يرى صاحب رواية “دفاتر الوراق” الشاعر والروائي الأردني جلال برجس، أن الرواية العربية بخير، بفضل ظهور أسماء مهمة في العالم العربي تقارب ما يحلم به الإنسان وما يؤلمه، ولديها القدرة على استشراف المستقبل.
جلال برجس شاعر وروائي أردنى من مواليد 1970، يعمل في قطاع هندسة الطيران، عمل في الصحافة الأردنية، وترأس عددا من الهيئات الثقافية، وهو رئيس مختبر السرديات الأردني، ومُعد ومقدم برنامج إذاعى بعنوان “بيت الرواية”.
صدرت له مجموعات شعرية وقصصية وكتب في أدب المكان وروايات، حازت مجموعته القصصية “الزلازل” على جائزة روكس بن زائد العزيزى للإبداع، ونالت روايته “مقصلة الحالم” جائزة رفقة دودين للإبداع السردي، وفازت روايته “أفاعى النار” (فى فئة الرواية غير المنشورة) بجائزة كتارا للرواية العربية 2015.
ووصلت روايته الثالثة، “سيدات الحواس الخمس” إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية 2019، وفازت روايته ” دفاتر الوراق” بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” لعام 2021.
موقع “فواصل”جمعه لقاء خاص بالروائي الأردني جلال برجس، خلال مشاركته في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، الذي تجري فعالياته بقصر المعارض، الصنوبر البحري، بالجزائر العاصمة.
فواصل: حدثنا عن مشاركتك في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر؟
جلال برجس: حقيقة أنا في غاية السعادة لقدومي إلى الجزائر، التي لي فيها قراء وأصدقاء احتفوا بي احتفاء أبهجني، وللجزائر مكانة كبيرة عندي ثقافيًا وإنسانيًا.
ومشاركتي في الصالون بالجزائر مهمة وتشرفني، ليس لأني أزور الجزائر للمرة الأولى، وإنما لأهمية الجزائر، على مختلف الأصعدة الفكرية، الثقافية، السياسية والاجتماعية، فأنا جد سعيد بهذه الزيارة، وأتمنى أن تتوقف الساعة، لأبقى أستثمر هذه المتعة في هذه اللحظات الجمليةK في هذا البلد الرائع.
“الكتاب الجيد يجب أن يثير الجدل “
تعددت القراءات لروايتك “دفاتر الوراق” الحائزة على جائزة البوكر العربية، إلى أي مدى أَثرت القراءات على معاني الرواية؟
أنا دائما أؤمن أن الكتاب الجيد يجب أن يقرأ من أكثر من بعد، وأن الكتاب الجيد يجب أن يثير الجدل في لحظات القراءة، فحينما تُقرأ الرواية من أكثر من قارئ ينتمي لأكثر من دولة عربية، هذا بالنسبة لي شيء مهم، وحينما يتم التعاطي مع هذا الكتاب بأكثر من أسلوب ومن أكثر من زاوية، فهذا يشير إلى أن الكتاب على الطريق الصحيح.
فالقراءات أضافت لي الكثير بالطبع، لأنها في المحصلة هي زوايا نظر مختلفة إلى الفكرة التي تبلورت في هذا الكتاب.
وسارت “دفاتر الوراق” إلى عقول القراء وقلوبهم بيسر، فتابعت بعض ردود الفعل القرائي حولها وبت أرى كيف صنع بعض القراء رواياتهم الخاصة أثناء تعمقهم بدفاتر الوراق، وكيف تعاطى البعض مع الفكرة، وكيف كانت الجدلية عنصرًا حاضرًا في القراءة.
ماذا تغير بعد الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” بالنسبة لجلال برجس وكتاباته؟
بالنسبة لجلال برجس لم يتغير شيء، جلال برجس قبل “البوكر” وبعدها، هو بعينه، أما الكتابة لا أنكر أنني بدأت أشعر بمسؤولية كبيرة تجاه قرائي، وهذا لا يعني أني من قبل لم أكن أشعر بهذه المسؤولية، لكن انتظار القراء للأعمال القادمة يضعني في مسؤولية جعلتني أؤجل الكتابة في هذه المرحلة حتى أتخفف من هذا الشعور، وأعود إلى النقطة الأولى التي بدأت منها لكتابة أعمالي الروائية، وأتحرر من كل هذه الضغوطات.
كيف كانت انطلاقتك في عالم الكتابة؟
انطلاقتي كانت منذ الصغر، وجدتني أنتمي إلى الكتاب، هذه الملكة “الكتاب” قادتني إلى ملكة الكتابة والتعبير عن الذات، ثم التعبير عن ما يحيط بهذه الذات، هذا في المرحلة الأولى. المرحلة الثانية، كانت مرحلة طويلة من القراءة والكتابة إلى أن بدأت بنشر أعمالي، حيث أمضيت في الصحراء الأردنية الشرقية ثمانية عشر عاما كانت مرحلة للقراءة والتجريب الكتابي، وفي عام 2008 نشرت أول كتبي وهو مجموعة شعرية بعنوان (كأي غصن على شجر) ومن ذلك الحين كانت البداية ما بعد البداية. ما سبق كل ذلك التاريخ كان تحضيرا لما أنا فيه الآن، من تواجد بين قرائي.
ما هي الأنواع الأدبية التي تجد نفسك فيها أكثر؟
أجد نفسي في الرواية وفي الشعر، لكن في هذه المرحلة من حيث النشر، أنا أنشر الرواية أكثر من الشعر، في القادمة ربما يكون لدي إصدارات شعرية، لكن حاليا أنا أركز على ما أكتبه روائيا.
“دفاتر الوراق متعبة جدا “
أي التجارب الأدبية متعبة بالنسبة لجلال برجس؟
“دفاتر الوراق” أتعبتني كثيرا، فقد رافقتني شخصياتها لما يزيد عن ثلاث سنوات، وهذا الزمن ليس هينا، ففيه تشكلت حيوات نقلت إلى الورق، ومصائر، وخسارات، وآمال، وأحلام، وكثير من الأمل الذي حاولت استخراجه من بطن الألم، وأعرف أنها سوف تتعب القارئ أيضا، لكنها الأكثر متعة، وهذا التعب أفضى إلى نتيجة جيدة، ألا وهي وصول روايتي إلى القرّاء في هذه المساحة العربية المهمة، وهذه بالنسبة لي بهجة كبيرة.
من هندسة الطيران إلى الرواية.. ما العلاقة؟
بالمختصر، الطيران والرواية كلاهما تحليق، الطيران تحليق مادي ما بين مكان ومكان، وبالتالي هذا الطيران ينتصر على الزمان وعلى المكان وعلى الجغرافيا، أما الكتابة فهي فعلا تحليق خارج عوالمنا، نخرج خارج هذا العالم، ونثور عليه، ونتخاصم معه، ونتجادل وندخل في معتركات كثيرة.
وبالتالي على الصعيد الشخصي لا أرى أن هناك اختلاف بين مهنتي التي أعيش منها “الطيران” والكتابة بالطبع، فمهنتي علمتني الدقة والتخطيط، والكتابة علمتني الحياة، أعمل لأعيش، وأكتب لأشعر بالتوازن.
أيضا، عملي لسنوات طويلة وحتى الآن في مجال هندسة الطيران جعلني أتعلم كيف أخطط للكتابة مثلما أخطط للقراءة، أنا لا أقرأ بشكل عشوائي وإنما بشكل مخطط طبقا لبرنامج ربما يمتد لعام أو اثنين، وحتى في الكتابة فحينما أبدأ الكتابة تكون كل الرواية في مخيلتي.
كيف ترى حال الرواية العربية؟
الرواية العربية بألف خير، الآن في هذه المرحلة أصبحنا نجد أسماء جديدة، في كتابة الرواية، هذه الأسماء لا تنفصل عن جيل الرواد، الجيل الذي أسس لكتابة الرواية العربية، وبالتالي ظهرت أسماء مهمة في العالم العربي، هذه الأسماء تستلهم أدوات جديدة ولغة جديدة، ورؤى جديدة، وتقارب ما يحمل به الإنسان وما يؤلمه، أيضا تقارب تاريخ هذا الإنسان، ولديها القدرة على استشراف المستقبل.
” روايات عربية غرقت في الرمزية..لهذا السبب”
وهل تخطت الرواية العربية الطابوهات؟
ليس في كل البلدان العربية، بل في بعضها فقط تجاوز كبير للطابوهات، وتجاوز سلطة الرقيب، لكن في بلدان أخرى للأسف الشديد مازالت الرواية تعاني من متلازمة الطابوهات الثلاث “الجنس والدين والسياسة”، لهذا غرقت بعض الروايات في الرمزية، وبعضها عاد إلى التاريخي المُسقط على الحاضر، ونحن ككتاب نحاول أن نعلي من أصواتنا ونتجاوز هذه المسألة، ونكسر كل هذه المحظورات، حتى يحظى الكاتب بتلك الحرية التي تؤهله أن يعبّر عن ذاته، وعن الآخر.
غزارة الإنتاج الأدبي، هل هي نعمة أن نقمة؟
لا هي نعمة، ولما لا، فلتكن هناك غزارة في الإنتاج، وعلى سبيل المثال يتحدثون في هذه المرحلة أن هناك غزارة إنتاج روائي، وأن هناك الكثير مما يريدون أن يصبحوا روائيين، هذا حق لكل إنسان أن يجرب حظه في الكتابة، أن يعبّر عن نفسه، وأنا شخصيا أؤيد هذه المسألة، والغزارة في الإنتاج بالطبع إذا زاد الكم لن يفسد النوع.
هناك بعض الكتب تصدر وتدوم لشهر، شهرين، ثلاثة، أو عام، وهناك كتب تدوم طويلا، فلنترك هذا الإنتاج الغزير لهذا الغربال الذي يصفيها، وبالتالي الجيد سيبقى ويدوم في ذاكرة المكتبة العربية.
ما هو جديد جلال برجس؟
جديدي هو العمل على رواية، لا أدري متى تصدر، لكن قد يكون في أقل من عام.