شارك باحثون وإعلاميّون وجمعيات ثقافية ومهتمون بفكر ومسيرة المناضل المفكر فرانز فانون، في ملتقى “أعمال فرانس فانون” بمكتبة شايب الدزاير.
دفين عين الكرمة بولاية الطارف، فضّل الانتساب إلى القضية الجزائرية والسير ضد إملاءات الاستعمار الفرنسي، حيث نادى بنبذ العنصرية والالتفاف حول الروح الإنساني الذي لا يعترف بلون البشرة بقدر ما تستميله حرية البشر.
احتفاء باليوم العالمي لإفريقيا، عقدت “المؤسسة الوطنية للاتصال النشر والاشهار” بمكتبة شايب دزاير، ملتقى حول “أعمال فرانز فانون”، نشطه كل من محمد العيد بورغدة، صحفي في تونس خلال الثورة الجزائرية، ومتعاون مع فرحات عباس في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وحميمي رابية، صحفي متقاعد من الإذاعة الوطنية، إلى جانب حضور الممثل عبد الحميد رابية، تناولوا فيها حيثيات مهمة من حياة المناضل فرانز فانون، الذي ألهمت أفكاره المناضلين لأجل الحرية في جميع أصقاع العالم.
وقدّم الكاتب محمد بلحي ورقة حول مسيرة المفكر والفيلسوف فرانز فانون، استعرض من خلالها مراحل سيرته، كما تطرّق إلى إصداراته التي ما زالت إلى غاية اليوم مطلوبة من طرف الباحثين وطلبة الجامعة، على رأسها كتابه “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء” وكتابه الثاني والأخير “معذّبو الأرض”، الذي تمكّن من إنجازه قبيل أسابيع من وفاته، وذلك بعد معاناته مع مرض اللوكيميا.
وفي هذا الصدد، أوضح بلحي بأن عبقرية الرجل عرفت سياقات منطقية وإنسانية، فلقد كان فيلسوفا وطبيبا نفسيّا وأمميّا ثوريا.
أمّا الصحفي محمد بورغدة، فقال إنه تعرف على فرانز فانون عقب انضمامه إلى جبهة التحرير الوطني، وتوطّدت علاقته به من خلال مقالاته الرافضة للاستعمار والمناوئة لقمع الحريات، قائلا إنّه جمعته به مواقف انصبت عموما على نتائج الاستعمار المخزية التي تتجرع سمومها شعوب أنهكها الدمار وعاشت ضحية الاغتراب الاجتماعي، كما أفاد بأنه جد ممتن لأفكاره التي تتقارب مع مبادئ الثورة الجزائرية، واستطاع أن يدوّنها في إصدارات قليلة لاقت شهرة عالمية، نظَّر من خلالها لثورات الشعوب المغلوبة على أمرها.
بينما سلّط حميمي رابية صحفي متقاعد بالإذاعة الوطنية، الضوء على مقالات فرانز فانون التي نجح من خلالها في تمرير رسائل تدعو للتحرر من قيود الاستعمار، كما تحدث عن متابعة الراحل لتغطيات أحداث الحرب العالمية الثانية التي كانت تصل إلى المارتينيك عبر أثير الإذاعات، ليلتحق بعدها بالكتيبة الخامسة من قوات فرنسا الحرة، وأبحر معها في 12 مارس 1944 إلى شمال إفريقيا.
وفي ذات السياق، أضاف المتحدث أن أفكار فرانز فانون توغلت إلى الروح الانساني، واستطاعت أن تلغي التمييز العنصري من دستور العديد من رواد الفكر المعاصرين، وأن مقالاته أصبحت مراجع لتقويم مناهج الحياة في أغلب الدول المتقدمة، نظرا لما تتميز به من صدق في الطرح ودقة في معالجة ظاهرة اللاعدل التي لا تخدم أبدا حياة البشر.
ومن جهته، أشار عبد الحميد رابية إلى أن فانون على غرار نضاله من أجل استدعاء الهويات الوطنية والمحلية في مقاومة الاستعمار، وتأكيده على ضرورة تجاوز الوطنيات في النهاية نحو نضال إنساني، اهتم بالريف وعلى تثقيف الجماهير وذلك وفق مقولته المشهورة “الجماهير التي تستطيع قيادة نفسها بنفسها”، وأشار إلى أن فانون أسّس جريدة داخل مستشفى البليدة للأمراض العقلية، ونظم حفلات دينية لنزلاء المستشفى المسلمين والمسيحيين، كما هيأ مقهى وملعبا، ونشط مباريات في كرة القدم على شكل دوريات ما بين أجنحة المستشفى، كوّن ممرضين من بينهم الفنان القدير الراحل عبد الرحمن عزيز، وفتح ورشات للخزف والخياطة والبستنة.
كما أوضح ذات المتحدث، أنّ الراحل شارك في مناقشات نادي السينما، وتعرّف على الكثير من الفنانين المتخصصين في فن الشعبي، مضيفا بقوله “كان فرانز فانون يعالج مرضاه بموسيقى الفن الشعبي، أحبّه ساكنة البليدة وجلب اهتمامهم وترك في نفوسهم الأثر الطيب، وقبل أن يتوفى، أوصى عائلته وزوجته أن يُدفن بأرض الجزائر، وبالضبط في عين الكرمة بولاية الطارف عرفانا بصداقته لشعب عصي على الاستعمار، ومحبّته لأرض طيبة تحوي جثمانه، ولسماء ستظل شاهدة على نضاله وإنسانيته”.