تتحدث صاحبة رواية “محرقة الذاكرة” عن لفحة حنين بين القاهرة والجزائر، الروائية والكاتبة فريدة بن سليم، عن أول مولود أدبي لها خرج إلى النور، لخصت فيه حجم معاناة وخيبات أمل مرت بها وتجاوزتها بشق الأنفس. الرواية بداية لحياة جديدة بالنسبة لها.
كيف ولجت فريدة بن سليم عالم الكتابة؟ وما الدوافع؟
بدايتي مع الكتابة كانت منذ الطفولة. يعود الفضل لوالدي، فقد شجعني كثيرا على المطالعة والكتابة. كان دائما يطلب مني في سهرات المساء أن أقرأ له ما أكتب، وفي أعياد ميلادي كان يهديني كتبا للمطالعة. كان أبي أول قرائي عندما لم يكن لي قراء..
في المدرسة حظيت بتشجيع من أساتذتي، كنت أشارك في مسابقات المدارس في كتابة القصص والخواطر مع أنه وقتها لم أفز في أي مسابقة.
مع الوقت صارت الكتابة بالنسبة لي حياة عندما أفرح أسرع نحو الأوراق وأكتب وعندما أحزن أعتكف في محراب الكتابة، فكان القلم والورق هما رفقائي، رفقاء السفر، رفقاء الوحدة، رفقاء الخيبات والانكسارات، رفقاء النجاحات والانتصارات.
البيئة والظروف تؤثران دائما على المبدع وهو يؤثر فيهما، ماذا أضافت لك بيئتك؟
الكاتب والمبدع ابن بيئته، وإن لم تكن القصص والأحداث في كتاباته من وحي الواقع والتجارب والخبرات الحياتية. البيئة قد تؤثر في الكاتب بطريقتين سلبية وإيجابية وإن كانت حتى السلبية تصب في فائدة الكاتب.
غالبا الإبداع يولد من رحم المعاناة والوجع والظروف المحيطة التي غالبا ما تأتي معاكسة لما يشتهيه طموح الكاتب هو ما يدفعه للكتابة ويكون مادة دسمة له ليبدع، فالإيجابية من ناحية صقل شخصيته وتكسبه نضج أدبي.
بالنسبة للسلبية بعيدا عن ظروفه لكن البيئة الخارجية كفقدان الأمن والسلام، الظروف الاقتصادية، الإحباط والقنوط في المجتمع وغيرها كلها تؤثر في الكاتب ويتأثر بها، إن لم تكن كمادة إبداعية تسيل حبره للكتابة قد تكون كتجربة تصقل موهبته، فالكتابة هي فرصة الكاتب للبوح ونحن نستكشف شخصيات كتابنا من خلال كتاباتهم وإن اعترفوا بعكس ذلك.
كتاباتي تعبر عني وعن أفكاري وقناعاتي، ونفس الشيء بالنسبة للكتاب وكأننا لا نتجرأ أن نقول هذه قصتي ونبقى كراوي لقصصنا حتى لا نفضح أمام القراء الذين يدركون جيدا أنها تعبر عنا.
رواية “محرقة الذاكرة” هي أول رواية لك حديثنا عن هذه التجربة الأدبية؟
محرقة الذاكرة ليست أول مولود أدبي ورقي لي فالكثير يكتبون عن أعمالهم الإبداعية. لكن سأقول أنه وجعي حتى وضعت تنويه في بداية الرواية، فمحرقة الذاكرة كانت البداية الجديدة التي قررت أن اختطفها من الحياة، لأنني استحققتها بعد معركة طويلة من الاكتئاب والخيبات.
كانت رحلة معاناة طويلة قررت التعافي منها، وقد ساعدتني الكتابة وقتها كنت آخذة بنصيحة إحداهن حين قلت لها الكتابة بالنسبة لي هي دواء لروحي المغتربة فقالت لي إذن اكتبي لتشفي يا عزيزتي.
الكتابة انتشلتني من تبعثري ورممت بداخلي كل ما شوهته مآسي الحياة. وحدها الكتابة وقتها كانت قادرة على إعادة إعمار روح عاثها الخراب، وحده القلم كان له القدرة السحرية على إخماد نيران تلك الذكريات والخيبات التي كانت تحرقني وكان الاكتئاب يتلاشى، وكأن القلم كان يجبرني، ويشفيني.
ورواية محرقة الذاكرة المستوحاة عن قصة حقيقية لخصت معاناة البطلة ولخصت معاناتي من فترة صعبة تجاوزتها بشق الأنفس، وتضمنت الرواية وإن كانت رومانسية اجتماعية لكن تعددت فيها الخيانات لم أركز على خيانة الحبيب لكن تجاوزته لخيانة الأب، خيانة الصديق، خيانة الصحة وحتى خيانة الوطن، وأسوء الخيانات كانت خيانة نفسك في الرواية أنها تخون نفسك.. حين تدخل البطلة في مرحلة إيذاء النفس، وفي الرواية هناك أحداث وقصص ثانوية تتقاطع مع الرئيسية من حيث التركيز على قضايا المرأة.
ما هي الصعوبات التي واجهتك في كتابة عملك الروائي؟
أي عمل إبداعي يمر بصعوبات ولكن هنا تكمن اللذة، حين ترى عملك بعد معركة كفاح طويلة ليستلذ طعم النجاح، والنجاح الذي لا يقيسه المبدع الحقيقي بالربح المادي لكن يقيسه بما يخلفه العمل في نفوس القراء فأعظم إنجاز لأي كاتب هو الأثر.
وحتى تكتب لا تحتاج فقط لورقة وقلم عبارة كنت قد قرأتها ذات مرة، أصبحت موقنة جدا بها لنكتب نحتاج لوجع وهبتها الحياة لنا، عن معارك خضناها حتى يصبح ذلك الحلم حقا ونلامسه ونحتضنه، وبعيدا عن الصعوبات التي خضتها مع نفسي هناك صعوبات دور النشر والصعوبات المادية.
وعندما فكرت في النشر الورقي خضت مرحلة بحث طويلة عن أفضل دور النشر الجزائرية لكن في المجمل معظمها اشتركت في التكلفة المالية المبالغ فيها التي يتكلفها الكاتب كمبدع يقضي وقت طويل ويبذل مجهود في الكتابة وفي الأخير يحتكر عمله ولا ينال شيء بل وهو الذي يدفع مقابل عمله.
شاركت روايتك في معرض القاهرة الدولي مؤخرا، ما هو إحساسك وأنت ترين إنتاجاتك الأولى بين أيدي القراء؟
شاركت روايتي ضمن محفل ثقافي وعلمي يعتبر الأفخم، فهذا المعرض هو ملتقى القراء والكتاب من جنسيات مختلفة، ومشاركتي في المعرض في حد ذاتها انجاز وفخر بالنسبة لي بعيدا عن المبيعات التي نوهت سابقا أنها لا تهم الكاتب المبدع، كنت سعيدة جدا بعملي لأنه كما قلت كان تذكرة مروري نحو عالمي الجديد في الحياة التي بت أعيشها بسلام داخلي.
وسعادتي عندما اسمع أن الرواية عبرت عن القارئ، فغالبا ما تصلني تعليقات “وكأنها قصتي” حتى مديرة دار النشر قالت أن الرواية أعجبتها لأنها مرت بقصة مشابهة لها، فسعدت أن حاولت ونجحت ولو بشيء بسيط أن أكتب ما يلامس القارئ ويشعر أنه الكلمات كتبت له خصيصا ومن واقع حياته.
مَن مِن الكتاب الجزائريين أو العرب وحتى العالميين تأثرت بهم فريدة بن سليم؟
قرأت للعديد من الكتاب العرب وفي الأدب العالمي منذ طفولتي. كان أول من قرأت له هو الشاعر السوري الراحل نزار قباني، كنت أقرأ لجبران خليل جبران، نجيب محفوظ، طه حسين، مصطفى لطفي المنفلوطي، غادة السمان، مي زيادة، محمود درويش، غسان الكنفاني، وغيرهم.
وبالنسبة للجزائريين لا يمكن أن أقول تأثرت، ولكن اعتبرها ملهمتي وقدوتي في الكتابة النسوية سيدة القلم العربي أحلام مستغانمي، التي اعتبرها مدرسة في الكتابة النسوية في مجال الرواية وأسعد حين يقول لي أسلوبك في الكتابة يشبه أسلوب أحلام مستغانمي، مع أنني لا أعتقد ذلك لأن لا أسلوب يشبه أسلوبها والفرق بيني وبينها يكون بفرق سنين ضوئية.
ما رأيك في مكانة الرواية اليوم وفي المشهد الثقافي الجزائري بصفة عامة؟
منذ فترة قرأت تعليقا للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي وأوافقها بشدة فيه إذ قالت في الجزائر ما يقارب 45 مليون نسمة ، فلو كان لكل مليون منا كاتب… صراحة وللأسف الشديد، وكلنا نعلم أن المناخ لا يساعد على الإبداع، فالكاتب يعاني من التهميش ومجال الإبداع غير مربح وبدوره يخضع لقوانين العرض والطلب.
ومع عدم وجود قوانين تحمي المبدع من الملكية الفكرية، الحقوق المادية والمعنوية وغيرها فمجال الكتابة الإبداعية في الجزائر والمشهد الثقافي يخضع لفوضى مع سيطرة بعض الفئات من أشباه المبدعين والمفكرين والكتاب وحتى النقاد، ومع تراجع المقروئية نتيجة لغلاء الكتب من جهة واكتساح منصات التواصل وتغير القارئ من جهة أخرى، فقارئ اليوم غير قارئ الأمس ومع تغير الذوق الجماهيري اكتسحت الساحة الإبداعية تلك النوعية التي لا ترقى بمستوى الفكر والوعي، لكن مع ذلك نملك العديد من المبدعين والكتاب.
وفي السنوات الأخيرة كان للجزائر النصيب الوافر في جائزة البوكر للرواية العربية، فالجزائر تملك مبدعين شباب كانت لهم تجارب ثرية في مجال الإبداع الأدبي.
بعيدا عن عالم الرواية، هل لديك ميولات أو طموحات أخرى تتطلعين إلى تحقيقها ؟
أتطلع لاقتحام مجال الكتابة السينمائية تحديدا كتابة السيناريو، فالواقع يزخر بالقصص التي يستحق أن ترى مرئيا مع أننا نملك العديد من المبدعين الشباب والطاقات الشغوفة بالفن والإبداع التي باتت تظهر مؤخرا، وهناك أعمال إبداعية شاركت في مهرجانات عربية وعالمية و إبداع الجزائر لا يتوقف هنا فهي تملك الكثير لتقدمه بعد أن غيبت لسنوات عن المشهد الإبداعي العربي و العالمي لابد أن تستعيد مكانتها.
ما هي أهم القضايا التي تشغل بال الروائية فريدة بن سليم في الوقت الحاضر؟ وما مشاريعك الأدبية؟
الكاتب يجب أن يحمل قضية حتى لا يكون كاتب بلا نضال ولعل هذه المهمة الصعبة أن توجه قلمك لتحمل قضية، كما أن الكتابات الملتزمة هي التي تنتصر للحق والعدالة وللإنسان تلك التي تصمد أمام الزمن.
وبالنسبة لي مهتمة بقضايا المرأة بالدرجة الأولى، وقضية الهوية الجزائرية والتراث الجزائري فتواجدي خارج الوطن جعلني أشعر بنوع من المسؤولية تجاه وطني خاصة من ناحية التعريف به فكثيرا ما تصادفني الأسئلة الفضولية عن الجزائر، وكيف أنها مغيبة عربيا ومعلوماتهم عنها تكاد تكون ضئيلة فيجهلون التراث الجزائري بالرغم من تنوعه ويسألونني عن الشخصية الجزائرية، عن التراث الجزائري واللهجة الجزائرية، وللأسف نعاني من ضعف تسويق لكل ما هو جزائري مع أنها البلد القارة. .
لدي مجموعة قصصية أفكر في نشرها قريبا تناقش قضايا المرأة الجزائرية.
رسالتك الأخيرة للقراء؟
نصيحتي للقارئ” اقرأ كل ما يقع بين يديك وطبعا النص الذي يغريك ويدفعك إلى إكماله أو يدفعك بعيدا عنه وإن لم يعجبك النص فهو لم يُكتب لك اقرأ غيره المهم طالع، مارس هوايتك، تعلم لغات، أكتب، أرسم، تعلم موسيقى، طوّر من نفسك وتمتع بالحياة ولا تضيع وقتك في المشاعر السلبية وابتعد عن المثبطين والسلبيين، والأهم آمن بنفسك وكل تجربة تبينك وتزيدك نضجا ومعرفة”.