رافع الكاتب أمين الزاوي لحق المرأة في الوصول إلى السلطة، وتولي مقاليد الحكم، ويدعو إلى “تأنيث السلطة، حتى يستعيد العالم متعة العمل المريح والعدالة والشفافية”.
قال الزاوي في حوار لـ”فواصل”، إن من أطلق الحكم السياسي على المرأة “بأنها ناقصة عقل ودين” كان غرضه الأول “تجييش العامة والغوغاء ضد فكرة دخول المرأة ميدان المنافسة السياسية والعلمية بالاستناد إلى تأويل ديني خاطئ ومغرض”.
أختي الكبرى أثرت فيّ بشكل كبير
ما سبب اقتناعك أن المرأة ستنجح في التسيير وتنجح في تحقيق العدالة؟
أمين الزاوي: ببساطة ودون تفلسف، لقد جربنا الرجال في سدة الحكم وفي مركز القرار الأول فلم ينجحوا، بل الأخطر من ذلك أوصلوا البلاد إلى الكارثة والخراب، كل البلدان العربية والشمال إفريقية حكمها الرجال منذ الاستقلالات الوطنية فأفسدوا فيها.
أعتقد أن الرجل، الذي يحمل فيه بقايا الفكر الأبوي المتسلط، لا ينتعش إلا في ظل “الطاعة” العمياء، وبالتالي، الرجال الذين حكموا والذين لا يزالون في السلطة يخلطون بين “الأبوية التي هي نتاج الطاعة العمياء” و”الحكم الذي هو نتاج الديمقراطية”.
أعتقد أن شخصية الرجل العربي المسؤول مليئة “بالأنانية”، وهو مرض يتعاظم حين يكون هذا الأخير في مركز القرار العالي، فإذا كانت المرأة معروفة، بشكل عام، بظاهرة “الغيرة”، وهذا أمر يجب التحقق منه، لأن الرجال بهم غيرة أيضا وهم يخفونها لأنهم يريدونها أن تكون لصيقة بالمرأة باعتبارها حالة “ضعف”، لكن في حقيقة الأمر هي طاقة إنسانية إيجابية، أما الأنانية الذكورية فهي طاقة مدمرة.
هل هناك امرأة أثرت فيك؟
أمين الزاوي: كبرت في أسرة بها سبع أخوات، وهي أسرة منسجمة وقد نجح الجميع في الحياة.
كنت أدرك منذ الصغر مدى تضحية المرأة من خلال أخواتي وأيضا بنات ونساء الجيران، لكن أختي الكبرى ربيعة كانت لها شخصية متميزة قادرة على التأثير على جميع قرارات أبي، بل إنه لم يكن يقدم على أمر إلا إذا استشارها، وسمع رأيها، في الصغيرة والكبيرة، وكانت حكيمة وصلت قوة شخصيتها إلى أن صوتها ورأيها كان مسموعا لدى الأعمام والأخوال والجيران.
توفيت وهي في الثلاثين من عمرها ولم تتزوج. كان موتها الطبيعي صدمة للجميع، وقد يكون موتها أصدم شيء عرفته في حياتي.
كانت أختي الكبرى من أثر فيّ بشكل كبير، لذا أرى أن حضورها كان بالفعل موجها لكثير من مواقفي المناصرة للمرأة، فأنا حتى الآن أرى في المرأة صورة أختي بكل حزمها وحسن تدبيرها.
يقال إن (النساء ناقصات عقل ودين)، ما رأيك؟
أمين الزاوي: هذا رأي صادر عن مجتمع ذكوري أناني، لا علاقة له بقراءة الواقع ولا التاريخ.
أعتقد أن طبقة الرجال الذين وصلوا إلى السلطة عبر التاريخ العربي والإسلامي هم من أذاعوا مثل هذه الأفكار العنصرية للدفاع عن مواقعهم ولاستبعاد المرأة عن المنافسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية.
وأعتقد أن من أطلق هذا الحكم السياسي على المرأة “أنها ناقصة عقل ودين” كان غرضه الأول هو تجييش العامة الغوغاء ضد فكرة دخول المرأة ميدان المنافسة السياسية والعلمية بالاستناد إلى تأويل ديني خاطئ ومغرض.
الأيديولوجيا الذكورية المناهضة للمرأة تبدأ أصلا في المدرسة
المعروف أن المرأة عاطفية وعاطفتها تسبق عقلها. هل تعتقد بوجود المرأة القائدة، التي تستطيع فصل العاطفة عن الحكم؟
أكد لنا العالم من حولنا بما لا يدع أي الشك، في أوروبا وأمريكا واليابان والصين، أن المرأة قادرة على قيادة السياسة والاقتصاد وعلم الفلك وهي تقود وزارات الحرب وتقود الجيوش…
إن فكرة “المرأة عاطفية وعاطفتها تسبق عقلها” فكرة خطيرة وعنصرية، يُراد من ورائها تكريس دور المرأة في الأمومة فقط، وحتى كتب المدارس تركز منذ البداية على تقديم المرأة بهذا الشكل، فهي الرحم والسهر على الطفل والخوف عليه والتأثر الشديد لما قد يتعرض له، وكأن الرجل لا علاقة له بالطفل.
إن الأيديولوجيا الذكورية المناهضة للمرأة تبدأ أصلا في المدرسة، ولا يمكننا صناعة جيل جديد يحترم المرأة ككيان تاريخي يسهم في تنمية البلد إلا إذا راجعنا وبشجاعة مثل هذه القنابل المدرسية الأولى المزروعة في الكتب المدرسية والتي دمرت عقل العربي والمسلم على مدى القرون ولا تزال.
قلت إن الرجال فشلوا في التسيير. ألا يوجد رجل يمكنه تحقيق العدالة والشفافية؟
الخطر قائم في أيديولوجية “الذكورة” التي تعتمد على تجنيد تاريخ طويل ومظلم من الثقافة الفاسدة وبعض النصوص الدينية المُؤوّلة بطريقة ذكورية عنصرية لمحاربة حضور المرأة، فكل امرأة استطاعت أن تحقق مكانة في مجتمعها تتهم “بالاسترجال”.
فكرة “الاسترجال” هي سلاح “شعبوي” ذكوري ضد حرية المرأة في تقرير مصيرها، حرب ضد حق المرأة في امتلاك مصيرها وجسدها ومالها، والرجل للأسف ضحية هذه الأيديولوجيا المريضة والعنصرية، وبالتالي حتى حين يكون هناك رجل يبدي بعض التصورات الإيجابية في الحياة فبمجرد وصوله إلى دائرة القرار يتحول إلى ضحية من ضحايا هذه الأيديولوجيا الذكورية الاقصائية، وإذا ما حاول أن يعارضها فسيهمش ويطاح به من قبل مليشيات أيديولوجيا الذكورة.
أنت من المنادين بتأنيث السلطة، وقلت إنه عندما يتم تأنيث السلطة سيستعيد العالم متعة العمل المريح والعدالة والشفافية، هل هناك امرأة في الجزائر تراها قادرة على الحكم؟
هذا السؤال في حد ذاته يشكك في قدرة المرأة الجزائرية، وهو سؤال من صناعة ثقافة الذكورة المرضية.
أقول هناك كثير من الأصوات النسوية القادرة على القيادة في كل الميادين، من رئيس الدولة إلى رئيسة دائرة، ولكن المجتمع للأسف لا يسمح ولا يريد هذه الأصوات لأنها دون شك، وهذه قناعتي، الوحيدة التي تحمل روح التغيير الحقيقي في بناء “جزائر جديدة”، غير ملوثة بفساد عممه الرجال.