إن التقرير الذي أنجزه المؤرخ الفرنسي ” بن جاما ستورا”، عن قضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر، بطلب من رئيس الدولة الفرنسية ” إيمانويل ماكرون”، هو بمثابة خارطة طريق لمصالحة الذاكرتين الجزائرية والفرنسية، عن احتلال استيطاني.
استهدف الإنسان كيانا فيزيقيا ومعنويا، وقيميا، واجتماعيا، وغير ملامح المشهد المعماري، بذاكرة المكان، فأباد الملايين وسعى لتغريب الإنسان الجزائري عن ذاته ،على مدى عقود إلى أن قامت ثورة التحرير الجزائرية 1954-1962، فاستأصلت منظومة المظالم بكل ممارستها وذهنيتها القرسطية. فحررت الجزائر وحررت المغتصب من أمراضه العصابية، في العنصرية، وفي وهم التفوق الحضاري.
إن تقرير السيد المؤرخ، لم يتجاوز حدود مصالحة الفرنسيين مع أنفسهم.
نبين بدءا أن مسألة الذاكرة المشتركة، هي مغالطة في الماهية، والمعنى والمآل. إذ لكل ذاكرته . أما التاريخ فعلم ،وعقل، وزع بين الناس بعدالة.
أما ما قدمه السيد المؤرخ، فلا هو ذاكرة مشتركة،و لا هو تاريخ، هو بل هو مجرد تبرير، لأهداف ذات علاقة بشؤون الدولة الفرنسية الداخلية، و لاعتبارات جيو-سياسية بأبعادها الاقتصادية، والمنفعية المستمرة لصالح طرف ظالم على حساب طرف مظلوم، ديدنه في ذلك، ازدواجية المعايير، وإلغاء الكل لخدمة الجزء وتوظيف الاستدعاء الانتقائي للأحداث والأشخاص،لإخفاء الحقائق المأساوية .
فليل الاستعمار الفرنسي للجزائر، لو تناثرت عتمته على الدنيا لأغرقتها في الظلام.
– فيما يلي قراءة مقتضبة للتقرير المشار إليه سابقا.
كلف السيد رئيس الجمهورية الفرنسية “إيمانويل ماكرون” في شهر جويلية 2020، مواطنه المؤرخ “بن جاما ستورا”بصياغة تقرير شامل عن قضايا الذاكرة المتعلقة بالاحتلال وحرب الجزائر.
و سلمه إليه في جانفي 2021، وجاء بعنوان:
« Les Qestions Mémorielles Portant sur la Colonisations et la Geurre d’Algérie »
يتضمن التقرير 157 صفحة، به ثلاثة فصول وخلاصة وخاتمة وجملة من الاقتراحات
بالإضافة إلى نصوص خطب رؤساء فرنسا حول موضوع الذاكرة ” المشتركة” ضمن ملحق التقرير وهم على التوالي:- الرئيس جاك شيراك، يوم الخميس 5 ديسمبر ،2020،- الرئيس ساركوزي يوم الأربعاء 5 ديسمبر 2007، الرئيس فرنسوا هولند، يوم 19 مارس 2016، الرئيس إيمانويل ماكرون، يوم 13 سبتمبر 2018.
بدأ المؤرخ بن جاما ستورا تقريره بالقول : ” أن رئيس الجمهورية “إيمانويل ماكرون” حملني في شهر جويلية 2020، مهمة تحرير تقرير حول قضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار، وحرب الجزائر.
وقد جاء في رسالة الرئيس عن المهمة ما يلي:” أتمنى أن أسجل نفسي ضمن إرادة جديدة للمصالحة بين الشعوب الفرنسية والجزائرية. إن موضوع الاستعمار وحرب الجزائر، عرقل منذ أمد طويل بناء مصير مشترك بين بلدينا في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأن اللائي ،و الذين بين أياديهم مستقبل الجزائر وفرنسا، ليست عليهم أية مسئولية في صدامات الماضي، ولا يتحملون وزرها. وأن من واجب جيلنا أن يتجاوز جراح الأمس، ولا يتحرج في كتابة تاريخه، بوصفه عمل للذاكرة وللحقيقة والمصالحة، وهذا من أجلنا، ومن أجل ارتباطنا بالجزائر، وهو ارتباط لم ينته، بل سيستمر…”
واضح، بأن قيادة الدولة الفرنسية الحالية تسعى لإيجاد مخرج لحرجها من ” عقدة الذاكرة” المشتركة طبقا لتصورها الخاص. إذ أفصح الرئيس الفرنسي، تزامنا مع تسلمه التقرير عن أمرين إستباقيين مفادهما، أن فرنسا لن تعتذر للجزائر عن احتلالها، ولن تعلن توبتها.
فحوى التقرير
جاء في مدخل الديباجة، بأن هذا التقرير يتناول جملة من القضايا ،من أولوياتها الآثار الحية للماضي وتأثير ذاكرة الاستعمار، وحرب الجزائر على المجتمع الفرنسي، وذلك منذ أن استتب الوضع للنسيان بعد 1962،وصولا إلى الفصل بين الذاكرتين.
ثم بعد ذلك عرض المؤرخ، وناقش مختلف خطب رؤساء الجمهورية الفرنسية بخصوص الجزائر منذ استقلالها إلى اليوم.
كما أضاف مسردا مختصرا تضمّن المبادرات المتخذة من قبل المجتمعات المدنية بين الدولتين.
وفي الجزء الأخير يقول: ” عالجنا القضايا المتعلقة بالأرشيف عموما، وبالأشخاص المفقودين تحديدا، بالإضافة إلى التعرف، و الاعتراف بحدث الاستعمار وحرب الجزائر…” بهدف التوصل إلى المصالحة مع الذاكرة بين فرنسا والجزائر، وقَفَى على ذلك بجملة من اقتراحات ملحقة بالتقرير.
لكن المؤرخ لم يفوت لحظة تسليمه التقرير، من أن يشير بحرقة إلى العمليات التي استهدفت ذبح أستاذ التاريخ ” صمويل باتي، وكذا اغتيال ثلاثة من رجال دين مسيحيين بمدينة نيس الفرنسية من قبل إرهابيين إسلاميين، ولسنا ندري ما هو المصوّغ أو السبب الذي جمع في التقرير بين موضوع الذاكرة” المشتركة”لماضي تعاقبت عليه عقود، وحاضر مختلف بكل معطياته وملابساته ؟
يفتتح المؤرخ “ستورا ” الفصل الأول بما يلي:
” إن عرض الماضي ليس حدثا عابرا، لاسيما عندما يتعلق الأمر بحرب الجزائر التي صدمت جماعات كثيرة من الناس، (عساكر، ضباط، ومقيمين، وحركى، وأقدام سوداء، ووطنيين جزائريين)”.
ويعترف بصعوبة تحليل وفهم هذا الماضي، في ظل تناقض الخطابات الرسمية وغموضها بشأنه، الأمر الذي يصعب من عملية المصالحة بين المجتمعين الفرنسي والجزائري، لما يحمله هذا الماضي من جراح عميقة ترهق الذاكرة.
على الرغم من مرور ستين عاما تقريبا عن استقلال الجزائر، فلم تفتأ هذه المعضلة قائمة بصعوباتها، وتعقيداتها وإلتواءاتها، كما أن صياغة منهاج مدرسي لها على النمط الفرنسي الألماني غير ممكن بعد.
و من تجليات تعارض الرؤى بين الطرفين بخصوص هذا الماضي،يرى المؤرخ بأن حرب الجزائر ظلت تطلق عليها فرنسا “أحداث الجزائر” بينما في الطرف المقابل من الأبيض المتوسط، يبني الجزائريون ذاكرتهم على مبدأ متعارض مع ذلك تماما، بتسمية هذه الأحداث ” بحرب تحرير وطنية”.
و يكفي سماع نغم، أو رؤية صورة تنبثق لعيان أولئك الشباب، الذين شاركوا في حرب الجزائر ضمن مليون ونصف مجند ما بين 1954-1962، وكذلك عائلات الأقدام السود، التي ارتبطت… بذكريات لا تنمحي.
كما هو الشأن بالنسبة للجزائري، الذي كابد الاستعمار وانتظر طويلا رؤية الاستقلال، يكفي ذلك، حتى تنهض في قلوب هؤلاء جذوة نار متقدة، الأمر الذي حسب المؤرخ، يصعب من تناول موضوع الذاكرة، لاسيما في ظل انصراف المؤرخين الفرنسيين…عن الاهتمام بهذا الموضوع،و كذلك الدراسات الجامعية ،و لكن بالمقابل تعددت كتابات الشهادات الخاصة.
أما في الجزائر فإن السلطات بعد أزمة 1962، قد اتخذت لنفسها جملة من الخيارات من بينها اعتماد مخيال الحرب كمرجع نهائي، الأمر الذي عتّم على البعد السياسي للمعركة ورجالاته، فهيمن الحربي على السياسي والثقافي، مما حدا بالمؤرخ الجزائري “محمد حربي” لنقده.
فئوية الذاكرة
يرى المؤرخ، أن سنوات الثمانينات من القرن العشرين، عرفت عودة إشكالية الذاكرة في أوساط أبناء الحركى، من زاوية المطالبة بالعدالة في الحقوق، ونبذ العنصرية الممارسة ضدهم معبرين عن ذلك بالمسيرات والتجمعات والتعبير الفنّي، ومن جهة ثانية، انتظم الأقدام السود في جمعيات للمطالبة بتعويضات عن أملاكهم التي فقدوها في الجزائر.
أما المجندون في حرب الجزائر، قد تصّلبوا في مواقفهم للحصول على بطاقة مقاتل في حرب طويلة الأمد، ظلت بلا عنوان. بحيث غدت ذاكرة حرب الجزائر معكرة اجتماعية ومعركة مواطنة.
وتأتى ذلك ضمن مسار جيو-سياسي ،بدأت ترتسم معالمه في العالم، من خلال سقوط حائط برلين، وانتهاء القطبية الثنائية، وتغول الفردية والأنانية، فطرحت معادلة الدين والأصولية كملاذ لمعالجة المعضلة.
من ثم، تعددت الفئويات المتامهية بموضوع الذاكرة، وتعمق لدى الأقدام السود والحركى إحساس بالغبن، بعد أن تجاهلهم المجتمع الفرنسي وسلطته بعد خروجهم من الجزائر المستقلة.
يحشر المؤرخ قلمه كعادته، في الخلاف التاريخي، بين الثورة وجماعة مصالي الحاج، متخذا موقفا تقليديا يؤازر فيه، الحركة المصالية السياسية والعسكرية، في أسلوب التعميم والمغالطة، ويدرج ذلك ضمن- حروب الذاكرة- والحروب التي لا تنتهي، والتي تعرقل إمكانية صياغة مصالحة أو تفاهم مشترك بين الجميع على صعيد ضفتي الأبيض المتوسط.
و يرى من جهة أخرى أن من تجليات عدم التوافق، واستمرار حروب الذاكرة، اعتماد قانون ” الصفة الإيجابية للاستعمار”بتاريخ 25 مارس 2005،من قبل البرلمان الفرنسي، وهو قانون يمجد الجريمة (في تقديرنا)، الأمر الذي عارضه مؤرخون وباحثون، ومدرسون فرنسيون ،حتى تمت زحزحته لا إلغاؤه، بقرار من المجلس الدستوري، بتاريخ 31 جانفي 2006.
كتابات فرنسية عن الذاكرة:
يرى المؤرخ بأن ثمة كتابات عديدة فرنسية نشرت بعد 1962، مما يبشر بأحياء التاريخ، وإخراجه من حالة الكمون، أو التخدير.
إذ أن بعض هذه الكتابات، يتواطأ مع الخطاب الاستعماري الرسمي وبعضها يرفضه سعيا لبلورة الحقيقة، وكل ذلك سيسهم في إثراء الحوار، وإماطة اللثام عن المستور، من خلال وثائق جديدة وشهادات خاصة، ولو بأثر رجعي، بحيث قد كُتب عن حرب الجزائر بالفرنسية أكثر من أربعة آلاف مؤلف.
شارك فيها ضباط سامون، وجنود بسطاء وأقدام سود أو مناضلون جزائريون ورجال سياسة من كل حدب، وذلك من خلال سير ذاتية وشهادات وقصص (تهكمية) وصور وبصريات، وأوصاف خلابة، قدمت سرديات في منتهى الإمتاع.
يذكر المؤرخ ” ستورا” بعض إفرازات – حرب الجزائر- التي حققت الانسجام في ظل التعارض، مثال ذلك أن يكون ” أندري روسفلدر” المكلف بحفظ الأمن في الجزائر، صديقا للأديب” ألبير كامو”، أو يكون ابن لربِّي قسنطينة، ” دنيال تيمزيت” ضمن صفوف جبهة التحرير الوطني، والمثال الآخر يتعلق بالمحامي والمناضل الكبير” علي بومنجل” صديق السيد ” روني كابيتانت” الفرنسي.
نلاحظ أن ” ستورا” لا يستشهد بكتابات المؤرخين الجزائريين، لاسيما ممن كتبوا بالعربية .و إنما يقصر القول على النزر القليل للمفرنسين، وبانتقائية فاضحة ،كما لا يفتأ يحذر من تصادم أطراف حرب الذاكرة، داخل المجتمع الفرنسي تحديدا، ومع الطرف الجزائري، وبأسلوب التورية والتلميح وأحيانا بالتصريح الفجّ الجارح للحقيقة ،يغمزّ إلى إيجابيات الاستعمار الفرنسي للجزائر، فيقول في الصفحة 23 من تقريره ما يلي:
” إن التقارب بين فرنسا والجزائر، يمر إذن بمعرفة أكبر وأهم للمؤسسة الاستعمارية. هذا بالنظر إلى الملحمة ” الإيجابية” للاستعمار، كما توصف في بعض الندوات بفرنسا مثل:
( مدّ الطرقات، وبناء المستشفيات والمدارس وتهيئة الأراضي).
وينسى المؤرخ أن ذلك كان لخدمة المواطنين الأوروبيين، الذين جاؤوا بأعداد هائلة للاستقرار بالجزائر.
و مما يشير إليه المؤرخ من تعارض بين الطرفين ،أن دعاة الجزائر فرنسية، يؤسسون مرجعية قناعاتهم على مسائل التاريخ الروماني المسيحي للجزائر ( الرومان، الوندال، البيزنطيون) بينما يتمترس الجزائريون في الموقف الوطني في شقيه البربري القديم، والقومية العربية والإسلام، كملجئ لهم في مواجهة الغزوات المتكررة عليهم، في مقابل الوطنية الجزائرية، تتصلب القومية الفرنسية في التنويه بانجازات استعمارها.
من خلال ذكر تعبيد الطرقات ومدها في المستعمرة، الأمر الذي عصرن التجارة، وكذا بناء المستشفيات التي قضت على الأمراض، وتشييد المدارس التي حاربت الأمية.
لكن المؤرخ يتغاضى عن ذكر الحقائق الشاخصة لمساوئ الاستعمار، كاغتصاب أراضي ملاكها ونشر البؤس في الأرياف والمدن، وتشويه الهوية الشخصية، وإطلاق أسماء وألقاب ( لقيطة) ومنحطة، كما فكك النسيج الاجتماعي التكافلي في الجزائر.
لم يفوت المؤرخ الإشارة إلى غياب الحالة المدنية السابقة في الجزائر، التي تكفل بها الاستعمار فعدّت من إنجازات فرنسا، ومن جهة أخرى يوعزّ صعوبة المصالحة بين الشعبين، التي تحتاج إلى عملية جبر بعد كسرها، يوعزها إلى إدارة الاحتلال، التي رفضت محاورة الحركة الوطنية بقيادة ” مصالي الحاج”، الذي أبقته في غيابات سجونها، أمدا طويلا.
بتقدير المؤرخ لو استجابت فرنسا لبعض مطالبه، لما اندلعت ثورة التحرير، وما نالت الجزائر استقلالها. وبالاستنتاج المنطقي ما حدث الشرخ بين الدولة ومستعمراتها.
الجهود المشتركة وعالم الاتصال:
بالنظر إلى طول مدة الاحتلال (132)سنة، وما استغرقته من حوادث، فإن الطرفين شكل كل واحد منهما على حدة مخياله المغاير للآخر، كما انسحبت على هذا التاريخ فكرة دونية، أقصت مواقف من كانوا يعارضون الاستعمار، سواء في فرنسا أو في الجزائر، ضمن عالم التواصل.
وهذا حسب رأيه، تبدى في مواقف عدة، كالذي للسيدة “جيزال حليمي، محامية الوطنيين الجزائريين وكذا السيدة ” إيميلي بيبسكات” زوجة ” مصالي الحاج”، التي فبركت مع زوجها العلم الجزائري ( الراية الوطنية)، دون إهمال مسيرة البير كامو، الذي ثار ضد الاستعمار في كتاباته ” بؤس بلاد القبائل” سنة 1939، ومعارضته قمع الجزائريين في مايو 1945.
كما قد نادى في أواخر أيام حياته بنظام فيدرالي في الجزائر، تمنح فيه الجمعية الوطنية الفرنسية مزيدا من السلطات، للأهالي.
وذكرّ ” ستورا” بعالم التواصل في القرن التاسع عشر بين معلمين مسلمين، وليبراليين مسيحيين، وكذا بجمهور يهود الجزائر، الذين حسب زعمه طالبوا بضرورة توسيع مرسوم ” كريميو” الذي مكن اليهود دون سواهم، من ميزة المواطنة الفرنسية سنة 1870 .
وأن هذا التواصل بين مكونات المجتمع المحتل، وبين مكونات المجتمع الأهلي، قد تَرَفَعَ عن الاعتبارات الدينية، والعرقية والهوياتية حسب المؤرخ.
يفاضل ” ستورا” من جهة أخرى، بين انعدام أي تمثيل للأهالي في حكم البلاد، بجنوب إفريقيا، وبين الجزائر التي منذ 1889 مثل أعيانها حضورهم في اللجان المالية العربية والقبائلية ثم توالت الانتخابات، ليحظى فيها الأهالي بمقاعد في مختلف المجالس المنتخبة المحلية، والبرلمانية بإعداد متساوية مع المواطنين الفرنسيين 1945، وابتداء من سنة 1958 أصبح الاقتراع العام مؤسس ضمن مجلس واحد متساوي الأعضاء”.
هنا بلغ الاستهتار، وقلب الحقائق التاريخية، من قبل السيد المؤرخ مبلغا لا يطاق، كأنه يخاطب فاقدي البصر والبصيرة، لعلمنا بمظالم الاحتلال، ومنظوماته القانونية الجائرة، وتزويره على الدوام لمختلف الانتخابات، وممارسة نظام العنصرية في حق الأهالي، وأن بطون الكتب والدراسات، طافحة حد الثمالة بهذه المظالم.
ويستزيد المؤرخ في تأجير التاريخ الانتقائي، ليفيض علينا بمزايا الاستعمار، وكرمه الحاتمي، فيذكر فضل بعض رجال الدين المسيحيين على الثورة الجزائرية وثوارها، ويعدد قائمة اسمية بذلك.
ونوضح من جهتنا هنا، بأن كل من قدم عونا ماديا أو معنويا ولو بدعاء من قلبه لقضية تحرير الجزائر، من أبشع مظلمة، وأوقح استعمار، فنحن له من الشاكرين الممتنين والحافظين لفضله، والمبلغين للأجيال عن شمائله.
الجزائريون يعلمون أن ثمة لفيف من العلماء والأدباء، ورجال الدين المسيحي واليهودي ومواطنين بسطاء وسياسيين على قلتهم من الفرنسيين والأوروبيين، وقفوا إلى جانب الشعب الجزائري في محنته، قولا وفعلا، ومات بعضهم دون مبدئه الإنساني العظيم، ناهيك عن العرب والمسلمين، والجزائر لتحفظ لهم جميعا هذا الفضل، وتنوه بمآثرهم أحياء كانوا أو أمواتا، وتلك نحلة من نحلنا، وفضيلة من فضائلنا في ديننا، ومكارم أخلاقنا التليدة. بل هو واجب مقدس علينا، ودين نرده لأهله.
وعليه نقول للمؤرخ ” ستورا” الذي ذكر أستاذ الرياضيات الشاب ” موريس أودان” عديد المرات في تقريره:
إن هذا الرجل الشهم، الذي افتدى عدالة قضية الجزائر وحقها الإنساني والتاريخي في الاستقلال والكرامة بحياته، وهو بعدُ يافعا، قد كرمته الجزائر، ويذكر اسمه آلاف المرات في اليوم الواحد بساحته التي هي كبد عاصمة البلاد.
أما أن يختزل السيد ” ستورا” مئات الآلاف من الشهداء والمفقودين، من الجزائريات والجزائريين، الذين لم نعثر لهم على أثر ،يختزلهم في شخص واحد، فتلك كلمة حق يراد بها باطل وأن الشجرة ولو كانت دوحة لا تستطيع أن تخفي الغابة .
خصّص المؤرخ حيزا في تقريره عن يهود الجزائر كمكون اتصالي وسيط حسب رأيه، ومما قاله بهذا الخصوص:
” إن وجود اليهود بالجزائر لا أحد ينكره، فهو غائر في القدم، فالبربر الذين أسلموا في القرن السابع الميلادي، يجب أن نتذكر بأنهم انتموا في عدد هائل منهم إلى الديانة اليهودية، أو إلى قبائل يهودية، ومن بينهم “الكاهنة”ملكة الأوراس الشهيرة، التي تصدت في معارك ضد فرسان العرب.”
” وثمة يهود آخرون قدموا من الأندلس مع المسلمين، الذين طردتهم الروكنكيستا ( يقصد محاكم التفتيش بزعامة الجشتاليين الأسبان)، فانقسم اليهود بين وطنْين، فرنسا التي منحتهم حق ممارسة المواطنة، بمقتضى مرسوم كريميو سنة 1870، وبين الجزائر موطنهم الذي تجذروا فيه، غير أنهم لم ينساقوا في اتجاه تحرير الجزائر إلا مجموعات ضئيلة من المناضلين مثل الأخوة ” تيمزيت” (OAS ) أو السبورنيس، كما لم يستجيبوا في مجموعهم لنداء منظمة الجيش السري المكونة من المتطرفين، حماة الجزائر فرنسية)، هذا مع استثناءات بالطبع مثلما جرى بوهران.
لكن ما العمل: كما تساءل ” جاك لازاروس” أحد زعماء المكون اليهودي .” بأن من المفيد أن تكون حذرا، لا تستفز أحدا، لكن عليك أن تجرب كل شيء حتى لا تستهدف.”
يضيف ” ستورا” ” بأن يهود الجزائر، هم فرنسيو الروح والتبنّي، بالرغم من تُراهات ” فيشي” الذي حرمهم من التمدرس سنة 1940، ومن بين هؤلاء المطرودين ” جاك دريدا”.
وهم اليهود الذين سيعانون نفس مصير فرنسيي الجزائر ( 1962)، فقاسموهم العودة وشاركوهم، هوية جديدة تسمى ( الأقدام السود).
أما الجزائر المستقلة، فيبدو الأمر فيها جلّيا، طبقا للشهادة المباشرة والثمينة” لجون دانيا” أحد يهود الجزائر، الذي أكد في مؤلفاته ” بأن لا مستقبل في الجزائر المستقلة لغير المسلمين”.
يشيد ” ستورا” باثنين من مواطني الجزائر من غير المسلمين، اللذين نالا جائزة نوبل ” البيركامو” و” جاك دريدا”.
” تعدد علاقات فرنسا بالجزائر“
يربط المؤرخ بين الانتعاش المستمر للعلاقات الاقتصادية التجارية، بين الجزائر المستقلة والدولة الفرنسية، مع استمرار نزيف الذاكرة، فيقول : “في سنة 2019، تعتبر الجزائر السوق الإفريقية الأولى بالنسبة للصادرات الفرنسية، لاسيما في مجالات الصناعات الغذائية، والدواء والسيارات، والنقل والبنوك، والمحروقات.
حيث يقدر عدد الشركات المصدرة للجزائر بثمانية آلاف شركة ( 8000)، ففرنسا هي المستثمر الأول في الجزائر من خارج قطاع المحروقات لسنة 2019، وقدرت صادراتها بنفس السنة تقريبا بخمسة مليارات أورو…”
نتساءل من جهتنا، عن أي استثمار فرنسي في الجزائر يتحدث المؤرخ؟ فالجزائر سوق مستباحة أمام التجار الفرنسيين وزبائنهم من الجزائريين.
ففرنسا تسوق مستحدثاتها ومصنعاتها في السوق الجزائرية، وكثيرا ما تتواطأ مع من لا ذّمة لهم في بلادنا، للتحايل على القوانين، وتضخيم الفواتير، وبيع سلع غير فرنسية بوساطة فرنسية بأغلى من أسعارها الحقيقية، لرداءة قيمتها وانعدام جودتها …و ما الاتفاق الجزائري مع سوق التجارة الأوروبية إلا مظلمة ومهزلة لسرقة أرزاق الجزائريين.
و الأمثلة على ذلك لا تحصى، فضلا عن استمالتها للفاسدين من الجزائريين وإيوائها لهم، وقد كشفت بعض محاكمات الفاسدين عن ضلوعهم المشين في هذه الديناميكية(..).
لكن أن يغالطنا السيد المؤرخ، ليمزج التاريخي بالاقتصادي، والذاكرة بالأورو، فهذا ضرب من صرف الأنظار عن لُبّ الموضوع.
إن فرنسا هي المستفيد الأوحد من الشراكة الاقتصادية مع الجزائر، وهي إحدى أسباب تخلف التنمية الوطنية بكل أبعادها المهيمنة، لأن الثورة المضادة تجتهد لهزم الثورة الأصيلة في بلادنا.
عدم الاعتراف بالجرائم
يوطئ المؤرخ لعدم اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر،بالرجوع إلى ما نصت عليه اتفاقية إيفيان ( 1962)، فيما تضمنته من عفو شامل، وإسقاط، وإبطال إجراءات المتابعة، بحق أي كان ممن أجرموا….و أن “ديغول” زعيم السلام مع الجزائر، حسب المؤرخ، كان يرغب في تجاوز آثار الحرب وإسكات صوت الرصاص، للمرور إلى الاقتصاد على حساب حقوق الحركى والعسكريين الذين تجاوز تعدادهم المليون ونصف المليون، ممن حاربوا الجزائريين بين 1956 و1962.
و هو ما سلم أعناق الحركى إلى خناجر جيش التحرير “.
هذا ولا يفتأ السيد ” ستورا” كلما تحدث بتعميم مخلّ بالحقيقة، عن المفقودين بالجزائر، الذين عادة ما يختزلهم في اسم ” اودان” و” علي بومنجل”، إلا ويذكر معهم بعض الأقدام السود الذين اختطفوا حسب رأيه في وهران، بعد إعلان توقيف القتال في 19 مارس 1962، وعدّوا من المفقودين، وحسب علمنا المتواضع فهؤلاء، صفوا من قبل منظمة الجيش السرّي الإرهابية.
و أن مسعى “ديغول” ضد الجزائر فرنسية، جاء بعد محاولة الانقلاب على سلطته OAS
من قبل بعض قيادة جيشه في الجزائر برئاسة المجرم الجنرال ” صالون” وأن تفاهم” ديغول” مع قيادة جبهة التحرير، كان أساسا لخدمة فرنسا، وإنقاذ شخصه وحكمه من الإنهيار، ليبدو كزعيم مجتهد في إنهاء الاستعمار، وتوظيف ذلك في اللعبة الدولية والصراع الإيديولوجي الدائم بين قطبي الثنائية بقيادة المعسكر الرأسمالي من جهة، والاشتراكي من جهة أخرى.
فبعد أن حمل المؤرخ ” ديغول” مسئولية ضياع الجزائر فرنسية، وهضم حقوق الحركى،و الأقدام السود والمجندين في هذه الحرب، يستدرك قائلا:” أن الفرنسيين نسوا ” لديغول” جهوده الحربية منذ مجيئه إلى الحكم في 1958، وتصليب موقفه في محاربة جيش التحرير الوطني، من خلال إقامة خطّي “شال وموريس “على حدود الجزائر الشرقية والغربية.
برأينا يعدُ ” ديغول ” من أشرس القادة الفرنسيين ممن حاربوا الجزائر، لقد استقوى على الثورة بدعم الحلف الأطلسي، وتكثيف عمليات الإبادة الجماعية للسكان ،و إقامة المناطق المحرمة وإباحة استعمال الأسلحة المحظورة دوليا، والتفنّن في المؤامرات وأساليب التعذيب، والاغتيالات والتهجير الجماعي، والحجر على السكان في غيتوهات تحت حراسة السلاح، فضلا عن تجاربه النووية، أثارها المدمرة، وما إلى ذلك من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
و كما دأب المؤرخ في هذا التقرير على أسلوب فناني اللوحات الزيتية، الذين يلعبون بالظلال الساقطة والمحمولة، لإخفاء بعض الملامح والتضاريس لإظهار غيرها، حسب الرغبة والحاجة أو كما يفعل صاحب الكاريكاتير بتضخيم مَلمح، أو التقليل من سواه، فإنه للأسف يقرأ التاريخ على هواه بأسلوب التورية، والإخفاء، والقفز على الحقائق، والانتقائية المفرطة، التي تعري أسلوبه الإنشائي، لا التاريخي، بما يستوجبه التاريخ من منهج علمي وحيادية وقرائن وموضوعية…. وقد قالت العرب قديما” ربّ عذر أقبح من ذنب”.
لا يتوانى السيد ” ستورا” متحدثا عن مأساة الفارين من الجزائر بعد 1962،و حنينهم إلى ضياع الجنة المفقودة. فيقول في الصفحة 38 من تقريره: ” فبعد استقلال الجزائر سنة 1962،” فإن سيلا من أدب اليأس اجتاح أوساطهم، يصور تعلقهم بأرض أقْبِرَتْ، واُبتلعَت، إنها جزائر الأمس الفرنسية…”
فحين أن النزيف المعنوي والمادي، والجروح الغائرة التي لا تندمل من ماضٍ طافح بالمآسي للشعب الجزائري، وغامر بالسعادة لرموز الاحتلال، يختزله المؤرخ في ضياع مستعمرة الجزائر عن المنتفعين منها، فيهمل حق أمة أهدر على مدى قرن وربع قرن من الزمن، كابدت فيه أهوالا من المظالم، وضروبا من ألوان الإبادة الشاملة.
فالتقرير في رأينا هو فرنسي، فرنسي، وذاكرته فرنسية، فرنسية، ومصالحته تعني فرنسا مع ذاتها، أما الجزائر فَكَمٌ مهْملٌ وعَرضٌ زائفٌ لجوهر خالد هي فرنسا، ومنافع ومشاعر أقدامها السود وعملاؤها الحركى، وجيوشها البربرية من ” بيجو”، و” سنتارنو” إلى ماسي”و ” بيجار” و”أوساريس”، هؤلاء وحدهم برأيه، حَرِيون بأن يُذكروا ويُتباكى على أمجادهم…؟
مواقف رؤساء فرنسا من الذاكرة:
” وصول اليسار إلى الحكم“
يتساءل المؤرخ إلى أيّ مدى عالج اليسار الفرنسي، جروح من فقدوا جنتهم في الجزائر ويتذكر المفقودين، ويعوض بعض الهاربين إلى بلادهم ،عن خسائرهم في الجزائر، بل ويشرح لهم سرّ مأساتهم المسكوت عنها، ويجبر بخواطرهم بعد أن جرت خيانتهم، مستشهدا بقول صديق الأديب ” البيركامو أندري روسفيلدر”، فيقول السيد ” ستورا” :” قد يتعين ألا تُنس(الحقائق) وهي بمثابة الوصية الحادية عشر” كما وردت في العنوان الرائع لكتاب ” أوندري روسفيلدر” الذي ظّل وفيا لمن ينتمي إليهم “( يقصد من ذكرناهم).
يلحّ المؤرخ مستنطقا التاريخ الحديث مع اليسار فيقول :” وهل ستتغير هذه الوضعية مع وصول اليسار إلى الحكم في سنة 1981؟ لا، ليس كما يجب” الصفحة 39.
ثم تحدث عن زيارة الرئيس ” فرانسوا متيران “إلى الجزائر يوم 30 نوفمبر إلى فاتح ديسمبر سنة 1982، بوصفها زيارة دولة في الأعراف البروتوكولية الدولية، وهذا بعد زيارة سابقه الرئيس ” جيسكار ديستان في شهر أفريل 1975، تلك التي لم تغير أي شيء في العلاقة الثنائية بين البلدين
لكن زيارة “متيران” حلحلّت الوضع، بإمضاء عدة عقود شراكة بين البلدين، من أجل تطوير العلاقة الاقتصادية، غير أن قضايا الذاكرة لم تطرح خلالها.
نحن نعلم أن ” ميتران ” هو صاحب تاريخ أسود مع الجزائر، لما كان وزير داخلية بلاده، ووزير العدل والأختام ما بين سنتي 1954-1957، فقد أقر حكم الإعدام، وبالمقصلة تحديدا، في حق الوطنيين الجزائريين، لاسيما خلال معركة الجزائر، من أمثال” بن مهيدي” و” زبانة” و” طالب عبد الرحمن” و” مرصالي” وغيرهم.
لقد صرح ” متيران” في زيارته إلى الجزائر سنة 1982، يقول:
” من واجب الأمة ( يقصد فرنسا) أن تسامح الأمر الذي رفضه” ميشال روكار”، و” بيار جوكس” ولفيف من الاشتراكيين في المجلس”.
لكن من الواضح أن التصريح، لم يكن يشمل الطرف الجزائري. وإنما يعني الفرنسيين، من مجندين وشرطة وإداريين، عملوا في الجزائر، وبعض الجنرالات ممن تمردوا على نظام الحكم ضد ديغول.
يضيف المؤرخ ” كان يجب انتظار مجيء، ” جاك شيراك” إلى الحكم سنة 1995، لكي يميط اللثام عن موضوع الذاكرة “.
أما في سنوات 2000،” تسارع موضوع الذاكرة” رأي المؤرخ، إذ “عرف الموضوع دينامكية جديدة في هذه المرحلة، اعترف فيها المجلس الوطني الفرنسي ( البرلمان) يوم 10 جوان 1999″ بحرب الجزائر”عوض أحداث الجزائر، كما كان سائدا منذ حوالي أربعين عاما.
لكن لم تسوِّ التسمية وضعية الذاكرة، التي تخترق الأجيال وتكسر قلوبها بعدما تطور الوضع إلى حرب مصطلحات ومفاهيم، بين أحداث وعمليات بوليسية إلى عمليات حفظ الأمن، ثم إلى حرب الجزائر. أما في الطرف الجزائري فقد تنامى المخيال بدلالات مغايرة، مثل حرب التحرير وثور التحرير.
وخلال سنوات الألفين، تنامت وتعددت كتابات وأفلام وأشرطة وثائقية، وتكونت جمعيات للمفقودين والحركى… وهذا من الجهتين ( الجزائرية – الفرنسية)، وتم في هذه الأثناء، وضع لافتة تذكر بمجازر 17 أكتوبر 1961، وذلك في سنة 2001، على جسر القديس ” ميشال” من قبل رئيس بلدية باريس ” برتراند دولانواي”.
لقد ذكر الرئيس ” شيراك”بعد نصف قرن من الحرب تقريبا، بأن ما لا يقل عن اثنين وعشرين ألف جندي وضابط ماتوا ،في شمال إفريقيا من أجل فرنسا، من بينهم ثلاثة آلاف حركي”.
بالطبع هؤلاء جميعا هم أبطال لدى دولتهم، لكنهم مجرمون لدينا في مغربنا العربي.
و مما قاله ” شيراك”أمام أعضاء البرلمان الجزائري في مارس2003 ” إن قدري الجزائر وفرنسا يتقاطعان،وهذا بالنظر إلى وجود واحد ضمن ستة فرنسيين له علاقة دموية ( قرابة) بالجزائر سواء أكان من أُصلائها قبل الاستقلال أو بعده(…) إلى أن يقول :” لقد حان الوقت لإقامة تحالف جزائري فرنسي جديد”
كما زعم ” شيراك” أن تراجيديا حرب الجزائر، خلفت نصف مليون نازح من الأقدام السود وثمانين ألف حركي، كما سعى في هذه الزيارة إلى ترضية عدة أطراف، ولكن بالدرجة الأولى الفرنسيين، بما في ذلك زيارته لمقبرة المسيحيين ” بسانت أوجان”.
لكن سرعان ما انقلب الطرف الفرنسي ظهر المِجنِ، بسنّ قانون في 23 فبراير 2005، يمجد الاستعمار من قبل برلمانه .
من جهة أخرى، لا يتورع ” ستورا” في تقريره، كما أشرنا، من حشر أنفه في تاريخ الجزائر خاصة ما تعلق بخلاف جبهة التحرير الوطني مع الدوائر المصالية، ويُنوه بإعادة الاعتبار إلى بعض الشخصيات المغضوب عنها، فغدت مادة للتدريس في مقررات الوزارة، ولسنا ندري من سلمه منبر الإفتاء في تاريخ بلادنا، لينزل عليه الأحكام والنواهي على هواه.
كما يورد زيارة” ساركوزي ” إلى الجزائر، وينشر خطابه الذي ألقاه أمام الطلبة بقسنطينة وكيف أن ” ساركوزي” تحدث بمرارة عن غزو قسنطينة1837، وجرائم مايو 1945 ،و أحداث الشمال القسنيطيني ( بقيادة الشهيد الرمزّ ” زيغود يوسف”) في أوت 1955، ملمّحا إلى ضحايا الحرب من الطرفين.
ثم تحدث عن زيارة ” فرانسوا هولند” في شهر ديسمبر 2012، إلى الجزائر، عارضا بعض جمله فضلا عن خطابه الكامل في ملحق التقرير، ومما قاله ” هولاند”: أن” 132 سنة خضعت فيها الجزائر إلى نظام حكم، غير عادل وعنيف، وهذا النظام يسمى الاستعمار”.
و أضاف أن القمع الذي أنزلته الإدارة الفرنسية بالجزائريين في باريس يوم 17 أكتوبر 1961 ضد جزائريين، تظاهروا بسلمية مطالبين بحقهم في الاستقلال، ولكن قتلوا بقمع دموي، وأن الجمهورية، لَتعترف عن قناعة بهذه الأعمال، وبعد واحد وخمسين سنة مضت عن هذه التراجيديا، فإني أنحني أمام ذاكرة الضحايا “.
كما اعترف السيد ” هولند” بجرائم أخرى ارتكبتها بلاده ضد الجزائر فقال:
“منذ واحد وستين عاما خلت، وحادثة اختفاء الشاب أستاذ الرياضيات بجامعة الجزائر ومناضل من أجل تحرير الجزائر، ظلت مبهمة تخفيها الظِلال ضمن حرب الجزائر. وأن من ساروا على نهج ” بيار فيدال ناكي”من خلال بحوثهم في هذه القضية، من المؤرخين والصحفيين والتوثيقيين وغيرهم، يتوافقون جميعا كون ” موريس أودان” ضحية نظام مؤسس شرعيا ،قد آثر الإخفاء عمدا، وسمح بالتعذيب من أجل أهداف سياسية ” .
ونشير مرة أخرى، إلى أن الاهتمام ” بموريس أودان” وحده وتجاهل مئات الآلاف من الجزائريين من المخطوفين المغيبين، والمقتولين بطرق بشعة غرقا أو رميا من الطائرات، أو ذبحا أو اختناقا بالغازات مثل النابالم، والمواد المشعة، وغرف الغاز، خلال القرن التاسع عشر وردما بالقنابل والمدافع، وبالمقصلة والمشنقة، وحدث ولا حرج، هؤلاء جميعا تم إلغاؤهم من ذاكرة الحكام الفرنسيين ،و مؤرخيهم مثل السيد ” ستورا”- لماذا؟.
و ما بال السيد ” ماكرون” الذي اعترف خلال حملته الانتخابية الرئاسية، بأن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية” يختزل جرائم بلاده ضد أمة بأكملها ،في جريمة قتل شخص” أودان”، ربما لكونه فرنسيا- وإن كنا نحن أولى منهم ” بموريس أودان”.
لكن منطق المفاضلة بين الموتى، تمليه اعتبارات عرقية وإثنية وخلفيات ثقافية، تأصلت في فلسفة المدرسة الفرنسية الكولونيالية للتاريخ، لقد خبرناها نحن في نظرياتهم المختلفة، كالداروينية والسانسيمونية، والرينانية ونظريات جنرالات الاستخبارات العنصريين، أمثال ” هنوتو” و” بودان” و” بيريي” وعشرات آخرين ابتدعوا مدارس عنصرية، باسم الأنتروبولوجيا العرقية واللسانية، وكانوا يقتلون الجزائريين ليفحصوا بعض أعضائهم (..) من أجل صياغة نظريات عرقية، تبرر لهم إبادة الجزائريين أو نفيهم وتوحيشهم…لأنهم حسب رأيهم خطر على المعمرين، وعلى إدارة الاحتلال.
هذه الرواسب، تسكن اليوم اللاوعي الفرنسي، لدى العديد من سياسييهم، ومؤرخيهم ومن إليهم.
” تحديات يجب تجاوزها” ( الأرشيف)
أهم ما في هذا الفصل الأخير من التقرير، موضوع ” الأرشيف” الذي تساءل بشأنه المؤرخ ” هل هو إرث مشترك”؟.
يقول السيد ” ستورا” نعلم أن العمل الجبار الذي أنجزته المؤرخة ” أرلات فاج، بخصوص الأرشيف، يسمح بفتح منفذ بين الماضي والحاضر، ومن شأنه أن يمدنا بإحساس، كأننا ” نلامس الواقعي”، و بمقتضى ذلك نشعر كأننا نلتقي من مفقودي الماضي”، معلّلا قول المؤرخة ” فارج” بأن الأرشيف مصدر تاريخي.
ولكن لا يجب أن ينظر إليه، كحقيقة منزهة،و أن لا نهتم فقط بالمعلومات والبيانات، التي تقدمها لنا الوثائق ( التسجيلات، القوائم، التقارير..)، وإنما يتعين الاهتمام بالهوامش، أي ما يرقد من أخبار وراء الكلمات، بمعنى أن يتفحص المؤرخ العبارات، لينفذ إلى حقيقتها.
باختصار، من الواجب أن يعتمد المؤرخ على الأرشيف، لكن عليه أن يذهب إلى ما هو أبعد منه.
يجزم المؤرخ ” بأنه إذا كانت فرنسا والجزائر تتحدثان اليوم، بإرادة تامة عن تقارب في الرؤى بخصوص الأرشيف المتعلق بالمرحلة الاستعمارية،فإن ثمة خلاف جذري بين الطرفين ”
و يضيف، “لئن أعادت فرنسا أربعا وعشرين جمجمة لمقاومين جزائريين، فإن السيد شيخي مستشار رئيس الجمهورية، طالب في جويلية 2020، بكل الأرشيف الوطني لدى فرنسا، على اعتبار أنه ملك للمكان الذي نشأ فيه… بينما فرنسا تعتبر الأرشيف جزءا من سيادتها، وهذا لكون الجزائر كانت قطعة من ملكها ( مستعمرة).”
ثم يميز المؤرخ بين أرشيف ،التسيير اليومي، وأرشيف سيادي، قد تم نقله إلى فرنسا، وعلى الرغم من صعوبة التفريق ،بين النعتين( سيادي) و( تسييري)، إلا أنه يؤكد على وجود مفهوم قانوني، تعتمده كافة الدول في مجال آخر من الحقوق، مفاده حصانة الدولة . بمعنى أن لا حق لدولة أن تفرض على غيرها قوانينها.
هذا بتقديرينا منتهى اللعب على ازدواجية المعايير، ومحاولة للهروب إلى تعليل ما لا يعلّل…؟
و عليه بتقدير المؤرخ، فإن الدولة الفرنسية، تخلت منذ 1962 عن الأرشيف، المتعلق بالتسيير في مجال الإقليم والمواطنين مثل: أرشيف الإدارات الضريبية بما فيها قياس الأراضي والمصالح الفلاحية والصناعية، والنقل ،و التجهيزات الحضرية ،و الغرف التجارية، والصناعات التقليدية والمِناءات والإدارات الاجتماعية والصحية، والإدارات والمؤسسات التربوية والجامعية والمحاكم المدنية، والموثقين، والبلديات، فضلا عن الحالة المدنية، حيث تكفلت وزارة الخارجية الفرنسية بتصوير 2/3 من وثائق المواطنين، أغلبهم من الأوروبيين.
أرشيف ما قبل 1830:
يسمي في الأدبيات الاستعمارية” الأرشيف العثماني”، ذكر المؤرخ أن هذا الأرشيف، قد تم إرجاعه إلى الدولة الجزائرية على مراحل ( 1967 -1975 -2001)، وتم العثور على كميات أخرى في 2018، يجري التفكير بإعادتها إلى جزائر.
أما الأرشيف المتعلق بالتسيير الخاص بالأشغال العمومية، ومصالح المياه قد نقل خطأ إلى فرنسا، وتم إرجاعه خلال سنتي 1981-1985 إلى الجزائر.
أرشيف حرب التحرير 1954-1962:
تم اقتراح إرجاع أرشيف مرحلة حرب التحرير، بعد تسجيله على شرائح إليكترونية، وقد رفع عنه المنع. ويمكن الاطلاع عليه بعد انقضاء 50 سنة من مدة الحضر، ويظل القليل منه الخاضع إلى إجراءات 75 عاما حتى يُتداول، كما أن الطلبات الخاصة بالاطلاع عليه قلت كثيرا.
و من أجل حماية بعض الحريات الخاصة ( الأسرار)،فإنه يتعين امتلاك شفرة خاصة للولوج إلى أرشيف يتجاوز تاريخه 50 عاما. وأن المجتمع العالم ( المثقفون والباحثون) ملتزمون بهذه الإجراءات الموضوعة سنة 2008.
– الأرشيف الخاص بالدفاع:
يرى المؤرخ: ” ثمة قوانين ردعية، تتعلق بالأرشيف المبوب في خانة ” خاص بالدفاع” أو ” سر الدفاع”، يجب تفحصه صفحة بصفحة مهما كان عمره من أجل حمايته. إن تداخل الصّعوبات القانونية، بتلك الإدارية، يعطي إحساسا خاصة لدى الباحثين، بحرمانهم من الاطلاع على الأرشيف.
وعليه يستوجب العمل على إيجاد مصوغ يوائم بين ” حماية المصالح العليا للأمة، وبين حرية الاطلاع على الوثائق العمومية”.
و بخصوص هذا الموضوع يقترح المؤرخ، تشكيل لجنة مشتركة فرنسية جزائرية، تسهر على تطبيق القانون الصادر سنة 2008 حول التراث.
و يقدر المؤرخ الأرشيف المحمول من الجزائر إلى فرنسا بدء بعام 1961، ضمن أرشيف ما يسمى “ما وراء البحار” يقدره اليوم بحوالي عشرة كيلومترات ممتدة أو خطية، بالمقابل يؤكد على ضرورة تسليم الجزائر لفرنسا نسخا، للأرشيف المشترك لديها، لأن الباحثين الفرنسيين يجدون صعوبة في الاطلاع عليه.
ويعني به ( جميع أرشيف المناءات، والأرشيف الطبي والجامعي، والمالية المتعلق بالعملات (الثلاث) ( الجزائر، قسنطينة، وهران )، بما فيها البلديات وخاصة ذات الصّلة بالعدالة، والتوثيق، وقياس الأراضي.
يُلح المؤرخ على ضرورة تقاسم الأرشيف المشترك للبلدين.
ويذكر من جهة أخرى، مستشهدا بالمؤرخ الجزائري حسني كيتوني، الذي يقول :” إن السؤال المطروح علينا نحن الجزائريين، ولم نجب عنه بوضوح، مفاده ما الذي نريد استرجاعه من أرشيف؟ هل نريد استرجاع 600 طن ؟ أو جزء منه لنا فيه منفعة عن تاريخنا” ؟
و يستمر تساؤل” ستورا” عن الحجم، أو الكم، والهدف، وطريقة التسليم، والوعاء الكامل للتسجيل… وكل ذلك مبهم في مطالب الجزائر باسترجاع أرشيفها….
يقترح ” ستورا” أن تتكفل كل من فرنسا والجزائر بتكوين فرق بحث ،من المؤرخين الشباب في جامعاتهما، والتي من شأنها، أن تتولى علميا، وتقنيا تذليل العديد من الصعاب ..
دليل للمفقودين:
يجنح المؤرخ إلى خارج المجال العلمي والتوثيقي، والتسليم والتسلم لمواد الأرشيف إلى مجال السينما والمؤلفات الشخصية، مستشهدا بفيلم ” ريح الأوراس” لمحمد لخضر حامينا، وبكتاب احتضار وهران” لكاتبه ” جونيفياف تارنوت” الذي يذكر أن مئات الأوروبيين فقدوا يوم 05 جويلية 1962، وهو ما ظل المؤرخ، يسوي بين هؤلاء ،و بين مئات الآلف من الجزائريين المعدومين والمفقودين”
كما يذكر ” بمعركة الجزائر”، فيتحدث على لسان الكاتب العام للشرطة الفرنسية في الجزائر إبان تلك المعركة، وهو ” بول تيتجان” الذي شهد بأن ثلاثة آلاف مفقود من الجزائريين في تلك المرحلة.
ونحن نعلم من خلال مصادر أخرى، أن العدد يتجاوز هذه التقديرات…
باختصار شديد، يدعو المؤرخ إلى الاعتماد على وسائل غير تقليدية ،من خارج إطار السلطة الفرنسية لجمع الذاكرة ،عبر الشهادات والكتابات والصور والتسجيلات ،و الأفلام الوثائقية والخيالية، بمعنى( أن نقتفي أثر السينما الأمريكية حول غزو قارة الهنود الحمر، بقلب الحقائق كلية ” الهندي الشرير، والأمريكي الشجاع صاحب الفضيلة).
نلمس تمييعا فاضحا لموضوع الأرشيف لدى المؤرخ، سواء من خلال تتويه القارئ بمنظومة قوانين سيادية وأخرى إجرائية، والدعوة إلى مقايضة هذه المادة بأخرى لدى الجزائر، والتشكيك في جدية الطرف الجزائري بمطالب الأرشيف، وغموض موقفه، أو بالدعوة إلى إخراج الأرشيف عن سياقه الموضوعي والرسمي، لدى مؤسسات الدولة الفرنسية ،و إحالته على السينما والكتابات والصور والتسجيلات…. من أجل إعفاء دولة الاحتلال من مسؤوليتها على الجرائم ،ضد الإنسان والأملاك والطبيعة والتراث المادي والمعنوي.
طلب الاعتذار
يزعم المؤرخ ” ستورا” بأنه منذ سنوات عديدة ،تطالب السلطة الجزائرية فرنسا ،بالاعتذار عن مرحلة استعمارها، وبالمقابل نقف على خطب رئاسية فرنسية سابقة، تعبر عن فحوى الموضوع بخطاب مغاير. ثم يتساءل قائلا: ” أليس من الضروري انتهاج سبل أخرى، واعتماد منهج مغاير من أجل الوصول إلى مصالحة في الذاكرة ؟”
بالقدر الذي يحيل المؤرخ قارئه إلى متاهات متعددة، بإفراغ الاعتراف من محتواه، وتتفيه جدواه لكونه لا يبطل الاحتقان، وتناقض الرؤى بشأن الذاكرة بين المتنازعين، يستورد أمثلة من خارج السياق التاريخي، والمكاني، ليبرر به وجهة نظره فيقول:
” نلاحظ إذن (بخصوص احتلال اليابان للصين، ولكوريا) ،بأن خطاب ” الاعتذار”و ليس الاعتراف فحسب بجرائم القتل، لم يكف لتهدئة النفوس الجريحة، أو لتمكين مزيد المعرفة بهذا الموضوع، ومن ثم تفادي الاعتبارات العنصرية. وعليه إذا أحلنا القول على آسيا، فيما يتعلق بالعلاقة بين اليابان والصين، وبين اليابان وكوريا خلال القرن العشرين، فإن الأمر لم يفلح فيه بالرغم من الاعتذارات المفصح عنها من قبل اليابان، لكل من الصين وكوريا.
يظهر جلّيا أن السيد ” ستورا” يخلط بين الاستعماريين، أحدهما استيطاني دام 132 سنة وآخر لم يتجاوز 40 سنة، ولم يغير معالم حضارة ولغة، وثقافة الصين أو كوريا، ومع ذلك اعتذرت اليابان لهما واعتذرت إيطاليا لليبيا، وألمانيا لليهود، وعوضتهم عن كل شيء ،على الرغم من أن لا أحد من هؤلاء المستعمرين، أذعن في الجرائم جميعها ضد شعب وبلد ،مثلما فعلت فرنسا بالجزائريين. وهي مَظلمة لا تضاهيها، إلا مَظلمة أمريكا ضد الهنود الحمر.
التجارب النووية:
ذكر المؤرخ بأن فرنسا أجرت سبعة عشر تجربة نووية في الصحراء الجزائرية ما بين 1960-1967 وحتى يبرر هذه التجارب المدمرة، يزعم أنها متضمنة في اتفاقيات إيفيان، بين وفدي الحكومة الفرنسية، والحكومة المؤقتة الجزائرية، وأنه بعد الانتهاء من هذا البرنامج، سلمت الدولة الفرنسية مواقع التفجير إلى الحكومة الجزائرية، بعد أن فككت القواعد التقنية، وأغلقتها بإحكام غير أن آليات ومواد، قد أجريت عليها العمليات من النقطة صفر، ظلت في أماكنها، بعد ما تشبعت بالإشعاعات النووية .
كما نبه المؤرخ إلى جهود الجمعيات الجزائرية التي تطالب فرنسا بأن ” تسلم للسلطة الجزائرية القائمة الكاملة عن المواقع، التي أخفيت بها النفايات الملوثة السامة أو السعي إلى تطهيرها بالكامل.”
مقابر اليهود والمسيحيين
تحدث المؤرخ على ضرورة صيانة مقابر الأقدام السود، وموتى اليهود في الجزائر، ومجد إسهامات الجالية اليهودية في مجال الفنّ والتراث الموسيقي العربي الأندلسي في الجزائر. ونوه ببعض رموز هذه الجالية، كما تطرق لبعض كتابات المؤرخين الفرنسيين عن الجزائر، بوصفهم ممن أنصفوا التاريخ المشترك، وأبرزوا مثالب الاحتلال.
” نحو اتفاقية للذاكرة والتاريخ“
إن خاتمة تقرير السيد ” ستورا” هي مرافعة من جهة واحدة، للقفز على حقائق التاريخ تحت ” خرافة الذاكرة المشتركة”. سعيا لنسيان الماضي من أجل مصالح ومنافع فرنسية في الجزائر بوصفها أكبر متعامل (سوق) في إفريقيا لفرنسا. منصصا على خوفه من الصين الشعبية، التي اجتاحت المنطقة باستثماراتها وإنتاجها وخبراتها.
فيقول ” أن انطلاقتنا معا في البحث عن مصادر الطاقة المتجددة .و تعميق علاقتنا الاقتصادية في الوقت الذي تحتل الصين المكانة الأولى، في السوق الجزائرية، أهم من الحديث إلى الشباب عن ضياع مرجعيات الهوية ”
إنها دعوة صريحة من المؤرخ لنسيان الماضي.من أجل توفير مناخ سليم، تستمر فيه الآلة الاقتصادية والصناعية والتجارية والثقافية الفرنسية، مهيمنة على المستعمرة القديمة، طبقا لقواعد الثورة المضادة.
الاعتراف والتوبة
يدعو المؤرخ لأن تغير الجزائر موقفها من الاستعمار. لا أن تغير فرنسا موقفها منه، بمعنى قلب المعادلة، ونكس الهرم، وبيع الأوهام ضمن رؤية كولونيالية حداثية.
لا نرى فرقا بين من قتل الشعب الجزائري بالحديد والنار، وبين من يقتله بالنكر والتدليس بأثر رجعي. إذ لم يدر بخلدي، أن مؤرخا تسول له نفسه، أن يستغبي شعبا بأكمله ببهتان، اسمه الذاكرة الجماعية، ولكنها ذاكرة الاستعمار، الذي جاء إلى هذه البلاد ليحضر الهمجّ، ويقضي على لصوص البحر من القرصان، ويخرج المتوحشين من ظلمات التخلف إلى نور الحضارة الغربية طبقا لأقاويلهم .
-بعض من الاقتراحات:
يقترح السيد ” ستورا” جملة من الأسماء والأحداث بانتقائية، يمكن حسب رأيه أن تضمد جراح الماضي، وتصالح بين الأمتين منها:
– ترسيم يوم وطني يمجد ذاكرة النساء والرجال، الذين ماتوا في الجزائر والمغرب وتونس في سبيل فرنسا.
– تشييد تمثال للأمير ” عبد القادر” الجزائري ” بأمبواز” أين سجن دون وجه حق بعدما أعطته فرنسا الأمان.
– الاعتراف باغتيال المحامي ” علي بومنجل 1957، بوصفه صديقا للفرنسي ” روني كبيتانت” وإلحاقه باعتراف فرنسا” لموريس أودان”
– تحديد مواقع مدافن المفقودين.
– متابعة ثنائية لمواقع وتأثير التفجيرات النووية بالصحراء
– إتمام العمل المشترك للخبراء العلميين الجزائريين والفرنسيين. المتعلق ببقايا عظام المقاومين الجزائريين في القرن 19،( وهم رهائن لدى فرنسا).
– التدارس مع الجزائر موضوع الحركى، من أجل تسهيل تنقلهم بين الجزائر وفرنسا.
– إنشاء لجنة مشتركة. تلقي مزيدا من الضوء على خطف وقتل الأوروبيين بوهران في جويلية 1962 ،من أجل سماع صوت الشهود على هذه التراجيديا؟
هذا الاقتراح يصدق فيه قول أحدهم ” قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر، وقتل شعب بأكمله قضية فيها نظر”.
نكتفي بالقليل من هذه الاقتراحات المتضمنة في التقرير الطافح برغبة المؤرخ في إغفال حقوق الجزائريين، وتمجيد مظالم الاحتلال.
صادق بخوش