عرف الحي العتيق “القصبة” في الجزائر العاصمة ترميم وإعادة عديد المباني والقصور والمعاقل التاريخية، منها المنزل التاريخي لعائلة بوحيرد مبارك. والذي لازالت شواهده تروي قصصا عن شجاعة الجزائريين في محاربة الاستعمار الفرنسي.
المنزل الجميل الذي يتوسطه فناء والواقع بـ 3 شارع لافوازيي بقصبة الجزائر، هو ملك لعائلة بوحيرد مبارك. كان مسرحا لعمليات مسلحة في الثورة التحريرية. حيث عرف مرور جميلة بوحيرد. وحسيبة بن بوعلي والعربي بن مهيدي. وعلي عمار المعروف بعلي لابوانت والزهرة ظريف وياسف سعدي وآخرين لجأوا إليه للاختفاء.
وكانت المنازل الأربعة. التي لا تبعد كثيرا عن جامع فارس و يمكنها الوصول إليها عبر شارع عمار علي و شارع إبراهيم فاتح. في حالة متدهورة جدا خصوصا من حيث الهياكل.
وارتكزت بنايات القصبة على بعضها البعض. و متشابكة لذا وجب ترميم البنايات الثلاثة المحاذية من أجل إنقاذ المنزل التاريخي.
وقد عرفت هذه المنازل التي يقع جزء منها في شارع سيلين المسدود لإعادة تنظيم من المستعمر الذي هدم قسما منها. بهدف وضع واجهة استعمارية، مما طرح مشكلا عويصا من حيث الهياكل و الجدران إضافة إلى الانهيارات. وهو ما ” تطلب أشغال تدعيم مناسبة وثقيلة استلزمت وسائل ضخمة و الكثير من الذكاء بهدف وقف حالة التدهور في المقام الأول” حسب ما كشفه المهندس مهدي علي باشا.
وبعد عملية تدعيم و إنقاذ الهياكل. قامت الشركة بنوع مختلف تماما من الترميم يقترب أكثر من الحرف التقليدية وترميم الأعمدة والرخام وحتى الأعمال الخشبية لهذه المنازل.
وبالنسبة للورشة الأولى. أكد مهدي علي باشا أن جميع المواد المستعملة بداية من الآجر إلى الأعمال الخشبية منتجة بمختلف مناطق الجزائر.
وأوضح أنه أعطى الأولوية لحرفيي قصبة الجزائر بالنظر إلى القرب و من أجل التشجيع، منها المتخصص في النحاس سعيد أدمان العامل بنفس الحي و المكلف بإصلاح و صنع جميع القطع النحاسية لهذه الورشة.
واستدعت الشركة العديد من الورشات المتخصصة في الخزف الموجودة في القصبة. و بعض الحرفيين على مستوى العاصمة لتقديم نسخ مصنوعة يدويا من الخزف الأصلي.
أما الأعمال الخشبية. فقد أنجزها حرفي مقيم بمدينة تلمسان مع احترام أساليب صناعة الخزائن في تلك العصور.
و يرى المهندس الذي يشتغل على مشاريع أخرى بموقع التراث العالم للإنسانية أن هذه التجزئة الأولى تمثل رسالة أمل تقول أنه “يمكن المضي قدما و ترميم قصبة الجزائر و مواقع مماثلة أخرى”.
7 مشاريع ترميم وإعادة تأهيل قصور ومباني بالقصبة
وتقدمت أشغال ترميم وإعادة تأهيل 7 مشاريع (قصور ومعالم ومباني ومعاقل تاريخية) في نطاق القطاع المحفوظ لقصبة الجزائر بـ65 بالمائة.
والأشغال الجارية مبرمجة لإعادة الاعتبار لهذا المعلم التاريخي المصنف ضمن قائمة التراث العالمي، حسب مسؤولة ملف ترميم القصبة بمديرية التجهيزات العمومية لولاية الجزائر.
وأوضحت المهندسة المعمارية العربي فاطمة لوكالة الأنباء الجزائرية “واج”، أن نسبة تقدم أشغال تأهيل وترميم تخص 7 مشاريع في إطار المرحلة الأولى من العمليات الموكلة للمديرية بعد تحويل ملف ترميم القصبة لمصالح ولاية الجزائر، بلغت 65 بالمائة.
وتضم القائمة مواقع قصر الداي، قصر البايات ودار البارود على مستوى قلعة الجزائر وقصر دار حسن باشا، جامع البراني ومنزلين محاذيين، إلى جانب مباني تاريخية تقع بـ7 شارع الإخوة سليماني وتدخلات استعجالية لوقف حالة التدهور والانهيار.
وأفادت المتحدثة أن ولاية الجزائر ممثلة بمديرية التجهيزات العمومية تشرف على عملية ترميم القصبة التي صنفت ضمن التراث العالمي سنة 1992 وهذا بناء على قرار تحويل ملف القصبة من وصاية وزارة الثقافة إلى مصالح ولاية الجزائر في شهر ديسمبر 2016، وتم تكليف مؤسسات أخرى للتدخل وترميم تجزئات أخرى في نسيج القصبة العمراني.
وتقدمت أشغال موقع قلعة الجزائر بالقصبة العليا بملاحقه الثلاث، بلغت الأشغال بقصر البايات 47 %، بقصر الداي 65 % في حين بلغت 98 % بدار البارود التي ستكون جاهزة لافتتاحها في غضون الأيام القادمة، وبلغت %50 بمسجد جامع البراني والدويرات المحاذية، و65 % بدار حسن باشا و75 % بالبنايات التاريخية بشارع الإخوة سليماني و30 % على مستوى مواقع التدخل الاستعجالية تمثل 22 دويرات ومباني ذات طراز كولونيالي.
من جهة أخرى أفادت المهندسة، وانتهت الأشغال، حسب المصدر، في 4 مشاريع ترميم بنسبة 100 % مدرجة ضمن برنامج المرحلة الأولى بحي القصبة، ويتعلق الأمر بالمسجد الجديد للداي (قلعة الجزائر)، تهيئة ثلاثة قنوات كبرى لصرف المياه المستعملة (شارع لالير، ديفان، وريدة مداد)، ردم الكوابل الكهربائية ذات الضغط المنخفض، ودار عائلة بوحيرد ودويرات محاذية للموقع وقد تم استلامها على مراحل منذ 2018 إلى غاية أكتوبر 2021.
دراسات ترميم 33 معلم تاريخي وديني بالقصبة
من جهة أخرى، ذكرت المصدر أن إعداد الدراسات الخاصة بالمرحلة الثانية من عمليات الترميم التي تخص (25 مشروعا) قد بلغت نسبة 88 % موزعة عبر 33 بنايات تضم مواقع تاريخية ومعالم دينية داخل النسيج العمراني للقصبة وذلك للشروع قريبا في تحضير دفاتر الشروط وإطلاق مناقصات عمومية أمام مكاتب الدراسات .
وأضافت أن العمليات ستشمل ترميم وإعادة تأهيل 5 مساجد وهي جامع سفير، جامع سيدي عبد الله، جامع سيدي بن علي، جامع بن فارس، جامع سيدي امحمد شريف إلى جانب سبعة 07 بنايات تاريخية بارزة على غرار قصر دار الصوف، دار الصداقة، قصر خداوج العمياء وحمام سيدنا، قصر أحمد باشا، وترميم المقر السابق لدائرة باب الوادي وقصر دار الحمراء فضلا على 16مباني سكنية ما يمثل 138 دويرات وسكنات ذات طابع كولونيالي، دون تحديد اجال الشروع فيها وآجال انجازها .
وأردفت أن عمليات الترميم الجارية عرفت بعض الصعوبات الميدانية نظرا لهشاشة البنايات وتآكلها وارتباطها ببنايات (دويرات) أخرى مهترئة مهددة بالانهيار ما تستدعي تكثيف إجراءات تدعيم الأسس والجدران ما يستدعي فترة إضافية لاستكمال الترميم .
ويواجه القائمون على عمليات الترميم صعوبات في التدخل في بعض المواقع بسبب الاستيلاء عليها من طرف الغرباء عن الحي بسبب عدم تواجد الملاك الأصليين للدويرات وكذا نقص اليد العاملة المؤهلة المختصة في مختلف المهن والحرف نظرا للخصوصيات العمرانية لبنايات القصبة” .
وتحتفي الجزائر هذا الأربعاء باليوم الوطني للقصبة ، الموافق لـ 23 فيفري من كل عام، وهو الحي العتيق الذي يضم معالم أثرية وسياحية تعود لحقبات خلت، باعتبارها فضاءً حضاريا حيًا يختزل الكثير من تاريخ الذاكرة الجماعية الجزائرية.