تطرقت الأستاذة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة قاصدي مرباح ورقلة أم كلثوم مدقن، في إصدارها الموسوم بـ “اللون عند العرب بين الدين والمجتمع” إلى الدلالات الدينية والمجتمعية للون.
الإصدار، عبارة عن دراسة سيميائية للون، عرّفت من خلالها اللّون وركزت عليه في القرآن الكريم وعلى الدلالات الموجودة فيه بناء على الدراسات السيميائية. في البداية اعتمدت على البنية السطحية والبنية العميقة لجوليا كريستيفا من خلال الدلالات الأولية لأي لون. ثم الدلالات العميقة التي تكون في القرآن الكريم. ثم في الشعر ومن ثمة في المجتمع. مع مراعاة اختلاف خصوصيات كل مجتمع.
وقالت محدثتنا في السياق، إن الشيء الأهم في هذا الكتاب هو أن الدلالات المعروفة مغايرة تماما لما هو موجود في المجتمع أحيانا. مثل اللون الأبيض في القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: “…واشتعل الرأس شيبا..”. بمعنى الشيب وهو دلالة سلبية. وكذلك ما ورد في قوله تعالى: “…وابيضت عيناه من الحزن..”، كدلالة على المرض والبرص. إضافة إلى أن الكفن كما هو معروف يكون بال
لون الأبيض، وهذه جميعها دلالات سلبية للون الأبيض، بينما دلالات الأبيض في المجتمع ايجابية في معظمها، إذ يعد رمزا للسلام والأمل والصفاء.
وذكرت أيضا أن هناك بعض المجتمعات تأخذ بهذه الدلالة في بعض التفاصيل. منها المرأة التي يتوفى عنها زوجها في مدينة تقرت، مثلا تتخذ رباطا أبيضا في دلالة على كفن زوجها المتوفي وذلك طوال 4 أشهر وعشرة أيام.
واعتبرت مدقن، أن هذا النوع من الدراسات السيميائية موجودة بكثرة في الصحافة والتلفزيون والإشهار ولديها دلالات قيمية كثيرة ومتعددة، لكنها ركزت من خلال هذا الكتاب على دراستها من جانب اجتماعي يعطي دلالات للألوان. انطلاقا من الثقافة المجتمعية. وذلك بالاعتماد على مستويات “مولينو” التي حددها في المستوى الدلالي والمستوى الحسي. وكذلك المستوى المحايد وهو مستوى الدلالات المختلفة الموجودة عند كل قارئ. هذا المستوى المحايد مثلا يعبر عن ميولات خاصة. بينما دلالة الألوان في المجتمع تأخذنا إلى استقراء الألوان بشكل مختلف بحسب أم كلثوم مدقن.
وأشارت إلى أن البرنوس مثلا عادة يكون باللون البني، بينما في الأفراح يشترط أن يكون باللون الأبيض، وفستان العروس باللون الأبيض وتتفادى العروس الألوان السوداء في لباسها، وفي نوع الأطعمة مثلا نجد في العاصمة وبعض المناطق في الشرق والوسط يحرصون أن يكون الطعام يوم العرس باللون الأبيض. رمزا للصفاء والمحبة بين الأزواج، في حين أن الدلالات الحقيقية لهذه الألوان ليست هي نفسها المشاعة في ثقافة المجتمع.
كذلك الأمر بالنسبة للون الأسود في القرآن الكريم الذي كانت دلالاته سلبية، لكن في المجتمع نجد الكعبة لونها أسود، المسك لونه أسود، كما يعتبر اللون الأسود ملك الألوان في نظام الموضة.
وبالحديث عن مشاريعها القادمة، قالت المتحدثة أن لديها مشاريع لدراسات أخرى في مجال السيمياء التي تبحث عن اللغة غير المنطوقة. مثل الألوان في نظام المرور ودلالات الأرقام في القرآن الكريم وفي المجتمع. كما أكدت “ستكون لي وقفة مع لغة الجسد أو خطاب الجسد التي ذكرت في القرآن الكريم، والتي كانت تعبر عن دلالة معينة في حركات جسدية وإشارات وإيماءات، وكانت دلالاتها في الغالب أقوى في التعبير والتأثير عن الكلام”، مضيفة “السيمياء مطبقة في جميع مجالات حياتنا، وحياتنا عبارة عن رموز وإشارات وهي علامات نتواصل بها في مختلف المجتمعات”.