قال مدير مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية صالح أمقران، إن التراث العالمي، هو مصدر فخر لكل الجزائريين. وأفضل رد على من يشكّك في تاريخ الجزائر المتجذّر في تاريخ الإنسانية.
عرفت الورشة التكوينية حول توثيق المعارف التقليدية، التي نظمتها مديرية مشروع الحظائر الثقافية الجزائرية، مؤخرا، مشاركة خمسة أعمدة من حاملي المعارف التقليدية لموقع “مداك” بحظيرة تاسيلي ناجر، فيما دعا حاملو المعارف إلى الاستفادة من خبرتهم الطويلة بدل إحالتهم على التقاعد.
وفي هذا الصدد، أوضح المدير الوطني لمشروع الحظائر الثقافية الجزائرية، صالح أمقران. إن “حاملي التراث غير المادي والمعارف التقليدية بمنطقة تاسيلي ناجر لهم معارف كبيرة متوارثة من مئات السنين، وخبرات هامة في التسيير الإقليمي كمعرفة التضاريس والطوبونيميا (أسماء الأماكن) وغيرها”.
وذكّر أمقران بأن هضبة “مداك”، التي ينتمي إليها حاملو المعارف المشاركون في الورشة، كانت نقطة البداية في إنشاء حظيرة تاسيلي ناجر.
ومن بين هؤلاء أيوب وارزاغن، أحد الأوائل الذين عملوا في الحظيرة الثقافية. حيث عيّن كعون حفظ بها سنة 1974، وظل بعد إحالته على التقاعد سنة 1997 وفيا لمهمة حفظ التراث وساهم في إنجاح جهود مشروع الحظائر الثقافية بالمنطقة.
ودعا وارزاغن الجميع للمساهمة في حماية تراث التاسيلي، فالحظيرة الوطنية لا يمكنها القيام بهذه المهمة الصعبة لوحدها: “يد واحدة لا تصفق”، يقول وازاغن صاحب الـ88 عاما.
وسار عيسى آقحماد في نفس الاتجاه، ودعا للاستفادة من ذوي الخبرة المحالين على التقاعد. فـ”إحالة هؤلاء على التقاعد تحرم الشباب من التكوين الجيد والاستفادة من معارفهم وخبرتهم”، يقول آقحماد، الذي أحيل على التقاعد سنة 2014. ودعا للتفكير في طريقة أو صيغة أخرى للاستفادة من هذه الطاقة البشرية الثمينة.
وفي سياق ذي صلة، اعتبر أمقران أن هذا المشكل مطروح حتى في الشمال، حيث يلاحظ “أننا لا نستفيد من حاملي التراث والمعارف التقليدية بالشكل اللازم”.
وبالعودة إلى خصائص وأهمية المنطقة وتراثها، ذكّر أمقران بأن “مداك” هي التي توجد بها معالم هامة مثل سفار وجبارن وتامغيت، وهي المنطقة التي يوجد بها أكبر تركيز للفن الصخري في العالم. ونتحدث هنا عن أزيد من 15 ألف رسم في هذه المنطقة فقط، بعضها يعود إلى أكثر من 12 ألف سنة. وهذا الفن الصخري هو “نتاج حضارة وليس شعوذة كما يروج البعض”.
ومع انطلاق الموسم السياحي في الجنوب الجزائري، حذّر أمقران من الآثار السلبية التي يخلّفها بعض السياح على التراث الثقافي والطبيعي في الحظائر الثقافية، واعتبره الكنز الحقيقي الذي يجب حمايته ورعايته: “إن الحفاظ على التراث هو الأولوية لأنه قبل كل شيء جزء من ثقافتنا وهويتنا. أما الاستغلال السياحي فيأتي كمرحلة ثانية”، وشجع التوجه نحو “سياحة نوعية انتقائية وليس سياحة الكمّ”.
وأضاف أمقران، بأن هذا التراث العالمي هو “مصدر فخر لكل الجزائريين”، وخير جواب على من يشكّك في تاريخ الجزائر المتجذر في تاريخ الإنسانية ذاتها. ناهيك عن الأهمية العلمية التي تكتسيها الحظائر على غرار حظيرة تاسيلي ناجر، من الجانب البيئي وحتى دراسة التغيرات المناخية في التاريخ.
ومشروع الحظائر الثقافية الجزائرية، هو مشروع وطني يسجل في إطار شراكة دولية بين الجزائر ممثلة بوزارة الثقافة والفنون، وصندوق البيئة العالمي الممثل ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر.
وكانت انطلاقة المشروع الفعلية عام 2014، ويعدّ تجربة رائدة في تسيير التراث البيئي الثقافي بإقليم الحظائر الثقافية. خصوصا بما حققه من مكاسب وإنجازات على المستويين العلمي والتقني، كان من بينها التمكن من رصد الفهد الصحراوي، المهدّد بالانقراض، بعد أكثر من عقد من الزمن.