مريم هبابرة، صاحبة دار “الرائد” للنشر والتوزيع، ومؤلفة كتب أطفال سلسلة الهدى للأقسام التحضيرية وكتب الدعم للطور الابتدائي، وهي مكونة ميدانية لمربيات ومديرات رياض الأطفال، ومكونة في مجال مسرح الطفل دون 6 سنوات. سألناها عن شروط وخصوصيات الكتابة للطفل، وعن الكتاب الموجه لليافعين، نشرا وتأليفا، وعن دور القراءة والمطالعة والمسرح في أطوار التكوين الأولى للطفل، فكان هذا الحوار..
الشعب: انطلاقا من تجربتك كناشرة ومؤلفة، ما هي شروط وخصوصيات الكتابة للطفل؟
مريم هبابرة: لا داعي للتأكيد أن الكتابة الموجهة للطفل تختلف، نوعيا وكميا، عن الكتابة التي نخاطب بها الكبار، والأمر واضح بذاته. فمخاطبة الطفل كتابة، فن بيداغوجي مميز، له معجمه التقني الخاص، وأسلوبه الفني المناسب لقدرات الطفل العقلية.
لذلك، فأبسط ما يمكن أن يقال عنها إنها كتابة صعبة نوعا ما، نظرا لما تشترطه من قواعد فنية وتقنيات بيداغوجية؛ قياسا بالكتابة للكبار، وذلك بدءًا باختيار مواضيع الكتابة نفسها، التي يشترط فيها أن تكون قابلة للاستيعاب العقلي لدى فئة الطفل المتلقي العمرية، وقادرة على إيصال الرسالة المعرفية والتربوية الموجهة له.
ولا ننسى خاصية أخرى مهمة، وهي حجم العمل، إذ لا يجب أن يتعدى حدود قدرة الطفل على متابعة القراءة، وعلى طاقة صبره في ذلك تحديدا، فهي محدودة، كما ذكرنا، بشرط السن ودواعي أولوياته.
أما مضمونا، فالمعروف أن للصورة دورها الهام، إن لم نقل الرئيسي، في عالم الطفل عموما، وفي تيسير فهمه لموضوع الخطاب الموجه له خصوصا، باعتبارها أداة تعبير ومحاكاة للموضوع في ذهن الطفل ومخيلته. فإذا كانت الصورة أبلغ تعبيرا من ألف كلمة عند الكبار، فهي أكثر بلاغة من ذلك عند الأطفال؛ حتى إذا كان مقصود مفهوم البلاغة مختلف عند الاثنين.
هذا بالنسبة للطفل المتلقي، أما بالنسبة لخصوصية الكتابة عند الكاتب وشروطها، فهي تعود بالدرجة الأولى إلى مدى فهمه لخصوصية سن الطفل العمرية، ولحاجاته العقلية والمعرفية والنفسية الضرورية فيها؛ وهنا تأتي موهبة الكاتب الأدبية وقدراته الإبداعية، نعني قدرته على محاكاة واقع الطفل، وعلى مخاطبة خياله، وغيرها من القدرات، فبهذه الطريقة يستطيع الكاتب أن يغرس في ذهن الطفل صورة بديعة عن العالم، ترافق مخيلته في كل مراحله العمرية، مشكّلة مصدر إلهام له لكل ما هو إيجابي وجميل في الحياة.
لكن، من المؤسف أن أغلب دور النشر صارت تشتري حقوق النشر لأعمال قادمة من فضاءات ثقافية وحضارية مختلفة روحيا وأدبيا عن فضائنا، وهذه مسألة تخرج اليوم عن موضوع السؤال، وتحتاج إلى وقفة خاصة.
غالبا ما نتطرق إلى الكتابة للطفل، ولكن ماذا عن الكتابة للناشئة واليافعين؟ هل هنالك ما يكفي من الأعمال الموجهة إلى هذه الفئة العمرية بما لها من خصوصيات هي الأخرى؟
قبل كل شيء، يجب التذكير بأن النشر مهنة تجارية أساسا، دون إلغاء جدواه الأخرى، لذلك فإن الناشر مجبر على اللجوء الى الكتاب التجاري وبالخصوص كتاب الطفل من أجل البقاء في السوق.. “مكره أخاك لا بطل”.. فالأولياء في السنوات الأولى لأطفالهم يفضلون اقتناء أفضل أنواع القصص والكتب، رغبةً في تنشئة أطفالهم على قاعدة سليمة، وتحضيرهم جيدا للدخول إلى المدرسة (وينطبق الأمر كذلك على سنواتهم الأولى بالمدرسة)، وهذا ما يدفع الناشر والكاتب على السواء إلى الاهتمام بالكتابة والنشر لهذه الفئة العمرية، ولو كان ذلك بدافع مادي، أما بالنسبة للناشئة واليافعين فإن اهتمام الأولياء والأطفال يتوجه إلى البرامج الدراسية، لذا يقبلون على كتب الدعم أو شبه المدرسية، ويتخلون على الجانب الثقافي الذي يعتبر الأساس في وضع قاعدة متينة لمستقبل الأطفال.
كما نلاحظ أن الناشئة واليافعين يميلون في هذه المرحلة العمرية إلى استعمال الهواتف الذكية بحكم الإغراءات غير المسبوقة لهذه الوسائط، أمام ضعف نفسيتهم الطبيعية، الأمر الذي أدى ويؤدي، للأسف الشديد، إلى إدمان أغلبهم عليها، وهو ما تؤكده أغلب الدراسات، ما يؤثر على مستواهم الدراسي وصحتهم النفسية والجسدية.
ولأن هذه الفئة العمرية تشكل نقلة بين الطفولة والمراهقة، فإنها تقتضي كُتّابا مختصين بالحالة التي يمر بها المراهق وحاجاته فيها. لذلك نلاحظ نقصا كبيرا في الأعمال الاحترافية الموجهة إليهم.
على الكاتب، قبل الشروع في الكتابة لهذه الفئة الحساسة والصعبة، الاهتمام بنصائح علم نفس الطفل والمراهق والتقيد بها ومراعاتها حين اختيار مواضيعه، وهذا قد يتطلب جرأة كبيرة حتى يتسنى لهؤلاء الناشئة واليافعين الولوج إلى عالم القراءة والمقروئية الذي سيأخذ بيدهم نحو آفاق مغايرة جدا عمّا يشاهدونه في شبكات التواصل والتطبيقات الهاتفية، فالناشر سيجازف بنشر الأعمال التي تكون في المستوى المطلوب لهذه الفئة العمرية، رغم أزمة الورق وغلائه والحال الصعبة التي وصلت إليه أغلب دور النشر.
أنت أيضا مكونة ميدانية لمربيات ومديرات رياض الأطفال.. ما الذي يمكن قوله عن دور وأهمية القراءة والمطالعة في المراحل الأولى من تعليم الطفل؟
بالنسبة لعملي الميداني برياض الأطفال، وكمربية سابقة ومكونة في المجال، فإن أول ما نعلمه للمربية هي منهجية وطرائق التدريس، كما نعلمها صفات المربية من هيئة وملبس ولغة وصوت واضح مراعية مخارج الحروف وأصواتها، إلى الجانب النفسي لها وللطفل، ودائما ما نركز على تعليم الأطفال محاكاة الحروف في الفضاء قبل كتابتها، هذا كله من أجل الوصول بالطفل إلى القراءة الجيدة للحروف والكلمات والجمل، فالمرحلة الأولى هي عبارة عن قراءة وكتابة الحروف ثم تأتي بعدها مرحلة الكلمة ثم الجملة وصولا إلى الفقرة وذلك يكون بالسنة الأولى ابتدائي.
أما المطالعة والقراءة فتكون المربية في البداية هي من تقرأ القصص والنصوص على مسامع الأطفال، الذين يقومون باستذكار القصة والحكاية من خلال توجيهات المربية، وإعادة سردهم لها مراعين تسلسلها الزمني، وهذا كله لإثراء رصيدهم اللغوي واستخراج العبرة وتحفيزهم على القيام بسرد قصصهم الخاصة ومن مخيلتهم الصغيرة والواسعة في نفس الوقت.
وبالنسبة لتلاميذ المدرسة، فتعتبر المطالعة والقراءة من أساسيات التعلم الأولى التي لا غنى عنها، لما لها من أهمية في اكتساب اللغة والرصيد اللغوي وتثقيف الطفل، لكن يجب أن يكون ذلك في جميع التخصصات، الأدبي والعلمي والتاريخي والأخلاقي والثقافي بصفة عامة، حتى ينشأ أطفالنا على حب المطالعة ونرفع من مستوى القراءة والمقروئية لأجيال ضيعت طريقها نحو الكتاب في خضم صراعها مع عالم الألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية.
باعتبار أنك مكوّنة في مجال مسرح الطفل دون 6 سنوات.. كيف يسهم المسرح في تنمية الذائقة الجمالية والمؤهلات الإبداعية لدى الطفل؟
اللعبة المسرحية وسيلة فعالة في التنشئة الاجتماعية لمرحلة ما قبل المدرسة، لأنها تخلق طرق التفاعل الإيجابي وتطور جانبه التعبيري واللغوي، ما يسمح بحل العديد من صعوبات التعليم الأولى مثل التأتأة والثأثأة وصعوبة القراءة… كما تقوي لديه الجانب الفني والجمالي، ويعلم المسرح الأطفال الاحترام والعمل الجماعي وتقمص وتمثيل الأدوار، ما يدخل عليهم الفرحة والبهجة والارتجال في بعض الأحيان، كما يساعدهم في التغلب على صعوبات التواصل، ويجعلهم بذلك مبدعين، قادرين على إدراك مشاعر ومزاج الشخصيات. وكنتيجة لذلك، يتعلم الطفل العالم بعقله وقلبه، ويعبر عن موقفه تجاه الخير والشر والفرح والحزن… كما أن النشاط المسرحي يصقل التربية الجمالية للطفل وقدراته الفنية وإبداعه.
من كل ما سبق.. هل يجوز أن نزعم بأن الكتابة للطفل مهمة سهلة وهينة؟
نستطيع القول إن الكتابة للطفل مهمة ليست بالصعبة ولا بالسهلة، لأنني أعتبرها شخصيا مهمة مبهجة، تعتمد على لغة بسيطة ومواضيع جميلة يستخدم فيها الخيال البسيط.. فقط على الكاتب أن يراعي مخيلة الطفل بحسب زمان هذا الأخير، وليس حسب ما عاشه الكاتب في صباه.