أكد المشاركون في ختام “منتدى الترجمة الأدبية والتاريخية في الجزائر: واقع وآفاق” الذي نظمته الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي بالتعاون مع المكتبة الوطنية الجزائرية، على ضرورة تأسيس هيئة وطنية تعنى بالترجمة من اللغة العربية والأمازيغية إلى اللغات الأخرى.
يكون من مهام هذه الهيئة أيضا وضع قانون للمترجم وبطاقية وطنية للمترجمين، وتنظيم لقاءات دورية في جميع مجالات العلوم.
وخلص الأساتذة الجامعيين المشاركين في منتدى الترجمة الأدبية والتاريخية في الجزائر “إلى ضرورة تأسيس شبكة يلتقي من خلالها المترجمون الجزائريين”.
في اليوم الثاني من “منتدى الترجمة الأدبية والتاريخية في الجزائر: واقع وآفاق”، أكد الباحث محمد الهادي حارش، في محاضرة معنونة: “تجربتي في ترجمة حرب يوغرطة “لسالوستيوس”، على ضرورة أن يكون المترجم ملما باللغة الاصلية التي سيترجم منها الكتاب.
وقال إن سبب ترجمته لكتاب “ساليوستيوس” من اللاتينية إلى العربية لأنه من أوائل المؤرخين الرومان الذين أقلعوا عن كتابة الحوليات، ولأنه كان يمتلك أسلوبا خاصا في الكتابة، إضافة إلى أن “حرب يوغرطة” هو أول كتاب بكامله يخصص لشخصية نوميدية، وهو المصدر الأساسي عن الحرب التي خاضها هذا الملك النوميدي في آواخر القرن الثاني قبل الميلاد.
وتحدث المحاضر عن صعوبات جمة إعترضته خلال ترجمة الكتاب على اعتبار أن سالوستيوس إستعمل مفردات من اللغة اللاتينية القديمة ولم يستعمل لغة عصره، كما أنه إعتمد في سرد الوقائع التاريخية على الإيجاز المختلف عن أسلوب معاصريه شيشرون وذلك حتى يتميز عنه، إضافة لاستعمال كلمات عامية لأنه كان ينتمي للطبقة المتوسطة وليس النبيلة.
ويرى المؤرخ محمد الهادي حارش أن سالوستيوس من خلال كتابه “حرب يوغرطة” لم يكن مؤرخا يسعى للكتابة عن يوغرطة وتبجيله، بل كان سياسيا ويريد أن يرسخ ثلاث أفكار وهي: فكرة التبني أي أن سكيبيو هو من أوحى لمكيبسا بتبني يوغرطة ليقتسم الحكم مع أخويه، وأن نوميديا هي جزء من أملاك روما، وعلى تفشي الرشوة بين طبقة النبلاء الحاكمة.
من جهته تناول الأستاذ عبدالمجيد بوجلة، في مداخلته “الترجمة فن وعلم.. قراءة في بعض التجارب”، موضوع نشأة الترجمة، وقال إنها حاجة وقد بدأت منذ نشأة الإنسان على وجه الأرض، فالإنسان من أجل أن يتعارف مع الآخرين كان بحاجة إلى لاستعمال الترجمة فأصبحت بذلك وسيلة للتواصل.
مساهمة في تفاعل الحضارات
وأكد المحاضر ان الترجمة أصبحت فيما بعد علما قائما بذاتها.
وتحدث الدكتور عبدالمجيد بوجلة عن أهمية الترجمة في زمن الدعوة و خلال فترة إزدهار الحضارة العربية الإسلامية، وأكد أن الترجمة ساهمت في تفاعل الحضارات. وتحدث عن المدارس الحديثة في الترجمة واكد أم مشكلة المصطلح والمفاهيم في الترجمة اليوم تعد من أهم الإشكاليات المطروحة أمام المترجم.
وأشار الأستاذ مصطفى ماضي في مداخلته “تجربتي في الترجمة التاريخية.. بعض المحطات” إلى أن إهتمامه بعالم الترجمة في الحركة الوطنية وتاريخ الثورة يعود إلى علاقته الوطيدة مع الكاتب والمترجم والناشر الفرنسي فرانسوا ماسبيرو، وفرانسيس جونسون اللذين كانا من مناصري الثورة التحريرية الجزائرية، فعمل على ترجمة أعمالهم أو الإشراف، إضافة الى أعمال مؤلفين جزائريين يكتبون بالفرنسية على ترجمتها إلى العربية لتمكين الطلبة والأساتذة المعربين من قراءة أعمالهم.
وتحدث المحاضر عن كتب ترجمها وصعوبات إعترضته كمترجم.
ودعا المحاضر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن يخصص ديوان المطبوعات الجامعية نسبة 50 بالمائة من ميزانيته لترجمة الكتب، بدل الإقتصار على طبع الكتب.
وفي نفس السياق، تناول الدكتور جمال يحياوي، في مداخلته “ترجمات تاريخ الجزائر ـ الإشكالية والهدف”، أهمية وصعوبة ترجمة الأعمال التاريخية حول تاريخ الجزائر.
ترجمات تحت الطلب
وأكد أن أغلب هذه الترجمات، التي تمت من الفرنسية إلى اللغة العربية، كانت تحت الطلب، في إطار برامج رسمية لقطاعات وزارية، ولم تكن في الغالب ضمن سياق أكاديمي.
وقال “الترجمة تبدأ بإختيار النص الأجنبي المراد ترجمته وتطويعه لاستخدام مصطلحات التعريب، بعيدا عن تقديم التلميحات التي تلعب دورا حاسما في توجيه القارئ وفق نظرة المترجم، وليس كما وردت في النص الأصلي، إذ لا يتم نقل الحقائق نتيجة لعدم إقتناع المترجم بها، فيضيع أغلبية القراء في فهم المعنى”.
واكد المحاضر على أن تحديد الهدف هو الترجمة المتعلقة بتاريخ الجزائر لأنه يعني إنتقاء النص وإختيار المترجم المتحكم في ناصية اللغة، والأهم هو معرفة المصطلحات بدقة “الأماكن والأعلام”.
وقال المحاضر إن غياب هذه المعطيات طرح ويطرح العديد من الإشكاليات، خاصة في إصدار أحكام لا تتوافق مع النصوص الأصلية، وتضييع فرصة فهم المعنى الحقيقي على القارئ.
وأكد الباحث يوسف مناصرية في محاضرته “مساهمة المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر في ترجمة مؤلفات الأوروبيين والجزائريين من الفرنسية على العربية”، على أهمية حركة الترجمة باعتبارها علما قائما بذاته قديما وحديثا، مهمتها الأساسية تكمن في نقل العلوم والمعارف وتجارب الأمم.
وأشار المحاضر الى أن مؤسسات الجزائر المستقلة فتحت أذهان أبنائها على الاهتمام بمختلف العلوم وترجمتها وتوسيع نشرها، مثل المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر، تحت وصاية وزارة المجاهدين في سلسلة المترجمات، إلى جانب سلسلة الأعمال الكاملة لكبار المؤلفين وأصحاب مشاريع البحث ومجموع المصادر الأدبية والإعلامية وغيرها.