صدرت حديثا عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية “إيناغ” الجزائر، الترجمة الجديدة لرواية “من يتذكّر البحر Qui se souvient de la mer ” للأديب محمد ديب.
جاءت الترجمة التي أنجزها الروائي والمترجم والناقد الأدبي محمد ساري. مختلفة عن ترجمات سابقة. حاول من خلالها المترجم بقدر الإمكان إحداث التوازن بين جملة روايات محمد ديب والجملة العربية. حتى لا يبدو النص المترجمة كما لو أنه ترجمة حرفية بلا تمحيص، وقد تفقد المعنى أحيانا.
وأوضح محمد ساري في منشور له على صفحته الرسمية بـ “فايسبوك”. أن ترجمة رواية “من يتذكّر البحر” لمحمد ديب. صعبة نوعا ما، وأرجع سبب ذلك، “أن احترام أسلوب الكاتب يدخل خللا في نظام الأساليب العربية المعروفة”.
وأضاف ساري أن رواية “من يتذكّر البحر Qui se souvient de la mer “. نشرت في 1962 عن دار لوسوي الفرنسية. ولكنه اعتمد في ترجمته على طبعة جديدة لدار Minos-La Différence لسنة 2007 مع إضافة ملحق لمحمد ديب يتحدث فيها عن روايته والأسباب التي أدت به إلى معالجة الحرب التحريرية من منظور علم الخيال.
وأردف ساري قائلا: “فعلا يفسر محمد ديب اختياره لصعوبة تناول موضوع الحرب بتكرار مشاهد الرعب والتعذيب التي ملأت صفحات الجرائد وكتب التاريخ وحتى الروايات. ولن تكون الرواية في هذه الحالة إلا تكرار كتابة مشاهد رعب وتعذيب. منتشرة منذ الحرب العالمية الأولى. ثم الثانية. لهذا لجأ إلى كتابة جديدة كلية. أي يحكي عن العنف والرعب من زاوية تخييلية صرف، تكسّر جميع القيود الزمنية والمكانية”.
وأضاف” فيتخيل مدينة تنهار أزقتها وأسوارها بكثرة التفجيرات، وشخصية رئيسية تسكن في دار مشتركة. فتخرج صباحا لتجول في أجواء المدينة الخربة. كل يوم يختفي عدد من الرجال ولا أحد يعرف أين يوجدون. تكثر الأقاويل. والإشاعات، ويهمس الناس في صمت بعض الحقائق. يلتقي البطل في دكان الحاج ليسمع آخر الأخبار”.
ووصف الناقد الأدبي محمد ساري “من يتذكر البحر” على أنها من أجمل وأكمل روايات محمد ديب، عالج فيها موضوع الثورة التحريرية بطريقته الخاصة ويوضح ذلك جيدا في الملحق التي ترجمته وأصفته إلى نص الرواية، في آخر الكتاب، هنا أيضا يسلك محمد ديب أسلوبا مغايرا. يفجر اللغة. وينثر الكلمات والجمل، يتركها تحكي في دوران لا نهاية له.
وكشف ساري، أن أسلوب محمد ديب يتميز بتجديد على مستوى تركيب الجملة. فيقدم ويؤخر الكلمات في الجملة الواحدة، يكرر، يدجل الجمل الاعتراضية، والجمل المتكونة من كلمة واحدة، أو غير مكتملة أصلا.
ويمنح محمد ديب سرد السرد المطلق لكثير من الشخصيات إلى حدّ أن السرد أضحى هذيانا، أحلاما. لا تحكمها القوانين الفيزيائية من زمن معلوم وأماكن قارة. إنها رحلة داخلية، تحاول فيها الكلمات الإمساك بالمشاهد وتثويرها، ولكن النفوس المضطربة تخلط الأشياء وتبتر الزمن وتمسخ المعالم ويتحول الكلام إلى تمنيات، إلى صراخ، إلى كوابيس –حسب محمد ساري-.