تمر الذكرى الـ 33 لرحيل الأديب والمسرحي كاتب ياسين، حيث لا تزال أعماله المسرحية والأدبية تثري المحتوى الثقافي والأكاديمي على الصعيدين الوطني والعالمي، وهي مؤلفات ولدت من رحم المجتمع، جادت فيها قريحته بما عايشه إبان الاحتلال من قمع وجرائم ارتكبها المستعمر ساهمت في صقل موهبته وبزوغها ليخلد اسمه بين أعلام المسرح والأدب الجزائريين.
عايش كاتب ياسين المولود سنة 1929 بقسنطينة إحدى أفظع الأحداث وأكثرها دموية في تاريخ الجزائر وهي مجازر الثامن ماي 1945 التي اعتقل خلالها وفقد العديد من أقاربه وأصيبت والدته بانهيار لاعتقادها بموت ابنها في خضم تلك المأساة.
ونشر كاتب ياسين أولى أعماله الأدبية في سن مبكرة وهي مجموعة أعمال شعرية بعنوان “مناجاة” قال عنها في توطئتها: “لقد بدأت أفهم الناس المقربين مني، أبناء الشعب، حين نواجه الموت نفهم بعضنا ونكلم بعضنا أكثر”.
ويعتبر سجنه في سطيف حدثا مفصليا في مسيرته ساهم بشكل كبير في نمو وعيه السياسي، ليكرس نفسه وموهبته بعدها لخدمة قضية وطنه المحتل.
وظهرت بوادر وعيه السياسي وقناعته بضرورة استقلال الجزائر من خلال محاضرة بعنوان “الأمير عبد القادر واستقلال الجزائر” نشطها في باريس سنة 1947.
ودفعه شغفه بالثورات إلى نشر ديوان “دائرة الانتقام” الذي يضم أربع مسرحيات منها “الجثة المطوقة” التي أخرجها الفرنسي جون ماري سيرو سنة 1954.
وكانت رواية “نجمة” نقطة تحول هامة في مسيرة الروائي شغلت الفضاء الأدبي حينها وارتقت به إلى مصاف فحول أدباء عصره على غرار محمد ديب ومولود فرعون ومولود معمري الذين أثروا المكتبة الجزائرية بأعمالهم الخالدة.
ولم ينسيه نجاح رواية نجمة ولعه بالفن الرابع الذي أراد من خلاله التأريخ لأحداث عالمية مثل حرب التحرير الوطنية وحرب فيتنام والقضية الفلسطينية بالاعتماد على أبجديات المسرح الإغريقي.
ميلاد مسرح يخاطب الشعب..
وتشاء الصدف أن يلتقي الكاتب المسرحي مع فرقة “مسرح البحر” التي أسسها مخرج شاب من وهران قدور نعايمي سنة 1968 والذي كانت له عدة تجارب مستوحاة من فن “الحلقة”، وسرعان ما أثمر تعاونهما بداية سنوات السبعينات على ما عرف بالمسرح الشعبي الجزائري وهو نوع مسرحي ذو أهداف بيداغوجية استعملت فيه الدارجة كلغة لحوار من أجل مخاطبة جميع أطياف المجتمع.
وتوج هذا التعاون بإنتاج أول عرض مسرحي “الرجل ذو النعل المطاطي” من إخراج مصطفى كاتب وتم تأديته لأول مرة على خشبة المسرح الوطني سنة 1971.
وأوكلت إلى مؤسسة النشاط الثقافي العمالي (ACT) التي أطلقها وزير العمل الأسبق محمد السعيد معزوزي (1960-1970)، مهام انتاج المسرح الشعبي آنذاك.
ولاقت أعمال كاتب ياسين وفرقته نجاحا منقطع النظير، إلى غاية عرض مسرحية “حرب الألفي سنة” المستمدة من المسرح الإغريقي والتي مهدت له الطريق إلى العالمية إذ عرضت أعماله في المسارح الفرنسية طيلة ثلاث سنوات كاملة.
وعين كاتب ياسين على رأس المسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس حيث جال كل القرى و المدن و الساحات العمومية ليعرف جميع طبقات الشعب بالمسرح.
ورغم سطوع نجمه في سماء الأدب والمسرح إلا انه كان دوما يحلم بتأليف عمل مسرحي تاريخي ذو صبغة عالمية حتى جاءته الفرصة سنة 1986 فكتب مقطعا من مسرحية عن الزعيم الراحل نيلسون مانديلا .
رحل كاتب ياسين في 28 أكتوبر 1989 تاركا ورائه رصيدا أدبيا ومسرحيا لا ينضب حيث تثري نصوصه الإنتاج المسرحي الوطني إلى يومنا هذا، ناهيك عن عديد الدراسات الجامعية التي تناولت سيرته وأعماله كما لا يزال رفقاء دربه وتلامذته محافظين على نهجه وأفكاره في مجالات مسرح الهواة والمسرح الجامعي والتكوين الفني والقصص الشعبي.