يعدّ فضاء التاريخ والذاكرة لمدينة وهران مكانا للتذكر والتخليد والعرفان، تم إنشاؤه تكريما لشهداء الثورة التحريرية المجيدة وتخليدا لذاكرتهم.
وعلى الرغم من تواضع مساحته غير أن هذا المرفق يكتسي أهمية كبيرة كونه يسترجع جزاء كبيرا من التاريخ المعاصر لمدينة وهران والذي تم وضعه تحت تصرف من يريدون الاطلاع على الماضي الثري بالحقائق التاريخية والبطولات والتضحيات.
يقع فضاء التاريخ والذاكرة في شارع الأمير عبد القادر بوسط مدينة وهران، وقد أنشأه عام 2013 المجاهد محمد فريحة أحد رموز الكفاح المسلح بوهران خلال الثورة التحريرية المظفرة، والذي ما زال يحرص على سيره الحسن على الرغم من سنواته الـ84.
ويعرض هذا المكان مختلف مراحل ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 بعاصمة غرب البلاد بتواريخها وأمكنتها البارزة ومعاركها وأبطالها.
وسيكتشف الزائر بمجرد ولوجه المكان أسلحة وألبسة ومتعلقات خاصة كان يستخدمها مجاهدي جيش التحرير الوطني.
ويحتوي أيضًا على مجموعة من الكتب القيمة ونادرة وشهادات لا تقدر بثمن عن مسار الثورة التحريرية وحتى وثائق سرية للثورة.
وسيتذكر الوافدون على هذا الفضاء بدون شك مئات الشهداء الخالدين من الرجال والنساء الذين تزين صورهم جدران قاعة العرض. وجوه معروفة وأخرى غير معروفة تم صقلها في الذاكرة إلى الأبد.
وفي هذا السياقي ذكر الهواري عدليي المكلف بالاتصال في هذا الفضاء ونائب رئيس الجمعية المكلفة بتسييره أن الفضل في استحداث هذا المكان يعود لعزيمة المجاهد محمد فريحة الذي بقي وفيا للعهد الذي تم قطعه لرفاقه في السلاح بمنطقة وهران.
لكن للأسف تبقى المساحة جد ضيقة لا يمكن لها أن تحتوي كل الكنوز التاريخية التي جمعها هذا المجاهد.
وأضاف المتحدث أن محمد فريحة قد وضع لنفسه هدفًا هو جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والمتعلقات الخاصة بالرجال والنساء الذين كانوا جزءًا من الشبكات الحضرية لجبهة التحرير الوطني في وهران أثناء ثورة التحرير المظفرة وهو عمل هائل من البحث والتنقيب والجمع ويتميز بالدقة المتناهية أنجزه المجاهد على مدار أكثر من أربعة عقود حيث كثف أبحاثه واتصالاته مع رفاقه في السلاح الذين ما زالوا على قيد الحياة أو مع أسر الشهداء سواء لجمع شهاداتهم وصورهم ومتعلقاتهم الشخصية وحتى الوثائق التي كانت بأيديهم.
ساهم العديد منهم في بناء هذا الفضاء الخاص بالذاكرة التاريخية لمدينة وهران من خلال تبرعهم بأغراضهم الشخصية والوثائق التي كانت بحوزتهم من أجل إثراء المقتنيات المادية واللامادية لهذا المتحف.
ساحة ضيقة ومشروع للرقمنة
من منظور صون الذاكرة التاريخية لمدينة وهران جاءت فكرة إنشاء هذه المساحة المخصصة للمقاومة الحضرية أثناء حرب التحرير الوطني وتحقق هذا المسعى في عام 2013 وأثبت مع مرور الوقتي أنه أحد أهم الأماكن التي تجذب الزوار في المدينة.
ومنذ إنشائه في المكان الذي خصصته بلدية وهراني لوحظ اهتمام خاص بين تلاميذ المدارس والجامعيين والمهتمين بالتاريخ وممثلي البعثات الدبلوماسية بالجزائر بهذا الفضاء التاريخي حيث يتردد البعض عليه للقيام ببحوث مدرسية أو أطروحات جامعية وغيرها من الأعمال بناءً على المصادر والوثائق المتاحة فيما يزوره آخرون على أمل لقاء مجاهدين للخوض في الماضي أو لاكتشاف أو إعادة استكشاف أجزاء مهمة من التاريخ الوطني.
وأوضح عدلي قائلا “إن اهتمام الأجيال الشابة بالتاريخ الوطني وبالمنطقة يشرف جمعيتنا التي تضم مجاهدين ومؤرخين وباحثين”، مردفا “نحن نرحب بالزوار يوميًا بنفس المتعة في المشاركة والمناقشة والاستماع إليهم في كل ما يعنى بالتاريخ الوطني”.
لكنه تأسف لضيق هذا الفضاء الذي يحول دون عرض العديد من المجموعات الموجودة حيث لا تزيد مساحته عن 150 متر مربع بينما الوثائق التي بحوزة المجاهد محمد فريحة تعد بالآلاف.
بالنسبة إليه، مكان أوسع بمساحة عرض أكبر وقاعة للمحاضرات سيكون “مثاليًا” لإنجاز المهمة المتمثلة في الحفاظ على ذاكرة وهران التاريخية.
إضافة إلى ذلك ي دعا المتحدث نفسه إلى “مساهمة السلطات المحلية” من أجل ضمان نشر الوثائق المتوفرة حتى تكون في متناول جميع الأشخاص المهتمين والحفاظ على المتعلقات الشخصية للمجاهدين والشهداء على أكمل وجه.
وأضاف “نتمنى أن نرى هذا الفضاء يشع بشكل أكبر في مكان أوسع به جميع الوسائل الكفيلة بحفظ التاريخ والذاكرة”.
وفيما يتعلق بالأهداف المستقبلية تحدث عدلي لهواري عن خطة طموحة لرقمنة مختلف الوثائق والأعمال المتوفرة في هذا الفضاء غير أنه -كما قال- “لا نتوفر على الوسائل اللازمة للقيام بالرقمنة ونسعى إلى الحصول على مساعدة من الأكاديميين والباحثين ومراكز البحوث الجامعية ومخابر البحث الذين يمكن أن يكون لهم مساهمة لا تقدر بثمن”.
وأكد على أن العمل الجماعي ضروري ليكون بالمقدور الحفاظ على هذا العمل البحثي والإستكشافي لتوريثه للأجيال المستقبلية، مطالبا “الجميع بالمساهمة في الحفاظ على هذا الموروث الذي لا يقدر بثمن والحفاظ على ذاكرة كل من ضحوا بحياتهم من أجل استعادة السيادة الوطنية”.
وأضاف المصدر بكل عزم وحكمة “قوتنا تكمن في تاريخنا فلنحافظ عليه ونضمن معرفته الأفضل من قبل الأجيال القادمة “.