أجمع شعراء شباب، في اللقاء الأدبي الـ 11 ببومرداس، أن الشعراء يناضلون من أجل إبقاء الشعر حيا في وجدانهم، ووصفوه بـ” المرآة التي تعكِسُ الوجه غير المرئي للعالم”.
استضافت الكاتبة الأكاديمية ربيحة حدور في اللقاء الأدبي الـ 11 حول ” رؤى الشعراء الشباب عن تطورات الشعر وخصوصية كتاباتهم الشعرية”. بالمكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية ببومرداس، كل من الشاعر أحمد بوفحتة، الشاعرة أسماء رمرام والشاعرة نجوى عبيدات. في محاولة منها إلقاء الضوء على التجارب الجزائرية الشبانية مع التحفيز على قراءة العمل الروائي ومناقشة أهم قضية فيه المتعلقة بإفلاس قيمة الشعر.
وتساءلت الشاعرة نجوى عبيدات، ماذا ننتظِر عندما يتجردُّ الإنسانُ من عواطفه وينسلخ من جوهره الروحي، ليصبِحَ الإنسانَ شبيها للروبوت؟ وأبدت إعجابها برواية “هيّا نشترِ شاعرا” للكاتب البرتغالي أفونسو كروش، واختارتها نموذج للتحاور على أسئلتها الفنية التي عالجت حسب تصورها “مهزلة الزمن. فحين يصبح الشعر فنا أدبيا يكتبه الشاعِر فقط وتصير لغة المجاز شيئا غير مفهوم وغير مجد..”.
وعبرت الشاعرة عن ارتياحها لاهتمام الرواية بالمعنى القيمي للشعر وتفاعلها الإيجابي مع ما ذكرَه الشاعر في الرواية من جُمل شاعرية.
واعتبرت عبيدات أن الشعر يمثل بالنسبة لها المرآة التي تعكِسُ الوجه غير المرئي للعالم، “يَرى ما لا يُرى، ويُفسّر ما لم يُفسّر محلقا فوقَ المادة واصلا إلى أعماقِ الذات” .
وفي نفس السياق أضافت المتحدثة أنّ الشعراء يناضلون من أجل إبقاء الشعر حيّا في وجدانهم، وهو الأمر الذي دفعها لكتابة الأناشيد.
وترى نجوى عبيدات أن الشعر نِضال لتحريرِ الإنسان من روبوتِه، وأرجعت الشاعرة تقهقر المجتمع إلى عدم اهتمامه بالأدب فالجميعُ يبتذِلُ الأدبَ والفن.
وفي مسألة تحولات الشعر وتطوراته الفنية، قالت الشاعرة ذاتها: “إن التجديد ضرورة حياتية”. ودعت إلى تجاوز الصراع المتكرر بين الشعر والنثر ما دام هناك إبداع، وما دام الكاتب يشتغل على نفسه ليقدم ما يستطيع تقديمه للأجيال القادمة.
ومن جهته، قال الشاعر بوفتحة أنّ الكاتب “أفونسو كروش” اعتمد الأسلوب الهزلي ونوع محدد من الخطاب الذي يركز على رقمنة وضبط الأشياء والشخصيات بشكل مبالغ فيه، فكان حسب رأيه يريد تشكيل مقابلة بين المادي والجمالي، هذا الجمالي الذي يتمثله الشاعر في الرواية، في مقابل المادي الذي تمثله بقية الشخصيات.
وحول قضية الشعر الموزون وقصيدة التفعيلة، رحب الشاعر بكل الألوان الإبداعية بشرط أن تضبط المصطلحات والشروط التي يجب أن تميز كل لون.
وقال بوفتحة: “مشكلتي مع قصيدة النثر هي في اصطلاح عنوانها المتناقض فقط، فلو كان لها اصطلاح آخر كالنثر الفني أو النص المنثور وما إلى ذلك لكان أقل إثارة للغرابة في نفس القارئ، أما عن الشعر العمودي فلم يكن يوما مقيدا للشاعر الحقيقي، كما أشارت إلى ذلك من قبل نازك الملائكة في مناداتها بالشعر الحر، إنما هي تجربة كل شاعر ومدى ابتكاره للتشكيلات الشعرية في قوالب إيقاعية مضبوطة”.
وقالت الشاعرة أسماء رمرام “قرأت رواية هيا نشتر شاعرا” لأفونسو كروش وأنا أبتسم، شعرت بوجع لأني شاعرة وأعرف ما يشعر به الشاعر في زمن لم يعد للشعر فيه مقروئية، هذه الرواية تتحدث عن أسرة تشتري شاعرا، وكيف يحدث هذا الشاعر تغييرا في حياتها، في عصر مادي ينظر إلى الأشياء نظرة مادية، وبفضل الشاعر أنقذ الأب مصنعه من الإفلاس، بإدخال التدفئة إلى المصنع، وكسب الأخ إعجاب حبيبته، بإسماعها عبارة جميلة وشاعرية، وعرفت الأم قيمة الكلمات، وطلبت الطلاق لأنها أدركت أنها تعيش في فراغ”.
وأوضحت رمرام أن هذه الرواية برمزيتها الساخرة والذكية أشعرتها بأهمية الثقافة في الحياة، والشعر تحديدا، في عصر لم يعد فيه للشعر جمهور، ولعل ابتذال الشعر في نظر القارئ المعاصر يعود إلى مشكلة في ما يكتب اليوم من نصوص، فإذا أخذنا الشعر العربي كمثال على ذلك نجد أن بعض الشعراء يكتبون العمودي دون ابتكار على مستوى الصورة ودون شاعرية، مما يجعل نصوصهم مجرد نظم، والبعض الآخر يكتب قصيدة النثر بغموض لا يفهمه القارئ، هذا القارئ الذي يسهل عليه التعاطي مع الرواية أكثر (على سبيل المثال) واستيعابها.