احتضنت المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية «أبو القاسم سعد الله» بتندوف ندوة علمية وطنية تحت عنوان «دور أبو القاسم سعد الله في كتابة التاريخ الثقافي والحفاظ على الهوية»، بمشاركة أساتذة ومؤرخين من داخل الولاية وخارجها، أبرزوا خلالها دور شيخ المؤرخين في التاريخ الوطني على المستوى السياسي والثقافي..
شكّلت الندوة التاريخية فرصة للغوص بالإثراء والتحليل في إسهامات شيخ المؤرخين في التأريخ للمقاومة الشعبية «الأمير عبد القادر أنموذجاً»، كما خصّصت جانباً من المداخلات للحديث عن النقد المسرحي عند أبو القاسم سعد الله، ومساهمته في إثراء التاريخ الوطني الوسيط وجهوده في تحقيق المخطوط، ما شكّل تذكرة عودة لأبو القاسم إلى أحضان ولاية تندوف التي زارها قيد حياته، والالتقاء بشريحة كبيرة من قرائه من خلال كتاباته السردية والنقدية.
يرى الدكتور عبد الكريم بصديق، الأستاذ بجامعة باتنة، أن الجامعة الجزائرية والمكتبة التاريخية ببلادنا، قطعتا أشواطاً لا بأس بها في الكتابة التاريخية، حيث بدأت أقسام التاريخ تنتقل من الدراسات السردية إلى الدراسات النقدية، وبدأت تأخذ مسألة تنوع المصادر والوثائق التاريخية على محمل الجد، بما فيها نقد الدراسات الاستشراقية وما كتبه المستعمر عن تاريخ الجزائر، سواء من تزييف، أو حقائق مغيّبة رغم صعوبة وصول المؤرخين الجزائريين إلى المخطوطات.
دعا عبد الكريم بصديق إلى تمكين المؤرخين من الوصول إلى الوثائق والمخطوطات المحفوظة لدى العائلات ومكتبات الزوايا، حتى يتسنى للمؤرخين تصحيح الأخطاء التاريخية السابقة وكتابة أفق تاريخية واعدة، مجدداً دعوته إلى ضرورة التوجه إلى المطالعة وإثراء المقروئية.
وأشار المتحدث إلى وجود نوع من العزوف لدى المجتمع الجزائري عن المقروئية، وتحول المطالعة إلى ممارسة ثقافية مقتصرة على المثقف والأستاذ الجامعي، مؤكداً بأن «الثقافة موجة ومعيار مهم لتحقيق التنمية».
كما شدّد عبد الكريم بصديق على ضرورة الاهتمام بتاريخ الجنوب الجزائري، فالهياكل العلمية المتوفرة اليوم ـ يضيف المتحدث- تمكننا من فتح مخابر وتخصصات علمية متخصصة في التاريخ على مستوى ولايات الجنوب، داعياً في الوقت ذاته إلى العمل على تسجيل الشهادات الشفهية، التي تعتبر مصدراً من المصادر المهمة للذاكرة الجماعية والمخيال الجمعي في تاريخ المنطقة، كما دعا الى تحقيق توأمة ما بين الدارس الأكاديمي والدارس الهاوي من أجل خلق نوع من التعاون في الكتابة التاريخية.
مناطق ظل في تاريخنا
أوضح المتحدث أن الشعب الجزائري في أصله قارئ جيد للتاريخ، غير أن الظروف الاجتماعية وصعوبات الحياة دفعته للتوجه إلى الكتاب الرقمي على حساب الكتاب الورقي، قائلاً بأن «المجتمع الجزائري يطالع بنهم ما يُكتب من نصوص تاريخية في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي دون تمحيص أو تدقيق أو بحث عن مصدرها، وهو ما قد يجعل منه فريسة سهلة لمجموعة من المغالطات المفتعلة وغير البريئة»، مواصلاً القول «القارئ الجزائري يميل إلى غرائب الأحداث وعجبها ويُهمل بذلك التاريخ المحلي القريب منه»، مشيراً إلى إمكانية التصدي لهذه المعضلات وإعادة توجيه القارئ الجزائري إلى المسار الصحيح، من خلال تنظيم ندوات علمية تستقطب من خلالها الجمهور الجزائري وتعيد وضعه على السكة الصحيحة للمطالعة التاريخية الأكاديمية.
نوّه عبد الكريم بصديق إلى أن المناهج الدراسية المتعلقة بالتاريخ تحتاج إلى تحيين وإعادة قراءة وتوثيق، خاصة الكتاب المدرسي الذي يركّز على التاريخ الوطني الثوري أكثر من الفترات التاريخية الأخرى، «وكأن التاريخ الجزائري مجزأ»، داعياً إلى ضرورة إشراك مُعد المناهج وعالم النفس مع المؤرخ في وضع مناهج تتماشى مع قدرة استيعاب التلميذ حسب الطور الدراسي، والابتعاد تدريجياً عن «المناهج المستوردة» من خلال استحداث منهج جزائري يتماشى مع متطلبات سوق المعرفة التاريخية ببلادنا.
وعرّج المتحدث للحديث عن الأرشيف الوطني، مؤكداً استحالة تسليم السلطات الفرنسية لوثائق تثبت جرائمها المخفية، أو ما يقيم عليها الحجة في جرائمها اللاإنسانية ببلادنا، مؤكداً مرة أخرى على أن فرنسا تخشى خروج الأرشيف للعلن، لأنه سيحدث ضجة لدى الرأي العام الفرنسي والأوروبي، «فأوروبا ومؤسساتها التي تتبجح علينا اليوم بدفاعها عن حقوق الانسان، هم نفسهم من تورطوا في اغتيال الذاكرة الجزائرية، فنحن بحاجة إلى قراءة الأرشيف، وإلى ترجمة الدراسات الفرنسية، وتعويم الدراسة، فهناك نقاط ظل في تاريخنا المشرف، وهي فترة تاريخية مشتركة بين الجزائر وفرنسا».
علي عويش