أجمع باحثون مختصون في مجال التراث والأدب الشعبي، على ضرورة جمع وتدوين ذاكرة الشعر الملحون باعتباره “مصدرا لكتابة التاريخ الوطني” خاصة مرحلة المقاومة الشعبية والثورة التحريرية.
أكد الباحث في التراث الشعري الملحون، ياسين خالد شهلال، في يوم دراسي حول موضوع “أغنية الشعبي تعبير للشعر الملحون” نظم في إطار الطبعة الـ 11 للمهرجان الوطني للأغنية الشعبية، السبت بقاعة فرانتز فانون، بالجزائر العاصمة. على أهمية “تدوين وجمع وتصنيف هذا التراث الشفوي والذي يعد وثيقة حية تساهم في التأريخ لمختلف المراحل التي عرفتها الجزائر ومقاومتها ضد الاستعمار. باعتبار الشاعر كان شاهدا يجمع المعلومات التاريخية ويؤرخ لها عبر قصائده الشعرية لتحفظ بذلك أجزاء مهمة من الذاكرة الجماعية”.
وأشار الباحث شهلال في مداخلته إلى أن “22 مصدرا نصيا ومجموعة ثرية من الأدلة التاريخية والعلمية والتقنية. مؤرخة في القرن الـ 10 الهجري تؤكد أن منشأ الشعر الملحون جزائري ويعود إلى القرن التاسع الهجري على يد الشاعر المجاهد سيدي لخضر بن خلوف (مستغانم)”.
وأبرز أن ” كبار الشعراء في المغرب العربي ومنهم عبد العزيز المغراوي، محمد النجار الحسني. مبارك السوسي، الشيخ بولطباق…وغيرهم ، أكدوا من خلال إستدلالهم وإحالات قصائدهم أن الشاعر بن خلوف هو مؤسس هذا الجنس الأدبي ومرجعهم الأساسي”.
وأضاف شهلال أن “الشاعر سيدي لخضر بن خلوف الجزائري هو أول من غير في تركيبة وبنية تصميم القصيدة العمودية وفي الإيقاع الموسيقية والدورة الإيقاعية مؤسسا بذلك لشكل جديد من الأوزان والقياسات في القرن التاسع الهجري. بتأثير من الأهازيج الصوفية ولاسيما الطريقة القادرية قبل أن يأخذها عنه ويتم استنساخ تجربته في القرنين 10 و 11”.
وفي هذا الإطار، شدد الباحث على أهمية “تكثيف وتضافر الجهود لإعداد ملف كامل. بهدف اقتراح تصنيف هذا التراث الشفوي الشعبي الجزائري ضمن قائمة التراث اللامادي العالمي لحمايته وللتأكيد بالأدلة التاريخية المختلفة على جزائرية هذا الجنس الأدبي”.
من جهته، أوضح المؤرخ والباحث عمار بلخوجة، في مداخلته “مساهمة الشعر الملحون في كتابة التاريخ” أن “تراث الشعر الملحون وقصائد فحول الشعر الشعبي تختزن الذاكرة الجماعية والثقافة الوطنية وتشكل مصدرا جوهريا من مصادر كتابة التاريخ الوطني. ومن الضروري على الباحثين الجامعيين الغوص أكثر في هذا التراث وحمايته من الاندثار”، ودعا إلى ” ضرورة إدراج قصائد التراث الشعبي وأعلامه ضمن البرامج التربوية بالمدرسة”.
بدوره، تطرق محافظ المهرجان، عبد القادر بن دعماش، إلى دور الباحثين والمختصين في التعريف بالمادة العلمية المتعلقة بالشعر الملحون والتراث الشعبي الشفوي ككل “التي وجدوا فيها صعوبات لأنها لا تخضع في مقاربتها إلى المعايير العلمية”.
و دعا إلى إبراز شعراء المقاومة الشعبية و الثورة التحريرية 1954 الذين واكبوا هذه المحطات النضالية بالجهاد والشعر على غرار الشاعر المتصوف سيد لخضر بن خلوف الذي أرخ بقصيدته لمعركة “مزغران” بمستغانم ضد الغزو الإسباني. الشيخ محمد بلخير مرافق زعيم المقاومة الشيخ بوعمامة. الطاهر بن حوة الذي عاصر الامير عبد القادر، ومحمد العيد آل خليفة إلى جانب مساهمة المغنين كعبد الحميد عبابسة. الشهيد علي معاشي في نقل تلك الأشعار الشعبية”.
وأبرز من جهته، الباحث في التراث، محمد بلعربي أن الشعر الملحون عنصر أساسي من التراث والهوية الوطنية. حيث أن شعراء الملحون في عدة مراحل من التاريخ الوطني “كانوا شهود على الأحداث المصيرية وساهموا بذلك في كتابة محطات مهمة ساهمت في الحفاظ على عناصر الهوية الوطنية”.