يحتفل الشعب الصحراوي هذا العام بذكرى خمسينية نضاله من أجل الحرية والاستقلال في الصحراء الغربية.. بدأ هذا النضال عام 1973 ضد الاستعمار الاسباني، واستمر بعد ذلك ضد الاحتلال المغربي، عندما استولى المغرب على المنطقة، بعد وفاة الملك الإسباني فرانكو، فأُرغم السكان هناك على العيش تحت الاحتلال..
منذ ذلك الحين، شنَّ الشعب الصحراوي صراعًا مريراً ضد المغرب في سبيل تحرير الصحراء الغربية، واستعادة حريته واستقلاله، ولقد واجه هذا الصراع كثيرا من الصعوبات على مر السنين، بما في ذلك القمع الوحشي من قبل السلطات المغربية في المدن المحتلة، وسنوات من الحرب أودت بحياة الآلاف.
علي عويش
يشهد تاريخ الصحراء الغربية على نضال شعبها منذ فترة طويلة ضد الاحتلال المغربي، ولطالما لعبت الثقافة والكلمة دوراً حاسماً في هذا النضال، وفي تعزيز مفاهيم الأصالة والهوية الوطنية للشعب الصحراوي.. الثقافة تحوّلت لدى المجتمع الصحراوي، الى سلاح في وجه الاحتلال الاسباني في البداية، ثم الاحتلال المغربي بعد ذلك، فلم يفرّط المتطلعون إلى الحرية والخلاص من نير الاحتلال الغاشم، في الكفاح بالكلمة الأديبة والشاعرة، لتكون سلاحا قويا يعضد النضال السياسي، والكفاح المسلح، دفاعا عن حق يحدو الشعب الصحراوي منذ نصف قرن.
رجال الثقافة على خط النار في الصحراء الغربية
بالرغم من الصراع العسكري الدائر في الصحراء الغربية بين جبهة البوليساريو والمغرب، إلا أن الحركة الصحراوية ماضيةٌ في تحقيق المكاسب تلو الأخرى، حيث تحوز الجمهورية الصحراوية حالياً على اعتراف 88 دولة، والعديد من المنظمات الدولية التي تُشجّع على تحقيق السلام والعدالة في المنطقة، وتدعو الى تمكين الشعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير.
أكد ماء العينين لكحل، سفير الجمهورية الصحراوية في بوتسوانا أن جبهة البوليساريو منذ تأسيسها قبل 50 عاماً، قد حققت معجزات تنظيمية، سياسية، من حيث بناء الدولة ومؤسساتها بالرغم من عدم وجود إمكانات، من بينها معجزة ديبلوماسية ربما لم تستطع كثير من الدول المستقلة تحقيقها، رغم الفارق الكبير في الامكانيات والطاقات البشرية، إضافة الى مكاسب ميدانية على الأرض، تمكّن من خلالها جيش التحرير الشعبي الصحراوي أن يُثبت علو كعبه وسيطرته على أجزاء كبيرة من تراب الصحراء الغربية، حتى إن بعض المعارك التي خاضها ضد الاحتلال المغربي أصبحت تدرّس الآن في الأكاديميات العسكرية.
استعرض الديبلوماسي الصحراوي الذي شغل منصب رئيس اتحاد الصحفيين والكتاب والأدباء في السابق، عينة من نجاحات الديبلوماسية الصحراوية، مشيراً الى أن القضية الصحراوية اليوم باتت حاضرةً في جميع المحافل الدولية، فلا يكاد يوجد منتدى دولي لصناعة القرار إلا وكانت الدولة الصحراوية حاضرةً في أشغاله، وأثبتت وفرضت وجود الصوت الصحراوي فيها.
«يكفي أن القضية الصحراوية حاضرةً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي لجنة تصفية الاستعمار وفي مجلس الامن الدولي، وحاضرة كذلك في لجنة حقوق الإنسان في جنيف، والدولة الصحراوية حاضرةً بأصوات صحراويين في الاتحاد الافريقي التي هي عضو مؤسس له، وحاضرة في منظمة عدم الانحياز، كما أنها حاضرة في المجتمعات المدنية حول العالم، ولها علاقات عميقة بكل التشكيلات السياسية والأحزاب سواء من اليمين أو الوسط أو من اليسار”.
استطرد ماء العينين حديثه مؤكداً بأنه ليس بمقدور أي صانع قرار في أي مكان من العالم أن يدّعي جهله بوجود هذه القضية، وهو ما كان هدفاً للدبلوماسية الصحراوية التي نجحت الى حد بعيد في تحقيقه، رغم قلة الامكانيات ورغم العداء الكبير والإمكانيات الضخمة التي سخّرها الاحتلال المغربي وأصدقاؤه من أجل إسكات صوت الشعب الصحراوي وطمس معالم هذه القضية.
معارك قانونية وغريم مارق..
لم تحصل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب على أي مكسب عسكري، سياسي أو دبلوماسي بدون عناء، بل صنعت كل انتصاراتها بعطاء مناضليها، وبتضحيات الشعب الصحراوي في كل مكان على مدار خمسة عقود من الزمن.
عرّج الديبلوماسي الصحراوي ماء العينين لكحل للحديث عن المعارك القانونية ضد الاحتلال المغربي، قائلاً بأن المناضلين الصحراويين واكبوا هذه الجبهة من النضال منذ أول تداول دولي للنزاع في محكمة العدل الدولية بلاهاي سنة 1975، حيث حضر الصوت الصحراوي رغم أن المحكمة والمنتظم الدولي لم يستدعِ أي ممثل للصحراويين آنذاك، غير أن جبهة البوليساريو كانت حاضرةً يومها ممثّلة بالأحرار والخيّرين من أصدقائها.
وأشار ماء العينين الى أن المناضلين ورجال القانون الصحراويين قد بذلوا جهداً كبيراً في الكواليس لتقديم الصوت الشعب الصحراوي جهوريا، وتوضيح موقف أبناء الصحراء الغربية لأعضاء المحكمة، لتكلّل جهودهم في الأخير بالنجاح، وافتكاك قرارين هامَّين، مشيداً بالحضور القوي للدولة الجزائرية في تلك المحطة، ووقوفها بقوة في وجه محاولات الابتلاع التي كان المغرب وحلفاؤه يريدون فرضه على الشعب الصحراوي.
«تلت ذلك محطات عديدة في المعركة القانونية، في اللجنة الرابعة للأمم المتحدة والجمعية العامة، حيث نجح مناضلو الجبهة وحلفاؤهم من عدة دول في تمثيل الموقف الصحراوي بأحسن وجه ممكن، حتى انتزعت الجبهة اعتراف الجمعية العامة بها كممثل شرعي ووحيد في قرارين متتالين سنتي 1979 و1980، في تأكيد على تمسّك ووقوف الشعب الصحراوي خلف الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب التي تحولت الى رقم صعب في معادلة الصراع في الصحراء الغربية، وحظيت بالاعتراف التام من قبل الأمم المتحدة كطرف ثانٍ في النزاع مع المغرب”.
يمكن القول إن الجبهة نجحت في صراعها القانوني والقضائي مع المغرب في عدة محطات، وتكفي الإشارة الى الأحكام القضائية التي حصلت عليها الجبهة من محكمة العدل الأوروبية في الفترة من 2015 إلى غاية 2021، وحكم المحكمة الجنوب أفريقية سنة 2017، وحكم المحكمة الأفريقية لحقوق الانسان والشعوب لسنة 2022، ناهيك عن الآراء الاستشارية التي تعتبر ترسانة قانونية موازية للأحكام القضائية، مثل الرأي القانوني لهانز كوريل لسنة 2002، والرأيان الاستشاريان لمكتب المستشار القانوني للاتحاد الأفريقي لسنتي 2015 و2017، وآراء قانونية أخرى للبرلمان الأوروبي.
جبهة البوليساريو برجالات القانون والأدباء والصحفيين، كبّدت نظام الاحتلال المغربي خسائر فادحة ومتتالية منذ 1975 وحتى اليوم على جبهة النزاع القانوني والقضائي، وماتزال الجبهة ترفع دعاوى قضائية حاليا ضد شركات فرنسية، وربما سترفع دعاوى مماثلة مستقبلا أمام محاكم أخرى وفي قضايا أخرى ستشكّل بتراكماتها حتى الساعة ساحة انتصارات متكررة تؤرق الاحتلال، وتؤرق جميع اصدقائه، الى جانب خوضها معارك ثقافية للحفاظ على هوية الشعب الصحراوي كموروث ثقافي أصيل مستقل تماماً عن الثقافة المغربية.
نصال النضال في سبيل الحرية..
تعاني الصحراء الغربية من نَيرِ الاحتلال المغربي منذ عام 1975، عندما احتل المغرب هذه المنطقة بعد انسحاب إسبانيا منها، ومنذ ذلك الحين، واجه شعب الصحراء الغربية حملة إرهابية من جانب الاحتلال المغربي، استخدم فيها هذا الأخير كل أشكال العنف والتهديد والتنكيل لإخضاع المنطقة وسكانها، بل امتدت أطماعه إلى المطالبة بأجزاء واسعة من دول الجوار.. ومن أجل مواجهة هذه الحملة الشعواء، توحّد شعب الصحراء الغربية تحت راية جبهة البوليساريو، والتي برزت قُبيل احتلال المغرب للصحراء الغربية كحركة تحّرر تطالب باستقلال الإقليم، ومن خلال ارتباط مناخ النضال في الصحراء الغربية بالهوية الثقافية، باتت الثقافة تؤثر بشكل كبير في مظاهر النضال الصحراوي المتواصل إلى يومنا هذا.
رغم الدور الهام الذي تلعبه الثقافة في نضال الشعب الصحراوي، إلا أنها تواجه عدة تحديات خاصةً في المدن المحتلة، حيث تشهد قيوداً وقمعاً يمارسهما الاحتلال المغربي على حرية التعبير الثقافي للصحراويين، وفي بعض الأحيان، يُحرم الفنانون والمثقفون من ممارسة أعمالهم والعمل على تعزيز حقوقهم الثقافية وتعزيز هويتهم الثقافية الأصيلة، بل ذهب الاحتلال المغربي الى محاولة طمس الوجود الصحراوي في الاقليم المحتل عبر العبث باللهجة الحسّانية وإقحام المستوطنين المغاربة في المشهد الثقافي الصحراوي بهدف المساس به وإحداث خلل في المكوّن الثقافي للصحراء الغربية.
يعدُّ أدب المقاومة جزءاً مهماً من الثقافة في الصحراء الغربية، فقد لعب الأدباء الصحراويون دوراً هاماً في دعم الحركة الثقافية والنضالية في هذه المنطقة، وتتمثل أهمية هذا النوع من الأدب في تعزيز الوعي الثقافي والوطني للشعب الصحراوي، وتحقيق التحرّر والحرية والاستقلال.
على مدى خمسة عقود من الزمن، أنتج الأدباء الصحراويون نصوصاً شعرية ونثرية تعبّر عن رغبتهم في الحرية والاستقلال، مستبسلين في نقل ملاحم الشعب الصحراوي، ناشرين الأمل في غدٍ أفضل، كما شكّلت تلك الكتابات مراجع تاريخية، استفاض فيها أصحابها في وصف الصراع الذي يعاني منه الشعب الصحراوي ضد الاحتلال المغربي، ويقوم هؤلاء الأدباء بكتابة أعمالهم بناءً على تجربتهم الحية، وعلى الأحداث التي يعيشها الشعب الصحراوي.
خارطة الكفاح الثقافي..
نجح الأدباء في الصحراء الغربية في عرض رؤيتهم للنضال ضد الاحتلال المغربي، ونقل معاناة الصحراويين في اللجوء والمدن المحتلة، فاستخدموا في ذلك الشعر، الرواية، المقالات، المسرحيات والأفلام التي امتازت بأسلوبها المعبّر الذي جسّد الواقع بكل تفاصيله وتجلّياته، لتتحول هذه الأعمال الى مصدر هام في توثيق تجربة الشعب الصحراوي المقاوم، فبرزت للعالمية أعمال مخرجين شباب من أمثال إبراهيم شكاف وخديجة عالي وغيرهما ممن حملوا القضية في كاميراتهم.
أدباء ومثقفو الصحراء الغربية، كان لهم الدور الأساسي في النضال الثقافي، والنضال بشكل عام ضد الاحتلال المغربي، فتمكنوا عن طريق كتاباتهم من تعزيز الوعي الانساني بعدالة القضية، وتشجيع الناس على المشاركة في النضال لتحقيق الحرية والاستقلال، ورغم ضعف الامكانات وغياب الدعم المادي، إلا أن أوجه المقاومة الثقافية تعددت ألوانها وأغراضها مشكّلةً فسيفساء نضالية اشتركت في الهدف الواحد، ألا وهو دحر الاحتلال من أراضي الصحراء الغربية.
يعدُّ الأدب الصحراوي على تعدد ألوانه وأغراضه، جزءاً أساسياً من المقاومة الثقافية في الصحراء الغربية، حيث تدور عناصره حول المطالب الوطنية الصحراوية والتعبير عن الحرية والاستقلال، وقد تفنّن القلم الصحراوي في إنتاج أعمال شعرية ونثرية ومقالات صحفية تعبّر عن هوية الشعب الصحراوي وتفاصيل حياته ومعاناته، مما يجعل هذه الأعمال أداةً قوية للتعبير عن المطالب الثورية والمقاومة ضد الاحتلال المغربي.
في مقابل ذلك، نجحت الريشة والكاميرا في أن تكونا وسيلتين للتعبير عن هوية الشعب الصحراوي ومطالبه ضد الاحتلال المغربي، ومجابهة كل مظاهر “مَغْرَبة” المدن الصحراوية المحتلة، حيث استطاع الفنان الصحراوي إنطاق الصورة لتشهدَ على وجود قطيعة ثقافية أزلية بين المجتمع الصحراوي وعتاة المخزن الغاشم.
تمكنت الأعمال الثقافية الصحراوية المصورة بالريشة أو الكاميرا من عبور حدود الوطن المسلوب، ووجدت لنفسها فضاءً تتحرك فيه بحُرية، من خلال عديد المعارض التي احتضنتها كبريات دور العرض والساحات حول العالم، فالفنون البصرية من لوحات فنية وأعمال مصورة، استطاعت نشر قصص المقاومة والحرية في الصحراء الغربية، وأكدت للرأي العام العالمي مرة أخرى أن لا ترابط بين الجلاد والضحية.
وكان للأغنية النضالية الصحراوية الفضل الكبير في نشر الوعي والتعريف بالقضية الصحراوية مطلع السبعينيات من القرن الماضي، بل إنها كانت سابقة للكفاح المسلح، مستمدةً قوّتها، حضورها وديمومتها من طبيعة المجتمع الصحراوي الذواق للفن، فبرزت أغاني الراحلة مريم الحسان، وعشرات الفنانين الذين ما تزال أصواتهم وألحانهم تصدح في سماوات الحرية والاستقلال.
بشكل عام، تلعب المقاومة الثقافية دوراً حيويا في دعم الحركة الصحراوية والمقاومة ضد الاحتلال المغربي، من خلال رفع الوعي والتوعية بالمشاكل التي يواجهها الشعب الصحراوي، وتعدُّ المقاومة الثقافية أيضاً أداةً فعّالة لتحقيق الوحدة الثقافية والتضامن بين الشعوب والثقافات المختلفة في المنطقة.
وبرزت في ساحة الكفاح الثقافي العديد من البرامج التلفزيونية والحصص الإذاعية التي أسّست للنضال الثقافي عبر الباقة البرامجية للتلفزة والإذاعة الصحراويتين، كان أبرزها برنامج “في رحاب الثقافة والادب الشعبي”، وهي رحلة إعلامية أدبية امتدت على مدار عقود من الزمن، خُصصت لتناول موضوعات أدبية مختلفة في جلسات شعرية أدبية، وكل ما تعلق بنضال الشعب الصحراوي سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً وتربوياً، فكانت تواجه الاحتلال المغربي في جبهة ثقافية، وتصدّت لدعايته المغرضة فكانت أقرب الى برنامج سياسي منها الى برنامج أدبي، ليتحول بعد ذلك الى برنامج تلفزيوني، الى جانب حصص ثقافية تخصصية أخرى على غرار برنامج “نادي الأدب” وبرنامج “تراثك لك”.
الأدب الـشعبي الصحراوي..
تشهد الصحراء الغربية مقاومة ثقافية شديدة، حيث تعتبر الإبداعات الفنية والثقافية أداةً قوية للتعبير عن المطالب الثورية والمقاومة ضد الاحتلال المغربي.
يبرز الأدب الشعبي والفنون الجماعية كالموسيقى والرقص، كإحدى وسائل التواصل الثقافية في الصحراء الغربية، وهي تعدّ وسائل لشحذ الهمم وتمرير الرسائل التحريرية، رغما عن قوات الاحتلال.
ولقد ساهم الادب الشعبي في الصحراء الغربية في استمرار النضال والمحافظة على الوعي الثقافي بطريقة مباشرة وغير مباشرة، ويتمثل دوره في تعزيز معرفة الناس بحقوقهم، وتعزيز هويتهم الثقافية والوطنية ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم النضالية.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الشعراء في الصحراء الغربية، إلا أنهم ما زالوا يواصلون النضال من خلال كتاباتهم وتعابيرهم الفنية. وتتحدث أعمالهم عن الحقوق المسلوبة للشعب الصحراوي والاضطهاد الذي يتعرض له، وتشجّع الناس على الوقوف ضد الاحتلال المغربي.
من أمثلة الأدباء الصحراويين، نجد المدير المركزي بوزارة الثقافة الصحراوية وعضو الاتحاد العالمي للأدباء الحسّانيين، الشاعر الزعيم علاّل، والذي يكتب شعرا حسّانيا يعبّر فيه عن العديد من المسائل الاجتماعية، بما في ذلك تطرف الاحتلال المغربي ونضال الشعب الصحراوي، ويتميز شعر الزعيم علال بالتعبير عن الرغبة في الحرية والسيادة والاستقلال، ويتناول في أعماله أساليب الاستغلال والظلم اللذين يتعرض لهما الشعب الصحراوي، مع الدعوة الى وحدة الصف والوقوف ضد الاحتلال المغربي.
وأكد الشاعر الزعيم علال أن المقاومة الصحراوية تظل أنموذجاً في الاهتمام بالكلمة، خاصة تلك الكلمة الموزونة لدعم المقاتلين والمناضلين والسياسيين، والتصدي للمظاهر المُشينة والتفرقة والعنصرية وكل السلوكيات التي قد تمس بسمعة ونضال الانسان الصحراوي.
في المقابل تدعو الكلمة – يقول الزعيم علال- الى تشجيع المبادرات الحسنة والقيم النبيلة والأخلاق الحميدة، وهي أهداف مرسومة أمام الشعراء والكتّاب والصحفيين الصحراويين من أجل جعل الكلمة، سواء كانت الموزونة أو النثرية، دستوراً قيماً في حياة المجتمع الصحراوي الذي صنع المعجزات خلال 50 سنة من المقاومة والكفاح والصمود.
أوضح الشاعر الزعيم علال أن الشعب الصحراوي أدرك منذ الوهلة الأولى الاهمية الكبيرة لقلم الشاعر والكاتب الصحراوي، فكان الوعي عميقاً بأن هذه الجبهة من جبهات المقاومة، لا بد من إثرائها، وتعزيز حضور القضية الصحراوية فيها، وإعطائها حقها الذي تستحق في مسيرة النضال الى جانب البندقية، لأنها جبهة صراع محتدم مع العدو الذي يحاول سلب الثقافة وإفساد المجتمع الصحراوي في المدن المحتلة، وبث التفرقة والقبلية والعنصرية في المخيمات.
واصل الزعيم علال قائلاً: إن الثقافة الشعبية في الصحراء الغربية شكّلت حلبة صراع بين الشاعر والكاتب الصحراوي من جهة، والقوة المعادية من جهة أخرى، بكل أساليبها ومحاولاتها البائسة واليائسة، فالثقافة الشعبية شكّلت حصانة للمجتمع الصحراوي وللثورة الصحراوية خلال 50 سنة من النضال.
المثقّف الصحراوي لم يوقع اتفاق السلام مع المغرب
تجربة الشعراء الصحراويين في هذا الميدان هي تجربة غنية رغم صعوبة الأمر في البداية، ليتمكّن الشاعر والكاتب بعد سنوات النضال الطويلة من تحليل الظواهر المجتمعية السلبية التي تحاول المخابرات المغربية زرعها في المجتمع الصحراوي، والتعاطي معها بكل احترافية واختيار الطرق الانسب للتصدي لها، بالكلمة والقلم.
«كنا دائماً جاهزين للخوض في الجبهة الثقافية مع العدو، فاستطعنا النيل من مخططاته وتحطيم عنجهيته على صخرة الوعي، فالشاعر والكاتب الصحراوي لم يكونا طرفين في التوقيع على وقف إطلاق النار، ولم يدخلا في مسار التسوية الأممي، وإن كان هذا السلام قد شمِل جانباً من مسار النضال للشعب الشعب الصحراوي، إلا أن الجبهة الثقافية مع العدو بقيت معاركها محتدمة وحامية الوطيس، فكانت الوحدة الوطنية مُصانة والشعب الصحراوي موحَّداً خلف ممثله الشرعي والوحيد.
من جهته، أكد الباحث الصحراوي اللود بوقرين، أن تماسك وتمسّك الصحراويين بهويتهم الوطنية، كان السبب الرئيسي لصمودهم في وجه محاولات الاحتلال طمس الهوية الصحراوية في المدن المحتلة.
إعداد الاحتلال المغربي برامج تلفزيونية عن الثقافة الصحراوية على أنها موروث ثقافي مغربي، ومحاربة الزي التقليدي وكل ما له علاقة بالهوية الصحراوية في المدن المحتلة، اصطدم بإرادة صلبة وثبات قوي من الشعب الصحراوي الذي أعلن تمسكه بهوية الثقافية الوطنية.
وقال بوقرين إن الثقافة الصحراوية راسخة وباقية في ذهن الانسان الصحراوي، رغم المحاولات العديدة والأساليب الدنيئة التي يلجأ إليها الاحتلال المغربي من أجل المساس والنيل بالثقافة الصحراوية، وصلت حد فرض قيود على استيراد “الدراعة” و«الملحفة” وخفض أسعار الجلباب في أسواق المدن الصحراوية المحتلة، وفرض ارتدائه في المدارس، ما ترتب عنه دخول الصحراويين في حركة احتجاجية مطالبين بإعادة الاعتبار للزي الصحراوي في المدارس وأماكن العمل.
لجأ المواطن الصحراوي في المدن المحتلة الى إحداث قطيعة ثقافية مع المستوطنين المغاربة، والحد من التعاملات الثقافية أو التجارية معهم أو مصاهرتهم، وتُعدُّ هذه الاستراتيجية إحدى العوامل الرئيسية التي ساعدت على احتفاظ الثقافة الصحراوية بزخمها وبمكانتها وصفائها من أي شكل من أشكال “المَغربة”.
تـنهيدة قلب..
صدر حديثاً للكاتبة الصحراوية حاجّة نفعي عن دار خيال للنشر بولاية برج بوعريريج، كتاب جديد بعنوان: “تنهيدة قلب”، حيث تضمن الكتاب 77 صفحة من الحجم المتوسط آهات القلب وصرخاته المكتومة، والتي تجعل القارئ يتقمص شخصية الكاتبة، فيعيش يومياتها الحزينة بعيداً عن الوطن.
الكتاب عبارة عن قصائد ذات طابع سردي، ونصوص أدبية قصيرة تتناول مآسي وآهات حياة اللجوء والاغتراب، وما يعيشه الانسان وهو بعيد عن وطنه.
أبدعت الكاتبة حاجة نفعي في كتابها “تنهيدة قلب” إلى حد كبير، في نقل القارئ إلى عمق آهاتها الحزينة، بلُغة شفافة، وتعابير سلسة، متعمّقة في الانسان وهواجسه التي لا حصر لها، فاختزلت في قصائدها السردية كل الصور العميقة للألم والمعاناة التي يمر بها الانسان.
كتاب “تنهيدة قلب”، شكّل مجسّماً مصغراً لحياة اللجوء والاغتراب، بالإضافة إلى نقله الواقعي لجانب كبير من حياة الألم والمعاناة، ولحالات نفسية أخرى صورتها الكاتبة الصحراوية الشابة بشكل متناسق منسجم يُغرق القارئ في دوامة من المشاعر المتضاربة.
هذا الكتاب الذي يرى النور من مخيمات اللاجئين الصحراويين، هو ضالّة القارئ للانخراط في عالم الأحزان وتحويلها إلى مصدر إلهام، ويشكّل مرجعاً أساسياً للتعمق أكثر في الحالات النفسية واستغلالها لضخ جرعة من الأمل والتحفيز.
الدرع الواقي من محاولات التهجين القافي
أكد الإعلامي نفعي أحمد محمد، رئيس اتحاد الصحفيين والكتاب والأدباء الصحراويين، أن الاحتلال المغربي يستهدف بشكل ممنهج ومتعمد ثقافة المنطقة ككل، من خلال عمله على تهجين الهوية والثقافة الصحراوية، وإنتاج برامج ثقافية تأخذ أشكالاً مختلفة تهدف الى تمييع ثقافة الشعب الصحراوي لإيهام الرأي العام العالمي من خلال تقديمها على أنها جزء من الثقافة المغربية، وهو في واقع الأمر، يمنع تداول التسميات الصحراوية والزي التقليدي، ويمنع حتى “الخيمة” التي باتت تشكّل “كابوساً” وفوبيا للمخزن المغربي، باعتبارها رمزاً من رموز الهوية الصحراوية، ولا تنفك عن تذكيره بملحمة كديم إيزيك.
وأردف الإعلامي نفعي قائلاً إن الأدب في تاريخ النضال الصحراوي يظلّ أدباً للمقاومة فعلاً لا قولاً، من خلال صونه ونقله للقيم المجتمعية الهوياتية للشعب الصحراوي بتعدد الحقب الاستعمارية، والتي سعت دائما الى طمس الهوية الصحراوية، وبعد أن فشلت في ذلك، عمدت الى إظهارها على أنها نوع من الفسيفساء الاستيطانية الاستعمارية في الصحراء الغربية، فضلاً عن “أدب السجون”، حيث لطالما ارتهنت المقاومة في الصحراء الغربية – يضيف المتحدث – بخروقات واعتقالات، وتحوّل المعتقلون بالقصيدة وبالرواية من داخل سجون المستعمر الاسباني أولا، ومن بعده الاحتلال المغربي الى منابر للمرافعة والمقاومة.
وقال نفعي أحمد محمد مُذكّراً بتاريخ الأدب في النضال الصحراوي المقاوماتي بشكل عام، والذي شكّل وثائق تاريخية أكثر من كونها قصائد أو روايات أو مجرد إصدارات، وثّقت بالفعل لتاريخ ونضال الشعب الصحراوي، مشيداً بدورها في نقل القيم النبيلة والعبور بها من جيل الى جيل.
وصول الاصدارات الثقافية والجواهر الأدبية لشعراء وطنيين صحراويين بشعرهم الملحمي الثوري الملتزم، كانت خيرَ سفيرٍ للقضية الصحراوية، وأفضل موثّق لكل تلك النضالات، يواصل نفعي، “فلطالما كانت الكلمة، سواء الموزونة أو النثرية التي يتردّد صداها في مجتمعٍ ذوّاق للفن، من تناقل تلك الملاحم التي خُلّدت وطنياً وعالمياً، من خلال ترجمة بعض الأعمال الى لغات أخرى على مدار الخمسة عقود الماضية، إلى جانب أعمال أدبية أخرى استطاعت بالفعل أن تكون واجهة هوياتية مقاوماتية ثقافية للقضية الصحراوية، عبر العديد من المؤلفات نقلت معاناة وكفاح ونضال الشعب الصحراوي بلغات مختلفة، سواء من خلال كتّاب صحراويين أو متضامنين، حيث لا تكاد توجد بقعة اليوم في العالم إلا ويصلها مخطوط صحراوي عن عدالة القضية، وبالتالي فأدب المقاومة وبشكل عام، مثلما شكّل واجهةً تعريفية تحسيسية بنضال الشعب الصحراوي، هو أيضاً أعطى مدرسة ثقافية خاصة جداً بالنسبة للصحراويين عبر هذه السنوات على امتدادها، وبالتالي ما يحفظ لنضال الصحراويين عمق قضيتهم العادلة، مثلما يتناقلون أسماء شهدائهم فهم يحفظون للأديب والشاعر وللكتّاب عموماً جميل صنيعهم”.
الضحية.. ترعب الجلاد..
لا يمكن الحديث عن أدب السجون في الصحراء الغربية دون الإشارة إلى الأوضاع الصعبة التي يتعرض لها الأسرى في المدن المحتلة، حيث تتعرض حقوق الإنسان لانتهاكات خطيرة كثيرة ومتكررة، ومع ذلك، يوجد عدد من السجناء الذين تحولوا الى كتّاب داخل الزنازين، في محاولات جريئة لإظهار الواقع الذي يعيشه الأسرى.
مع تزايد عدد الأسرى الصحراويين في السجون المغربية خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الحاجة إلى اللجوء إلى الكتابة أكثر إلحاحًا، فقد برزت الى العلن العديد من القصائد والمقالات التي تحدثت عن الحياة داخل السجون، من تعذيب، تهميش، وإذلال يعاني منه الأسرى الصحراويون في السجون المغربية.
مع زيادة حدة النضال السياسي في الجزء المحتل من الصحراء الغربية، وزيادة حجم الاعتقالات التعسفية للمدافعين عن حقوق الإنسان، أصبح أدب السجون يكتسي أهمية بالغة وتأثيراً أكبر في المنطقة، حيث تعد الكتابة والشعر والمسرح وسائل أساسية لتسليط الضوء على الأوضاع الصعبة التي يمر بها الأسرى الصحراويون في السجون المغربية، ولإبراز أهمية الحرية وحقوق الإنسان في العالم.
بالإضافة إلى الأدباء السجناء، توجد مجموعة من الكتّاب الصحراويين الذين كتبوا عن أوضاع الأسرى في الصحراء الغربية، وعملوا على إظهار الواقع الذي يعيشه الأسير الصحراوي، وبهذه الطريقة، شكّل أدب السجون في الصحراء الغربية محاولة لتسليط الضوء على الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأسرى والمدافعون عن حقوق الإنسان في المدن المحتلة، وإظهار الظلم والاضطهاد الذي يمارسهما المخزن في حق الصحراويين في المدن المحتلة، كما يؤكد هذا الأدب على أهمية حقوق الإنسان وحرية التعبير، ويعد وسيلة فعالة لنشر الوعي والتحرر في المجتمع الصحراوي.
على الرغم من أن الحركة الصحراوية ما زالت تواجه بعض التحديات، إلا أن الروح الثورية وحب الوطن والتضحية التي تشبّع بها الشعب الصحراوي لا تزال حيةً وقوية في وجدانه، وتُعدُّ هذه الخمسينية تجديدٌ للعهد على الاستمرار في النضال، فالشعب الصحراوي لن يتوقف حتى يعيش تحت سيادته الحرة والديمقراطية والرخاء.
يدعو الشعب الصحراوي إلى التضامن الدولي والنضال المشترك من أجل الحرية والعدالة لجميع الشعوب، فما فتئ يؤكد على أهمية مواصلة النضال في وجه الظلم والعدوان والانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وتقف الخمسينية ذكرى لنضال السلاح والقلم والقصيدة، وبأن الحياة بلا حرية الكلمة وعدالة القضية تعني الموت، فالشعب الصحراوي وهو يحتفي بخمسينية كفاحه المسلح يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على صموده وتضحيته من أجل الحرية والاستقلال وبسط سيادته على كامل ترابه، تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.