حسنية حسني أو «حسنة البشارية»، قامة فنية وتاريخ حافل بالإنجازات، ملكة الڨمبري وسفيرة الڨناوي دون منازع، تفتح قلبها لـ «الشعب ويكاند» في هذا الحوار لتذكر محبيها وجمهورها بمسيرتها في عالم الفن الذي ولجته خفية عن والدها، الذي كان يرفض أن تتعلم العزف أو تغني، تحديها وحبها للفن جعلها تبدع على آلة الڨمبري، وتتألق بها لتجعلها نجمة ساطعة في سماء العالمية.
حسنة البشارية تطمح للحصول على مقر يؤهّلها لتعليم الجيل الصاعد أصول الفن القناوي، والعزف على آلة الڨمبري بهدف الحفاظ على التراث الجزائري من الاندثار، وتفكّر حاليا في إصدار ألبوم جديد يضم أغاني ذات طابع تراثي.
الشعب ويكاند: حسنة البشارية، هل هو اسمك الحقيقي أم الفني؟
الفنانة حسنة البشارية: اسمي الحقيقي هو حسنية حسني، لكنني عندما سافرت إلى فرنسا في التسعينيات وأصدرت ألبومي الأول، طُلب مني أن أضع اسمي على الألبوم، واقترح عليّ حينذاك اسم “الشابة حسنة”، لكنني رفضت بشدة وأجبتهم أنّني لست بشابة، ثم اخترت أن يضعوا اسم “حسنة البشارية”.
حسنة البشارية قامة فنية وتاريخ حافل بالإنجازات، هل يمكن أن نعود معك بقرّائنا ومعجبيك إلى بداياتك الفنية؟
عندما كنت في 15 من عمري، حاولت تعلم العزف على قيتارة الأكوستيك، كنت دائما أترجّى ابن عمي الفنان أن يعيرني قيتارته، إلا أن أبي كان يرفض أن أتعلم العزف أو أغني، فأقوم بذلك خفية عنه.
أذكر أنّي استأجرت من ابن عمي قيتارته، حيث دفعت له آنذاك “زوج دورو”، ليتكرّر ذلك الأمر عدة مرات، حاولت العزف لكن لم أنجح في البداية، وبعد عدة محاولات أخرى وبينما أنا أتابع عزف ابن عمي نجحت في تقليد عزف أغاني خديجة الجبارية، وهي مغنية قديمة في منطقتنا.
وأتذكّر أنّ إحدى المطربات اللاّتي كن ينشطن حفلات الأعراس، اتّصلت بي وطلبت مني أن أرافقها وأعزف على القيثارة، وقالت لي أنّه قد تم تخصيص وقت للنساء وآخر للبنات، فطلبت الإذن من أمي التي سمحت لي بالذهاب، حيث قمت بالعزف في الحفل الذي خصّص للبنات، وهناك لقيت أعجاب أهل العرس وكل من حضر الحفل، وطلب منّي أن أعزف مرة أخرى في حفل النساء ليلا عبر مكبّر صوت.
قمت بالعزف على الأغاني المشهورة حينذاك، وفي نهاية العرس شكرتني صاحبة الفرقة وأعطتني بعض النقود..
اشتهرت في المدينة، وبدأت أتلقى الدعوات لإحياء الأعراس، لدرجة أنه أصبح من لا يدعو حسنة للعزف في عرسه كأنّه لم يفعل شيئا، فقد كنت أنشط أربعة أعراس في اليوم الواحد، وبدأت أدعو النساء الموهوبات للعزف في فرقتي، وجلّهن احترفن هذا الفن بعد ذلك، مع العلم كنت أعيل بمداخيل العزف أمي حتى توفيت.
آلة الڨمبري رفيقك الدائم، لماذا بالذّات هذه الآلة، وما هي الحكاية معها؟
في الحقيقة كان والدي مقدم فرقة الڨناوة، كما أنّ كل العائلة تمارس فن العزف على القيتارة بداية من جدي إلى أبي، لدينا سكن يدعى «المحلة»، وقد كان خاصا بالتدرب على العزف، وما زالت إلى يومنا هذا أحتفظ ببعض الآلات التي كان يستخدمها أبي.
في ذلك الوقت كنت ألاحظ أبي وهو يعزف على آلة الڨمبري، وقد كان صوتها يدغدغ أحاسيسي، كان يحاول إبعادي لأنصرف إلى أعمال البيت ومنعني من أن ألمس أدواته..عشقت آلة الڨمبري، فقررت أن أصنع واحدة بنفسي، فأحضرت قطعة من اللوح وعصا مكنسة وأسلاك دراجة هوائية وصنعتها.
بدأت أتعلّم عليها العزف و”أدندن”، لكن بعض العازفين على آلة القناوة، نصحوني أن أغير الأسلاك التي استخدمها على الآلة، لأّنها لا تصدر صوت الڨمبري، وأحضروا لي خفية آلة أبي وعندما عزفت عليها، استنتجت أنها تصدر ثلاث نوتات موسيقية، كبيرة ومتوسطة وصغيرة..تركت آلة الڨمبري لفترة ورحت اشتغل في الأعراس لأعيل أمي بعد طلاقها من أبي..
ذاع صيتي في المنطقة، وسجّلوا أسطوانة لعزفي، حتى وقعت هذه الاسطوانة في يد أحد المهتمين بالغناء والعزف يدعى “محمد علالو”، والذي كان متواجدا في فرنسا، فطلبوا مني أن أسافر إلى هناك، فلبيت الدعوة وأحييت أول حفلة بمناسبة 8 مارس، وبقيت في فرنسا مدة 8 سنوات..كنت خلالها أعزف على آلة الڨمبري حيث كانت الصحافة الفرنسية تجري معي لقاءات..فأعطوا لفني مكانة كبيرة في باريس..والآن أنا أعزف على الڨمبري والقيثارة الأكوستيك والكهربائية وآلة البانجو والبندير والدربوكة..
وكيف استقبل المجتمع البشاري الفنانة حسنة البشارية في بدايتها الفنية، والمرأة كعازفة على آلة موسيقية؟
كنت ومازلت المرأة الوحيدة في الجنوب التي تعزف على آلة الڨمبري، كانت العرائس إذا لم أحيي أعراسهن يبكين، حيث كنت الفنانة الأكثر طلبا في مثل هذه المناسبات.
لكن، كيف تمكّنت من ولوج العالمية والإبحار بهذا الطّابع الموسيقى العريق نحو مختلف الدول العربية والأوروبية؟
في شهر جانفي 1999 نشّطت حفلا في باريس رفقة زميلاتي في الفرقة الموسيقية، وكن من ولاية بشار، فلقيت إعجاب الفرنسيين بالمرأة العازفة على آلة الڨمبري..وعندما أصدرت ألبومي، أخذني المشرفون على حفلاتي في جولات فنية إلى عدة دول عربية وأجنبية من بينها مصر وكندا وسويسرا وبلجيكا..وقد تلقيت نصيحة بتعلم اللغة الفرنسية، وفعلت ذلك، وأصبحت أحسن التحدث والكتابة والحساب بهذه اللغة.
انطلاقتي في العزف على آلة الڨمبري، كانت بالمهجر حيث تعلّمت أشياء أخرى أضافت إلى خبرتي الفنية الكثير، حيث مكثت في باريس 8 سنوات.
ماذا قدّمت حينذاك من أغاني؟ وهل لاقت رواجا وسط الجمهور؟
قدّمت أول أغنية كان يغنيها أبي رحمه الله بعنوان «صلوا على نبينا» ثم أغنية «بانية» و»بوري بوري»، بعد ذلك غنيت «جنقري ماما» و»مولاي براهيم» و»سيدي موسى»..
وأغاني أخرى وصل عددها إلى 16 برجا بالڨمبري، وعندما كنت أعزف على الڨمبري في حفلات الأجانب، كانوا «يجذبون» أي يتفاعلون معها بالرقص، وهم يصرخون إعجابا بعزفي، وقد تمّ في كندا إنتاج فيلم عن حياتي.
“أطمح للحفاظ على التّراث الجزائري من الاندثار وتعليم الجيل الصّاعد أصول الفن القناوي”
خلال إحدى تصريحاتك أكّدت أنّ الحلم الذي يراودك هو المحافظة على التراث الجزائري، وتعليم الجيل الصّاعد العزف على آلة الڨمبري، هل لاح لك بصيص أمل لتحقيق ذلك؟
لم أحقّق ذلك، وكنت في كل مرة أطالب شفويا بمنحي مقر لأعلّم البنات العزف، وقلت ذلك في حصة «صراحة راحة» بالقناة الوطنية، ولحد الساعة لم يستجب لطلبي، صحيح لم أتقدّم بأي طلب كتابيا، لكن ها أنا أطالب بذلك من خلال جريدتكم.. أتمنى من كل قلبي أن أحصل على مقر لأعلّم الجيل الصّاعد الفن القناوي، كانت البنات يأتونني ليطلبن منّي أن أعلّمهن القناوي والعزف، لكني كنت أجيبهن للأسف بأنّني لا أملك مكانا لأخصّصه لذلك.
الوالي الحالي كرّمني وسألني عن احتياجاتي، ولم أطلب إلا ربط السكن الذي استفدت منه مؤخرا بغاز المدينة، وقد تمّ ذلك.
برأيك هل ساهمت حفلاتك داخل الوطن وخارجه بالتعريف بتراث الجزائر؟ وبمَ تنصحين الشباب؟
نعم، ساهمت كثيرا الحفلات التي كنت أنشطها في التعريف بالتراث، لأنني لم أغير في هذا الفن، لا من حيث العزف على الآلات المستعملة في الأغاني، ولا من حيث الطابع التراثي.
وأنصح الشباب بتعلم العزف على آلة الڨمبري لأن في ذلك بركة، وباعتبار الڨمبري من تراث أجدادنا، خصوصا أن هذه الآلة متوفرة في المنطقة وتباع في المحلات في تاغيت وإقلي، كما آمل أن أرى فتاة تعزف على آلة الڨمبري، لدرجة أنّه لو جاءتني فتاة ترغب فعلا في تعلم العزف عليها لقمت بتعليمها ولو في بيتي.
ما هي احتياجات الفنان بصفة عامة، في رأيك، والفنان في الجنوب بصفة خاصة؟
لاحظت أنّ العديد من الفنانين في ولاية بشار في حاجة إلى بطاقة فنان، وعلمت ذلك من خلال اللقاءات التي جمعتني بهم في المناسبات الفنية، حيث كانوا يطالبون بالتكفل بمختلف انشغالاتهم، أما عني فقد تحصّلت والحمد لله على بطاقة فنان.
بمن تأثّرت حسنة من الفنّانين؟
تأثرت بأغاني الفنانين عبد الرحمان جلطي، والمرحوم الشاب حسني.
ما هي أقرب أغنية إلى قلبك؟
أغنية «حكمت الأقدار» و»جزائر جوهرة»، هذه الأغنية ألفتها في فرنسا نظرا للوضع الذي كانت تشهده البلاد خلال العشرية لسوداء، فقد كنت متأثّرة بما يحدث من مجازر في الجزائر حينذاك من خلال ما أشاهده عبر وسائل الإعلام..فكانت أول أغنية ألفتها في فرنسا هي «الجزائر جوهرة»..وتقول كلمات الأغنية «جزائر جوهرة يا يما الحنين ما بين الناس نفسين يا ما ضوء القمر».. واحتوى ألبوم «الجزائر جوهرة» على 13 أغنية، أذكر منها «حكمت الأقدار»، «أنا سيدي»، «الليل الليل اللي بيا»، «كل شيء على الوالدين»، «الغادي بعيد»..
ما هي مشاريعك الفنية المستقبلية؟
رغم أنّني لم أتقاضى حقوقي بعد إصداري لألبومي الأخير «شبان بلادي» منذ عامين، من طرف المنتج، وكنت قد طرحت مشكلتي على وزيرة الثقافة ووعدتني بالنظر فيها ومساعدتي على حلها، إلا أنّني أفكّر في إصدار ألبوم جديد يضم عددا من الأغاني ذات طابع تراثي.