يواصل المنتدى الثقافي سلسلة ندواته حول الحداثة في المجتمع الجزائري، مخصّصا ندوة هذا الأسبوع للحديث عن الحداثة في الأدب الجزائري مع الناقد والمترجم محمد ساري.
أكد الروائي والمترجم محمد ساري في مداخلته، أن هناك محطات ونصوص وأسماء ثوّرت الرواية وأدخلت التجديد والحداثة.
وذكر محمد ساري، أن ميشال بوتور في كتابه «محاولات نقدية حول المحدثين»، أشار إلى أن دوستويفسكي يعتبر أول المحدثين لأنه ثوّر الرواية الواقعية وأدخل فيها خطابات متعدّدة، بمعنى أن الرواية لم تعد ترصد الواقع والسيرة، وإنما أصبحت عالما تعجّ فيه الحياة بمختلف أبعادها، كما اعتبر رواية «عوليس» لجيمس جويس نقطة فاصلة، لأنها تحرّرت من جميع قيود الرواية الواقعية والكلاسيكية في القرن 19، خاصة وأن جويس استخدم مفردات من عشر لغات، وأدخل عشرات الشخصيات الجديدة.
وأشار ساري إلى أن «الصخب والعنف» لفولكنر نص جريء ثوّر الرواية هو الآخر، وأدخل الالتباس على مستوى الأزمنة والخطابات، وقال المتحدث إن لويس فرديناند في رواية «سفر إلى آخر الليل» ثوّر اللغة بدوره، لتصبح عامية يمكنها منافسة اللغة الأكاديمية التي تعود عليها القراء، وأضاف بأنه يمكن إضافة إلى ما سبق ذكره نص «مئة عام عن العزلة» لماركيز الذي أدخل الواقعية السحرية، وأعاد للرواية نفسها بحيث أدخل عنصر الخيال ودمجه ضمن الأحداث الواقعية.
من جهته، قال عبد الله العشي: «هناك حين كان دوستويفسكي والرواية تشقّ طريقها وكانت الرمزية والسريالية والفلسفات الوجودية، كان هناك أيضا نيتشه وبودلير وملارميه وحركة الشعر اللامعقول في المسرح»، مضيفا أن «هناك تحالفا بين مجموعة من المعارف والأجناس الأدبية ساهمت كلها في نقل العلم من حالة حضارية إلى أخرى».
بدايات الحداثة في الجزائر..
يرى محمد ساري أن الحداثة في الشعر بدأت مع ظهور شعراء ثاروا وتمرّدوا على الشعر العمودي، وكتبوا شعر التفعيلة وشعر الحرب متأثرين بالمشرق.
أما في الرواية، فقد ذكر المتحدث، أن أول من كسر نموذج الرواية الكلاسيكية هو كاتب ياسين في رواية «نجمة»، متأثرا بكتابات ويليام شكسبير وفولتير وغيرهما ممن اشتهروا في ذلك الوقت.
وأوضح ساري – في السياق ذاته – أن الحداثة في الجزائر بدأت مبكرا عن طريق أفراد، لكنها انتشرت بعد الاستقلال في السبعينيات، حيث ظهرت أسماء شعرية عديدة مثل: احمد حمدي وعبد العالي رزاقي ومصطفى الغماري وغيرهم ممن كتبوا شعر التفعيلة.
كما اعتبر الناقد محمد ساري رواية «الزلزال» للطاهر وطار رواية مفصلية في إدخال الحداثة سواء على مستوى الشكل وبنية الرواية أو على مستوى الخطابات.
الطرح الأيديولوجي لدى كتاب فترة السبعينيات
يُرجع الاستاذ ساري سبب ارتباط كتاب السبعينيات بالطرح الأيديولوجي، للامتداد الطبيعي لصدى الأفكار في مكنوناتهم، فقد كانوا يشعرون بأنهم مناضلين.
وفي السياق ذاته، قال الناقد عبد الله العشي إن «هناك مبالغة في وصف فترة السبعينيات بأنها مرحلة أيديولوجية، واتهام الشعراء بأنهم كانوا يقدّمون شعارات وتقارير سياسة، صحيح أن الأدب في تلك الفترة طغى عليه البوح والحس السياسي، لكن في أعمال هؤلاء الكتّاب والشعراء نصوص جيدة، لذلك ينبغي إعادة قراءة تلك الفترة».
من جهة أخرى، أشار الدكتور عبد الله العشي إلى أن ما يؤخذ على هؤلاء الشعراء قولهم إن فترة الخمسينيات والستينيات لم يكتب فيها أحد، وأن الشعراء الحقيقيين بدأوا مع نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، حيث قال: «في فترة الستينيات أيضا، كان هناك شعراء كتبوا عن الثورة مثل: السائحي الكبير والسائحي الصغير، بلقاسم خمار وباوية وغيرهم من الشعراء..».
لماذا لا ننتج حداثتنا الخاصة؟
أكد الناقد محمد ساري أن معظم الكتاب الجزائريين يلجأون في بداياتهم إلى قراءة المنفلوطي ونجيب محفوظ وغيرهما من الكتاب المشارقة، مشيرا إلى أنهم يكتبون بلغة يملكون مركزها لكنهم لا يشعرون فعلا بأنهم مسؤولون عن هذه اللغة.
وقال في السياق ذاته: «كيف يمكن أن نقتنع بأن الجزائر يمكنها أن تصبح مركزا للغة، وحتى الجوائز التي تقيمها محلية، على الجزائر أن تنظّم جوائز تستقطب كل العرب، فعوض أن نوجّه أعيننا إلى المشرق وباريس، تصبح أعينهم هم موجهة إلى الجزائر، وأظن أن هذا ممكن لأن لدينا كتابا أثبتوا موهبتهم عند دور النشر المشرقية والفرنسية، فلماذا لا يكون العكس لتصبح الحداثة غير مستوردة، وإنما نحن الذين نشكل حداثة جديدة بما تكتبه في الأدب الجزائري».
أما الدكتور عبد القادر فيدوح، فقد قال خلال تدخّله إن «في تقديري أننا اغفلنا مبدأ الفكر الفلسفي، وكلما ابتعدنا عن الفكر الفلسفي التأملي، بشكل عام، كلما ابتعدنا عن مصير ما يمكن أن ينفع ثقافتنا ومصير هويتنا المعرفية المستقبلية، وهو الأمر الذي سيظل السمة الملازمة للحداثة الفكرية».
وأضاف: «لم نعتن بالحداثة في ثقافتنا الجزائرية، بوصف «الحداثة» سلة واحدة لجملة من المعطيات الثقافية والفكرية والاجتماعية، وإنما ركزنا فقط فيما له صلة بالشعر والرواية وأهملنا الجوانب الثقافية ذات الطابع الاجتماعي والثقافي بوجه عام.
ويرى الدكتور فيدوح، أن السبب الرئيس في هذا، يرجع إلى التقلبات التي مرت بها مجتمعاتنا العربية، بدءا من تبني التيار الايديولوجي، من قصه التنازل عن عرش مصر، وهو ما تبنته دول المحور وأثر تأثيرا فاعلا على الثقافة، وهذا التأثير هو ما نعيشه اليوم والذي انعكس سلبا على واقعنا.
وأوضح فيدوح أن سبب تأخر الحداثة في وعينا الثقافي هو ما تلا الازمات التي تبنتها التيارات الايديولوجية من انهيارات على جميع الأصعدة، التي كانت سببا رئيسا، وما زالت، في عدم تبني موضوع النهضة الحديثة، لأن ما غرسته الأيديولوجية من ترسيخ وتثبيط الوعي ليس بسهولة بما كان أن نتحوّل بما تصبو إليه الحداثة حقيقة كفكر، مؤكدا أن ما تصبو إليه الحداثة كفكر ليس بالضرورة أن يكون مستوردا من الغرب.
وتساءل فيدوح: لما لا تكون لنا حداثة على الأقل عن طريق التأثير العكسي من الحداثة الغربية؟ وقال: «هذا يمكن أن يتحقّق، وهذا ما تبناه الجابري ومحمد أركون وسمير أمين وكثير من النقاد العرب الذين حاولوا أن يعطوا بدائل لحداثة عربية، وأذكر أنه في لقائي ذات مرة مع محمد أركون، اقترح على قطر أن يضع منهجا جديدا لتبني الفكر الحداثي للمجتمعات العربية، شرط أن تكون مدرسة فكرية تتبناها مؤسسة عربية».
وخلص الدكتور عبد الله العشي إلى القول، إن الحداثة لا يمكن أن تعيش في المجتمعات المتخلّفة، والكاتب لا يمكن أن يكون حديثا أو حداثيا في أوساط لا تسعى نحو الحداثة ولا تؤمن بها، ولا تعمل من أجل تحقيق شروطها، الحداثة ليست مجرد فكرة يمكن أن يروج لها، لكنها مشروع مجتمع، ينبغي أن تكون في السياسة والثقافة والاجتماع».