يعدّ الفنان المسرحي مصطفى كاتب (1920- 1989) من أعمدة الفن الرابع في الجزائر بنضاله في سبيل مسرح وطني متألق قائم على التكوين، فكان أول من أسس معاهد وطنية مختصة ودعا لإدراج المسرح في النظام التعليمي.
كرس مصطفى كاتب حياته لخدمة الوطن فكان مثقفا فاعلا ومناضلا مؤمنا بضرورة استغلال فنون العرض لدعم الكفاح التحرري للشعب الجزائري وإيصال صوت الجزائر المقاومة من أجل استقلالها.
وأمضى مصطفى كاتب أكثر من 50 عاما من حياته في خدمة الفعل المسرحي النضالي والديناميكية الثقافية، فمن الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني إلى إنشاء المعهد العالي للفنون الدرامية والكوريغرفية ببرج الكيفان بالجزائر العاصمة وصولا إلى إدارته للمسرح الوطني الجزائري.
وكانت البدايات الأولى لمصطفى كاتب مع الركح عام 1936، فانطلق من الإذاعة ليؤسس بعدها فرقته المسرحية الأولى المسماة “ألف باء” رفقة عدد من زملائه المسرحيين كعلال المحب وعبد الله نقلي وسيد علي فيرنانديل، لينضم بعدها لفرقة “المطربية” التي كان يديرها عميد المسرح الجزائري محي الدين باشطارزي.
وعمد الممثل مصطفى كاتب على إنشاء فرقته الهاوية باسم “المسرح الجزائري” والتي توجت في الخمسينيات في العديد من المهرجانات الدولية خصوصا بالاتحاد السوفياتي وبعض دول أوروبا الشرقية.
وقدم مصطفى كاتب بعد التحاقه بفرقة محي الدين باشطارزي المحترفة “المسرح العربي” كممثل ومخرج كل أيام جمعة عرضين باللغة العربية ما بين (1948- 1956).
وبعد إقامة بفرنسا التحق مصطفى كاتب بتونس حيث ترأس الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني التي أوكل لها مهام إيصال صوت الشعب والثورة الجزائرية إلى العالم وكفاحه من أجل استرجاع سيادته، حيث قدمت العديد من الأعمال المسرحية وذلك بمشاركة نخبة من الأسماء على غرار سيد علي كويرات ويحي بن مبروك .
من أجل مسرح أكاديمي بمعايير عالمية..
في 8 جانفي 1963 تم إنشاء بالجزائر المستقلة، التي تحيي هذا العام الذكرى الـ 60 لاسترجاع سيادتها الوطنية، أول مؤسسة ثقافية لها ويتعلق الأمر بمؤسسة المسرح الوطني الجزائري التي أوكلت مهام إدارتها وتسييرها لمصطفى كاتب، الفنان المسرحي الذي قدم تجربته لخدمة الفنانين الشباب.
وبهدف إبراز خصوصيات المسرح جزائري عمل مصطفى كاتب على تقديم عدة أعمال مسرحية، منها “الحياة حلم” و”الجثة المطوقة” و”الرجل ذي النعل المطاطي”، كما اقتبس العديد من النصوص المسرحية العالمية كأعمال وليام شكسبير وبرتولد بريخت وناظم حكمت وتفيق الحكيم.
وغاص المسرحي الجزائري مصطفى كاتب الملقب من قبل نظرائه من ممارسي الفن الرابع بـ”المستشرف-البيداغوجي” في الترويج لعمله عبر ” الحلقة ” و ” الثورة والثقافة “وهما مجلتان ثقافيتين مخصصتان للمسرح و النقاش الأفكار.
ويعتبر المعهد الوطني للفنون الدرامية والكوريغرافية ببرج الكيفان الذي تم تأسيسه 3 سنوات بعد الاستقلال وأصبح منذ 2004 المعهد العالي لفنون العرض والسمعي بصري (ايسماس) من بين أهم الإنجازات التي ميزت المسار الفريد لمصطفى كاتب رجل الثقافة الكبير .
وشغل فقيد الفن الرابع مصطفى كاتب سنة 1973 منصب مستشار لدى وزير التعليم العالي، ويساهم بذلك في ترقية المسرح الجامعي من خلال إعداد برنامج أكاديمي و إنشاء ورشات مسرحية تم تنظيمها في الفترة مابين 1975 و 1984، لفائدة الطلبة المهتمين بممارسة الفن الرابع.
وساهم بعد توليه منصب بالمجلس الشعبي لولاية الجزائر (1985-1988) بفتح كونسرفاتوار ولاية الجزائر كما أعطى إشارة انطلاق بناء 5 مركبات ثقافية عبر العديد من أحياء العاصمة.
وينتمي الفنان القدير مصطفى كاتب الذي وهب حياته لخدمة الثقافة في الجزائر ، للجيل الثاني من رجالات المسرح وذلك بعد جيل محي الدين باشطارزي ، علي سلالي (علالو) ، ورشيد قسنطيني ومحمد توري .
فضلا على الممارسة المسرحية تميز المسار الفني لمصطفى كاتب بمشاركته في عديد الأعمال السينمائية الجزائرية ضمنها أفلام ” ريح الأوراس “، ” ديسمبر”، للمخرج محمد لخضر حامينا ، ” العفيون والعصا” للمخرج أحمد راشدي ، وكذا فيلم ” حسان نية ” للمخرج الغوتي بن ددوش ،و ذلك قبل عودته سنة 1988 على رأس إدارة المسرح الوطني الجزائري .
وتوفي المسرحي مصطفى كاتب في نفس اليوم الذي رحل فيه قريبه وأحد عمالقة الثقافة الجزائرية الروائي كاتب ياسين وذلك يوم 28 أكتوبر 1989.