النّشر والتوزيع حلقة محورية في صناعة الكتاب وجسر التواصل بين المؤلف والقارئ، الكثير من المهنيين في القطاع يدقون ناقوس الخطر أمام ظاهرة تقهقر المقروئية، وتراجع نسبة الإصدارات وغلق عدد هائل من المكتبات..
يستوقفنا إحياء المعمورة لليوم العالمي للكتاب للنظر عن كثب في أحوال صناعته في الجزائر، الأمر الذي اعتبره المؤلف والروائي رابح خدوسي «محطة أمام المهنيين من مؤلفين وكتاب وناشطين وأوصياء عن الثقافة، للوقوف لحظة تأمّل وتقييم لتحديد الإيجابيات والنقائص التي يعيشها القطاع».
لا يمكن الحديث عن واقع الكتاب والنشر، يقول رابح خدوسي في تصريح لـ «الشعب»، «فقد انتهى عصر الكتاب الورقي كما انتهى العصر الحجري، ولذلك أسباب موضوعية على رأسها إنشاء مختلف وسائل التكنولوجيات الحديثة، مواقع التواصل الاجتماعي، الهواتف الذكية، الكمبيوتر والتلفاز..وهناك أيضا أسباب اقتصادية تتمثل في ارتفاع أسعار الحبر والورق ومعدات الطباعة وغيرها»، وأضاف: «نحن نرى إقبالا كبيرا على معارض الكتاب في الغرب، في معرض باريس مثلا، لكن الأمور جد مختلفة بالنسبة للمعارض في الوطن العربي عامة، وفي الجزائر على وجه الخصوص».
وبصفتي مؤلّفا ومؤسّسا لدار نشر – يواصل خدوسي – «أقول إنه لا يوجد اليوم برنامج للنشر إلا في استثناءات قليلة، وأذكر هنا على سبيل المثال مؤلفاتي التي أنشرها بأموالي الخاصة أو بتمويل من جهات معينة..».
«اعطني قارئا واعطني كاتبا، أعطيك كتابا» هكذا لخّص خدوسي مشكل عزوف نسبة المقروئية في الجزائر مقارنة بفترة التسعينيات، قائلا «فالقارئ لم يعد موجودا سوى في الجنوب، الأمر الذي أثّر سلبا على مجال صناعة الكتاب في الجزائر، وأدّى إلى غلق مجمل المكتبات في الشمال خاصة وتحويلها إلى محلات لأنشطة تدر أكثر ربحا لأصحابها، فلم يبق في العاصمة سوى مكتبتين أو ثلاثة، باستثناء نقاط بيع الديوان الوطني للمطبوعات الجامعة، وهذا أمر مؤسف جدا».
وأرجع خدوسي أسباب هذا الوضع المتردي، إلى الخلل الكبير الذي تعرفه المنظومة الفكرية في التسيير، وانعدام رؤية واضحة للكتاب، متسائلا بالمناسبة: «هل ينظر للكتاب على أساس أنه صناعة تجارية أم مادة استراتيجية حيوية لها دورها الحساس في بناء مستقبل الأجيال؟». ومن الحلول التي يراها خدوسي حصرية واستعجالية: «ضرورة إعادة النظر في الرسوم الجمركية، وإعفاء الناشر من رسوم الورق والحبر».
وفي سياق آخر، قال المتحدث: «نحن اليوم في عصر رقمي، ونجد أن كل العالم يطالع عبر الهواتف النقالة، فعلى المختصين والمهنيين التفكير في أدوات لتحويل المطالعة من الورقي إلى وسائل الانترنت، عن طريق مثلا المدرسة الرقمية وإدخال في برامجها نصوص وقصص وقصائد شعرية، فهذا يحفز الناشئة على المطالعة»، وحتى – يضيف – «إن استطعنا استعمال المدرسة الرقمية وتشجيع روادها على المطالعة، يبقى الرهان قائما على قطاعات التربية والتضامن والأسرة والشبيبة، الذين يمكنهم انشاء مواقع للكتاب للترويج له إلكترونيا، بهدف مواكبة متطلبات العصرنة، لأن التوزيع بالطرق التقليدية أكل عليه الدهر وشرب».
ويرى خدوسي «أن الاستثمار في القارئ يستلزم اليوم دق ناقوس الخطر، وإيجاد حلول لظاهرة تقهقر ثقافة المطالعة»، فنحن يضيف «على عتبة نفق عميق تلبسه الظلمة، ولعزوف القراء عن المطالعة انعكاسات جد سلبية على المجتمع، فهو يولّد قلة التّحضّر وكل السّلوكيات القبيحة».