تقع غسيرة، التي أصبحت بلدية سنة 1984، على الطريق الوطني رقم 31 الرابط بين مدينتي باتنة وبسكرة مرورا بآريس، وهي تابعة إداريا لدائرة تكوت، وتتشكّل من عدة قرى ومشاتي: تيفلفال، لبراشمة، آيث ايدير، غوفي، حيزة، كاف لعروس..
منحت غسيرة للولاية 1 التاريخية أحد قادتها، الشهيد أحمد انواوره (1920ـ 1959)، وتعد معركة إفري اللبلح التي وقعت بغسيرة (13و14 جانفي 1956)، تحت قيادة مصطفى بن بولعيد، إحدى أهم معارك الثورة بالأوراس، كما يعدّ معتقل تيفلفال، أول معتقل استعماري مخصّص للنساء على المستوى الوطني.
تحدّث الكاتب الأنجليزي “هيلتون سيمبسون” عن غسيرة – لما عبرها – خلال رحلته الأوراسية سنتي 1912 و1913، وألّف الكاتب الفرنسيB. SARRAILLON ، كتابا حول قرية “غوفي”، عاصمة الجمال الأوراسي، المشهورة عالميا، خاصة قبل سنوات “الفوضى والجنون”، وإحدى أبهى المناظر الطبيعية في الجزائر، أين يلتقي الجبل والوادي، الرمان والنخيل، دفء التخوم الصحراوية وبرودة الثلوج المتساقطة شتاء على “ماق ازقاغ”، أي أحمر خدو، وقد ضمّ العمل مجموعة من الرسومات حول لباس وحلي المرأة الغسيرية، ومناظر خلابة من طبيعة المنطقة..الخ، وهو بعنوان: ROUFFI dans I’abime de l’Aures
غوفي الآسرة، شبّه شرفاتها صحفي الخبر، مصطفى دالع، ببتراء الجزائر (الخبر، 1 فيفري 2013)، أما الصحفي عبد اللطيف بلقايم، فقد كتب عنها بحسرة روبورتاجا، بعنوان: “اليونيسكو صنفتها دوليا والسلطات أهملتها محليا والسفير الأمريكي زارها الجمعة” (الجزائر نيوز، 19 أفريل 2010)، من جهته تعجّب الصحفي، لزهر فكرون، لواقع غوفي، من خلال موضوعه ” شرفات غوفي بباتنة حياة بدائية لم تشفع لها شهرتها العالمية (الخبر، 15 جانفي 2008)، وقبل هؤلاء كتب الشاعر والصحفي السبتي معلم، في أول عدد من جريدته الوئام (28 ديسمبر 2003)، مقامته الغوفية، بعنوان مشوّق، مزدوج اللغة
“رحلة إلى غوفي voir RHOUFI et mourir
بقرية “أدار ن تسليث” أي كاف لعروس، جاء إلى الوجود أحد قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والكشافة الإسلامية الجزائرية، الشيخ محمد يكن الغسيري، الذي شغل منصب سفير – في بداية الاستقلال – بسوريا ثم السعودية وأخيرا بدولة الكويت. وغير بعيد عن كاف لعروس، وتحديدا بقرية غوفي، ولد الكاتب المتخصص في شؤون المهاجرين الجزائريين بأوروبا الأستاذ سعدي بزيان. وفي المكان المسمى مسعودة بقرية تيفلفال؛ ولد الرسام الذي يعيش بألمانيا ـ منذ سنوات ـ الشريف بن عمر، وعلى أثره يسير الرسام الشاب الزبير خذري. في إحدى قرى “إيغاسيرن”، قام السيد عزوز بن عمر، المعروف بـ “عزوز المعشرث”، بتشييد متحف تراثي ومطعم يقدّم الشواء على الطريقة التقليدية.
بالمدرسة الابتدائية المجاورة لمفترق الطرق (آريس، بسكرة، تكوت)، كان يدرّس معلّم فرنسي رفقة زوجته، وقد قتل الأول خطأ وجرحت الثانية، صبيحة يوم 1 نوفمبر 1954؛ ففي هذا اليوم، وعلى الساعة 07.15 صباحا، أوقفت مجموعة من المجاهدين بقيادة، شيحاني بشير، الحافلة التي تعمل بين مدينتي بسكرة وآريس بالقرب من مضيق تيغانمين، وبعد إيقاف الحافلة والتعرّف على “قايد” مشونش، “الحاج صدوق”، رفض هذا الأخير إنزال حقائبه من الحافلة وحاول استعمال مسدسه ضد أحد المجاهدين، مما دفع هذا الأخير إلى استخدام السلاح وقتله، كما قتل المعلم الفرنسي “غي مونيرو” وأصيبت زوجته “جاكلين” بجروح من قِبل مجاهد آخر عن طريق الخطأ. وفي نفس المدرسة صوّر المخرج الجزائري المغترب، مالك بن اسماعيل، فيلمه “الصين لازالت بعيدة”، ومثّل فيه تلاميذ المدرسة.
لعائلة تابليت الغسيرية اهتمام خاص بالتاريخ؛ من خلال، علي المترجم والباحث في التاريخ العثماني، وعمر المؤرخ؛ المهتم بالكتابة حول قادة أوراس النمامشة (لغرور، بن بولعيد، اعبيدي..). جزء من ثقافة وتاريخ وطبيعة غسيرة نقله بالصورة والصوت ابنها حكيم عماري، عبر قناة الشروق الفضائية، وجزء آخر دوّنه ابنها الآخر، عمر تابليت، في كتابه “دور غسيرة في ثورة التحرير (1954- 1962)، الصادر بعنابة، سنة 2008، في جزأين، كما ساهم، الكاتب عبد الرحيم بن ايدير، في التعريف ببلديته من خلال كتابه “نافذة على تاريخ غسيرة”، تناول فيه الأحداث التاريخية التي عاشتها البلدية، وأنساب سكانها، وطبونيميا المنطقة، وقد صدر هذا العمل، ببسكرة، سنة 2016. وخصّص الكاتب محمد بن عمر عمله الأول لمسقط رأسه، اختار له عنوان: “غسيرة.. التاريخ والتراث”.
تحت ظلال أشجار النخيل والرمان والزيتون والمشمش والبرتقال أنشد أبناء البلدية بأعذب الأصوات، دفاعا عن هوية شمال إفريقيا، خاصة مجيد ميموني وصالح أوبومعراف..
تعد غسيرة، إحدى أغنى بلديات منطقة الأوراس، من حيث العمران الأمازيغي، خاصة القلاع والمداشر، وتعد “هاشماست” أي الشرفة، من أهم مكونات مساكن “إيغوسار” التقليدية. ويشتهر سكان البلدية، بممارسة حرفتي صناعة الحلي – منذ عقود – وحرفة النجارة، منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب غراسة أشجار النخيل وغيرها من الأشجار المثمرة.
تراث غسيرة الأدبي ثري من حيث القصص والأساطير، فحسب قصة شعبية حاول حارس قلعة “بردود” الطيران، إذ في المحاولة الأولى استخدم الحجر مع بعض القرب، وفي المرة الثانية استعمل مع القرب جدي صغير، وفي الثالثة خروف، وقد شجّعه نجاح التجارب الثلاث الأولى على القيام بالمحاولة بنفسه في المرة الرابعة، ومع هبوب الرياح فشلت المحاولة، ما أدى إلى سقوطه وموته، كما تعد أسطورة “خطاف لعرايس” إحدى أهم ما ورثه الأبناء عن الأجداد.
نورالدين برقادي