في هذا الحوار مع الباحث الدكتور عبد الله حمادي، نناول محطات كثيرة من حياته، بدءا بزمن طفولته الذي ارتبط بفترة مأساوية من تاريخ الجزائر، مرورا بذكرياته في جامعة قسنطينة، وتعلّمه على يد جهابذة من أساتذة تراث الأدب العربي.
أصبح إنسانا عاشقا للتراث يغترف منه وينير دربه نحو الحداثة، بالإضافة لفترة دراسته في جامعة مدريد المركزية.
كما تحدّث الباحث عبد الله حمادي عن أهمية علم المخطوطات وتحقيقه لعدد كبير منها، كما خاض باستفاضة في الحديث عن ترجمة الأدب الإسباني إلى اللغة العربية، وأشار إلى أنّ ترجمته كتاب “حوارات بين ماركيز وبلينيو مندوزا” اختاره من زاوية أن الرّوائي الكولومبي غارسيا ماركيز والرواية اللاّتينو – أمريكية برمتها، وضعت حدا لهيمنة الرّواية الأوروبية على الفضاء الأدبي العربي.
الدكتور عبد الله حمادي من مواليد 10 مارس 1947، قضى طفولته بقرية “الكريب” قرب الحدود الجزائرية، دخل المدرسة الإبتدائية سنة 1954، وإلتحق بثانوية “الفرانكو – إسلامية” بقسنطينة في سنة 1962 وتخرج منها سنة 1968.
زوال مهنة التدريس لكنه عاد ثانية إلى الدراسة في جامعة قسنطينة في معهد الآداب من سنة 1969 إلى غاية سنة 1972، ثم درس بجامعة غرناطة بين سنتي 1972 و1976 أين حصل على شهادة الماجستير، ثم في جامعة مدريد المكملة فيما بعد في مطلع سنة 1976 التي أعدّ بها رسالة دكتوراه في الأدب حول (الشعر في مملكة غرناطة 1232 ـ 1492)، حيث ناقشها يوم 16 جوان 1980 أمام لجنة من كبار الأساتذة وبحضور الشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي.
بعد سنة 1980 إلتحق بجامعة قسنطينة أستاذا محاضرا في معهد اللغات الأجنبية وأستاذا زائرا بكلية الآداب بجامعة الأمير عبد القادر الإسلامية والمدرسة العليا للأساتذة وجامعة وهران.
عمل أستاذا لمادة الأدب بجامعة منتوري قسنطينة. وترأس الدكتور عبد الله حمادي إتحاد الكتاب الجزائريين، وكان أيضا مديرا للمركز الوطني للدراسات والبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، وكذا مدير مخبر الترجمة في الأدب واللسانيات بكلية الآداب واللغات بجامعة قسنطينة.
تنوعت أعماله بين الشعر والترجمة والرواية، والدراسات التاريخية والنقدية والدراسات الأندلسية والإسبانو – أمريكية، حيث نشر أكثر من 100 بحث في الجرائد والمجلات والدوريات العلمية وأكثر من 27 كتاب ما بين إبداع وترجمة ودراسات حاز على العديد من الجوائز منها جائزة مؤسّسة سعود البابطين للإبداع الشعري المخصصة لأفضل ديوان في الشعر العربي في دوره أكتوبر 2002 عن ديوانه “البرزخ والسكين”: (إقترابات من شاعر الشيلي الأكبر بابلو نيرودا)؛ (غابريال غارسيا ماركيز رائد الواقعية السحرية)؛ (مدخل إلى الشعر الإسباني المعاصر)؛ (المورسكيون ومحاكم التفتيش في الأندلس).
(الشعر في مملكة غرناطة 1232–1492 )، (رمز الأندلس في الشعر الإسباني المعاصر والشعر العربي المعاصر) (دراسة مقارنة)؛ (الأندلس بين الحلم والحقيقة)؛ (حادثة اختطاف للروائي غابرييل غارسيا ماركيز). (الشعرية العربية بين الإتباع والابتداع)؛ (الأندلس بين الحلم والحقيقة)؛ (إقترابات من شاعر الشيلي الأكبر بابلو نيرودا)؛ (مساءلات في الفكر والأدب)؛ (سلطة النص في ديوان “البرزخ والسكين”؛ مقال نشر بمجلة مخبر الترجمة في الأدب واللسانيات، العدد 3 جويلية / تموز2006.
كما حقّق العديد من المخطوطات منها كتاب الراشدي القسنطيني “تُحفة الإخوان في تحريم الدخّان”.
“فكاهات الأسمار ومُذهبات الأخبار والأشعار” لابن هُذيل الغرناطي الأندلسي، والذي صدر بمناسبة انعقاد دورة البابطين بقرطبة عام2004 ومخطوط ” حياة المجاهد خير الدين بربروس”.
قضيت طفولة صعبة في قرية على الحدود الجزائرية ـ التونسية والتي تزامنت واحتلال فرنسا للجزائر، ما هي الصور والمشاهد التي بقيت عالقة في ذاكرتك عن تلك المرحلة المؤلمة من تاريخ الجزائر؟
بالفعل قضّيت طفولة صعبة للغاية؛ لأنّ عائلتي التي شُرّدت من طرف الاستعمار الفرنسي، والتي كانت تقطن بلدة “السمندو زيغود يوسف حاليا، كان عليها أن تعرف هجرتين الأولى على أعقاب إصدار فرنسا لقانون التجنيد الإجباري في الجيش الفرنسي عام 1911.
والهجرة الثانية كانت مع بدايات التحضير للثورة التحريرية، حيث كانت مشتتنا بالسمندو المعروفة باسم “مشتة سيدي العربي” كانت قاعدة للثورة.
الهجرة الأولى أدّت بعائلتي إلى الإلتحاق بالأمير عبد القادر إلى سوريا، حيث إستوطنوا في حلب إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والهجرة الثانية كانت مع التحضيرات للثورة التحريرية بعد أن صادرت فرنسا كلّ ممتلكات العائلة، ووضعت على قائمة البحث العديد من أفرادها ممّا دفع بجزء من العائلة إلى الخروج إلى الحدود التونسية، في إحدى القُرى التي تُعرف باسم “Le Krib Village” قريبا من مدينة الكاف التونسية الحدودية..
في هذه القرية التي يتقاسمها التوانسة مع الجزائريين المُهجّرين كانت طفولتي؛ حيث كان الفقر على أشدّه، وكانت تونس آنذاك تعيش بقايا حياتها الإستعمارية حيث يسود الفقر والفاقة والجهل والحرمان وطغيان الحضور الاستعمار الفرنسي الغاشم بسطوته وآلياته، وتشديده الرقابة على الجزائريين المهجّرين ووضعهم تحت رقابة خاصة.
كانت قرية “الكريب” قرية تعتمد في حياتها على الفلاحة والزراعة، وكان أغلب سكانها يمتهنون الرعي والفلاحة، وكانت الحياة بها جدّ صعبة وخاصة في فصل الشتاء البارد مع قلة موارد العيش.
وأذكر أن بهذه القرية الصغيرة التحقت بمدرستها الابتدائية في حدود 1954 أو 1955، هذه المدرسة ذات القسمين لا ثالث لهما، وهي الأولى من نوعها في هذه القرية حيث أنجزتها السلطات الاستعمارية في حدود الخمسينات من القرن الماضي، وأذكر أنّنا كنّا ندرس ثلاثة مستويات في قسم واحد؛ أي السنة أولى والثانية والثالثة ابتدائي، والرابعة والخامسة والسادسة في قسم آخر.
كانت الدراسة من السنة الأولى ابتدائي مزدوجة اللغة؛ العربية والفرنسية بالتساوي في المواد المُدرّسة؛ مع مرور السنوات التي رافقت انطلاق الثورة التحريرية بدأ يلاحظ على القرية الحضور الجزائري المُكثف سواء في تنصيب خلايا جبهة التحرير أو صفوف الكشافة الإسلامية.
من هنا بدأ استقطاب الجزائريين الموجودين في تلك القرية بانخراطهم في صفوف جبهة التحرير ومع مرور سنوات الثورة التحريرية صدرت قرارات من هيئة الأركان، تنصّ على ضرورة تجنيد كلّ الشباب الجزائري الذي بلغ سنّهم الثامنة عشرة من العمر تجنيدا إجباريا ويلتحقون بقواعد الثورة التحريرية المتمركزة على كامل الحدود التونسية الجزائرية.
في هذه القرية التي صارت بمثابة القاعدة الخلفية للثورة واصلت دراستي الابتدائية إلى أن نجحت في شهادة السنة السادسة عام 1960 وبهذا الحدث وجدت رفاقي من الطلبة التونسيين يلتحقون بثانويات تونس العاصمة وباجة والكاف، ويحصلون على منح دراسة ونظام داخلي.
وفي هذه اللحظة وجدت نفسي أُستثنى لكوني جزائري وبالتالي كاد أن يتعذّر عليّ مواصلة الدراسة في مدينة بعيدة عن قريتي، وكذلك لانعدام موارد العائلة التي تعيش الكفاف المُدقع في تلك القرية، وكانت المفاجأة أن تدخلت الثورة التحريرية وأعلنت تكفلها بالطلبة الجزائريين.
ومن هناك تمكّنت من الحصول على منحة من الثورة التحريرية تضمن لي مواصلة الدراسة بثانوية باجة، كما تضمن الإقامة والإطعام مع الحصول على منحة شهرية كانت مُعتبرة في ذلك الوقت بالنسبة للوضع المعيشي الصعب الذي كان سائدا آنذاك.
بهذه المنحة التي ربّما مُنحت من قِبل الثورة لأصغر تلميذ تمكنت من التعرف، ولأول مرّة في حياتي، على عالم المدينة التي هي باجة التي تقع في الشمال الشرقي من الجمهورية التونسية.
في مدينة باجة عرفت ما معنى المدينة، وعرفت ما معنى السينما، وما معنى المصانع والحدائق العامة وعالم الثانوية؛ وكان تكفل الثورة التحريرية بما يلزمني فوق المتوقّع.
أصبحت أساعد عائلتي بما أتحصل عليه من منحة شهرية لأنّ الإطعام والمبيت كان على حساب الثورة التي من خلال واليها المُقيم بمدينة باجة نحصل شهريا على المنحة بالإضافة إلى هدايا موسمية من لباس وغطاء وأدوات مدرسية.
كانت الأمور في تلك السنة من حياتي من أمتع الأيام وزادت الثورة التحريرية أن منحتنا فرصة نادرة في حياتنا وهي تنظيم رحلات للطلاب الجزائريين لمعرفة قواعد الثورة على الحدود التونسية وكانت لي الفرصة أن زرت في رحلة من تنظيم جبهة التحرير قاعدة غار الدماء الشهيرة التي كانت متمركزة فيها هيئة الأركان بقيادة الرّاحل هواري بومدين.
وما علق في ذهني من تلك الرحلة الخيالية أنّنا وجدنا جيش التحرير في تلك القاعدة على أُهبة الاستعداد، ووجدنا لدى جيش التحرير خمسة من الجنود الفرنسيين المعتقلين، أذكر أنّهم كانوا بلباس رياضي عليه علم الجزائر وبعضهم كان يشتغل في المطبخ وآخرون يُمارسون رياضة كرة القدم مع المجاهدين الجزائريين.. هذه ملامح بقيت عالقة في ذهني إلى يومنا هذا.
خلال التحاقك بجامعة قسنطينة للدراسة، تأثرت بأستاذين من المشرق العربي: الدكتور عمر الدسوقي والذي قلت عنه “لقد سكنني ذلك الرجل وسكنته، فرحت دون أن أشعر أقلّد ذلك المسار المهيب وأحفظ من الشعر غير المقرّر القصائد والقصائد”، والدكتور عبد الواحد وافي. هل تعتقد أن هاجس التراث ـ الذي عرف بأنه ليس مرحلة بعينها ولا يقتصر على نسق بذاته، فهو يعني ثقافة الحضارات المندثرة وثقافة الحضارة العربية الإسلامية ـ قد سكنك بسببهما؟
ذكرياتي وأنا طالب، كانت حافلة بالإمتاع والمؤانسات الأدبية التي كانت تعرفها جامعة قسنطينة في سبعينات القرن الماضي، لقد قيّضت الأقدار لقسم الآداب بجامعة قسنطينة أن يُدرس فيه نُخبة من أعلام المشرق البارزين بعطائهم العلمي الغزير.
كنت لأول مرّة في حياتي أدرس عند أساتذة يعتمدون في تدريسهم على مؤلفاتهم الخاصة من أمثال الدكتور العملاق عمر الدسوقي الذي لا يختلف عن العقاد وطه حسين، وكذلك الدكتور الكبير عبد الواحد وافي عميد علم فقه اللغة والمتخصّص الكبير في ابن خلدون والمذاهب الإسلامية ما اندثر منها وما هو باق إلى اليوم.
كما كانت له إحاطة كُبرى بعلم اللاهوت حيث تمكنا عنده من الاطلاع على الثقافة العبرية القديمة سواء التوراة أو التلمود أو المِشناة أو القيمارة وهي بمثابة كتب السنن عند المسلمين، بل أشمل وأوسع، كما كان لي الحظ أن أتتلمذ على الدكتور نبيه حجاب صاحب الأطروحة الفريدة في الحضارة العربية الإسلامية وهي “الشُعوبية في الحضارة العربية الإسلامية”.
ونعني بالشعوبية هي الأعراق غير العربية التي اعتنقت الإسلام وأثرته بفكرها وثقافتها، فإلى يوم الناس هذا لم أقرأ أطروحة تُشبه أطروحة الدكتور نبيه حجاب الذي كان أستاذا بجامعة عين شمس بالقاهرة، كما درسنا علم النحو عند العلاّمة الكبير ابن جنّي زمانه الدكتور عبد الفتاح شلبي، وكذلك الشعر الحديث والمعاصر مع الشاعر البحّاثة أنس داوود صاحب نظرية الأسطورة في الشعر العربي المعاصر.
لكن من بين هؤلاء العمالقة كان تأثير الشاعر والأديب الكبير عمر الدسوقي هو من ألقى بي في أحضان التراث الشعري العربي لكوني جلست أمامه طيلة ثلاث سنوات متتالية فالتقطت منه الصغيرة والكبيرة، وكان إعجابه بعلمه مُحفزا لنا للمزيد من الجدّ والاجتهاد.
حيث كان يقول ويكرّر لمّا كنت في سنّكم حفظت عن ظهر قلب عشرين ألف بيت من الشعر العربي بشرها وإعرابها وهو الدّافع الذي جعلني أُجاريه وأنهي دراستي في الآداب بحفظ خمسة آلاف بيت من الشعر العربي القديم. بالإضافة إلى ذلك تولّى الدكتور عمر الدسوقي تدريسنا للغة العبرية، وهي لأول مرّة تُدرس بجامعة جزائرية.
وبفضل ما تعلمته على يد الدكتور عمر الدسوقي في اللغة العبرية كان لي أن أستنجد بهذا الرصيد في جامعة غرناطة حين فرضت عليّ دراسة اللغة العبرية وتاريخ اليهود قبل الشروع في مرحلة الدكتوراه.
لقد كان لهذه الكوكبة من الفطاحل أن زجّوا بي حتّى الأعماق في التراث الأدبي العربي ومن هناك صرت رجلا تُراثيا، وبات لدي من القناعة أنّ بدون معرفة التراث لا يمكن معرفة الحداثة..
كلّ هؤلاء يسروا لي الحياة الأدبية حتى وجدت نفسي أديبا يسير على خُطاهم؛ ولا أنسى أنّ هؤلاء العمالقة إذا حضروا إلى المحاضرات كانت ذاكرتهم هي القول الفصل فيما يقولون وقد أخذت عنهم هذه الفضيلة التي ما زلت أمارسها إلى يومنا هذا في محاضراتي العامة والخاصة.
ثم درست في جامعة مدريد أين تخرّجت منها في سنة 1980، كيف وقع اختيارك على دراسة الإسبانية؟
دراستي للغة الإسبانية تعود إلى سنوات الدراسة بثانوية ranco-Musulman بقسنطينة في حدود سنة 1965، حيث وفد علينا في تلك السنوات أستاذا لبنانيا مسيحيا يدرس الفلسفة وكانت زوجته فرنسية ومُدرسة للغة الإسبانية.
فبحضورها تمّ اقتراح الإسبانية لمن يرغب في دراستها وكنت من بين من إختار اللغة الإسبانية، فدرستها على يد هذه السيّدة المحترمة والأنيقة لمدة ثلاث سنوات متتالية، وهي الصدفة غير المنتظرة التي جعلتني أحتك بهذه اللغة، والتي أحببتها لأنّها كانت أيسر علينا من اللغة الفرنسية المعقدة في قواعدها وإملائها.
فاللغة الأسبانية ربّما هي من أرقى اللغات من حيث تشكيلها بحيث كل ما يُنطق يُكتبُ فيها، بالإضافة إلى وجود الكثير من كلماتها من أصل عربي، فكُنّا نسعد بمثل هذه الإكتشافات اللغوية الطريفة التي نطّلعُ عليها لأول مرّة في لغة أوروبية وهو ما لم يكن موجودا في دراستنا للغة الفرنسية.
وأستطيع القول أنّه من خلال هذه الإطلالة المُبكّرة على اللّغة الأسبانية إكتشفت شيئا إسمه “الأندلس”، وعرفت أنّ هناك وجودا عربيا كان في أرض إسبانيا، وبقيت هذه المرحلة من دراستي المُبكّرة كالجذوة التي تنتظر من يُقدها، وربّما كانت السبب المباشر في اختياري لمنحة إلى إسبانيا عام 1972؛ لأنّني أذكر في تلك السنوات أنّ الدّولة تركت لنا الاختيار لمواصلة الدراسات العليا في أيّ بلد أجنبي أو عربي نرغب فيه، وتلك محْمَدَةٌ إلى الجزائر لا يمكن أن أنساها أبدا..
ولمّا وصلت إلى إسبانيا في تلك السنوات كان عليّ أن أستحضر ذاك الرّصيد المتواضع الذي بثّته في ذاكرتي تلك الأستاذة الفرنسية “المتأسبنة” في ثانوية فرانكو موسولمان العتيدة، وبفضل ذاك الرّصيدإ اقتحمت عالم اللغة الإسبانية في عُقر دارها ومن حسن حظي أنّ في تلك السنوات، أيام دكتاتورية فرانك لا وجود لعربي في تلك الأرض ممّا يُجبرك على إقتحام اللغة الإسبانية مُجبرا لا مُخيّرا وإلاّ كُتبت عليك العُزلة القاتلة…
هل أثّرت فيك شخصية إسبانية أو عربية في تلك الفترة من حياتك؟
** في جامعة مدريد المركزية بإسبانيا Universidad Complutense اكتشفت عالما جديدا من الدراسة والمعرفة، كما اكتشفت مُحيطا مُساعدا على تحصيل المعرفة لأنّ لغة الشارع تقريبا هي لغة الجامعة.
وهذا مظهر تفتقده الأمة العربية من حيث التحصيل، إنّ لغة شارع مدريد هي لغة مدرجات الجامعة المركزية، وبالتالي فأنت تجد نفسك تتعلم في الشارع وتتعلم في مدرجات الجامعة وهي ميزة تُحسدُ عليها البلدان الأوروبية التي لم تجعل فاصلا بين اللغة الرسمية واللغة الشعبية.
وهو ما مكنّني في وقت مُبكر من الإحاطة باللغة الإسبانية؛ في الجامعة المركزية وبقسم الدراسات السامية أو الاستشراق كان لي الحظ أن أجلس أمام قامة علمية عالمية هو الأستاذ الكبير Emilio Garcia Gomez الذي وجدت فيه الوجه الآخر للدكتور عمر الدسوقي، علما وإحاطة بالموروث الأندلسي لا نظير له؛ كان في ذلك الوقت يمثل قِمّة الدراسات الأندلسية .
ويكفي قراءة كتابه المؤلف من ثلاثة أجزاء والذي يحمل عنوان “Todo Aben Guzman” (الكل ابن قُزمان) كلّ هذا الجهد العلمي الرّهيب كرّسه لظاهرة “الزجل” في الأندلس مُمثلا في عميد الزجّالين ابن قُزمان القرطبي.
حيث توغّل في هذا في دراسة الظاهرة اللغوية الشعبية التي كانت سائدة في عصر التعايش الأندلسي البهيج، أين كان عامة الشعب الإسباني والعربي الأمازيغي يتحدثون لسانا مُشتركا يطلق عليه تسمية اللغة “الرومنثية” La lengua Romance والتي تفشت في الأزجال وخاصة في خرْجات الموشحات الأندلسية؛ إنّ سنتين متواصلتين أمام المستشرق الأسباني Emilio Garcia Gomez تجعلك تتعلم ما معنى المنهجية العلمية في البحث العلمي أو ما يُسمى Rigueur Scientifique الصرامة العلمية التي تعتمد الغوص العمودي في القضايا العلمية الشائكة بكل موضوعية وحيادية لا نظير لها.
هذه الشخصية العلمية الكُبرى رسمت معالم حياتي العلمية، وتعلمت منها كيف أن تكون أستاذا قديرا وباحثا مُحترما، وكيف تُحسن التعامل مع الوثيقة العلمية، ومن خلالها تتوصل إلى إكتشاف النظريات الصائبة؛ لقد كان الأستاذ Garcia Gomez مهيبا في لغته، صارما في بحوثه، مرجعا لا تُردُّ نظرياته العلمية، وقُدوة يهتدي بها الباحثون..
لكنّ جامعة مدريد كانت تغص بالأساتذة العمالقة من أمثال Fernando De La Granja والأستاذ القدير في الأندلسيات Ilies Téres وأستاذي القدير أيضا الرّاهب الفرانثيسكانو Dario Cabanelas صاحب المُنجز العلمي الكبير “المخصّص لابن سيدة المرسي” الذي يُعتبر أكبر دائرة معارف لغوية في التراث العربي الإسلامي..
لكن مروري بمدريد لم يتوقف عند هذا الحدّ من اكتساب المعرفة بل لي الحظ أن أتتلمذ على أكبر رائد لنقد الشعر الحداثي في إسبانيا وهو البروفيسور Carlos Baosono صاحب نظرية Irracionalismo verbal en la poesia moderna هذا العملاق هو الذي أخرجني من عالم التراث الشعري الكلاسيكي إلى عالم الشعرية الحداثية ولولا الذي تعلمته منه لمَا كتبت ديواني ” البرزخ والسكين ” الذي نال جائزة البابطين عام 2002؛ إنّه ديوان ترسمت فيه نظرية الناقد الكبير Baosono.
لقد كانت سنوات إسبانيا من الثراء المعرفي ما جعلني أستثمرها طيلة تدريسي بالجامعات الجزائرية لمدّة تزيد عن أربعين سنة؛ إنّه رصيد معرفي هائل منحني الفرصة لأتعرّف على شاعر إسبانيا الكبير وصاحب جائزة نوبل للآداب عام 1976 الشاعرVicente Alexandre.
كما كانت لي صداقة حميمية بإسبانيا ربطت بيني وبين الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي الذي دامت صداقتنا متواصلة لمدّة سنتين كان لي الشرف أن عرّفته على الدوائر الأدبية الإسبانية وكنت دليله اللغوي في محاوراته مع الشعراء الأسبان طيلة أعوام 1979 و1980.
كما سافرنا معا من مدريد إلى غرناطة، وبالمناسبة لمّا وصلنا غرناطة من عادة كلّ زائر إلى غرناطة هو زيارة قصر الحمراء لكنّني تفاجأت، حيث وجدت البياتي لا يريد رؤية قصر الحمراء، وهو أمر مُستغرب فلمّا ألححت عليه لمعرفة السبب.
قال لي قولته المشهورة: “لو رأيتُ قصر الحمراء لانتهى أن يكون شعرا” فأريد أن أعيش قصر الحمراء رؤية شعرية دائمة ولو رأيتها حقيقة لانتهت أن تكون شعرا.. كما كان لي الشرف الكبير أن يحضر مناقشتي للدكتوراه في جامعة مدريد المركزية في 16 جوان 1980، ويحتفي به المناقشون إحتفاء خاصا.. يطول الحديث عن ذكرياتي بجامعة مدريد المركزية بإسبانيا.
ما هي الأماكن الإسبانية الأثرية التي زرتها وتأثرت بها وأنت طالب وساهمت في تعميق عشقك للتراث؟
كانت كلّ إسبانيا بالنسبة لي هي ميدان خالد للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس؛ فكل قلعة فيها، وكلّ قرية تمرّ بها تُعيد عليك طعم الفاتحين لأندلس الأشواق؛ فأوّل ما زرت في إسبانيا هي معاقل قشتالة التي منها انطلقت الحروب الإستردادية؛ Reconquista .
وكان السبب وُجودي في الحي الجامعي مع الطلبة الأسبان حيث كنت الجزائري الوحيد، وحين تحين عطلة أعياد الميلاد يغادر الطلبة إلى مناطقهم؛ ونظرا للصداقة التي كانت تربطني بهم وأنا قادم من جزائر “الهواري بومدين” كان مُعظمهم يعرض علي مُرافقته إلى منطقته لقضاء العطلة عندهم فكانت فرصتي الأولى تكون مع صديقي Antonio Bajo Albarado إلى منطقة قشتالة وبالتحديد إلى مملكة ليون القديمة.
تعرفت على أرض البطل الأسطوري Le Cid وعلى المعاقل التاريخية التي صمدت في وجه صوائف المنصور بن أبي عامر، ووقف عند مدينة سالم Medina Celi التي دُفن فيها المنصور بن أبي عامر صاحب الإنتصارات التاريخية العُظمى.
وزرت مدينة صوريا Soria التي عاش فيها شاعر إسبانيا الكبير Antonio Machado؛ ومن روائع حياتي بالحي الجامعي بمدريد أنني صرت أنتقي المناطق أين أقضي عطلي مع رفاق من الطلبة الأسبان في الحي الجامعي.
حيث كانت لي الفرصة أن قصيت أعياد الفصح بالأندلس في مناطق جيّان Jaen وUbeda وBaeza وكلها مناطق تقع على مقربة من المكان الذي وقعت فيه المعركة التاريخية بين الموحدين والأسبان عام 1212، والمعرفة باسم “معركة العقاب” La Batalla de las Nanas de Tolosa التي تقع في التخوّم الفاصلة بين الأندلس وقشتالة الجديدة أرض “دون كيشوط دي لا مانتشا” أين كانت لي الفرصة أن زرت قرية Toboso El التي خرج منها الفارس النبيل Alonso Quijano المعرف بالدون كيخوط في رواية Cervantes ليُدشّن مغامراته التاريخية العجيبة..
كما زرت في هذه المناسبة من عام 1974، قصر الحمراء ومدينة قرطبة وإشبيلية بفضل رفيق الدراسة الإسباني Enrique Ogalla الذي أقمت في ديارهم وحضرت كل طقوس أعياد الفصح ومشاهدة عذابات المسيح كيف يُعاد إستحضارها تمثيلا يشارك فيها كلّ سكان قرى الأندلس ومدنها الكبيرة.
يتميز البحث العلمي باستعمال الباحث للمخطوطات، وقد إعتمدت في كتابك عن الرسول محمد على مخطوط عثرت علية في مكتبة دير بإسبانيا، حدثنا عن تلك التجربة؟
لقد رسّخت عندي وأنا أدرس عند أساتذتي بإسبانيا سواء في جامعة مدريد المركزية أو بجامعة غرناطة أنّ البحث العلمي عِماده الأساسي الوثيقة وحبّذا لو تكون مخطوطة تعود إلى عصور قديمة؛ أو إلى وثائق مادية قائمة كمعالم الأندلس الإسلامية ومن هنا إنطلق شغفي بالمخطوطات.
وقد حقّقت حتّى الآن العديد من المخطوطات النّادرة مثل مخطوطة “فكاهات الأسمار ومُذهبات الأخبار والأشعار” لابن هُذيل الغرناطي الأندلسي، والذي صدر بمناسبة إنعقاد دورة البابطين بقرطبة عام 2004؛ حيث عثرت في ولاية قسنطينة على نسختين من هذا المخطوط الغرناطي النّادر؛ وأقول النّادر لأنّ المستشرق الفرنسي Luis Mercier يُعتبر من كبار المتخصّصين في إبن هُذيل الوزير الغرناطي لدولة بني الأحمر.
وعمل طوال جهده العلمي على جمع ما تركه هذا الأديب الغرناطي، وكتب من حوله “المقالة الفاصلة” في دائرة العلوم الإسلامية عام 1922 وحدّد عدد مؤلفات ابن هذيل آنذاك بثمانية، لكن بعد 85 سنة إستطعت أن أكتشف لهذا الأديب الغرناطي مخطوطا تاسعا بولاية قسنطينة.
وبالتالي تجاوزت ما توّصل إليه المستشرق الفرنسي؛ وهنا تكمن إحدى ملذات البحث العلمي التي تُشعرك بتحقيق التجاوز العلمي.. وهذا صار همّي العلمي مُنصبا على البحث عن المخطوطات وكان الإكتشاف الآخر هو لمخطوط “حياة المجاهد خير الدين بربروس” والذي نشرته في دار القصبة في طبعة أولى وثانية، حيث عثرت علية في المكتبة الوطنية، راشليو بباريس.
كما حققت كتاب الراشدي القسنطيني “تُحفة الإخوان في تحريم الدخّان” والذي نُشر بدار الغرب الإسلامي ببيروت، وحققت المخطوط الذي أشرت إليه في سؤالك “الدر المنظم في مولد النبي المعظم” للإمام العزفي الأندلسي، حيث عثرت عليه في مكتبة دير الأسكوريال القريب من مدريد والذي يضمّ العديد من المخطوطات الأندلسية والعربية وحتّى المورسكية.
وقد تمّ نشر هذا الكتاب الضخم في دار اليازوري بالأردن عام 2016، ويعتبر صاحب هذا المخطوط هو المؤسس لظاهرة الإحتفاء بالمولد النبوي الإسلامي..
إنّ علم المخطوطات هو علم قائم بذاته ويوليه البحّاثة في الغرب أهمية كبيرة بلغت درجة تحقيق مخطوط نادر تنال بموجبه شهادة الدكتوراه، ويعتبر إضافة نوعية واكتشافا نادرا قد يغيّر مجرى العديد من الأبحاث المُنجزة.
وماذا بشأن كتابك عن سقوط غرناطة وما لحق المورسكيين من ويلات محاكم التفتيش، هل كان من السهل الوصول إلى المخطوطات والمصادر الأخرى من مراجع حول تلك المرحلة المؤلمة من تاريخ العرب في إسبانيا؟
لقد كانت أطروحتي “الشعر في مملكة غرناطة 1232 ـ 1492” هي حلقة من حلقات اهتمامي بالأدب الأندلسي والتاريخ الأندلسي، ولقد كانت أواخر فترة إمارة غرناطة قد فقدت الكثير من تراثها لأنّ على أعقاب سقوط غرناطة عام 1492 تعرض التراث الأندلسي إلى الأحكام الجائرة التي أصدرتها في حقه “محاكم التفتيش المقدسة” La Santa Inquisicion” وخاصة بغرناطة التي شهدت أكبر محرقة في تاريخ البشرية يتعرض لها الكتاب المكتوب باللغة العربية.
إذْ تُجمع المصادر على أقدام كل من الكاردينال Turquemada Alexis والكارينال Cisnero وبمباركة علنية من الملكين الكاثوليكيين على حرق أزيد من مليون مخطوط في ساحة باب الرملة بغرناطة، حيث بقيت النيران لأشهر تلتهم في عُصارة عقول العلماء على مرأى ومسمع من العالم لذا البحث في المرحلة الأخيرة من سقوط غرناطة مازال يعتريه الغموض ولا نعثر سوى على الحوليات القشتالية التي تُحدثنا عمّا حدث لغرناطة وأسراها.
لقد اجتهدت أيّما اجتهاد في كتابي عن “المورسكيون ومحاكم التفتيش” الذي كان إعتمادي فيه على ما كتب الأسبان عن جرائمهم لكنّني لم أعثر عن المخطوطات المورسكية الصعبة المنال، والصعبة القراءة وتفكيك رموزها الغريبة لأنّها كُتبت بلغة إسمها El Aljamiado أي الأعجمية بحرف عربي وبمحتوى إسباني قديم كما تُكتب اليوم اللغة الفارسية في إيران.
أنت من بين الباحثين الذين يرون أن تسمية “المورسكيين” لها دلالة سلبية فهي تعني تحقير العرب، في حين أن باحثين آخرين يعتقدون أن لها دلالة سلمية، فلماذا هذا الاختلاف بين الفريقين؟
هذا خطأ فادح يقع فيه الباحثون الغربيون على وجه الخصوص وتبعهم العرب عن جهل وقلة دراية؛ فلا يوجد فنٌّ اسمه “المورسكي” لأنّه ببساطة العصر المورسكي هو أتعس مرحلة عاشها الأندلسيون.
فلا أرض لهم ولا مأوى، بل عاشوا مشردين تتقاذفهم السبل، ويتخطفهم الموت حيث حلوا طوال 120 سنة، فقدوا على إثرها كل مقومات الأمّة، ولعلّ الباحثين الغربيين الذين إبتكروا هذا المصطلح “Moriscos” أرادوا التعتيم على المرحلة الأندلسية الحقيقية التي عُرفت بإزدهارها وتعايشها وتسامحها مع الآخر، وحققت على مدار ثمانية قرون إنجازات علمية وعمرانية لا مثيل لها في العلم.
قد أقبل من المنطق العلمي أن نقول قصر الحمراء على سبيل المثال هو معمار مورسكي، أو قصور إشبيلية ومنارة الموحدين La Giralda أو المسجد الجامع الأموي أو قصور طليطلة أو قصور الجعفرية بسرقسطة؛ فهي فعلا أوْج المعمار الأندلسي الجميل، وهو إنجاز مورسكي، لكن أن تُنسب لتشرذم بشري عاش محاصرا بمحاكم التفتيش وتعرّض للإضطهاد والتصفية العرقية واللغوية.
وتُنسب له فنونا هي في الحقيقة من صميم إبداع الحضارة الأندلسية في عزّ عطائها ومجدها التليد فهذا أمر مُستغرب بل الحقيقة هي محاولة تعتيم وإقصاء لهذا الإبداع التاريخي الرّائع ويُنسبُ خطا لحقبة لم تُعرف بأي نوع من أنواع الإبداع ومن هنا يجب تصحيح مثل هذه المفاهيم المستوردة عبثا وخرقا للحقائق التاريخية.
ألا ترى أن للمخطوطات العربية دور كبير في مدّ جسور التقارب والتنافس مع الحضارات الأخرى؟
لا أكون مبالغا إذا قلت إنّ أوّل أمّة في العالم لها رصيد هائل من المخطوطات هي الأمة العربية الإسلامية، أقول هذا لأنّني لمّا زرت مكتبة دير الأسكوريال بإسبانيا ومكتبة حيدرآباد بالهند وإطلعت على الرصيد الهائل من المخطوطات العربية الإسلامية في بقية أنحاء العلم تُصابُ بالذهول.
وبفضل هذه المخطوطات التي اعتنى بها المستعمرون حين غزوهم للعالم العربي والإسلامي وسطوهم على كلّ هذه المُدّخرات الفكرية جعلت اليوم يعرفون عنّا أكثر ممّا نعرف عن أنفسنا وبالتالي فهذه المخطوطات تشكّل جسور تواصل بيننا وبين الشعوب الأخرى، فبالإضافة إلى رصيدها المعرفي فهي تختزن رصيدا جماليا وفنيا رائعا كان فيه للكتاب عند الأمة العربية الإسلامية القداسة التي لا تُضاهى..
كتبت رواية واحدة فقط خلال مسارك الأدبي الحافل، وهي رواية “تنفست”، لماذا لم تكتب غيرها؟
ليس من الضروري أن يكون الإنسان روائيا، فقد تُغني الدراسات الأدبية والتاريخية والترجمات التي يقوم بها الباحث عن الإهتمام بشي أدبي اسمه الرواية؛ فالرواية قبل وقتنا هذا لم تكن شيئا مذكورا وخاصة في عالمنا العربي؛ لا أكون مُخطئا إذا قلت غنّ عالم أمريكا اللاّتينية قد حرّرنا – إلى حدّ ما ـ من هيمنة الرواية الأوروبية.
وبانتصار رواية أمريكا اللاّتينية عن الرواية الآورومركزية تجلّى لنا نحن العالم المتخلّف أنّه بإمكاننا التجريب في مثل هذا العالم الذي كان في بدايته حِكر على المدينة؛ لذا فمشاغلي في البحث العلمي قد تكون هي من يحول دون جلوسي الجاد لطاولة الرواية.
كما إهتمام حياتي الأدبية بالشعر أجدها تحول دون إستغراقي في عالم الرواية؛ واليوم وأنا أعيد النظر في روايتي الوحيدة ” تفنست” يُخامرني الأمر في إعادة صياغتها بأكثر إحاطة، وأعمق توغل في عالم الروائي الحقيقي كما عرفته وأتخيله.
كيف تنظر لحال الكتابة الروائية اليوم؟
لا أكتمك سرّا إذا قلت لك أنّ قراءاتي الكثيرة للروايات اللاّتينو أمريكية والإسبانية جعلت ذائقتي الأدبية تُجاه ما يُكتب في الرواية العربية يحول دون إعجابي بما يُكتب من روايات اليوم في العلم العربي؛ فهي إمّا محاكاة لروائيين غربيين كبارا أواستنساخ لا يُستلذُّ هضمه عند قراءته.
لكن كلّ ذلك لا ينفي العديد من الاجتهادات؛ أذكر في سنوات خلت لمّا كتبت عن بوجدرة وقلت إنّه يستنسخ ماركيز فقد قاطعني ولم يُبادلني التحية، وكذلك الأمر مع بعض الروائيين الجزائريين الذين لا يتقبلون سوى الإطراء والثناء والكلام الطيّب..
وفيما يتعلّق بالترجمة متى بدأت ترجمة الأدب الإسباني إلى اللغة العربية؟
تعود علاقتي بترجمة الأدب الإسباني إلى اللغة العربية إلى سنة 1974، وذلك بعد وصولي إلى مدريد في أواخر سنة 1972، حيث حصلت على منحة من وزارة التعليم العالي لأحضر شهادة دكتوراه الدرجة الثالثة، وقد صادف وصولي إلى مدريد ظهور أحداث كُبرى في أمريكا اللاّتينية، والتي تُعتبر إسبانيا بوّابتها الثقافية والسياسية.
هذه الأحداث هي حصول شاعر الشيلي الأكبر بابلو نيرودا Pablo Neruda على جائزة نوبل للآداب وكذلك الانقلاب الذي هزّ النظام الاشتراكي في الشيلي.
حيث شهدت الشيلي عودة الدكتاتورية فكانت تلك الأحداث في تلك السنوات البعيدة من القرن الماضي هي التي زجّت بي في عالم الأدب الإسباني والأدب اللاّتينو أمريكي؛ حيث كان الإعلام الثقافي بإسبانيا آنذاك تتصدره أخبار شاعر الشيلي الكبير بابلو نيرودا وعلاقته بشعراء إسبانيا، أو شعراء ما يُسمى بجيل غارسيا لوركا Garcia Lorca ورفاقه من جيل ما يُعرف بجيل 1926..
فكل الصحافة الأدبية والمجلات لا حديث لها سوى عن بابلو نيرودا ممّا جعل علاقتي بشعر نيرودا تطغى على بقية إهتماماتي الأدبية الأخرى بما فيها تخصّصي في الأدب الأندلسي، لكن قبل هذا الاهتمام المفرط بنيرودا وتطور شعره ومواقفه السياسية المندّدة بالدكتاتورية ومن على شاكلتها كنظام إسبانيا بقيادة الدكتاتور فرانكو؛ كان الجو العام هو مناهضة الأمبريالية الأمريكية ومُؤازرة اليسار الشيلي، والتنديد بدكتاتورية فرانكو بإسبانيا.
مثل هذا الجو الثقافي هو الذي دفعني دفعا إلى اقتحام عالم الترجمة، ومحاولة نقل كل هذه المتغيرات المُتسارعة إلى الجزائر وإلى العالم العربي الذي كانت أفكاره الطليعية تُراقب عن كثب هذه المتغيّرات التي أجهضت النظام الاشتراكي بالشيلي وتعمل جُهدها من أجل معرفة ما يدور في تلك العوالم البعيدة.
وقد سبق وأن بدأت في تجربتي الأولى في الترجمة وأنا أحتك بأوّل نصٍّ مسرحي للروائي الإسباني الكبير والمسرحي المشهور أونطونيو قالا Antonio Gala مؤلف الرواية العالمية الشهيرة “المخطوط القُرمُزي” El Manuscrito Carmeci حيث كانت مسرحياته محل إهتمام النقّاد الإسبان.
وكانت المسرحية الأولى التي ترجمتها إلى اللغة العربية، قبل أيّ ترجمة أخرى من الأدب الإسباني، هي المسرحية التي تحمل عنوان “المُروج الخضراء للجنّة “Los verdes campos del Eden” وهي مسرحية حوارية مُفعمة بالأحداث التاريخية والمعاصرة.
وقد مكنني أسلوبها الحواري من التعاطي بسهولة ويُسر مع أولى مُحاولاتي في الترجمة وكان ذلك مع بدايات 1974، ثمّ انصبّ كل اهتمامي على القراءات الضافية حول أشعار بابلو نيرودا بحيث تمكنت من قراءة كل أعماله الشعرية.
بل ربّما كنت أوّل من أتمّ قراءة مُذكراته إثر صدورها في منشورات “Sex Barral” ببرشلونة لأوّل مرّة وهي “أعترف أنّني عشته” Confieso que he vivido؛ هذا الاهتمام المُتزايد ببابلو نيرودا، هو الذي زجّ بي زجّا في عوالم الترجمة الشعرية سواء من أدب أمريكا اللاّتينية أو الأدب الإسباني الذي كانت ثمراته كتابي “مدخل إلى الشعر الإسباني الحديث”.
أمّا اهتمامي ببابلو نيرودا فكانت ثمرته كتابي “محاولة اقتراب من شاعر الشيلي الأكبر بابلو نيرودا” حيث أنجزت من حول أشعاره دراسة إضافية مع تقديم أنطولوجيا من شعره إخترت فيها أشعارا من أول ديوانه من حيث الصدور إلى آخر ديوانه الذي كرّسه آنذاك قبل موته بقليل لشتم الرئيس الأمريكي نيكسون، حيث حمل الديوان عنوانا مثيرا وهو El Nixonocidio أو التحريض على قتل نيكسون..
من هذه البوّابة المُفعمة بالأحداث الأدبية والسياسية دخلت عالم الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية وقد شجعني على مواصلة هذا النهج لْماَ وجدته في الأدب الإسباني من روائع تختلف عن شعرنا العربي، وكان الفضل كذلك في تشجيعي لركوب هذا المسار هو ظهور مجلة “الأقـــلام” العراقية التي كانت تحتفي أيّما إحتفاء بشعر نيرودا والشعراء الأسبان وهو ما دفع بي للمُضي في مثل هذه العوالم الرائعة والمُثيرة..
لماذا إخترت ترجمة كتاب “حوارات بين ماركيز وبلينيو مندوزا”؟
هذا الكتاب ربّما سيظّل أهم كتاب تناول حياة ماركيز السياسية والأدبية على الإطلاق؛ إنّه كتاب جاء على شكل حوار دار بين قامتين من قامات الأدب في أمريكا اللاّتينية الأول غارسيا ماركيز المتوّج بجائزة نوبل للآداب عام 1981، والمُحاور هو الروائي والصحفي الكولومبي Plino Apuleyo Mendoza كاتب وصحفي محترف ولد في Tunja بكولمبيا عام 1932.
أشرف على إدارة مجلات أدبية بفينيزيلا، كما أشرف بفرنسا على مجلة ” الحر” Libre التي إجتمع من حولها كل كتّاب أمريكا اللاّتينية بالمهجر الأوروبي؛ نشر العديد من الروايات من بينها رواية “الهارب من الجندية” عام 1974 ورواية “أعوام من الهروب” التي تحصل بها على جائزة Plaza y Janes وله العديد من الأعمال الأدبية، وباختصار فهو بدوره قمة سامقة مثله من محاوره غارسيا ماركيز.
لقد قرأت قبل ترجمتي لهذا الكتاب العديد من قصص وروايات غارسيا ماركيز، وعرفت من النُقاد أنّه مُبدع ما بات يُعرف “برواية الواقعية السحرية” لكنّ هذا التعريف ظلّ غامضا بالنسبة لي، وللقراء إلى أن صدر كتاب بلينيو مندوزا الذي يحمل عنوان “Gabriel Garcia Marques El Olor de la guayaba; Comvresaciones Plinio Apuleyo Mendoza” ..نشر هذا الكتاب في دار Bruguera 1982
هذا الكتاب الأهم الذي استودع فيه الروائي الكولمبي العالمي ماركيز مفاتيح أسرار رواياته، وربّما الفضل كلّ الفضل يعود للصحفي المُحاور بلينو مندوزا الذي سبر أغوار ماركيز وجعله يكشف عن أسرار حرفته فيما بات يُعرف “بالواقعية السحرية”
أشهد أنّني لمّا قرأت هذا الكتاب في لغته الأصلية أصبحت أدرك أسرار الواقعية السحرية، وكعادتي في قراءة الكتب أو ترجمتها فإنّي أسجل في الصفحة الأخيرة تاريخ الإنتهاء من قراءة الكتاب أو ترجمته أو تأليفه.
وها أنا اليوم بعد 39 سنة أعود إلى كتاب مندوزا وماركيز وأجد التاريخ يقول: “إنتهيت من ترجمة هذا الكتاب يوم الأحد 12 ديسمبر 1982 على الساعة العاشرة وأربعين دقيقة” وهو تاريخ مسجل في آخر صفحة من الكتاب، وبالتحديد في صفحة 187 التي هي آخر صفحة في الكتاب.
وحتّى لا أطيل أكثر أقول إنّه من دواعي الحرص أن تكون قراءة هذا الكتاب هي البوّابة الحقيقية لقراء أعمال غارسيا ماركيز الروائية، ومن خلالها ندرك عوالمه السحرية أو الأسطورية، وبفضل هذا الكتاب يمكن التعاطي مع الرواية الأمريكو لا تينية بثقة واقتدار، أذكر بهذه المناسبة أنّ ترجمتي لهذا الكتاب جاءت تحمل عنوان “غابرييل غارسيا ماركيز رائد الواقعية السحرية”.
وفي الصفحة الداخلية “حوار مندوزا ـ ماركيز ـ رحيق القوايابة” نشر المؤسسة الوطنية للكتاب ENAL الجزائر 1983؛ أي أنّ ترجمتي للكتاب كانت في نفس السنة التي صدر فيه كتاب مندوزا، وكانت مناسبة لكونها جاءت مرافقة لنيْل غارسيا ماركيز لجائزة نوبل للآداب..
بعد ترجمة هذا الكتاب لم تعرف الترجمة من الأدب الإسباني انتشارا أوسع، لماذا؟
ربّما يعود الأمر لأسباب عديدة ومن أبرزها أنّ المؤسسة الوطنية آنذاك كانت قد عرفت طفرة نوعية في النشر لم يُسبق له مثيل وذلك تحت قيادة الروائي خلاص الجيلالي الذي يعود له الفضل في حثّي على نشر هذا الكتاب ليتزامن مع حصول ماركيز على جائزة نوبل.
ولكي يُيسرَ على القراء وُلوج عوالم ماركيز الروائية التي كانت مجهولة إلى حدّ ما وخاصة لدى القراء المعربين، ثمّ إنّ المؤسسة كانت تدعم الكتاب ماديا وكذلك من حيث التوزيع، لقد نُشر من كتابي آنذاك 10.000 نسخة وتلقفه القراء المغرمين بقراءة الرواية، وخاصة روايات أمريكا اللاّتينية والتي جاءت لتجعل حدّا لهيمنة الرواية الأوروبية على الساحات الأدبية.
وذلك لخروجها الواعي عن النمطية الغربية التي غالبا ما تجنح إلى العقلانية المُفرطة وهو ما نفرت منه رواية أمريكا اللاّتينية وخرجت عن المِنوال المتعارف عليه في عالم السرديات، وماركيز كروائي ظهر في مرحلة عرفت فيها أمريكا اللاّتينية طفرة غير مسبوقة في عالم السرد الذي ينبثق من “رواية دون كيخوطي دي لا مانتشا” وخُلاسية اللغة الإسبانية التي عرفت تجدُّدا في عوالم الكاريبي وبقايا حضارة الأزتيك والإنكا، مع المزيج العرقي للزنوج الذين منحوا الرواية إيقاعا إفريقيا غير مسبوق..
هل يمكن اعتبار لغة Los Conquistadores ومزيج لغة الهنود والأفارقة هي من العناصر التي صعّبت عملية الترجمة لتلك الرواية التي أبدعها كتاب أمريكا اللاّتينية؟
يمكن ذلك، لأنّ ما أنا متأكد منه من خلال تجاربي في الترجمة فإنّ سرديات أمريكا اللاّتينية مستعصية على الترجمة إلى اللغة العربية أكثر من سرديات إسبانيا؛ لأنّه يمكن إعتبار اللغة الإسبانية أو القشتالية في بيئتها هي بمثابة الفُصحى المُعتّقة.
لكن في أمريكا اللاّتينية عرفت اللغة الإسبانية هناك نوعا من “الهُجنة” من أثر “المحلّي” الذي لا يوافق بالضرورة أرض إسبانيا؛ في إسبانيا لا تزال تعمُّ نوعٌ من الأرثودكسية اللغوية، في حين في أمريكا اللاّتينية ما يسود هو الطابع المحلي النّابع من حياة الهنود والأفارقة والأقليات الأوروبية التي إستوطنت أمريكا اللاّتينية.
ومن هناك فالثراء اللغوي في أمريكا اللاّتينية على أشدّه، وفرض قاموسا إن لم نقل قواميس جديدة يُحتكم إليها في أمريكا اللاّتينية، ومن هناك فلا يكفي المتمكن من اللغة القشتالية تحكمه في القاموس الرسمي للغة القشتالية أو لغة ثيرفانتس تجاوزا، بل عليه أن يعرف أسرار القاموس المُستحدث في أمريكا اللاّتينية، فلغة
El Guanche على سبيل المثال والمنتشرة بجزر الكاريبي لا يوجد لها مثيل في اللغة القشتالية، الأمر الذي يقتضي من المترجم من لغة أمريكا اللاّتينية أن يُعايش تلك الأساليب المبتكرة في تلك البقاع وهو ما يحول دون التمكن الجيّد من ترجمة الروائع الأدبية في أمريكا اللاّتينية ويمكن إطاء مثال لذلك رداءة الترجمة اللبنانية “لمائة عام من العزلة لماركيز.
بالنظر إلى واقع الترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية كيف يمكن النظر إليه؟
اللغة الإسبانية تنتمي إلى قارات، والمتحدثون والمبدعون بهذه اللغة من أعراق مختلفة، والإبداع الموجود فيها يُحصى بالملايين، وعلاقة العالم العربي بعوالم إسبانيا وأمريكا اللاّتينية يعدُّ محدودا جدّا إذا قورن بعلاقة العربية باللغة الإنجليزية على سبيل المثال.
ومن هناك حتّى يكون هناك مترجمون كبار من هذه اللغة فعلى جامعتنا في العالم العربي أن تكون أكثر إنفتاحا على عوالم “الأسْبنة” لتتمكّن من إكتشاف روائع الأدب الخالدة التي تُنتج في مخابر اللغة بأمريكا اللاّتينية التي يميّزها الثراء “الخُلاسي” إلى درجة كادت تكون عوالم السرديات والشعر هي وقف على إحتكار إسبانيا وأمريكا اللاّتينية لها.
فلا يكفي أمام هذا الإشكال معرفة وإتقان اللغة الإسبانية ففي أمريكا اللاّتينية هناك قواميس متجدّدة بإستمرار للغة القشتالية الأصلية وبالتالي يقتضي الأمر التواصل المباشر مع تلك العوالم، وإكتشاف أسرارها اللغوية التي يتحدّث بها على سبيل المثال شاعر نيكاراغوا وشاعر الجبهة الصندينية Ernesto Cardinal والمسمى هوميروس الأرجنتين Jorge Luis Borges وروائي البيرو Vargas LLosa وناقد المكسيك Octavio Paz ومبدع كوبا Alejo Carpenter وغيرهم من عمالقة الأدب Les accroches “تدخلت الثورة التحريرية وأعلنت تكفّلها بالطلبة الجزائريين ومن هناك تمكّنت من الحصول على منحة من الثورة التحريرية تضمن لي مواصلة الدراسة بثانوية باجة..
بهذه المنحة التي ربّما مُنحت من قِبل الثورة لأصغر تلميذ تمكنت من التعرف ولأول مرّة في حياتي، على عالم المدينة التي هي باجة التي تقع في الشمال الشرقي من الجمهورية التونسية”.
“وكنت لأول مرّة في حياتي أدرس عند أساتذة يعتمدون في تدريسهم على مؤلفاتهم الخاصة من أمثال الدكتور العملاق عمر الدسوقي الذي لا يختلف عن العقاد وطه حسين، وكذلك الدكتور الكبير عبد الواحد وافي عميد علم فقه اللغة والمتخصص الكبير في ابن خلدون والمذاهب الإسلامية ما إندثر منها وما هو باق إلى اليوم، كما كانت له إحاطة كُبرى بعلم اللاهوت،.
حيث تمكنا عنده من الاطلاع على الثقافة العبرية القديمة.. لقد كان لهذه الكوكبة من الفطاحل أن زجّوا بي حتّى الأعماق في التراث الأدبي العربي ومن هناك صرت رجلا تُراثيا، وبات لدي من القناعة أنّ بدون معرفة التراث لا يمكن معرفة الحداثة.. كلّ هؤلاء يسروا لي الحياة الأدبية حتى وجدت نفسي أديبا يسير على خُطاهم”.
“في جامعة مدريد المركزية بإسبانيا Universidad Complutense إكتشفت عالما جديدا من الدراسة والمعرفة، كما إكتشفت مُحيطا مُساعدا على تحصيل المعرفة لأنّ لغة الشارع تقريبا هي لغة الجامعة، وهذا مظهر تفتقده الأمة العربية من حيث التحصيل، إنّ لغة شارع مدريد هي لغة مدرجات الجامعة المركزية وبالتالي فأنت تجد نفسك تتعلم في الشارع وتتعلم في مدرجات الجامعة وهي ميزة تُحسدُ عليها البلدان الأوروبية التي لم تجعل فاصلا بين اللغة الرسمية واللغة الشعبية”.
“لقد رسخت عندي وأنا أدرس عند أساتذتي بإسبانيا سواء في جامعة مدريد المركزية أو بجامعة غرناطة أنّ البحث العلمي عِماده الأساسي الوثيقة وحبّذا لو تكون مخطوطة تعود إلى عصور قديمة؛ أو إلى وثائق مادية قائمة كمعالم الأندلس الإسلامية ومن هنا إنطلق شغفي بالمخطوطات”.
“إنّ سنتين متواصلتين أمام المستشرق الأسباني Emilio Garcia Gomez تجعلك تتعلم ما معنى المنهجية العلمية في البحث العلمي أو ما يُسمى Rigueur Scientifique الصرامة العلمية التي تعتمد الغوص العمودي في القضايا العلمية الشائكة بكل موضوعية وحيادية لا نظير لها .
هذه الشخصية العلمية الكُبرى رسمت معالم حياتي العلمية، وتعلمت منها كيف أن تكون أستاذا قديرا وباحثا مُحترما، وكيف تُحسن التعامل مع الوثيقة العلمية، ومن خلالها تتوصل إلى إكتشاف النظريات الصائبة”.
“ليس من الضروري أن يكون الإنسان روائيا فقد تُغني الدراسات الأدبية والتاريخية والترجمات التي يقوم بها الباحث عن الإهتمام بشي أدبي إسمه الرواية؛ فالرواية قبل وقتنا هذا لم تكن شيئا مذكورا وخاصة في عالمنا العربي؛ لا أكون مُخطئا إذا قلت غنّ عالم أمريكا اللاّتينية قد حرّرنا- إلى حدّ ما ـ من هيمنة الرواية الأوروبية”.