مدخل: ((عندما أيقظت “إمزاد” عصافير قلبي، حلقت في ملكوت ضياء نبوءتها في تلك الليلة التي رقصت فيها رقصة “أشروا”، فوصلت قبل فوات الأوان إلى عمق المعنى الذي يربط نياط صلاة “أمورث” / الأرض / بقيامة “أمان” / الماء / فتحت وصية “حام” فإذا برحيق اسمها المتهجد في محراب التراب يوقظ عظام اسمي الهاجعة قرب قضبان قلبي، ففهمت محبرة لساني بأن الرياح الحطوم لن تقتلع جذورنا من عروق حجر “الليث” لأنه خبّأ مفتاح قصبة الأمان في خزنة الصرح ولم يطفئ المصباح فاهتديت..أي اهتدينا!!)).
قصة سميرة بولمية
ضافت الشمس،
جلـول الرحلة بصدر “غالية هكارة”، لم تعد أقبية الليل تسع أنين الضنى، أخرجت مزامير ناري من خاصرة الظلام، فتخلصت من وعدي لأشواق الضرام وأخفيت عن أنظار الغراب فاكهة الجمر التي أحرقت رعشة المطر في دموعي، وعطر شال ذكرياتها العالق برقبة غدير دمي كي تسري في عروقي كل الأنهار التي ستجيب “الغالية” عنّي وعنها، أو عنا، أو عن كف الغيب وهو يقلب أوراق غيمة الوقت بحد سيف الحيرة على مرأى غبار الحطوم حتى أحمي تباريج الأحدوثة من سطوات مديات الدسائس ومقاصل الانتقام.
لن أكسّر أجنحتي على ركبتا “سيرتا”، دهنت شفاه جرحي ببلسم “الغالية”، تركتها تزرع ريش الدجاج في المروج السندسية الفسيحة حتى يورق زهر المليساء، وتتعالى زغاريد أعراس الوخز فيتفتح وشــم الثور! عندما استوت على صهوات العز أدركت عمق علاقتنا بنياط صلاة “أمورث” وبقيامة ” أمان”، لهذا ما أن بلغت مقام سدرة النقاء حتى رأيتها الخيط الوحيد الذهبي المبحر في فسيسفاء الحلم!
مثل كل مرة لم أجد “سيرتا” بانتظاري ومع ذلك طرقت بابها، لم تدعوني للدخول..لكنني دخلت!
ألأنّني أهوى كل ما هو لها ومن كانت له وما يدور عنها وحولها وحوله وما كانت عليه قبل أن تصير ملاكا، وما ستصير عليه إن فكرت أن تخرج من صف الملائكة..حبال روحي مشدودة إلى سحر عزف أنسام حنينها على الوتر الوحيد يأتيني من أعماق صوفية الأبعاد مبطنة بدمقس هسيس فراشات الدهشة ونواوير البهاء، لهذا تعلقت أكثر بتمائم “إمزاد”، وبتعاويذ نجمها الوفي لليد التي تستخدم القوس وتستنجد بشعر ذيل الحصان الذي يوصل الصدى ولحرأة الاحتكاك الخجولة من لهفة العيون الكحيلة..فلم أعد أخشى لسعات أشواك قنافيذ العتمة وعضات نضناضة التهياء، وقسوة تاريخ الحدود ولا الذي تبقى في ذاكرة الخنادق من ذكريات الضجر والمرارة..وما تخفيه أسوار الغربة عن خيول منتصف الجرح..لهذا دلّتني ظلال نخلة الأنغام الوارفة على سر المعنى الذي يربط نياط صبابتنا بنياط صلاة “أمورث” وبقيامة “أمان”، لكن لما وجه “سيرتا” حزين؟ سأزعجها إن سألتها عن اسم الترياق الذي سيسكت أنين كلوم ظهر الجسر..سأكلّمها عن سارقة تفاح قلبي وخريطة ممراته الخرافية وعن علاقة شباكي الصغير بسنابل أحزانها وبالعصافير الشاحبة المتساقطة من أعالي شرفات قصائد دموعها وعن وفاء وعد الرجل الحر لملح رغيفها الذي يقف بيني وبينها وقفة الدين، ستتجاهل كل السبل التي بإمكاننا أن نلتقي فيها، وستتظاهر بأنها مشغولة عنّي بتسريح ضفيرتها الطويلة الخضراء وتقميع بنانها بالحناء، وتوزيع أطواق الياسمين على عشاق خفايا الرمان في سرادقات الأمان، وستشنق بحزامها الذهبي المرصّع بالدر والماس والياقوت والمرجان، كل محاولاتي في إقناعها بأنني قد صرت أعرف أنها عادت من كل المدن التي هاجرت إليها عبر خاصرة الطريق التي لم تتنكّر لأفضال خيام خاصرتها وأنّني عدت وأنا لا أحمل جمرات الغل القديم!! ستزعجها جرأتي وصلابة إرادتي ونيران غيرتي!! ستشهر غضب سيوفها في وجه رجائي..أقف مثل ذلك الطفل المسالم الذي تعثّر بأحجار الدهر، فوقعت منه سلة زهر الفرح راح يلتقطها وحراب الأوجاع تمزق أحشاء ربيع عمره..لكن القدر جمعه بفردة حذاء أمه التي نسيته داخل سلة الأحزان، ولم تعد الى مدينة الشقاء التي يقطن بها لتسقي زهور وجهه الذابلة..لكنها لا تفهم رسائلي أو تتظاهر أنها لا تقرأ ما بين سطورها..يمر موكبها أمام أكوام الحروف، فلا تراني ذلك الفارس الذي أشعل كل تلك المسافات كي يختصر مبتغى الوصول اليها..ولست في نظرها الا سطرا قصيرا جلست على أرجوحته الفواصل والنقاط وعلامات التعجب والاستفهام لتتسلى بريش قبرات وجعي..ستطردني خارج قلبها، أقفل الباب ورائي كمن لن يعود إليها ولن تكترث..وأعود إليها..أعود وأنا أجهل اسم المعنى!
لا أملك مفاتيح قلب المدينة…تكرهني لأنّي أقارن سماء وديانها بسماء بحر الأرجوزة، هكذا قالـت “حنة”، وكـل تلك الجسـور التي رفعتها بحبال السريالية في لوحة “المدينة المعلقة” لن تشفع لي!
يوما ما ستلحق بآثار قافلتي وسيدركها العطش بسببي، وستلسعها ثعابين الحمى قبل أن تصل إلى ساقيتي..وقد تعترف بأني لم أكسر ناي كبرياء العنقاء في مخيلة أجنحتي ولا ألحان مزاميـر وادي “غاث” في مطلع أغنيتي، وستسقي أغصان زيتونة ذاكرتي وجذور قلعة طفل يخبّئ خلف أسوار ملامحه عاصفة ترابية، ولا يريد أن يهرب من قدر الجمر وأشراك الغبائن وسهام القهر وحدس المرايا.
لم أكذب قط على “سيرتا”، ولم يكذب علي “مبارك” حين أخبرني بأن الثور قد كلمه من بين شقوق صخرة الغار العجيب عن أقفال حصن الجرح، وأورام خيام الحسرة، وعن آهاتنا الطالعة من حناجر بنات الليل، وعن معـدن “الغالية”!! ولم تكذب “الغالية” علينا حين أخبرتنا بأنها قد رأت “مبارك” في منامها قبل خمسمائة عام، وهو بين أظافر الحرة يتخبط في دياجي الحيرة وثقبا كبيرا بجدار ظهره الملطخ.
بدماء قرابين الحكاية، فعانقت جذع تينة صبره وبكت حتى جفت عروق بئرها الماهة..لكن فجأة ائتلق نجم الأمل مبددا ضباب الألم، فإستنشقت أريج بشائر الخلاص حين فضحت محكمة رأد الضحى مكائد الغسق فعرى ورق التوت خبث ونجاسة أسماء مدنسة لم تعد تقوى على مواصلة تأدية دور النساك الأتقياء بعد أن سقط إمبراطوريات الأقنعة، وانهارت بوان مسارح الأكاذيب والأراجيف على مرأى التراب الذي شرب من دموع “الغالية” حتى لا ينخدع بأحابيل مساحيق الأفراح المستعارة.
يستريح وجعي تحت ظلال أمنية “إيهاغن”، آه لو “الغالية” تقرع الجلجل النحاسي لتوقظ حارسة حضارة الباب، بل آه لو تقطع لسان صمته الباهت، لكن مفتاحه معها، كيف نسيت أن مفتاحه برزمة مفاتيح قلاعها..قد تفتحه، أو قد تصبر حتى تخرج من ثقوب ذاكرته تسابيح ظلي المتوشحة بغيوم الأماني حتى تكبر فكرتها النائمة في شرنقة الانتظار..ليتها تفتحه لتدخل زنزانتي الضيقة فتحررني من أصفاد أسئلة سجون الملح والمرارة والغربة فتعيدني طفلا بريئا لا تعرفه كلاب المزاد، ولا تشتهي لحمه أفران زبانية العذاب…
رنّ جرس الهاتف “حنة” تريد أن تعرف علاقة الفارس بالنار، والثور، والــدرق، والثأر وإيزمر!
اللثام يخفي وجها حزينا، و”أبونتي” عارية!! كم مرة قلـت لهـا: “اللثام يخفي وجه خاتون”!! وهو حجة المزيز واكتمال نواة الرجولة في نوى النوايا المقدسة لهذا لم يختل بحرير شفتيها خوفا عليها من إفتراءات الظلمة ونمائم السفهاء وأقاويل المتاهات!! و”أبونتي” لم تستحم يوما فــي وادي “غاث” و”سيلات”، لم تتعر “أبونتي” حتى أمام الماء فتعود المطر على دخول قصرها كلما نزل من حجرته المعلقة في السماء..كان يغسل تفاصيل وجهه الشفاف وضفيرة حصانه الأبيض في حوضها الرخامي المبطن بالدمقس..وكانت تغمس رعشة طيور الشتاء وسنابل فصول الخصب في محبرته الخضراء..وتوقع كتابات الفل والزمزريق والنرجس بعطر زهرة الأقحوان..لهذا كان لثام الليلك يستحي من حدائق “أبونتي” حين تنشر فورة العشاء عباءتها السوداء!!
“سيرتا” حزينة لأنهم فتحوا أبواب سوق المزاد، ولعنة البيع كالحمى الصفراء انتشرت في كل مكان!!
ستتحمّل معاطف صبرنا وخز أشواك الصوارد، ولن تتحمل الصوارد عناد الضوء الذي بفوانيس إرادتنا..كل الأراضي المنتشرة على ظهر الخريطة كانت تأتي إلى إيوان جذورنا كي تتعلم كيف تحافظ على كنوز جذورها..، إختصرت كل الدروب حتى أصل قبلها إلى منبر قلبها فيحق لي أن أرفع صلاة اللقاء من مأذنة مسجد عقلها..هل كانت تعلم أن مركبي النورسي اللون قد ضيع طريق العودة الى الميناء العتيق، وأنها البوصلة التي ترشد أساطيل أشعاري إلى ضفة البوح؟ كأنها لا تفهمني..أو كأنها قرأت كل قصائدي قبل أن يجف حبر قصائد السوسن على خداد زنابق شفتيها..لم تكن تريد أن تعرف الكثير عني..كل الذي كانت تريد أن تعرفه عدد الإبر التي يتم بها وشم منسم الثور!!
وضعت سماعة الهاتف فانقطع الخط..بينما قرنفلات لهفتي المتورطة في سحر بساتينها بقيت تمسك بكل الخيوط المؤدية إلى معلقة قلبها!!
مازال بلسم “الغالية” قادرا على إسكات أنين تلال الدموع، لم أغلق شبابيك مروجها الفضية، لقد وعدت “مبارك” أن أنادي عليه من أعالي قمة “إيهاغن”، ومازلـت أبحث في أدراج قمم أوجاعي عن فرح نسيته “سيرتا” بحقيبة ذكرياتي.
ما أوسع قلب هكاري لم تحنطه جعجعة الأرصفة وبلادة الضجر ورائحة عرق الزحام القاحل، وما أضيق قلب “سيرتا” حين تفرش المليساء شراشيف سلطانها، وتتكئ نظراتها الباردة على نماريق الغروب كي تستمتع بمشهد فرشاة الرمادي القاتم الماكرة، وهي تلطخ ريش بجعات أحلامي الناصعة البياض!!
أسواق غريبة وعجيبة مسورة برماح مسنّنة تفوح منها رائحة المداخن المنسية، ما أن أخرجت إليهما ملايتها الداكنة حتى خرج الطاعون من أضلع الرمضاء، فاحترقت جنان الرمان وتراتيل سجاجيد الغمار، وداست جزم الغيلان على بيوض سوابح السناء وعلى سيقان ظباء رواب الإمتداد وعلى مناهل الأجداد فانكسرت قلائد الثناء في أعناق حسناوات نيسان..تعلقت بطوف “حنة” كي لا تبتلعني حيتان طوفان الفناء، وتعلقـت “حنة” بقرني الثور وبلون جلده الذي رفض أن يجف، فتذكرت الأسطورة التي كتبها المؤرخ “جوستين” حول “عليسة” ابنة ملك “صور” ومؤسسة “قرطاج” وملكتها الأولى، وأخت “بيغماليون” التي فاوضت حاكم البلاد الأمازيغي لمنحها أرضا تبني عليها مدينتها، غير أن الملك أبى أن يمنحها أكثر من مساحة جلد ثور، فقبلت عليسة ذلك أمام دهشة مرافقيها، إلا أن الأميرة كانت تضمر خطة ذكية ستمكنها من بلوغ غايتها، وتأسيس واحدة من أشهر المدن عبر التاريخ مدينة “قرطاج”، قامت “عليسة” بقص جلد الثور إلى أشرطة دقيقة طويلة أحاطت بها الهضبة التي تعرف حتى الآن بهضبة “بيرصا”.
“عليسة” التي اشتهرت بدهائها الذي سمح لها بإنشاء وحكم دولة فينيقية في شمال أفريقية وبتجارتها الواسعة وسيطرتها على بحار المتوسط..ملكت هضبة قلب الحاكم الأمازيغي ولما كانت الأميرة عازمة على البقاء وفية لذكرى زوجها وخوفا من أن يجلب رفضها دمارا للمدينة آثرت الانتحار محافظة بذلك في الوقت نفسه على عهدها لزوجها وعلى المدينة التي أسستها.
أطلت النظر إلى المشبك الذهبي الذي تثبت به “حنة” الرداء الفضفاض الملفوف حول كنوز جمالها، هديتي لها عند آخر زيارة لي لسورية، وهو قطعة مقلدة للمشبك الذي تم العثور عليه أثناء عمليات الحفر بمدينة “دورا أوروبوس التاريخية الأثرية”، والتي تعرف بـ “صالحية الفرات” والحاصلة على جائزة “كارلو سكاريا” الدولية للمنتزهات الأثرية لعام 2010 لأنها: “تبدو شرفة مدهشة على ضفة نهر الفرات، وملتقى خصوصيا في الجغرافيا، وفي تاريخ سورية عبر آلاف السنين، وقد جمعت عبر الزمن بصمات رفيعة وفريدة النوع لحضارات مختلفة”!! أطرافه على شكل أنصاف دوائر تحصر بينها أحجار كريمة ملونة، وفي وسط المشبك حجر كريم بيضوي الشكل بلون أخضر زيتي غامق محاط بزخارف ذهبية على شكل جدائل وقباب، نقش عليه رجل عاري، يحمل بيده اليسرى أفعى، ويضع يده اليمنى على قاعدة تقف عليها امرأة صغيرة الحجم، وتحمل غصنا نباتيا، والمشهد محاطا بغصن نباتي ينتهي بثمرة. الحجر فيه محاط بزخارف ذهبية على شكل قباب وجدائل..كم أسعد حين أراها تتزين به..وكم أحببت ما قاله الشاعر الروماني “بوبليوس ورغيليوس مارو” أو “فرجيل” في الإنياذة التي كتبها، لقد عرف كيف يقدم “عليسة” في صورة تجمع بين قوة الملكة الحكيمة ورقة المرأة العاشقة!!
“حنة” الحكيمة تمسك بقرني الثور ولا تريدني أن أنظر الا إلى عزف أناملها المدللة على أوتار ربابة لهفتي، بينما “حنة” العاشقة لا تكف عن تهييج كل الألوان الحارة والباردة، ومشاكسة “إسحاق نيوتن” بتعذيب اللون النيلي الذي أضافة الى الألوان الستة الأساسية، ومبارزة اللون الحرجلي والليلكي والعسلي، وخداع دولاب الألوان بالتحالف مع الأحساس باللون المكمل ومبايعة جنون “فينسنت فان غوخ”.
لست صاحب الانيادة التي عدت منذ القرن الأول بعد الميلاد أحد أهم مصادر اللغة اللاتينية عند النحويين وفي الكتب المدرسية، وألهمت الكثير من الكتاب الذين نظموا أعمالا تقتدى بنموذجها أو تستوحي أجواءها، وامتدحها “دانتي” في “الكوميدية الإلهية” واستخدمها الشاعر الإنكليزي ” تشوسر” في أعماله، واقتبس منها الشاعر الإنكليزي “إدموند سبنسر” في قصيدته “ملكة الجن”..لكنني حين لا أجد أي فرق بينها وبين “عليسة” أتحول الى صاحب إلياذة، هي مني منزلة الشغاف، عرفتها قبل أن تولد أوديسة الماء في جزر الكلام، وقبل أن تذوب جبال الملح في حلق البحار، وقبل أن تتفتح أكمام نانيس وساناز، وبعد أن تربع القمر على تخت الفضة وراح يقص على صديقه النجم القطبي حكاية قديمة عنه، وعن جذور عائلته كوكبة بنات نعش الصغرى التي ترسم في الخرائط وعلى الكرات السماوية بصورة دب صغير قائم الذيل، وكيف صار لـ “كاليستو” مكانا في الميثولوجيا الإغريقية حين تحولت إلى دب وأصبحت الدب الأكبر، بعد أن تزوجت بأحد الآلهة الذي أنجب لها ابنها “أركاس” الذي تحول إلى الدب الأصغر..ولم أعد أرغب في مضايقة فرشاة قوس قزح التي فشلت في رسمها، هي التي حارت الكلمات في وصفها واكتوى قلب البهاء بلهيبها، ودارت الأوركيد بكل تفاصيل سحرها حول رقبة نايها، ففاح طيب عطرها ولاحت ظلال بتلات أنفاسها، فسكت أريج زهرة الملوك حين تكلم أريج جمالها عن علاقة جدران قلعتها بحجر التورمالين، وعلاقة مبسمها بقصائد الأوبال، وعلاقة حركة بوصلة أصابعها ببوصلة السفير النجمي، واختصرها بؤبؤ عين النمر حين توهجت أشعتها قبل أن تشرق آيات ملحمة الشمس في سماء الكون: بتول غيداء، جيداء، فرعاء، حوراء، كحلاء، ذلفاء، سرقت من اليشم الشفاف رونقه، ومن اليشب الأخضر حلاوته ومن الجاد الأبيض صفاءه، ومن الزركون قوته، ومن اللازورد زرقته ومن الفلوريت بريقه..
لم تعد أسئلة رأسي تتحمل صهيل المسافة التي تفصلني عن بيادر بوحها، رفعت سقف الأماني وأشعلت شمعة في باحة الانتظار..
حاصروا نرجسة الوقت البيضاء بكلاليب أكذوبة رهيبة أنه بالإمكان بيـع كل شيء حتى ما علق بقاع جرة الذاكرة!
توقفوا عن قراءة الخطبة وراحوا يطلقون النار!
“الغالية” تعلق أسنان حدثان الدهر برقبتها، تبخر البقعة ولا تخشى جني الظلام، وارب قلبي بوابة عقلي فأشعلت بصيرتي شموع بصري، اختلست النظر إلى ما يحدث فرأت من زاوية الإبرة الرابعة كل الزوايا التي استحضرت روح “تينهينان”، الرواق الضيق خط السر الطويل، أرجل جسد صمت غامق وغامض تتبع آثار نعال الرياح، عظام كلاب صيد متعفنة، خناجر علاها الصدأ، رائحة خانقة منبعثة من فكرة الموت، عش زنابر منسي وأطلال مدينة عناكب..رؤية هشة..القشة التي قصمت ظهر البعير حزم حطب الدهشة.. مغازل ضجر قاتم محوطة بقشور حرابي الرتابة..، “تينهينان” توشوش في آذان حبات الرمل على مسمع الجعارين المنهمكة في إلتهام روث الخراب وهي تداعب قرطها المرصع بالجمشت، وأذرع الحر تعبث بفتائل قناديل عتيقة معلقة على حبل غسيل العتمة وألسنة الحيرة تتدلى منها كعناقيد عنب معسل، بينما وصيفتها “تاكيما” تستر أهداب عرائس شرفات ليل الفجيعة بأوشحة أغنية تخرج مــن أنفـاس “تندي إيلوقان” وهي ترقص…ترقــ…ـص … تـ .. رقـ….ـص..
كأس من الشاي قد يجعلها تلين وتبوح لي بكل الذي ظل مدفونا مع أسرار حروف التيفيناغ، سألتها عن “حام” وعن أصل الأميرة السمراء التي أحنت رأسهـا لمجانق “أبلسة”! كلمتني عن ذلك الرحالة الذي بشرها حين كانت تتهجد في خيمة الصيب مع فسائل الصبر بتلك النبوءة التي خرجت من جيب سحابة عرافــة كانت تجمع ريش الدجاج، تغمسه في فنجان الفجر وتبدأ في وشم همة الثور على النيس، والشيست، والجرانيت، والرخام والذهب والفضة النحاس والفولاذ والبرونز، وباحت لي باسم ذلك البحر الشره الذي ابتلع واحات النخيل وسفائن الصحراء ونياق الحكمة وغزلان الجواب، فابتلعته الصحراء عندما نفضت “تينهينان” سجادة الرمال المقدسة!
لم أمانع في الذهاب مع “سيرتا” إلى آخر درب لا يقودني إلى قلبها، ولم تمانع في دخولي كل سراديب مكتباتها التي لا يزعجها دوي قطار أسئلتي الملعونة!!
لن أطفئ جمرة المصباح ولن أفرط في خريطة كنوزي ولن أسلم خيولي لسياف التيهاء، ولن أخون صلاة التين والزيتون، كل الذين سقطوا وتلوثوا بذنوب الخطايا من أجل أعراس الشهد والكرز خسروا فرصة رؤية بشائر “الغالية”، رائحة القذارة والعفن الطالعة من جزم صعاليك الطمع تعري أسياد المذبح..مهما تعثرت..غايتي أن أبلغ ماهة الطريق الأخير حتى تعرف “الغالية” وفائي الكبير “لحام” ولمعراج الماء الذي سلب لب الأرض والسماء، تارة أغرق، تارة أخرى أطفو كجزيرة تريد أن تعرف مقدار حبها لأقدام الأمان!
سوار العاج الأخضر قد يغري آخر نرجسة بحقول “الغالية” لكنها صامتة ومبهمة كالمباني المأتمية، وكأنها تريدني أن أعرف كل شيء عن كل شيء له علاقة بالثور دون أن تتفوه ببنت شفة!
بإزميل وعدي لها رحت أحفر أغوار صبري، أخرجت النورسة البيضاء من صدري المحموم، تفقدت لون جلد الحجر الذي أنتمي إليه، ولهجة التراب التي تنتمي اليها لهجة أحدوثة الثور وطعم ثمار شجرة المطر التي تشد جذور وطن ـ آمان ـ!
قد يخبرون “حنة” بأنهم قد لمحوا سروة عنادي تقف قرب شجيرات حديقــة “حدة”، وهي ترتدي المعطف البني هديتها لي في عيد ميلاد جوقة الشتاء بفصلي الخامس، القضية الوحيـدة التي تهمني الآن، وبعد قليل، وبعد ساعة، وبعد يوم، وأيام، وسنة، وسنين، وألف عام، وخمسمائة عام هي قضية الثور! لن أضيق ذرعا بلظاها، وسأتحمل مرارة العلقم وغليل القيود والأقفال وطعنات اللئام وتحاسير الدياجي وبرد المنافي..سأدق جرس بوابة حديقتها بكل نغمات الرجاء وأنا أحمل في يدي قنديلي النحاسي، وسأصبر مثلما صبرت الصحراء على حمى العصـر “الميزوري” وحين ستفتح “حدة” الباب سأسألها بلغة الفارس البربري عن الذي يخفيه عني قدر الحروق التيفيناغية لأبلغ نشوة الإحتراق.
“حنة” لا تريد أن تفهم هذا، تتطلع إلي وتريد أن تفهم غير هذا..تسجن فرسي الألمظ في زندان شكوكها وبسياط تسلطها تجلد جدران حجرة قلبي المغلقة بإقليد قلبها!
فتحت نافذة الضوء على مصراعيها، فتمزقت أوتار كينارة الضباب التي كانت تشدني إلى كل تلك الأصوات الطالعة من جب الأوهام..
أخيرا فهمت لم تعلقت “حدة” بتنورة وكندرة ديفون المتواجدة بمقاطعة كبيرة في جنوب غرب إنجلترا والمعروفة أيضا بـ “ديفونشير”، كل حديثها كان عن التنوع الجيولوجي الذي أسهم في وجود العديد من المعالم والمنتزهات الطبيعية وبالأخص “دارتمور” و”أكسمور”، ولم كانت تقضي كل وقتها في تقليب صفحات أوراق العصر “الديفوني” الذي ينتمي إلى الحقبة الباليوزية، وكم حاولت رسم ملامحها وهي بين أحضان الأسماك البرمائية التي كان لها رئات وخياشيم وزعانف قوية والرأسقدميات كالحبار والأشجار الكبيرة والمرجانيات الرباعية والسرخسيات، واستوعبت كل الحجج التي اقتنعت بها فامتنعت عن نبش أتربة العصر الفحمي!
“حدة” مثلي تمقت طريقة الزواحف في السقوط من الهاوية لبلوغ الهدف، وطريقة أسماك القروش في التنكيل بالفريسة! وطريقة الحشرات المجنحة العملاقة في قتل كل فراشات الفرح والتحليق فوق حصاد الدمار والحنين إلى مواسم تنانين المكائد ومنادب الرماد، وقدرة الطحالب الطفيلية على التأقلم مع عبث / الاتحاد الوثيق / المنبثق من التحالف مع بعض الفطريات الذي يضمن لها البقاء ولو في شكل نبات الحزاز، فلا فرق عندها بين العيش في الوحول والمستنقعات أو في البحيرات والأنهار والينابيع!!
دافعت “حدة” عن سنابل البحار الزرقاء وعن قبعات الغيوم البيضاء، وعن حقائب ذاكرة اللؤلؤ المكنون وخزائن الجان والمرجان، وجمعت كل دواوين سمكة الشعر في قصيدة واحدة، وحاولت أن تصنع من فضة ذيل القمر ممرا إلى قوافل القوافي لتوقظ النار في كوانين “إمزاد” و”التندي”، وفي أباريق السمر وأزجال الحداة والنردشير وفي آهات حناء الصبابة وفي خيام العشاق، وكانت “سيرتا” مثل عجوز شمطاء تتبعنا بنظراتها الشزرة أينما ذهبنا، وسلطـت علينا غيرة “حنة” فاختارت “حدة” قبة “بونة” مفتاح لكل الألغاز!!
ربطت الغيوم الرمادية ضفائر البحر الطويلة بحبال الأمواج المشدودة حول خصر الصخرة الكبيرة كي لا تذهب به الرياح بعيدا عنا، وقفت “حدة” على رؤوس أصابع قدميها..دارت دورتين حول محور الفجيعة ودورة ثالثة حول قفص قلبي المرصع بيواقيت “حنة”، حاولت الإقتراب أكثر من جذع صنوبرتي منعها عبير عطر “حنة” المنبعث من عرق أنفاسي..قد ينفع توازنها لإسكات لهاث براكين الأحقاد والثأر والغضب ولكنني أعشق زلازل “حنة” وعواصفها وأعاصيرها ونيران فراديسها، ولن تتحمل ساقية روحي العيش خارج أزمنة “حنة”، ولن تقدر “حنة” على رؤية كل زوايا أسطورة الضوء بدون منظار رؤيتي..الجرح الصغير أرحم من الخيانة الكبيرة..وقتل الوهم في مهده أرحم من قتل كل عصافير الحب بسم الغدر..ستفهم “حدة” أن الدورة الثالثة دورة في بهرج الفراغ..وأنني عاهدت دورة الأوركيد على التحصن بترس الوفاء..حاولت الهرب من دموع غابة الأغلال إلى أعماق الجسد المالح لأحرر مزامير صفائي من أصفاد أوجاع نايات “حدة”..كنت أريد أن أغرق في بياض النجاة من دنس السقوط في هوكة الندامة كي أخرج من رحم معجزة ولادة جديدة ذلك الفتى الذي كانت صقور حنجرته تحوم حول جراح الأرض، ويده أكبر من أشرعة ماخرة الدهر امتدت لتنقذها حين حاصرتها أفاعي الضغائن والحوائن، ولم يفقد الأمل يوما في العثور على محراب
“الغالية” وختم “حام” ووصية حارس وادي “غاث”..وعدي لذلك الفتى أمانة في رقبتي ولن أحيد قيد شعرة عنه!!
لم أعد أذكر كيف مزقت أهازيج الماء وتحدت لهجات عفاريت جاذبية التهياء عندما أخرجت مرآة فلسفتي الغائرة في أبعاد الصوفية من فاه الغرق، النهج الذي سلكته للوصول إلى الله أي الوصول إلى معرفته والعلم به..ومقام الإحسان الذي أدرته، وهو أن أعبد الله كأنني أراه، فإن لم أكن أراه فإنه يراني..هي لم تركع لضعفها وأنا لم اخشع لرغبتها..نجونا بأعجوبة..لم ينكسر أي شيء..بل شعرت بأنها قد أنقذت النبل الذي ترعر بيننا.
سحبت “حدة” لجة حياتي من دوامة الهلاك وهي تقف على رؤوس أصابع قدميها ولم تسقط!
أخبرتنا بجعات المليساء بأن الماركيز “كارل ” سيشتري السر الملثم ليفضح مفاتن الصحراء حتى يتباهى بعد حلول الطامة بدهائه وخديعته في شراء كل شيء.
لعنة البيع في كل مكان، كيف الوصول إلى السر قبل فوات الأوان وعاصفة الرمال تسد كل المنافذ التي قد توصلني إلى رؤيا “تينهينان”!
سأصل قبله، وسأرد شره، وستساعدنـي بركـة “كزورينــا” و”طرفـاء الرنـد” و”العفصة المدارية”.
اهتديت إلى محراب “الغالية”، أخيرا استطعت أن ألمح تفاصيل كينونته الأسطورية، نصفه خرج من شفة “تاكمازوت” ونصفه الآخر من بين أضلع وعل متوحش، طويل القامة، ملثم الوجه، مزمل في عباءة من وبر الابل يحمل في يده مصباح وضعه على جرح الملحمة فخرج السيف مبلل بعســل التراب، وما أن عصرت الذاريات شملات الرمال وكبد الرمضاء ولسان القيظ وصبر الصبار حتى اهتزت عظام القفار لسماع زيزاء الجن، فجأة ومن فتحة في جدار آيل للإنهيار طلعت قوافلهم وهم يحملون دفوف بلون فاكهة الرمان وبين أصابعهم صنوج، وهم يرددون مقاطع من وصية “حام”، بدأت الحكاية حين سقط خمارها الأرجواني وائتلقت لآلئ جديلتها الخرافية، فالتف حول فراشاتها المبرقشة وما أن استنشق عبق الندى الطالع من تباريج أمنيتها حتى طلب يدها من كبيرهم، أدخلها جنينة عدن وحين ألفت رائحة الصندل المنبعثة من أضلعه ورائحة الحبق الساكنة بالضلع الذي حفر عليه حروف اسمها أقسمت له بأنها لن تشتهي طعام الأثيم ولن تبرح مقصورة قلبه فقام بحرق كل أشجار الزقوم التي كانت تذكره بجهنم مصير العصاة، وكان لا يسمح لها الا بالحديث مع ثوره الأسود الحارس الأمين لمغارة كنوزه وحافظ أسراره وسراديب أخباره.
تسلّلت قصر أحلامها من ثغرة صغيرة في حكمة الضلع، ترجلت عن فرسي الألمظ وانحنيت لأقبل قمح يدها الأخضر، ريش الدجاج مبعثر وهي لا تريد أن توشم الثور بزوايا الإبر الأربع، بل تريد أن تحمي عرشه من كلاليب الخطر وثعاليب المكر وذئاب الغدر.
أهازيج سرادقات سلطانها تدفع أساطيل الخرقاء، وسيوف الخرقاء عراها مردة الخوف، فاسودت خرائط وجوهها وصارت تشبه خريطة تاريخ الخطايا، قد يذبحون الخروف فعلا قبل أن يعثروا على الثور ليستجيب الدم لوثيقة الخيانة، قد يسبقني “كارل” إلى جذوري فيقطعها، قد تلحقه “الغالية”، قد ألحقه، قد لا تلحقه، قـــد لا ألحقه…قـ……..ـ….د.
ليس من حقي أن أتراجع عن زرع شتول الشموع على طول درب الأمل، وليس من حق كنانة إرادتي ونبالها أن يتركوني وحيدا وسط طريق مسدود وقد أوشكت على بلوغ صارة أوطاد الحقيقة..لن أختبئ بين حجارة المباني المأتمية كي تتجنبني حشود الموت علي أن أثبت لسيرتا بأنني قد فهمت علاقة روحها بالجسور وعلاقة الجسور بذاكرة الحبال..
بأفؤس الضغينة أخذوا يحفرون خنادق الخديعة، وبمخالبهم المعقوفة راحوا ينبشون دهاليز الأسرار، وبمعول الوحشية هشموا جمجمة الصخور، وبكسارة الفك كسروا كل أسنان الرمال وبسنابك أحصنتهم المجنونة زعزعوا أوتاد ملحمة الكبار، وبجرافات الشراسة كسروا أسوار القلعة وقبة صلاة الأزهران، وبمقلد المرج عبثوا بعقارب ساعة الخابلان حتى يسقط النور في شراك الظلام..حاولوا إغراء الهاجرة برقصتهم الماجنة وشراء سناجق الطاعة والولاء وتخدير عروق صروح الانتماء..تعجب الهزيع الأخير وهم لا يملون من المحاولة..وحاولوا..صاروا مسخرة عرق الخيبة وذباب الحر والضجر والانتظار..لم يستجب لهم أي شبر من عزة وشموخ الصحراء فانهاروا كما تنهار كثبان السراب.
أخـرج الماركيز خنجره اللاحم، أعتقد بأن ثورة الثور عطشى لوديان الدم، وسيخرج عندما سيذبحون له خروف، وعشر، وقطيع…
“الغالية” تراجعت..الماركيز تقـدم..”الغالية” تراجعت أكثر..الماركيز تقدم أكثر..سيقتلع الماركيـز جذورنا، سيقتلع كل جذورنا..”الغالية” تبتعـد..سيهدم الماركيز كل شيء..سيسقط صولجان مجد المكان وتاج شرف الزمان وكبرياء مفتاح قصبة الأمان..ستمضي الأعوام..وستركض أفراس عربتها كأسراب الدخان ولو بعد ألف عام من التماطل والتهرب من قبضة السجان لن نجد ما يجب، ويلزم علينا أن نرد به على أسئلة قضاة التراب في محكمة الحساب..فويح لمن سولت له نفسه الأمارة بالسوء بفتح مآسد الخراب الويل..الويل من جهنم العقاب!!
ما أن بدأت قافلة “الغالية” تختفي عن الأنظار حتى بدأت شقوق رهيبة تظهر على جبين الغار، والماركيز لا يكف عن ذبح الخرفان والدماء الملتهبة كالرقط الشرهة تغلغلت في عروق الرمال كيف تشفي غليلها من دمائها الصفراء،أخرجت الرمال سواعدها من بطن النار فنهضت قيامة الصحراء..فتحت فمي لأنادي على “الغالية” سكتت حرف النداء على رأس لساني حين ابتلع وحش الظلام هودجها الذهبي..فاختلفت مع غزالتها العفراء حول مسألة من سيسبقني إلى محنة الموت نور فراستي أم خزائن رؤاي!
نظرت من حولي، صارت الصحراء بحجم حبة رمل محمصة، وأنا جعل مقلوب على ظهره تتلذذ عفاريت اللهبة بعذابه، والماركيز ديناصور عملاق يتباهى بدهائه ومكره في شراء كل شيء وعلي أن أفعل أي شيء لأوقف فاجعة الخراب!!
التقطت حجرا كبيرا ووقفت على رؤوس أصابع قدمي ورحت أهشم رأس الماركيز…
سقطت راية حصن الماركيز ولم أسقط!!
ما أن التأمت جراح الغار العجيب حتى انطلقت أتبع آثار خف “الغالية”..في شرفة يدي المخضبة بحناء الوعد علقت مصباحها الفضي، وعلى عاتقي حملت أوراق شجرة وصايا الثور الأسود، ومن صنوبرة روحي تنبعث أنفاس صلاة أمورث والماء وعبير حجر الحكاية!