورة.
ويشير الباحث إلى أن الفيلسوف كان يؤمن بان اي تقدم علمي في أي فترة من فترات التاريخ لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل الاهتمام بالفلسفة.
الفكرة الثورية المحركة للتاريخ
وكتب :”ان نظرة واسعة وشاملة على كل ما كتبه استاذنا البخاري حمانة سواء في حقل الفلسفة أو الادب أو الاسلاميات على مدار ما يربو على أربعة عقود من الزمن ينتهي لا محالة إلى التاكيد على هيمنة فكرة الثورة على نصوصه، ايمانا منه أن الفكرة الثورية هي المحركة للتاريخ، ان على مستوى تاريخ الافكار أو مستوى تاريخ الأحداث والوقائع”.
ويؤكد المؤلف ان البخاري كان يرى ان حقيقة الثورة لا تكمن في بعدها السياسي العنيف وحسب، كما اعتاد الكثير من الفلاسفة السياسيين والاجتماعيين على تصورها، بقدر ما تكمن في المفهوم الأصيل الذي استخلصه من بحثه القيّم : “القرآن والثورة” بل باعتبارها ضرورة وامكانية التغيير الروحي والمادي.
ويتطرق الباحث الى اهتمامات البخاري حمانة بمسائل فلسفة التاريخ، ليتوصل إلى أن هذا الاخير تتبع فكرة التاريخ الفلسفية منذ لحظة ولادتها داخل الحكمة اليونانية الى لحظة اختمارها ونضجها مع فلاسفة الأنوارن انتهاء بموجة التاريخ الجدبد، ويكمن السبب في ذلك الى ادراكه خطورة الدور الذي صارت تلعبه فلسفات التاريخ.
ويتناول الكاتب بلعالية في المحور الثاني من الكتاب موقف الفيلسوف من العلوم الانسانية في الجزائر، وبحث في اشكالية: هل المجتمعات النامية مجبرة على ان تراهن على العلوم الاجتماعية وان تعير لها انتباها، خاصة مادامت هذه العلوم ثمرة رؤى ايديولوجية غربية، راسمالية وليبرالية، أو ماركسية .. أم عليها اجراء ضرب من التطهير المنهجي والنسقي لهذه العلوم بهدف افراغها من كل مضمون استعماري وجعلها أقل تمركزا اوروبيا قبل أن نضعها في خدمة التنمية؟
وفي المحور الثالث من الكتاب يتطرق الباحث بلعالية إلى مفهوم فلسفة الثورة الجزائرية عند الدكتور البخاري حمانة، التي اعتبرها اسهاما مميزا واستثنائيا في كل ما كتبه خلال مسيرته الفكرية، وهي الفكرة التي خصص لها كتابا يحمل عنوان: “فلسفة الثورة الجزائرية”.
ويؤكد البخاري في هذا الكتاب أن “الثورة الجزائرية” ليست مجرد هبّة شعبية عفوية وتلقائية ضد جهاز استعماري ، وإن بدت في الظاهر كذلك، وانما هي في حقيقة الأمر ثورة مشبعة بروح تطالب بالحرية والكرامة نابعة عن عزيمة افتكاك الاستقلال اكثر مما هي مرتبطة بوطأة التاثير الاقتصادية.
ويرى الفيلسوف أنه حين “تختزل إرادة الشعب بكامله في مطلب الاستقلال وما يرتبط به من مطالب العيش الحر والكريم، فلا شك أن العمق الذي تنبعث منه هذه الارادة لا يمكن أن يكون ماديا بل عمق الروح المسكونة بالثورة بحكم ولادتها الأولى وطبيعة نمشيها و تكونها التاريخيين”.