التقى جمهور الثقافة والفن والإبداع، الاثنين، مع الروائي أمين الزاوي والناقد لونيس بن علي في ندوة حول “الرواية بين متعة الكتابة واختيار الناشر”، ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في دورته 25.
أشار الروائي أمين الزاوي في بداية حديثه، إلى أنه لا توجد رواية بدون حكاية والحكاية ليست رواية، فالرواية –حسبه- عمل جمالي وعمل فني وبنائي وفلسفي.
وكشف الزاوي أن تجربته مع الكتابة بدأت منذ نعومة أظافره وهو لا يزال طفلا صغيرا يافعا حين قدم له أستاذ الفرنسية قصة “لالفونس دوديه”. وبعد قراءته لها وجد أن حكايات والدته أحسن وأعمق من حكايات الفونس دوديه. فقرر أن يكتب ليكون أحسن منه وبذلك أصبح الأمر بمثابة هاجسا لديه.
وذكر الروائي أمين الزاوي أنه تأثر بكتاب ألف ليلة وليلة الذي يعتبر الكتاب الأول بعد القرآن الكريم الذي وصل من الثقافة العربية إلى العالم، رغم أن العرب لم يقرؤوه ولم يستثمروا فيه مثلما فعلت أمريكا اللاتينية، فكل الروايات اللاتينية خرجت من ألف ليلة وليلة.
وقال المتحدث: “أشعر دائما بأنني لازلت في مرحلة هواية لأن الهواية تجعلك صادقا، تكون عفوية وتجعلك تخاف، والكاتب الذي لا يلاحقه الخوف أعتقد أن نصه بارد ومصنّع”.
وأضاف الزاوي أنه حين يكتب لا يجد صعوبة ولا قلقا ولا استلابا سواء كتب باللغة العربية أو بالفرنسية، من اليمين أو من اليسار، فهو لا يترجم إلا ما يدور في رأسه بلغة أخرى وهي لغة الحياة اليومية.
“الكتابة مشقة وتعب..”
ونوه الكاتب أمين الزاوي إلى أن العديد من الشباب حين يكتبون يخالون الكتابة متعة بينما هي مشقة وتعب ذهني وفيزيائي.
وقال المتحدث: “أنا اعتبر نفسي كاتب مشروع وليس كاتب نص، والفرق بينهما هو أنني لا اكتب رواية مع استقلالية الرواية، ولكن عندي هاجس مشروع، يدخل فيه ما يسمى مربع الممنوعات” .
وأضاف في السياق ذاته أنه “كاتب ضد النّفاق الاجتماعي والسياسي والثقافي والإيديولوجي، وأنه لا يكتب عن الدين لأنه ليس فقيها، بل يكتب عن التدين (كيف يتجسد الدين في الشخصية السياسية كقيمة سياسية أخلاقية روحية”.
وأشار الزاوي إلى أن هناك فرق بين الناشر العربي والأجنبي، فحين تتعامل مع الناشر الأجنبي تشعر بأنك أمام مسؤولية وأمام مؤسسة في إطار علاقة حضارية مع الكتاب، يملك لجنة قراءة، ومصحح، ومحرر أدبي وهذا ما لا نجده عندنا.
“علاقة الكاتب بالناشر تنتهي بمجرد صدور الكتاب”
من جهته، نوه الدكتور لونيس بن علي، إلى أنه كاتب رواية وليس روائيا، لأن كاتب الرواية قد يكتب عملا إبداعيا بحكم تجربة ما فرضت عليه أن يتجه إلى السرد لكي يعبر عن موقفه، لكن الروائي يكون صاحب مشروع.
وذكر المتحدث أنه كتب روايته الأولى “عزلة الأشياء الضائعة” والذي يتمنى أن تكون الأخيرة في لحظة وجودية قاسية جدا حين فقد والده، حيث كان بين خيارين إما أن يستسلم لحالة حزن قد تسبب له اضطرابا نفسيا حادا وإما أن يكتب ليخرج ما بداخله.
وقال الناقد لونيس في السياق ذاته، بأنه وجد نفسه يكتب، دون أن يتخيل نفسه يكتب نصا روائيا، وان الذين قرؤوا عمله اكتشفوا فيه قدرا مفرطا من العنف.
وأضاف لونيس:” اكتشفت إلى أي مدى يمكن أن أكون عنيفا تجاه نفسي، تجاه الأقدار، تجاه الموت، وتجاه الأدب في حد ذاته، اتجهت إلى الأدب لكن بطريقة ما كنت انتقم منه، ففي روايتي قررت أن ارتكب جريمة واقتل روائيا كبيرا ..لحظة وفاة أبي من المفترض أن تدفعني للكتابة عن الحنين للأب لكن وجدت نفسي اقتل الأب الأدبي “.
وذكر المتحدث أنه دائما يساوره السؤال من جهة لأنه قارئا وناقدا، هل يمكن أن ينتمي إلى حقل الإبداع من خلال هويته كقارئ أو كناقد، لأنه -حسب تجربته- كثيرا ما يحتقر الأدباء صفة الإبداع.
وأضاف: “نحن الذين ندرس الأدب ونحاول تفكيكه ونقتنص اللحظات الجمالية، أليس من المفروض أن ندافع عن حقنا كمبدعين..كوني ناقدا ليس بالضرورة أن أضع المبدع كعدو أو كشخص يهدد مركزيتي”.
وأشار الدكتور لونيس بن علي أنه بالنسبة لكاتب شاب كانت لحظة النشر الأولى رومانسية عاطفية جدا، كان إحساس طفوليا، ليكتشف فيما بعد أن تلك اللحظة كانت نوعا من تصديق الوهم، وهم أن يكون كاتبا في سياق ثقافي أو اجتماعي.
وقال الدكتور لونيس أن علاقة الكاتب بالناشر تنتهي بمجرد صدور الكتاب، وأضاف “وصلت إلى درجة أنني اقتني كتابي الذي الفته أليس هذا نوع من الاستلاب؟ تلك اللحظة كانت مهيبة..والطامة الكبرى هي أن يصل الأمر بالناشر إلى بيع روايتي بالتخفيض، اعتبرها أقصى لحظة مأساوية عشتها مع نفسي، لقد أراد أن يتخلص منها لكنه لا يدري أن ما هو موجود فيها تجربة وجع إنساني حاد”.