فواصل

جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري
تصدر عن مؤسسة الشعب.

الخميس 23 مارس 2023
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
لاتوجد
عرض كل النتائج
فواصل
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
فواصل
لاتوجد
عرض كل النتائج

الأندلس..خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف (11)

فواصل - فواصل
2022-01-28
في أسماء وأمكنة, رئيسي, شريط الأخبار
0
الأندلس..خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف (11)
مشاركة على فيس بوكمشاركة على تويتر

يثير الكاتب نور الدين بحوح جوانب تاريخية وإسلامية وأوربية وحضارية، في “الأندلس.. خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف”. وهو يروي رحلته بلغة فيها الحاضر والماضي، بطريقة جميلة تلف أدب الرحلة برحيق خاص، خارج توا من أسلوب هذا الجزائري المقيم في ألمانيا.

نور الدين بحوح

طويت دفتري ثمّ رُحت أجُول بنظري في وجوه الرّاكبين معي في القطار أتأمّل ملامحهم وسماتهم فإذا هي ألوان وأجناس ولغات وألسن.

واستذكرت كيف كانوا يجوبون شوارع قرطبة وأزقّتها زمرًا وعصبًا وجماعات، وكيف احتشدوا في مسجدها وأمام محراب الحكم الثّاني، ورأيتهم وأعينهم شاخصة إلى سقف الجامع وأقواسه وقبّته يمتّعون أرواحهم بهذا الفنّ الرّاقي ويختزنون الصّور الجميلة في ذاكرتهم.

إنّها نفس الملامح والوجوه التي كانت معي في قرطبة هي الآن معي في نفس القطار المتّجه إلى غرناطة كي تستزيد من صور الجمال لتخزّنها في وعيها.

في هذه اللّحظات خطر على بالي أنّي كنت أحمل كثيرا من الصّور المغلوطة عن هذه الأجناس وهذه الشّعوب وأنّ المرء إذا لم يسافر ولم يتعلّم لغة أقوام آخرين ولم يعرف ثقافاتهم فقد يعيش عمره الّذي كتبه اللّه له ثمّ يغادر هذه الدُّنيا وهو لا يعلم أنّ ما يحمله عن نفسه وعن غيره من بني آدم كثيره أوهام وخيالات.

ولست أبالغ إذا قلت لك أنّي أعدت فتح دفتري وسجّلت هذه الخاطرة التي سرت إلى فكري وأنا في القطار بين قرطبة وغرناطة وبالضّبط على مشارف حدائق لسان الدّين ابن الخطيب مدينة “لوشة” .

لا أقول لك هاجر. .

ولكن سافر….

كي ترى نفسك ومن حولك.

وترى الآخر….

فليست نفسك كما زيّنوها لك.

من ألفوا النَّفخ في زيف المشاعر.

وليس الآخر….

مثلما رسموه لك على صفحات الدّفاتر.

سافر….

فإنَّه ما عاش.

من عاش في غارٍ غائر.

وصلت إلى غرناطة عندما استبدَّت شمس الظّهيرة بالمدينة فسلّطت عليها قيظًا على قيظ. حوّل الشّوارع والطّرقات إلى مَراجلٍ من نار.

لم أجد عناءً كبيرًا في الوصول إلى الفندق. فعندما خرجت من محطّة القطارات ومشيت عشرات الأمتار، لم أكن أدرك أنّه هو الطريق الّذي سيوصلني إلى غايتي.

لمحت سيّدة اسبانيّة تسير في نفس الطّريق، لم يكن معها أحد. توجّهت صوبها وسألتها إن كان بإمكانها أن تدلّني على المكان. لم تكن تجيد الانجليزية وكنت أنا لا أعرف الاسبانيّة ومع ذلك عرفت من حركة شفتيها وعينيها ويديها كيف أصل إلى غايتي.

شكرتها ثمّ مضيت إلى سبيلي حتّى وصلت إلى بُغيتي. كان فندقًا متواضعًا في حيّ شعبيّ غير بعيدٍ عن ساحة باب الرّملة.

ليست هذه هي المرّة الأولى التي أزور فيها غرناطة. لقد زرتها قبل عشر سنوات وفي نفس الفصل. لهذا لم يتملّكني الدّهش والذّهول ولا فضول استكشاف المدينة كما حدث لي مع قرطبة. فبقيت في حجرتي حتى خفّ وهج الشّمس، ثمّ خرجت بعدها إلى وسط المدينة وجُلت المساء كلّه أمام مداخل حيّ البيّاسين وعلى ضفاف وقناطر نهر شنيل.

ربّما ينتظر منّي قارئ مقالتي هذه أن أصف له المدينة وجمالها وحياة النّاس فيها، وما أنا بفاعل، وعندما أقول لن أفعل فليس هذا ضنّا منّي ولا إمساكًا عن وصف شيءٍ جميل وعظيم لم يرَ البشر مثله.

لكنّي خشيت التّقصير والتّفريط فأنا لم أبلغ في العربيّة مقاما ولا بلغت في الشّعر شأنًا مثل مقام وشأن ابن زمرك وابن الخطيب حتّى أصف له جمال الحمراء ولا أقصّر. فالحمراء جنّة، والجنة لا توصف، وهي قصيدة يستمتع الآنام بسماع قوافيها وكلماتها ورنّات أجراسها وبحورها، ولكنّهم لا يستمتعون بالشروحات على هوامش الدّفاتر التي كتبت عليها.

جاء في كتاب “مسجد قرطبة وقصر الحمراء”: ” لو وصفنا الحمراء بكلّ صفات البذاخة والثّراء والجمال والرّونق، ولو سمّيناها حسب أهوائنا دار المفاجآت، ثمّ ألّفنا فيها الكتب المتعمّقة والمدائح الطّويلة والأشعار البليغة، لما خطر ببال من زارها وتنقّل في أجنحتها وشاهد روائعها، أن يتهمنا بالمبالغة والإسراف، لأنّ الحمراء لا توصف ولا تُمدح، بل تُشاهد فقط، وأيّ ذاكرة تقدر على تسجيل واستحضار آلاف الصّور والمشاهد الماثلة فيكلّ مدخل ونافذة وزاوية”.

لكنّي أعده أنّي كلّما مررتُ بمعلم تاريخيّ من معالم المدينة أن أطلق لخيالي العِنان ليقفز ويتجاوز حواجز الزَّمن ويمحو الشّوائب الحديثة التي لحقت بالمدينة العربيّة القديمة، وأستنطق له المواضع لنعيش سويًّا الأجواء التاريخيّة للحدث والمكان بسرورها وحُزنها.

وسأستنطق له قلاع الحمراء التي تقف في إيهاب لتحكي لنا قصّة بنائها وسرّ صمودها وشموخها وقصور بني نصر والدّسائس التي كانت تُحاك فيها، وتنازع المُلك بين الابن وأبيه وبين العمّ وابن أخيه وكيف أضاعوا الأندلس كلّها فلا الأب بقي ملكًا ولا الابن صار سُلطانًا. سأحكي لك عن بقايا حمّامات بني زيري وعن محاكم التّفتيش وهي تترصّد لمن يستحمّ يوم الجمعة أو يلبس أجمل ثيابه لتُدينه بالهرطقة وتنكّل به جزاء بقائه وفيّا لتعاليم الدّين القديم (الإسلام).

إنّ كلّ من يدخل المدن القديمة فينظر إلى أسوارها، ودورها وقصورها ويسير بين أزقّتها ودروبها، ويشمّ عبق التّاريخ الّذي ينبعث من سراديبها، ويفهم لغتها، فيستجوب جدران عمارتها وينصت إليها بوجدانه، ويستوعبها بقلبه، فستحكي له عن بطولات أصحاب التّماثيل الّذين يتوسّطون ساحاتها أو يقفون منتصبين على مداخلها، مثلما ستروي له عن عذابات فقرائها، وجرائم أشقيائها، وستذكر له أسماء شعرائها الّذين تغنّوا بها، وكتاّبها الّذين كتبوا عنها، أو استلهموا منها فكتبوا وأبدعوا، وستتسرّب إلى خيالك صور وألوان الحياة وأصواتها من رنّات أجراس قصائدهم وقوافيهم، وجمال الحياة وروعتها، وبُؤسها وشقاوتها من خلال حبكة الرّواية وطريقة سردها وتكشف لك أسماء الأمراء الّذين شيّدوا قصورها وقلاعها ودافعوا عنها وتقاتلوا لأجلها، أو أولئك الّذين خذلوها، وغدروا بها، فسلّموها لعدوّها فاستحلّها.

تحت أسوار الحصن الأخير غرناطة

اليوم هو الـ15 من شهر أوت والسّاعة هي السّابعة مساءً. أنا الآن واقف على رصيف شَنِيل أحدّق في جدران حيّ البيّاسين تارة وتارة أخرى أرفع عيني لأنظر إلى أسوار الحمراء وأبراجها.

غير عابهٍ بصخب الأصوات وجلبة الجموع المحتشدة في المكان ولا بروائح الطّعام والشّراب التي تنبعث من المطاعم والمقاهي المنتشرة بحَذاء شاطئ النّهر، وتسري في نسمات الطّقس. سأستغلّ هذا اليوم لأحكي لك عن تاريخ غرناطة وتاريخ الحمراء:

فغرناطة جوهرة المدائن ورائعة النّفائس التي كساها الجمال بحلّته والغنى بوفرته، هذه المدينة الفاخرة دون أفق بيّن أو مستقبلٍ جليّ، تظهر بمظهر جذّاب ليس له ما يماثله في كلِّ إسبانيا النّصرانية. ويقطنها ثلاثة شعوبٍ مُنحت من المواهب ما لم يُمنح غيرها ونادرًا ما يظهر بينها خلاف أو نزاع.

وعلى هذه الأرض النَّثور يتلاقى الفلاسفة والموسيقيون والفناّنون والأدباء والشّعراء المسلمون واليهود والنّصارى.

تقع هذه المدينة الزّاهرة في سفح جبل الثّلج ــ سييرا نيفاداــ، عند نقطة التقاء نهري حَدَره وشِّنيل والتي لا يطيب للعرب الّذين أسّسوها وسكنوها تشبيهها إلاَّ بمدينة دمشق. وعلى الهضبة التي تعلو نهر شِّنيل تقوم مستوطنة كثيرة السُّكّان تُسمّى أنتيكويرويلاَّ.

ليس بعيدا عنها وعلى تلّةٍ عالية تُسمَّى السّبيكة ترتفع قلعة ثانية كانت فيما مضى قصبة جعل منها الحكّام العرب والبربر الّذين تداولوا على حكم غرناطة مقرّا لحكمهم. وفي زمانهم كانت غرناطة مدينة ثانوية لا تكاد تُذكر إذا قورنت بقرطبة أو إشبيليا.

كانت غرناطة بالأساس مدينة عربية خالصة وأحدث من باقي المراكز الحضريّة في الجنوب الّتي سكنها السِّلت ــ الإيبيريّون والفنيقيّون واليونان والرّومان ــ.

نادى البابا إينوسانس الثّالث إلى الحرب الصّليبية فكانت كارثة على المسلمين، لقد هزمت جيوش النّصارى سنة ألف ومئتين وإثني عشرة عند حصن العُقاب الموحّدين شرّ هزيمة.

كان من نتيجتها أن غزا النّصارى قرطبة أربعة وثلاثون سنة بعد ذلك واستولوا عليها. ثم في سنة ألف ومئتين وثمانية وأربعين سقطت إشبيليا.

في أثناء الفوضى والاضطرابات التي عصفت بالأندلس بعد تفكّك نظام الخلافة الموحّديّة، ثار أحد الأعيان المُقفرين من سادة أرجونة من أعمال جيّان وأعلن نفسه أميرا في جبال غرناطة. وكانت مملكته إلى حدٍّ ما عبارة عن رأس جسر صغير يعبر منه مسلمو شمال إفريقيا إلى الأرض الأوروبية كلّما استغاث بهم إخوانهم في الدّين في أوقات الخطر، وامتدت هذه المملكة الصّغيرة إلى الغرب حتى جزيرة طريف وإلى الشّرق لتشمل مدينة المرية وبعضًا من أطرافها..

يتبع..

وسوم : أسوار الحصن الأخيرالأندلسرحلة في زمن الوباءغرناطةقرطبة
سابقة

“لابرانتي”..اسم بأحرف من ذهب

موالية

تعاون ثقافي بين الجزائر ومصر

فواصل

فواصل

مشابهةمقالات

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة تحت مجهر الباحثين
رئيسي

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة تحت مجهر الباحثين

2023-03-23
أدباء ونقاد يرافعون لصالح الشعر الحساني
رئيسي

أدباء ونقاد يرافعون لصالح الشعر الحساني

2023-03-21
ثورة نوفمبر في الشعر الجزائري الحديث
رئيسي

ثورة نوفمبر في الشعر الجزائري الحديث

2023-03-18
إشتراك
الاتصال عبر
دخول
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
نبّهني عن
guest
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
فواصل

فواصل جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري تصدر عن مؤسسة الشعب.

© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.

تطوير واستضافة شركة رانوبيت

لاتوجد
عرض كل النتائج
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
wpDiscuz
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط .