يؤكد الفنان الصادق جمعاوي، في حوار لموقع “فواصل”، أن الفن في الجزائر بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقة للنهوض به، ودعا جمعاوي السلطات العمومية للاهتمام بالفنان الجزائري ودعمه حتى يكون سفيرا للجزائر في العالم.
تحدث جمعاوي عن الفن بين الأمس واليوم، وعن الجمهور الذي تغيّر، وتغيرت ميولاته وأهواءه وكشف الفنان عن مشاريعه المستقبلية، وعن إطلاق أغنية رياضية جديدة لدعم المنتخب الوطني في تصفيات كأس العام 2022 بقطر.
كيف يقدم الصادق جمعاوي نفسه..؟
أنا فنان ابن الشعب، ابن بيئته، صنعت نفسي بنفسي، الحمد لله هناك شريحة كبيرة تعرفني وأفتخر بمكانتي في الساحة الفنية، دخلت عالم الغناء مبكرا وتعلقت به، غنيت لفنانين مشهورين كالفنان رابح درياسة والهاشمي قروابي.
ارتويت من أغاني الكشافة الجزائرية، بدأت العزف على آلة أو بالأصح ” دلو لمادة البنزين”، أشتريت بعد مدة آله للعزف بـ 10 دينار من أحد المعمرين الذي كان مازال في الجزائر ولم يغادرها اسمه ” بونجو”، وأصبحت أغني لعديد الفنانين.
كان طموحي كبير، وأحلامي أكبر، لكن امكانيات عائلتي محدودة ومتواضعة جدا، حاولت عدة مرات الالتحاق بالمعهد البلدي للموسيقى، لأتمكن في الأخير من دخوله، لكن لم أكمل دراستي، سافرت إلى فرنسا لإتمامها هناك، لكن وجدت هناك الاتجاه الموسيقي لا يتماشى مع ما اخترته، لأتوجه بعدها إلى المغرب، التقيت مع فرقة “جيل الجيلالة”، وهناك تم اعطائي فكرة لإنشاء فرقة موسيقية، والتي عرفت مستقبلا بـ “البحارة”.
“أسست فرقة البحارة بكذبة بيضاء”
كيف أنشأت فرقة “البحارة”؟
ظهرت فرقة “البحارة”، أولا بفضل فرقة “جيل الجيلالة”، أسستها إن صح القول بـ”كذبة بيضاء”، تجاوزنا العديد من الصعوبات كفرقة، لكن النتيجة كانت رائعة، بعد 1976، خرجنا من حدود الجزائر بأغانينا، خاصة أغنية “خوذي بريتي يا عمري” وهي أغنية اجتماعية بثت في التلفزيون العمومي .
كما قلت فرقة “البحارة” عبرت الحدود بأغانيها، سافرنا إلى بلدان عديدة مثل ليبيا، تونس، البرتغال، المغرب، السعودية، الأردن، سوريا وفرنسا…”، الحمد لله بفضل الأغنية العربية “زينة وهمة من مراكش للبحرين”، “شكرا أستاذي”، و”جيبوها يا لولاد”، “البحارة” أصبحت معروفة بالعالم العربي.
أين هي الآن؟ ولماذا انفصلت عنها؟
لم أنفصل عنها، يوجد عضوين من فرقة “البحارة” سافرو إلى فرنسا وأسسوا عائلات هناك، وأنا دعمت الفرقة بأعضاء جدد، وفي سنة 2018 و2019 قمنا بجولة فنية في 48 ولاية.
كثيرون قالوا أنني انفصلت عن فرقة “البحارة”، وهذا غير صحيح. أحيانا أغني بمفردي أغاني باللغة الأجنبية، وأحيانا أخرى تكون أعمالا لا تتطلب العمل الجماعي.
الصراحة “البحارة”، فرقة غير “مسيسية” احتكاك أفرادها بالجمهور قليل، مثلا هناك من لا يحبذون الظهور في التلفزيون أو الإذاعة، لديهم احتكاك واحد فقط مع الخشبة والجمهور الحاضر. أعضاء الفرقة كل واحد فيهم خجول بامتياز.
لماذا اشتهرت بالأغنية الرياضية، على ما سواها؟
أولا في مشواري الفني، بدأت بالأغنية العاطفية، ولم أتخصص في نوع معين، وأديت الأغاني الرياضية، لكن لست أول فنان بل سبقني فيها الفنان رابح درياسة، نورة، دحمان الحراشي…غنيت للفريق الوطني “جيبوها يا لولاد”.
هذه الأغنية اشتهرت كثيرا سواءً على المستوى الوطني أو الدولي، أصبحت مطلوبا لتأدية أغاني رياضية للفرق الكروية في الجزائر على غرار “السياسي” بقسنطينة، عين مليلة، “النهد” حسين داي، مولولدية الجزائر، اتحاد العاصمة، شبيبة القبائل.
أيضا أديت أغاني رياضية لفرق منها الإمارات، “العين” و”السد” القطري.
توجهت بعدها إلى الأغنية التربوية وأغاني الأطفال، أديت “شكرا أستاذي” و لاقت شهرة كبيرة، ما سبب تغيير اتجاهك الفني؟
أغنية “شكرا أستاذي”، هي في الصراحة تكريم لأحد الأساتذة الذي تأثرت بوضعه، أين كان ينام في حمام جماعي، وينهض باكرا للذهاب للمدرسة، أردت من خلالها تكريم هذا الأستاذ، هذه الأغنية ” شكرا أستاذي” التي لا يزال الكثير من التلاميذ وغيرهم يرددونها.
بعد نجاح هذه الأغنية، واكتشفت أن مثل هذا النوع مطلوب في ذلك الوقت، سجلت العديد من الأغاني الموجهة للأطفال، وهناك حوالي 20 أغنية موجودة في مكتبة الإذاعة الوطنية، لكن لم تبث، ومنها من سجلتها مع الفنان ندى الريحان.
للإشارة، عملت 8 أغاني للأطفال باللغة الأجنبية ” الفرنسية”، تطرقت فيها لمواضيع “المجاعة، الحروب…”، أردت من خلالها إيصال صوت الأطفال للعالم، وتحصلت من خلالها على جائزة الأمم المتحدة “اليونيسيف” والإذاعة الوطنية سنة 2016، وهي جائزة خاصة للأغنية الموجهة لحماية الأطفال.
الصراحة، أكثر ما أعتز به إطلاقي لأغنية “جيبوها يا الأولاد ” بمناسبة تأهل الفريق الوطني لكرة القدم لنهائيات كأس العالم سنة 1982، كانت من أهم الأغاني التي نالت شهرة ورواجا في ذلك الوقت، دون أن أنسى أغنية ” شكرا أستاذي” التي لا يزال الكثير من التلاميذ وغيرهم يرددونها.
“الفن نعمة والأغنية التربوية جلبت لي الاحترام”
40 سنة من الأغنية التربوية والرياضية والشعبية.. عمر فني محترم..
أولا، أحمد الله وأشكره على ما وصلت إليه، فالفن نعمة والرسالة التربوية جلبت لي الاحترام الذي لا يمكن أن يعطيه لي أي منصب سياسي ولا منصب وزير، أو رئيس، وهنا أقول دائما “تزرع تحصد”، لا يستهويني أي منصب، لكن لدي حريتي المطلقة، المقام الذي وصلت إليه لا يستطيع أي شخص آخر الوصول إليه، لأنني- ببساطة- بدأت من العدم من لا شيء.
ماذا جلبت لك أغانيك من الناحية المادية؟
حقيقة، عندما أطلق أغاني لا أنتظر المقابل، أحيانا في العام أو العامين، أعمل أغنية ممولة، لكن باقي الأغاني التي في رصيدي هي من تمويلي الخاص، لا أتقاضى أجرا على ذلك، سواءً من التلفزيون العمومي أو الإذاعة الوطنية، لكن كمعيشة وككرامة الحمد لله في هذا الجانب.
جمهورك من الثمانينات تغير ام مازال هو نفسه؟
طبعا لا، الجمهور تغير كثيرا، أكيد الأشخاص الكبار مازال لديهم ميول للأغاني التي أطرحها، لكن حاليا، ظهرت أمواج جديدة من الموسيقى لديها جمهورها الخاص، وصراحة الجمهور الصغير الشاب ليس جمهوري، الشباب بيت 20 و25 ليس جمهوري. تقول الأطفال والتلاميذ في المدارس نعم، هم جمهوري، لكن الفئة السابقة لا، لديها ميولا لنوع موسيقي آخر.
الحقيقة، لم تختف الأغاني التربوية، بالعكس توجد العديد منها، لكن المشكل يكمن في عدم بثها، على سبيل المثال في الإذاعة الوطنية، يوجد جيل جديد من المخرجين الشباب، يبرمجون الأغاني حسب أذواقهم الخاصة، وليس وفق ما يطلبه الجمهور، وهذا السبب الرئيسي في اختفاء الأغاني التربوية.
“الفن أصبح موضة لدى الكثيرين“
أين اختفت الأغنية التربوية؟
الحقيقة، لم تختف الأغاني التربوية، بالعكس توجد العديد منها، لكن المشكل يكمن في عدم بثها، على سبيل المثال في الإذاعة الوطنية، يوجد جيل جديد من المخرجين الشباب، يبرمجون الأغاني حسب أذواقهم الخاصة، وليس وفق ما يطلبه الجمهور، وهذا السبب الرئيسي في اختفاء الأغاني التربوية.
“الفن أصبح موضة لدى الكثيرين”
ما تقييمك للفن الجزائري عامة؟
أولا لتقييم الفن الجزائري، يجب أن تكون إرادة سياسية، ثقافية، فنية، أدبية، فالحالة الروحية للأغنية أو للثقافة مازالت بعيدة كل البعد، نحن فقط في مرحلة الترقيع، ورغم ذلك هناك قامات فنية نفتخر بها خصوصا مطربي الأغنية الوطنية مثل الفنان أحمد وهبي، الهاشمي قروابي، سلوى ونورة.
ولا يخفى عنكم أن مستوى الفن يظهر في آداء الأغنية ومدى نجاحها. هناك نجاح مؤقت وآخر دائم حسب مدى قوة التبليغ ومدى تأثيره وديمومته، يعني أن تكون أغاني بها روح، وليس كبعض الصيحات الجديدة والموجات الشبابية التي ظهرت مؤخرا في الوسط الفني.
لا ألوم الشباب الذين باتوا يستمعون لهذا النوع من الكلمات، فالفن أصبح موضة لدى الكثيرين. ما نجم عنها ظهور أغاني هدامة لا تحمل أية معاني أو رسائل تربوية، ولأن بعض الشباب متعطشين للفن فهم ينساقون وراء الانحطاط الفني، وهذا الخليط الممزوج بين الدارجة والفرنسية لا يخدم أبدا الفنان ولا الفن وهدفه تجاري محض.
هل هناك فنان تتمنى الغناء معه؟
نعم، يوجد فنانون أرغب في الغناء معهم، أتمنى تأدية أغاني مع فرقة من “التوارق”، كما أود الغناء مع الفنان يوسف بوخنتاش، ندى الريحان، فؤاد ومان…
الصراحة، لا يسعني ذكر كل الفنانين، لكن الجزائر غنية بالأصوات الجميلة والفنانين الذين أود الغناء معهم.
ما مشاريعك المستقبلية؟
حاليا أقضي معظم وقتي مع كتابي الثالث الذي سيصدر باللغة الفرنسية، الذي هو حاليا في مرحلة التنقيح والمراجعة. وللذكر، يوجد في رصيدي أيضا كتابين باللغة الأجنبية، الكتاب الأول دفعته لدى وزارة الثقافة والكتاب الثاني مازال في المنزل.
وفيما يتعلق بالأغاني، أعمل حاليا على تلحين وتحضير أغاني حول “استعمار الأمس واليوم، والمستقبل”.
هل تحضر أغنية للمنتخب الوطني، خاصة مع اقتراب تصفيات مونديال 2022 بقطر؟
ممكن جدا تكون أن أعمل أغنية للمنتخب الوطني، مع بداية التصفيات لنهائيات كأس العالم 2022، لدعم منتخب بلادي، هذا المنتخب الذي يحسدنا عليه العالم “ربي يحفظهم “.
للإشارة، أطلقت أغنية للفريق الوطني باللغة الفرنسية، موجهة أكثر للجاليات في الخارج، خاصة في البلدان الفرونكفونية.
لكن قبل أن أختم، عندي عتب صغير على المسؤولين سواءً في الاتحادية الجزائرية لكرة القدم “الفاف” أو وزارة الشباب والرياضة، بسبب عدم دعوتنا ولا مرة لحضور مباريات الفريق الوطني، رغم أنني أغني منذ سنوات وأدعم الفريق، لكن لا توجد التفافة وصغيرة لعميد الأغنية الرياضية.