ترك فنانون ومثقفون جزائريون بصماتهم في مراحل تاريخية وهامة في البلاد، مثل أزمة الحرائق التي عرفتها ولايات عديدة، وكانت تيزي وزو الأكثر تضررا فيها ومنها.
لطالما ارتبطت الفنون والآداب بنقل الهم الجماعي، وتضميد جراح في أوقات معينة، من عمر الشعوب.
ومن الطبيعي أن يتغنى ويوثق فنانون ومثقفون، أفراح وأحزان الجزائريين، بشتى أساليب التعبير وبمختلف اللهجات، ما جعل الأدب الشعبي الجزائري، خزانا ثريا يزخر بملاحم شعبية تؤرخ لبطولات وأمجاد جزائريين، وتصور أفراحهم وأحزانهم..
في المدة الأخيرة التي عرفت فيها الجزائر، أزمة حرائق ـ مست أكثر من 18 ولاية، وكانت تيزي وزو الأكثر تضررا، بخسائر بشرية ومادية كبيرة، وحادثة قتل الفنان الشاب جمال بن اسماعيل، كانت انطلاقة لفنانين ومبدعين، للتعبير عن ما حدث في منطقة القبائل، ومحاولة إرجاع الأمل للجزائريين، والقول إن الجزائر ستتغلب مثل كل مرة عن هذه الأزمة.
ومن بين الأعمال الفنية التي وثقت الحادثة والحرائق، فيلم “المحنة”، القصير جدا، وهو فيلم ولد من بين ألسِنة الحرائق التي طالت الجزائر، واستطاع منتج العمل الشاب يحنين زيان، وصف حالة حزن جماعية عاشها الجزائريون، بداية من الموجة الثالثة لكورونا، وصولا للحرائق، ثم قدم بصيص أمل في النهاية بكلمة “سننتصر”.
من جهته، أعاد الفنان الشاب عمار بن قرين غناء أحد أعمال الشاب جمال بن إسماعيل الذي لقب بشهيد الوطنية بعنوان “بلادي الجزاير“.
وبعد حادثة مقتل الشاب جمال بن اسماعيل، بأيام، أصدر الفنان أولحلو، أول أغنية جزائرية ترثي على طريقتها الراحل جمال بن اسماعيل، ومن بين ما يقوله مغنيها: “حرقونا وحرقوك معانا، ربي يرحمك يا جمال”، وعنوان الأغنية هو “داني داني”.
تشكيليون رسموا مأساة تيزي وزو
وأعاد فنانون تشكيليون رسم جداريات ولوحات فنية تصف هول الحرائق التي عرفتها منطقة تيزي وزو، معبرين فيها عن حجم الخسائر والدمار التي ألحقتها الحرائق بالولاية، وجداريات أخرى ترثي الشاب جمال بن اسماعيل.وجسّد الفنان التشكيلي عبد الحليم كبيش، لوحة فنية معبرة تكريما لروح الشهيد وفقيد الجزائر جمال بن اسماعيل.
وصمّم الاستاذ الجامعي رضوان بوهديل لوحة فنية معبرة، تخليدا للفنان جمال بن اسماعيل، واستخدم تقنية الرسم بالألوان المائية وقطعة خشب عادية.
ورسم شباب هاوي في ولايات لوحات فنية، على حيطان مدنهم، يعبرون فيها عن الأزمة التي عرفتها تيزي وزو، وحادثة مقتل جمال بن اسماعيل.
مثقفون يوثقون..
وبما أن فنانين وتشكيليين، استطاعوا التعبير عن تضامنهم وتآزرهم مع الولايات المتضررة من الحرائق، وجسدوا آلامهم وأحزانهم، لما حدث لجمال بن اسماعيل، سواءً بالموسيقى والأغاني، أو بالريشة والألوان، هناك من الأدباء والمثقفين الذين كانوا حاضرين في الأزمة من بدايته، ووثقوا ذلك في كتاباتهم ومنشوراتهم في مواقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”، “انستغرام”..
ومن بين هؤلاء، الروائية ربيعة جلطي التي قالت: “المجد لجزائر الشهامة..نحن شعب مغزول من محبة. حتى وإن حاصرتنا النيرانُ والمحن، لا نتفرّق، بل نزداد أخوةً واقترابا”.
ونشر الكاتب والصحفي كمال قرور، في صفحته الرسمية بفايسبوك “تنظيف الجريمة.. التطهير بالفن”، وقال: “لتنظيف ما حدث، علينا نقل المأساة الواقعية الى عالم الفن والأدب والسينما لمحاكاتها من أجل التطهير كما يقول أرسطو ..”
وكتب الروائي سعيد بوطاجين،: “حاربوا خطاب الكراهية ومنطق الدوار وتعاونوا بمساعدة المتضررين في تيزي وزو وبقية مناطق البلد، دون تمييز. الهمجية لا تجمع بقدر ما تدمر الأوطان والحضارات. لا تنتقموا أبدا، ففي الانتقام محو للعقل والحكمة والإنسان الكبير. الجزائر تتبرأ من هؤلاء، وروح جمال تخاطبكم: لا تفسدوا ما مت من أجله مقتنعا..”.
الفن لتضميد الجراح
وكان هدف الأعمال الفنية و الأدبية، والأغاني الوطنية، المفعمة بالعاطفة القوية، وبالأخبار والتفاصيل في قوالب لغية راقية، شحذ الهمم وتعبئة النفوس بالحماسة ورفع المعنويات والتغلب على اليأس، في كل محطات تاريخ الجزائر، من الثورة التحريرية إلى الاستقلال، ولعشرية السوداء.. وغيرها.
فكانت الأغاني الوطنية، أو المؤلفات الأدبية أو المسرحيات، بلسم يضمد بها جراح الجزائريين، فيكفي أن نذكر اسم الفنان الشهيد علي معاشي لنتذكر أغانيه الوطنية ، منها “أنغام الجزائر”، و أغنية “زاهيين ولاباس” في تلميح من الشهيد علي معاشي إلى أن الاستقلال آت لا محالة… وغيرها من الأغاني التي وثقت وصاحبت تلك الفترة، وأداها علي معاشي مع فرقته “سفير الطرب”.
وفي سياق ذي صلة، تعتبر أغنية الفنان القبائلي فريد علي “أيما أصبر أور تسرو”، بمعنى أمي اصبري ولا تبكي”، بمثابة جوهرة سجل الأغاني والأناشيد الوطنية الأمازيغية، إبان الثورة التحريرية ، ومحور الفكرة الرئيسية للأغنية، فكرة مناجاة مجاهد لأمه المثقلة بهواجس الحرب وأهوالها، دعا فيها إلى تقديم الوعد لها بأخذ الثأر من الاستعمار..
ولا يمكن أن لا نذكر قصيدة شاعر الثورة مفدي زكريا التي أصبحت نشيدا وطنيا، أو أغاني خليفي أحمد وصليحة، حتى تعود للذاكرة مختلف المحطات التي مرت بها ثورة التحرير الوطنية.
وعندما نتحدث عن الفن ومساندته للجزائريين،يتوجب علينا أن نتطرق إلى أعمال فنانين مجدت الثورة التحريرية، مثلما فعل حسان الحسني المعروف بـ “بوبقرة” عندما كان في سجون الاحتلال الفرنسي، يقدم عروضا فردية كوميدية تحاكي الواقع، حيث كلفه حسه الوطني السجن في زنزانات الاستعمار، التي جعلها مسرحا لتقديم عروض مسرحية فكاهية بمضامين تشحذ الروح الوطنية في أوساط المعتقلين.
ومن الأغاني التي لا ينساها الجزائريون، خاصة الذين عاشوا في العشرية السوداء، أغنية “الجزائر حبي L’Algérie mon amour “، و أيضا أغنية ” للجزائر نغني”، وكان وقع هذه الأغاني في نفوس الجزائريين كبير.