ولد الكاتب الإسباني الكبير خُوان غُويتي صولو في 5 من شهر يناير عام 1931 في حيٍّ من أحياء مدينة برشلونة الصاخبة، يُسمى “Bonanova”، من أب يُدعى خوزي ماريا، كان مهندسا من حيث الحرفة، ومديرا لإحدى الشركات الصناعية، وهو وريث لإحدى العائلات التي تنحدر من أصول باسكية، التي سبق وأن أثرت ممّا اكتنزته في هجرتِها إلى كوبا في حدود منتصف القرن التاسع عشر.
بقلم الأستاذ الدكتور عبد الله حمادي
أمّا من جِهة الوالدة، فهي من أصول برجوازية كطلانية؛ فخوليا قايْ هي ابنة أخ الكاتب الكبير رامون بيباس Ramon Vives، الذي يعود له الفضل في ترجمة “رباعيات الخيّام “ إلى اللغة الكطلانية، في حين كان خُوان قُوايتي صولو هو أحد الأبناء الأربعة لهذا القِران الباسكي- الكطلاني، حيث ولدت أخته مارْتَه عام 1925، وخُوزي أغُوستين عام 1923، والروائي خوان موضوع دراستنا عام 1931، والأديب لويس غُويْتي صولو عام 1935 كآخر العنقود.
أمّا الروائي خوان موضوع بحثنا، فقد حظي بكلّ ما حظيَ به الكتّاب الإسبانيين الذين فتحوا أعينهم على هول الحرب الأهلية الإسبانية التي امتدت ما بين 1936 إلى 1939، فنجد حياتهم ممهورة ببصمات الرّعب والفزع من أُوار ذاك الانفجار المهول الذي أدّى بإسبانيا أن تعرف انشطارا غريبا عُرف في عُرف الابتهالات الشعرية الجنائزية باسم “الاسبانيتين “ (Las dos Espanas )، وهي مقولة كثيرا ما ردّدتها أشعار شاعر تلك الفترة المأساوية أنطونيو ما تشادو.
لكن عائلة خوان غُويْتي صولو ما لبثت أن هاجرت من برشلونة مع اندلاع الحرب الأهلية، لتستقرّ بفلدران “ Vildran “ حيث يتعرض والد الكاتب إلى الزجّ به في السجن بسبب مواقفه السياسية المعادية للدكتاتورية، ويقضي نحبه في السجن في حدود عام 1938، ويعتبر هذا الحدث بمثابة إحدى السمات الراسخة التي تسجل في حياة الكاتب، كذكرى من الذكريات التي تقول الشيء الكثير، ويقول الروائي خوان في إحدى أعماله الأدبية، مُسجِّلا هذه الذكرى الأليمة” بأنّ الحرب الأهلية التي عاشها وهو طفل، بكلّ كثافتها، قد تركت في نفسه جُرْحًا عميق الغور، وهو أمر شبيه بما حصل لرفاق “ جيله الأدبي”، وعلى إثر انتهاء الحرب الأهلية نجد خوان يعود ثانية ليستقرّ في برشلونة، أين يواصل دراسته هناك إلى غاية نيله شهادة البكالوريا، شأنه في ذلك شأن شباب جيله الذي لا مناص لهم من سطوة رجال الدين من الآباء البيض، فهناك تعلم ما يمكن تعلمه عن السياسة والدين.
إنّها إحدى المحطات المُثيرة لكوامنه الإبداعية التمردية، لأنّ خلال هذه المرحلة تمكن من الاطلاع على الأعمال الروائية والقصصية الجادّة لكتاب من أمثال أندري جيد وسارتر وكامو وديستوفسكي وتولستوي وفلوبير وبروست وغيرهم من رواد عالم الرواية الجديد …
بعد انتهائه من الدراسة الثانوية، نجد خوان يلتحق بكلية الحقوق في حدود سنة 1948 وذلك برغبة التأهل لمستقبل دبلوماسي، وهي رغبة غريبة إلى حدّ ما، إلاّ أنّنا نجده يُفصح عن خفاياها في مسار حياته الأدبية، مبرزا تلك الدوافع المباشرة لاختياره، حيث كانت رغبته الكامنة وراء اختيار هذا التخصص هي الخروج من إسبانيا.
أمّا في المرحلة الممتدّة ما بين 1948 و 1952 فقد بدأت تظهر أولى محاولاته القصصية، وذلك في مجلة “Destino” حيث نشرت له القصص التالية: “الرؤيا” و«اللّص” و«الكلب الآشوري”، أمّا في حدود 1951 فنجده يهجر الدراسة الجامعية ليخوض مع الخائضين من الكتّاب الشباب في الحياة الأدبية، ملتمسين في المنتديات واللقاءات والحوارات ملجأ لفك العزلات، والبحث عن طرقات المستقبل، فكات مثل هذه التجمعات الثقافية والفكرية، والتي تُعرف في الأوساط الأدبية الإسبانية باسم “Tertulias” أي نقاشات أو حوارات، مثل هذه المنتديات هي التي مكنت خوان ورفاقه من أمثال آنا ماريا ماتوتي Ana Maria Matute وكارلوس برّال “Carlos Barral” من تسجيل العديد من ذكرياتهم البويْهيمية في الحي الصيني ببرشلونة، إنّها الأيام التي جعلت من الكاتب كارلوس برّال مثلا يصبح صاحب دار نشر وجوائز ذات شهرة عالمية.
لقد مهدت هذه الأجواء الأدبية الطريق لخوان غُوَيْتي صولو، لينال جائزته الأدبية الأولى عام 1952 حيث تُوّج بجائزة دار النشر “Janes” على روايته “عالم المرايا”، وفي السنة الموالية نجد روايته الأخرى “ألعاب يدوية” تصل إلى الدور النهائي في سلّم جائزة “Nadal” الشهيرة، كما يسجل الكاتب في سجل حياته أولى رحلاته إلى باريس.
أمّا في عام 1954 فنجده يكتب رواية “صراع في الفردوس “، حيث يسجل فيها أولى اهتماماته السياسية بالماركسية اليسارية، ويظهر من خلالها جليا انعكاس قراءاته لكلّ من كارل ماركس ولوكاش “Lukacs” وغرامشي “Gramchi”. لكن في عام 1955 نجده يتعرّف على الكاتب الفرنسي كويندرو “Coindreau” الذي أبدى رغبة في ترجمة أعمال خوان إلى الفرنسية. كما تعرف في السنة ذاتها على الأديبة مونيك لونج “Monique Longe” التي كانت تعمل كمترجمة لدار غاليمار الشهيرة، كما تعرّف أيضا على النّاقد الكبير جان جنات “ Jean Genet” .
أمّا في عام 1956 فإنّنا نجد الكاتب خوان يقطع صلته بإسبانيا، ويعلن موقفه المعادي لنظام الدكتاتور فرانكو والديكتاتورية، ويفكر في الاستقرار النهائي بباريس، وهناك نجده يشرع في ممارسة العمل كمستشار في دار النشر الشهيرة غاليمار، وبهذا القرار تدخل حياة الكاتب في مرحلة المنفى ممّا جعله يتحوّل إلى أحد رفاق الجالية الجزائرية بفرنسا، وعلى وجه الخصوص مع مناضلي حركة الثورة التحريرية، ونجد خوان يذكر هذه العلاقة الثورية التي جمعته بمناضلي جبهة التحرير الوطني بفرنسا في إحدى لقاءاته الصحفية التي سجلتها مجلة “Calamo “ الإسبانية في عددها الأول صفحة 11 تحت عنوان مثير “خوان غُوَيْتي صولو بدوي الأدب “J . G . Nomada de la literatura” جاء فيها: “ كنت خلال ثورة الجزائر بفرنسا، وقد تركتْ في نفسي تلك الممارسات القاسية، التي كان يتعرض لها المهاجرون الجزائريون، وكانت نيتي من وراء اللجوء إلى فرنسا كونها بلد الحرية والمساواة والإخاء، لذا هربت من إسبانيا الفرنكية، لكنّني وجدت أنّ المساواة والإخاء من نصيب الفرنسيين فقط، لكنها ليست للمهاجرين الجزائريين، من هناك تولد لديّ ذلك التعاطف مع جبهة التحرير ومناضليها، ويبدو أنّ هذا التعاطف جعل من الكاتب خوان أحد المساندين والمدافعين على القضية الجزائرية، حيث اضطلع بمهمة جمع المساعدات من أولئك المتعاطفين مع الثورة الجزائرية من مختلف الجنسيات وبخاصة من الفرنسيين الذين يعارضون فكرة احتلال الجزائر.
وخلال هذه السنوات المفعمة بالخصب والعطاء الأدبي، بالنسبة للكاتب خوان، فإنّنا نجد نشاطاته لا تتوقف عند حدود التأليف والمساندة، بل يسجّل حضورا قويا في ميادين فكرية تتجاوز الرواية والقصة وعالم السرديات، لتلج عالم النقد الأدبي من زاويتي الأدب المقارن ونظرية الأدب، فكانت اهتماماته قد عرفت رواجا في صحف اليسار الفرنسي على وجه الخصوص.
بالإضافة إلى هذا النشاط الإبداعي المكثف، فقد عرف الكاتب خوان بترحاله الكثير، الأمر الذي جعل صفة البدوي تصبح إحدى سماته البارزة في عطائه الأدبي؛ لأنّ هذه الأسفار، أصبحت تشكل في مسيرته الأدبية نقاط انطلاق ومحطات للراحة والمراجعة.
يمكننا القول، إنّ الكاتب خوان يعتبر من الروائيين الذين تتمحور تجاربهم حول ممرّات ثلاثة: الحياة المعيشة، زائد الأسفار تساوي المردود الأدبي، لذا نجده من أجل هذه الرغبة يقطع كلّ مناطق الأندلس التاريخية والأدبية، ومنها على وجه الخصوص مناطق ألمرية ذات الطابع الصحراوي الغريب، وخلال هذه الأسفار الاستكشافية نجده مرفوقا بالمترجمة الفرنسية مونيك لونج، ومرّة كان برفقة الكاتبة سيمون دي بوفوار أو نيلسون القران “ Nelson Algren “ أو برفقة المخرج السينمائي كلود سوتيت “ Claude Sautet” .
ومن بين أسفاره الغريبة والعجيبة استجابته لدعوة “بيت أميركا “Casa de las Americas” بكوبا وذلك سنة 1961 حيث منحته هذه الفرصة التعرف على “جزيرة الحرية” كوبا، أمّا ثاني أسفاره المثيرة والتاريخية، بالنسبة له، فإنّها كانت عام 1963 وعلى أعقاب انتصار الثورة الجزائرية، تلقى دعوة خاصة من الحكومة الجزائرية الأولى، فسجل الروائي خوان هذا الحدث بقوله: “ انطلاقا من أعمالي النضالية، ومشاركتي مع القِوى التي كانت تساند جبهة التحرير الجزائرية، فإنّه فور حصول الجزائر على استقلالها تلقيت دعوة من الجبهة، وكان ذلك عام 1963، وهو أول سفر أقوم به إلى الجزائر.”
بعد هذه المواعيد التاريخية، نجد الكاتب يواصل أسفاره، فنجده ما بين عام 1965 و1969 يسافر إلى الاتحاد السوفياتي والصحراء الغربية ومراكش، كما يسافر إلى المشرق العربي حيث يسجل هناك لقاءاته الشهيرة مع قادة الفصائل الفلسطينية.
بعد هذا التجوال الطويل، نجد خوان يعود ثانية إلى وطنه إسبانيا وذلك على إثر انتهاء عصر الدكتاتورية وحفيدتها المرحلة الانتقالية ليستقرّ للعيش بإسبانيا، ويواكبها وهي تمارس تجربتها الديمقراطية اليسارية الاشتراكية والتي يبدو أنّها لم تكن في مستوى طموحاته التي ما انفكت تدفع به إلى المطالبة بالمزيد من الحرية والتفتح، وبالمزيد من تكريس الرصيد الانساني في مجتمعه الذي عانى ويلات الاضطهاد والقمع الدكتاتوري، وهو اليوم في أمس الحاجة لتكريس قيم العدالة والإخاء والمساواة والحرية.
وبعد هذه المسيرة، واصل الكاتب خوان غُويْتِي صولو اندماجه في عالم السياسة والكتابة، ملتزما بخطه الإنتقادي، في كلّ مشاريعه الإبداعية، والتي يعتبرها جملة وتفصيلا، بمثابة الخطاب من أجل الحرية، ولأنّ إيمانه بالفرق الشاسع، بين عمل الرجل السياسي، الذي يملك بيده زمام الأمور والقرار، والأديب المبدع الذي لا يملك سوى سلاح الفكر والكلمة المُشَّهَرة، فقد توصل إلى المعادلة الموضوعية التي ترى بأنّ السياسيين يجب محاسبتهم على ما ينجزون على أرض الواقع، وليس على ما يقولون، في حين أنّ الأدباء والمثقفين فإنّ محاسبتهم تكون على ما يقولون وما يكتبون، لأنّها تعبّر عن أفكارهم وتمثل مواقفهم، أمّا ما يفعلونه فهو غير وارد ساعة المحاسبة.
بالإضافة إلى هذا الحِراك الدّائم والدؤوب، فإنّ أديبنا خوان كانت لديه نشاطات تربوية أخرى، مثل اشتغاله كأستاذ زائر في جامعات متعدّدة، كجامعة نيويورك وجامعة بوسطون وكاليفورنيا وكندا وغيرها من الجامعات العالمية.
أمّا أعماله الأدبية والإبداعية فلم تعرف طريقها إلى إسبانيا إلاّ بعد وفاة فرانكو، ومنذ ذلك الوقت عاد خوان إلى وطنه الأم وأصبح يعيش ما بين مدينته برشلونة وباريس ومدريد ومراكش، ويمكن القول إنّ حياة خوان حسب تصريحاته، تتقاسمها بانتظام باريس ومرّاكش، هذه الأخيرة التي سحرته بساحة “جامع الفناء”، فيقول في هذا الصدد: “إنّ اختياري لأكتب خلال نصف السنة من حياتي بباريس وتخصيص النصف الثاني منها لأعيشه بمراكش، إنّه لسرٌّ اقتضته رغبتي الأدبية”.
أعماله الأدبية
يمكن اعتبار الكاتب خوان غُوَيْتي صولو من المبدعين المكثرين، حيث تمتدّ حياته الإبداعية منذ سنّ مبكرة تعود إلى حدود الأربعينيات من القرن العشرين، وتتواصل بدون انقطاع إلى غاية كتابة وفاته، لتغطي مجالات مختلفة في حقل الكتابات السردية، كالرواية والقصة والمقالة الأدبية، والسياسة والنقد الأدبي والاجتماعي والجمالي، ونظرية الأدب والأدب المقارن، والمراسلات الصحفية، والتي كثيرا ما يعبر فيها عن مواقفه المثيرة للجدل كرفضه مثلا قبول جائزة من الرئيس معمر القذافي معتبرا إياه دكتاتورا.
أمّا بعض أعمال خوان غُوَيْتي صولو الروائية والقصصية فقد ظهرت حسب التسلسل التالي:
1945 الدرس المحفوظ – الرؤيا – ألعاب يدوية/ 1949 اللّص- الكلب الآشوري/ 1952 عالم المرايا- الضيف/ 1955 الجندي الصغير – صراع في الفردوس/ 1957 السيرك/ 1958 احتفالات – المدّ السُفلي…
ومجموع الروايات هذه تمثل ثلاثيته المعروفة باسم : “ الأمس الدابر “ .
1960 حقول النيخر – من أجل أن أعيش هنا/ 1961 الجزيرة/ 1962 لا تشانكا – آخر الحفل / 1966 علامات الهُوية/ 1975 مطالب الكوند دون خوليان/ 1975 خوان بلا أرض، وكلّ من رواية علامات الهوية ودون خوليان وخوان بلا أرض تشكل ثلاثيته الثانية.
1980 رواية المقبرة (موضوع دراستي هنا)/ 1982 مشاهد بعد الحرب/ 1985 “ كوطو فيدادو “ (صيد محروس)/ 1986 في ممالك الطوائف / 1989 رواية فضائل الطائر المتوحد (موضوع دراستي هنا) – الجزائر في العاصفة…
أمّا القسم الثاني من نشاطاته الأدبية فتدور محاوره حول دراسات كمعالجته لنظرية الأدب وغيرها وتمثلها الأعمال المنشورة التالية:
1959 مشاكل الرواية/ 1963 مسيرة الشعب/ 1967 عربة المؤخرة/1969 إسبانيا والإسبانيين/ 1962 أعمال خوزي ماريا بلاكروث المكتوبة بالإنجليزية دراسة وتحقيق / 1977 انشقاقات/ 1978 حرية، حرية، حرية/ 1979 مشكلة الصحراء الغربية/ 1951 حوليات سرّاجية.
بالإضافة إلى هذا الكمّ الهائل من الأعمال الإبداعية والدراسات النقدية والسياسية، فإنّ نشاط خوان غُوَيْتي صولو الروائي المحترف لمهنة الكتابة، نجده يتمدّد ليدخل في إسهامات أخرى عبر العديد من المجلاّت والصحف الأجنبية، التي كان له الفضل في تأسيس بعضها، كما ظهر في أول مسيرته الأدبية حين ساهم في إنشاء مجلة “ Destino “، والتي اقتحم عبر صفحاتها عالم الكتابة بأسماء مستعارة، ككلّ مبتدئ خجول، حيث نجده يساهم مساهمة جديدة وجادة، في كلِّ من مجلتي: “ Vouvel observateur “ ومجلة “L’expresse “ الفرنسيتين وذلك في حدود سنة 1971، ويعود له الفضل كذلك، في إنشاء المجلّة الحرّة “ Liber “.
أمّا في حدود سنة 1976 فقد أصدر مجلة “ الحلزون “ رفقة مجموعة من الأدباء المشهورين، من أمثال: الشاعر الباسكي الكبير فلاس دي أوطِيرو “ Blas de Otero “ وغييارمو كابريرا “ Guillermo Cabrera “ وآخرين، ومؤخرا نجده يسجل نشاطا مكثفا في مجلة “Quimera” ومجلة القلم “ Càlamo “ …