فواصل

جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري
تصدر عن مؤسسة الشعب.

الخميس 23 مارس 2023
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
لاتوجد
عرض كل النتائج
فواصل
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
فواصل
لاتوجد
عرض كل النتائج

الأندلس.. خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف (10)

فواصل - فواصل
2022-01-23
في أسماء وأمكنة, رئيسي
0
الأندلس.. خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف (10)
مشاركة على فيس بوكمشاركة على تويتر

يثير الكاتب نور الدين بحوح جوانب تاريخية وإسلامية وأوربية وحضارية، في “الأندلس.. خواطر رحلة في زمن الوباء الجارف”. وهو يروي رحلته بلغة فيها الحاضر والماضي، بطريقة جميلة تلف أدب الرحلة برحيق خاص، خارج توا من أسلوب هذا الجزائري المقيم في ألمانيا.

نور الدين بحوح

قبل أن أزور البيت الأندلسيّ هذا اليوم كنت قد زرت الدّير (المعبد) اليهودي الذي يُجاره في نفس الشّارع وقبله كنيسة سانت بارتولومي الصغيرة أمام السّوق العربي، والحقّ أنّي لم أستطع أن أميّز بين السّوق العربي وبين البيت الأندلسي.

و لم أستطع أن أميّز بين الدّير اليهودي والكنيسة النّصرانيّة التي بُنيت على الطّراز المدجّن سنة 1391م وبين مسجد الأندلسيّين الّذي يقع في أحد الأزقّة ولا يبعد عن المسجد الجامع إلاّ عشرات الأمتار.

والحقّ أنّي عندما أكملت تجوالي بين أزقّة المدينة بحثا مقرّ محاكم التّفتيش التي وجدتها موصدة الأبواب، كان هناك سؤال يُرواد خاطري في تلك الأثناء.

كيف إستطاعت قرطبة دمج غير المُسلمين من اليهود والنّصارى في نظام حياتها، وفي نظام الحكم خاصّة، فتعايشوا في سلام وأثروا الثّقافة العربيّة الأندلسيّة بإبداعاتهم وأعمالهم الأدبيّة والفكرية. لقد كان المسلمون يُؤثرون دينهم، غير أنّ هذا الإيثار وهذا الحبّ لم يدفعهم إلى المغالاة فيه وإلى تجاوز حدوده وتعاليمه، بل كانوا يرون في الالتزام بها عبادة للّه.

لقد ضمن الإسلام لغير المسلم أن يعيش حياة كريمة، مثله مثل المُسلم لا يُؤذَ في دينه ولا في ماله،ويُحترم في شخصه مادام ملتزمًا بواجبات المُواطنة وبعقد التّعايش الاجتماعي الّذي صولح عليه ورضي به وله أن يتمتّع بلذائذ الحياة ونعيمها، وأن يُنتفع من وجوده في الأرض ويُفيد منه.

لقد بقي الكثير من طوائف اليهود والنَّصارى على عقيدتهم أوّل الفتح ولم يتحوّلوا عنها إلى الإسلام، لكنّ نفوسهم التي لم تقبل الإسلام، لم تقدر على مقاومة جاذبيّة ثقافته، فأقبلوا عليها، وأوغلوا فيها حتّى لم يُعد يُميّز بينهم وبين المُسلم في أسمائهم وهيئتهم ولباسهم ونمط حياتهم. فبلغ بعضهم في الأدب، والفكر، والفنّ، والسّياسة مبلغًا لم يبلغه مُسلم.

إنّ هذا الولع بالثّقافة الإسلاميّة والتّعلّق بها إلى حدّ الذّوبان فيها، والتّمتّع بأشعار العرب وأقاصيصهم، والاستدراج في التّعرّب كان يُخيف ويستفزُّ من كانوا ينظرون بعين القلق إلى هذا المشهد، ويُعبّرون عن أسفهم وحسرتهم لما آل إليه أبناء ملّتهم، وتحتفظ كتب التّاريخ بوثيقة لقسّ قرطبة ألبارو القرطبي (854م) تشعُّ حزنًا وألما جاء فيها:

ــ إنّ إخواني في الدّين يجدون لذّة كبرى في قراءة شعر العرب وحكاياتهم، ويُقبلون على دراسة مذاهب أهل الدّين والفلاسفة المسلمين، لا ليردُّوا عليها وينقضوها وإنّما لكي يكتسبوا من ذلك أسلوبًا عربيّا جميلاً صحيحًا. وأين تجد الآن واحدًا من غير رجال الدّين يقرأ الشّروح اللاّتينيّة التي كُتبت على الأناجيل المقدّسة؟ ومن سوى رجال الدّين يعكف على دراسة كتابات الحواريين وآثار الأنبياء والرُّسل؟ يا للحسرة!

لقد كان نيتشه من ألدّ أعداء الدّين، ومن المنكرين له دوره في الحياة، غير أنّه لمّا وقف على التّجربة الإسلاميّة القرطبيّة أصابه الدّهش والذّهول فكتب قائلاً:

“إن حضارة إسبانيا العربية القريبة منا حقاً، المتحدثة إلى حواسنا وأذواقنا أكثر من روما واليونان، قد كانت عرضة لدوس الأقدام (وأؤثر ألا أنظر في أي أقدام!) – لماذا؟ لأن تلك الحضارة استمدت نورها من غرائز أرستقراطية، وغرائز فحولية، ولأنها تقول نعم للحياة، إضافة إلى طرائق الرقة العذبة للحياة العربية.

لقد حارب الصليبيون من بعد عالماً كان الأحرى بهم أن ينحنوا أمامه فى التراب، عالم حضارة إذا قارنا بها حتى قرننا التاسع عشر فإن هذا الأخير قد يظهر فقيراً ومتخلفاً! لقد كانوا يحلمون بالغنائم، ما فى ذلك من شك، فالشرق كان ثرياً!، لننظر إذن إلى الأشياء كما هي! الحروب الصليبية؟ إنها قرصنة من العيار الثقيل،لا غير”.

إنَّ إعجاب نيتشه بالإسلام هو إعجاب بتلك الثّروة المادية والفنّية التي خلّفها الإسلام في شبه الجزيرة الايبيريّة وإعجاب بدعوة الإسلام للإنسان بأن يعيش حياته ويأخذ حظّه منها ألاّ يتعالى على مباهج الحياة وطيّباتها، بعكس الدعوة الكنسيّة إلى التّعالي على الحياة، والتّنكّر للجسد، واحتقاره من أجل الخلاص الرّوحي.

إنّ هذه التجربة القرطبيّة الجديرة بالتّأمّل والدّراسة، إنّه لم يحدث في تاريخ البشريّة أن قاسم الغالب حسب التّعبير الخلدوني المغلوب ثروته وماله، ومكّنه وأتاح له من الفرص والحظوظ ما جعله يتقدّم عليه في كثير من الأمور ويرتقي في أعلى المناصب.

لقد تطوّر الفكر الأوربّي في مجال حقوق الإنسان كثيرًا بعد أن تخلّص من سطوة الكنيسة، غير أنّه مازال متخوّفا ومتردّدا عندما يُثار موضوع إدماج الأقلّيات المُسلمة فيه، والاعتراف بوجودها وبخصوصيّتها الثّقافيّة.

فعندما أعلنت إسبانيا سنة 1979م انفتاحها على باقي الأديان والثّقافات بعد أن أقرَّ البرلمان الإسباني قانون الحُرّيّات الدّينيّة، وفي خُطوة جريئة قام السّيد خوليو أنغويتا عمدة قُرطبة سنتين بعد ذلك (1981) بتسليم مفاتيح دِير سانتا كلار الّذي يقوم في الأصل على أركان مسجد بالمدينة القديمة، يعود تاريخه لسنة 976م للمُسلمين، هاجمت الصّحافة والكنيسة الإسبانيّة خُطوته هذه ونعّتته بالخليفة الأحمر، ممّا أضطرّه لإلغاء القرار والتّراجع عنه.

عاودت الكرّة هذا المساء فقطعت قنطرة الوادي الكبير، وذهبت في تجوالي إلى الرّبض الجنوبي وراء القنطرة، هذا الرّبض الّذي قرأت عنه الكثير، وقرأت عن بطولاته، وعن ملاحمه وثورته على الحكم بن هشام، وما فعله الحكم بأهله بعد فشل ثورتهم فقد نفاهم خارج الأندلس ثم أحرق دورهم وسوّاها بالأرض، ثم حرثها واستخرج من الأرض التي كانت تُقام عليها الزّرع والكلأ نكاية فيهم، لم يبق الرّبض مثلما تركه الحكم الأوّل، بل صار اليم مساكن ومصانع، لا أثر فيه يذكّر بذاك العهد التّليد.

عُدت أدراجي إلى باب القنطرة الشرقيّ، طفت بالقلعة الحرّة وتأمّلت تحصيناتها، ثمّ وقفت على الجسر أستمع لرنّات موسيقى إسبانيّة حزينة كأنّي بها قد صيغت لبكاء ذلك العهد، وكأنّي بالوجود مازال حزينًا على ضياع قرطبة وضياع ذلك المجد.

وأقلّب ناظري في الوادي الكبير، وفي نافورة أبي العافية، إنّه اللّقاء الأخير، ولا بُدَّ من الوداع، ولا بُدّ من الفراق، غير أنّه فراق المحزونين.

في وداع قرطبة..

أرجعت صباح هذا اليوم الأحد الخامس عشر من أغسطس 2021م مفاتيح الحجرة لصاحبها وغادرت الفندق إلى باب المدوّر أحد مداخل المدينة الإسلامية القديمة أين اعتدت أن أستمتع بفطور صباحي، ثمّ شددت رجلي مرّة أخيرة صوب مسجد الحضرة، جلت بين ثناياه، تأمّلت صومعته التي أثقلتها الأجراس والصّلبان ونظرت إلى جدرانه وأقواسه وقد ارتسمت على سحناتها ألوان من الحزن والألم.

هُيّئَ لي أنّي أسمع أنّات وشكوى وبُكاء ينبعث من داخله ومن جهة محرابه، يشكو من أخلاط النّاس هذه التي جاءت إليه من أقطار الدّنيا وهو لها كاره.

هي تريد أن تمتّع أنظارها منه وهو يريد أهله كي يتعبّدوا الرّحمان فيه. لم أتمالك نفسي فثار بنفسي ما عسى ألاّ يثور ولم أجد ما أعزّيها به إلاّ رثاءً قاله مدحت جمال قونتاي يرثي به قصر الحمراء، رأيت أنّه لرثاء جامع قرطبة أنسب.

ــ أنت يا من كنت تعلو بقامتك جسدًا مملوءً بالحياة.

ــ ها أنت اليوم جسد بلا روح.

ــ نعم لقد سلبوك الحياة، ولكن لم يقبروك.

ــ إنَّك تقف اليوم خطيبًا، واعظًا للأمّة.

ــ يا حبيبًا تركناه، يبيت في أحضان الغرباء.

ــ هلاَّ بُحت بمكنون صدرك.

أحسست بوحشة وانقباضٍ شديدين على نفسي هذا اليوم، وبعكس مالقة وغرناطة فإنّ روحي لم تطق فِراق قرطبة، وانفطر قلبي لهذا الفراق. وهاجت كوامن الشّجن فيه. ولكن لا بُدّ لكلّ لقاءٍ من فراق. فعش ما شئت فإنّك ميّت، وأحبب من شئت فإنّك مفارقه.

لا أذكر من أيّ باب ولجت بهو محطّتها ولا أين جلست وكلّ الّذي أذكره أنّ نفسي أجهشت بالبكاء وأنّ الدّمع ترقرق في عيوني  وأنّي حاولت أن أكفكفه فما استطعت.

وأنّ الخواطر انهالت على خاطري مثلما تنهال الدّموع على خدّي صاحبها وأنّي لم أقدر أن أحبسها فأخرجت في الحين دفتري وقيّدتها فيه بمداد القلم الأسود وضنى القلب الكئيب.

ودّعت قرطبة والقلب منفطر.

والدّمع في عيني ترقرق.

قلت أخفيه فلم اقدر.

وهل يغني سكب الدمع.

بعد أن رأت عيني كل هذا المجد.

الذي زال بعد أن انفرط العقد.

عندما جرى بنا القِطار وألقيت نظرتي الأخيرة من نافذته على المدينة عرفت أنّ روحي هي التي تعلّقت بها وأنّ نظرات عينيّ اليها ما هي رسول الغرام بينها وبين فؤادي وأنّ انفلات الحزن المكتوم في صدري على فراقها هو دليل صدق العاشقين.

بقيت زمنًا غير يسير قابعًا في مقعدي الّذي اختارته لي مؤسّسة النّقل بالسِّكك الحديديّة الاسبانيّة وجمًا مذهولاً ممّا رأيت واكتشفت من مجدٍ لوكان في يد غيرنا ما ضاع، وما ذهب.

هذه هي أوّل مرّة أكتشف أنّ الشّاعر أبا البقاء الرّندي قد أوهمنا أنّ ضياع قرطبة واشبيليا ومُرسيا مثله مثل زوال مدائن صالح وقوم هود، وملك فرعون ومملكة سبأ وأنّ ضياعها هو سنّة اللّه في خلقه وأنّ زوال الحضارات قانون الهي لابُدّ منه وأنّنا عشنا بهذا الوهم عقوًا وقرونا من دون أن نتفكّر في أسبابه.

قد تنهار حضارة ما ولكنّ انهيارها يأخذ أجيالاً وقرونا. لكنّ قرطبة عندما انهارت كانت في أوج ازدهارها وقوّتها. بل لم تكن على الأرض حضارة ولا ثقافة أزهى وأعلى منها غير بغداد في الشّرق وحضارة بغداد لم تناوئها بل تكاملت معها.

توارت قرطبة عن ناظري بعد أن أسدت لي ذكريات لن أنساها ما حييت، سوف لن أنس صورتها وصورة مسجدها وأزقّتها،وباب المدوّر،وباب اشبيليا، ودار إمارتها ومدينة الزّهراء وجبل العروس جميعها لم أستطع أن أنتزعها من خيالي.

غادرتها وفي ذاكرتي رثاء قبّاني لها:

ــ لم يبقَ من قُرطبة.

ــ سوى دمع المشذنات الباكية.

ــ سوى عبير الورود والتّاريخ والأضالية.

ــ لم يبقَ من ولاّدة ومن حكاية حُبّها.

ــ قافية ولا بقايا قافية.

وسوم : الأندلسرحلة في زمن الوباءقرطبة
سابقة

“سلطان الهوى”.. ساكن القلوب

موالية

المخرج محمد قولمامين في ذمة الله

فواصل

فواصل

مشابهةمقالات

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة تحت مجهر الباحثين
رئيسي

مسرح ذوي الاحتياجات الخاصة تحت مجهر الباحثين

2023-03-23
أدباء ونقاد يرافعون لصالح الشعر الحساني
رئيسي

أدباء ونقاد يرافعون لصالح الشعر الحساني

2023-03-21
ثورة نوفمبر في الشعر الجزائري الحديث
رئيسي

ثورة نوفمبر في الشعر الجزائري الحديث

2023-03-18
إشتراك
الاتصال عبر
دخول
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
نبّهني عن
guest
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
فواصل

فواصل جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري تصدر عن مؤسسة الشعب.

© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.

تطوير واستضافة شركة رانوبيت

لاتوجد
عرض كل النتائج
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
wpDiscuz
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط .