تشتهر كلّ مدينة صحراوية جزائرية بتسمية معيّنة انبثقت من إحدى خصائصها الاجتماعية، أوالتاريخية، أو الجغرافية.
مدينة أدرار عُرفت بـ “المدينة الحمراء”، لأن معظم بناءاتها من الطوب الأحمر، على غرار مدينة مراكش في المغرب.
وعُرفت مدينة تمنراست بـ “عاصمة الأهقّار” نسبة إلى الجبال التي تحمل الاسم نفسه، ومدينة بسكرة بـ “عاصمة الزيبان” نسبة إلى زاب المياه والنخيل.
غرداية بحاضنة القصور التاريخية وعرفت مدينة وادي سوفْ بتسميتين هما مدينة ألف قبّة وقبّة، ومدينة الرمال الذهبية، وعُرفت مدينة قمار بمدينة العلم والعلماء.. قمار حاضرة من حواضر وادي سوفْ، تبعد عن مدينة بسكرة بـ 206 كلم شمالًا، وعن عاصمة الولاية جنوبًا بـ 14 كلم بمدينة العلم والعلماء.
قمار.. الفضاء المُعطّرُ بنكهة التاريخ
قمار مدينة في واحات سوف، وهي البلدة الثانية فيها من حيث النشأة. تقع قمار شمال مدينة الوادي. نشأت بلدة قمار القديمة في جزيرة صغيرة يكونها وادي سوف المنحدر جنوبا عندما يتفرع إلى فرعين. وقد دفنت الرمال اليوم فرعي الوادي.
ولكن السكان يعرفون آثار الجزيرة من التربة، فإن كانت عند الحفر رملية هشة فذلك دليل على مجرى الوادي المدفون، وإن كانت التربة صلبة أو صخرية فذلك دليل على أنها تقع خارج مجرى الوادي. أما اليوم فلا أثر لمياه الوادي على سطح الأرض.
توسعت بلدة قمار القديمة مع ازدياد عدد السكان فخرج العمران من الجزيرة إلى الأراضي الشاسعة من حولها، قمار إداريا دائرة قديمة قبل إنشاء ولاية الوادي سنة 1984م، حاليا حاضرة تطوّرت كثيرا، بها كل المرافق التي تتطلبها الحياة العصرية.
وتوسعت بلدة قمار القديمة مع ازدياد عدد السكان، فخرج العمران إلى الأراضي الشاسعة من حولها. بلدة قمار منطقة عريقة ذات تاريخ ثريٍّ مليء بالأحداث، حيث مرّت بأحداث تاريـخية متوالية حسب ما دار في فلكها من متغيّرات، فكان لها التأثّر، والتأثير رغم كونها بلدة صغيرة مترامية الأطراف في الجنوب الشرقي الجزائري.
لم يتوان أهلها في الدفاع عن استقلاليتهم في مزاولة حياتهم اليومية بالرّغْم مِنْ قلّة الموارد التي كانت سابقا تعتمد على زراعة النخيل فحسب كمصدرٍ أساسيٍّ للعيش كباقي المناطق الُـمجاورة. فما خضعوا لبني جلّاب حاكم تقرت أيام باي قسنطينة للدولة العثمانية، وحُوصرت البلدة وما نـجح الحصار.
كان للبلدة الشرفُ في تشييد النواة الأولى لأوّل زاوية تجانية في العالم بإذن الشيخ أحمد التجاني لِما وجده من مـحبّة للعلم فيمن تعرّف عليهم من أهل قمار كالمعلم المهاجر محمد الساسي القماري.
وبعد دخول الُـمستعمر الفرنسي سنة 1854م الـمنطقة، بقي المجتمع القماري محافظًا على أسلوب حياته، وشخصيته، فكان التنوّع يطغى على تقاليده الإسلامية، مُـحِبًّا للتسامح، ومتقبِّلًا للآخر بأريـحية، إذ كان اليهود والمسيحيون يعيشون بسلام في البلدة وضواحيها، مشكِّلين مع المجتمع القماري تنوّعًا استثنائيا في حياةٍ سيطر عليها الْـمسْتعمِر الفرنسي بقوانينه، وطغيانه ضدّ هُويّة مجتمع قماريٍّ مسلمٍ.
رغم أن مدينة قمـار لم تكن يوما عاصمة سياسية إلا أنها كانت أكثر قرى سـوفْ عرضة للأخطار لعـدّة أسبـاب أبرزها:
** الأهمية الاقتصادية للمدينة التي تـزايدت مع انتشار زراعة النخيل، وحفْر الغيطـان فيها فتحولت المدينة إلى سوقٍ رئيسةٍ بالمنطقة.
** الأهمية الدينية التي برزت بتأسيس الـزاوية التيـجانية بها منذ 1204هـ/ 1789م فصارت مركزا روحيا يؤمُّه كلُّ أتباع الطريقة من سكان المنطقة، أو من خارجها، وزاد بذلك دورُها الاجتماعي.
** الموقع الاستراتيجي للمدينة في الجهة الشمالية لِسُوفْ، عند أهم طريقين حيويين:
1- أحدهما يأتي من جهة الغرب من إمارة بني جلاب بإقليم وادي ريغ، فكثيرا ما اعتبر سلاطينُ تقـرت أن سُوفْ جزءٌ تابعٌ لـمُلكهم، فحين تـمتنع بعضُ القرى عن دفْع الضرائب تتعرض لحملات عسكرية تأديبية أشهرها حملة الشيخ أحمد بن عمر بن محمد الجـلابي 1776م/ 1778م .
2- وثانيهما يأتي من جهة الشمال من مـملكة بن قـانة بالزيبـان التي كانت تُـحاول إخضاع منطقتي سُوف وريغ لبـايلك الشرق. وكثيرا ما كانت بلاد سوف عرضة لهجمات مباغتة أحيانا من كلا الطرفين بني جلاب، أو بن قـانة، وكانت قمار دائما الأولى في مواجهة هذه الأخطار.
“قمار” واحة جميلة في ربوع سوف، مدينة في تطور، مستمرٍّ عاصمة دينية، مدينة المساجد والزوايا، والعلم والعلماء، تحتلّ المرتبة الثانية بعد مدينة الوادي، سكّانها يـمتازون بالنشاط والجدّية، والحيوية، يعيشون على الفلاحة الصحراوية من نـخيل، وتبْغٍ، وفول سوداني، ومُـخْتلف النباتات الموسمية، وأخيرا البطاطا، والزيتون، والفراولة، وكل أنواع الخضر بكميات تسويقية محلية، ووطنية، وعُرِف سكّانها بحبّهم للعلم والعلماء، كما عُرِفوا بسرعة البديهة والذكاء.
قمار هي تلك المدينة التاريخية والعاصمة الدينية، وهي بقدر ما أضفى الخالق جلّت قدرته على ربوع سوف من جمال في الطبيعة؛ إلاّ أنّ قمار مُنِحتْ انبساط الأرض وسهولتها، وقُـــرب الماء من السطح.
هذه المدينة تحمل مواصفات المدن العربية، لها أبواب: الباب الغربي، الباب الشرقي، والبويبة، الباب الظهراوي…، والأزقّة الُـمغطّاة، وتراصّ المنازل المبنيّة أساسا بالمواد المحليّة: الجبس والحجارة (اللّوس، أو زهرة الرمال).
هذه المنازل رغم تراصّها، إلاّ أنّه في كلّ بيتٍ تُراعى الطبيعة الصحراويّة والُـمناخ وتقلّبات الجوّ في الفصول، وظروف تَـخْزين الطعام، وراحة الإنسان بعد العناء والكدح، ومقاومة الرمال، وعاديات الطبيعة.
واعتُمِدت القُبّةُ لتسقيف البيت لانكسار أشعّة الشمس عليها، ومنْعِها تكْديس الرمال، وانزلاق مياه الأمطار عليها، ومنْحِها هواءً إضافيّا لطيفا داخل الحجرات، والغُرَف في البيت توزَّع لاستقبال أشعّة الشمس والسماح بدوران الهواء في المساكن، وتخصَّص في كلّ بيت غرفة للصيف تتميّز بانحسار الشمس عنها بعد الزوال، وأخرى يُبنى بها موقد بمدخنته، ولا يخلو بيت من غرفة لاستقبال الضيوف، وأخرى لتخزين الُـمؤن. وفي تراصّ البيوت دلالات واضحة للتماسك الاجتماعي في هذه المدينة.
الشغف بالعلم من قديم بالمدينة
مدينة عُرف عنها منذ القديم إلى يوم الناس هذا أن ساكنتها شغوفون بالعلم، والتربية والتعليم، منذ أن أُنشئت كانت الكتاتيب، ولا تزال تؤدي دورها، وتضاعفت بإنشاء الزاوية التجانية، وكان التعليم تقليديا يُكتفى فيه بتعليم الكتابة، وتلقين القرآن الكريم على اللوح، ومادة الكتابة ” السّمق” وأداة الكتابة القلم الـمبْري من القصب دون زيادة.
وقال العلاّمة ابن خلدون: «فأمّا أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء الْـمُدارسة بالرّسم ومسائله، واختلاف حملة القرآن فيه، لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم، لا من حديث، ولا من فقه، ولا من شِعْرٍ، ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه، أو ينقطع دونه، فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعا عن العلم بالجملة.»
ثم بإرسال أبناء البلدة إلى جامع الزيتونة تباعا بدءًا من أواخر عقد الثلاثينات، وللعلم أن فرنسا الاستعمارية أنشأت بالمدينة سنة 1907 مدرسة من ثلاث فصول دراسية، وثلاث وحدات سكنية، “مدرسة للبنات ” من فصلين دراسيين سنة 1948.
إلّا أن أغلب الأهالي رفضوا الالتحاق بالمدرسة الفرنسية لاعتقادهم أنها مدرسة العدوّ، والتعليم بها بالفرنسية، ليست لغة القرآن، كما أنها لغة النصارى المعادين للإسلام، والمسلمين، فلجأت إلى الإجبار، علمًا بأن العائلات اليهودية حينذاك، وعائلات الأغنياء، والتجار، والمرتبطين بفرنسا أدخلوا أبناءهم.
لكن الرافضين وجدوا ضالّتهم في ” مدرسة النجاح” التي فتحت أبوابها يوم 19 أكتوبر 1948م، التي كان يديرها العلاّمة الشيخ محمد الطاهر التليلي، ومعه مجموعة من المدرّسين الزيتونيين المؤهّلين: الشيخ التركي، سعداني عبد العزيز، سعداني محمود، وغيرهم… برنامجها كان برنامج مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، دون الجهر بذلك حتى لا يغلقها الاستعمار، وقد نجح الشيخ التليلي في تسييرها مع مرافقيه، ووصل بها برّ النجاح، واصلت رسالتها حتى الاستقلال، حيث ضُمّت إلى التعليم الرسمي. المدرسة التي خرّجت العشرات من بنات وأبناء قمار، فكانوا الإطارات الشابة في الجزائر المستقلة
من قديم.. مدينة العلم والعلماء
يمكن القول وبدون تزكية أن مدينة قمار هي مدينة العلم والثقافة قديما وحديثا، ولا يعود الفضل في القديم إلى الاستعمار الفرنسي الذي أغلق كل أبواب العلم أمام أبناء البلدة ما عدا حفظ القرآن الكريم بالكتاتيب..
وإنما يرجع الفضل حديثًا إلى مدرسة النجاح الحرة التي كانت منارة العلم والتربية والتهذيب التي بقيت تؤدي رسالتها بنجاح حتى تاريخ الاستقلال الوطني، والفضل يعود بعد الله سبحانه إلى الشيخ المرحوم العالم المثقف المربّي تليلي محمد الطاهر، وثلّة طيبة معه كالمرحوم سعداني عبد العزيز، والشيخ التركي، وسعداني محمود أطال الله في عمُريْهما، وغيرهم.. ضحّوا جميعًا، وبحكمتهم وفطنتهم داهنوا ” قائد البلدة” والحاكم العسكري بالمنطقة حتى تُكمل المدرسة مواصلة رسالتها.
هذه المدرسة درَس بها الدكتور أبو القاسم سعد الله، والدكتور بوجلخة التجاني، وعبد العزيز خلف وغيرهم، المدرسة التي تولّى طلاّبها بعد الاستقلال المهام الإدارية والسياسية، والثقافية، والاقتصادية، والعلمية، وهم كما يقول سعد الله مدينون لشيخهم تليلي بالأبوة الروحية، والتكوين المعرفي، وغرْس القيم العربية الإسلامية فيهم؛ فكانوا نعم الأبناء البررة، ونعم جنود الميدان في نهضة الجزائر المعاصرة.
كبقية تراب الوطن الجزائري كان لبلدة قمار دوْرٌ ريّاديٌّ كبير بالمـُساهمة في التنوير المعرفي، وترسيخ مبادئ الإسلام، ونشْر قيمه السامية، والعمل بها.
إن المدينة فاقت شهرتُها أرض بِما أعطت للجزائر من أعلام شاركوا، ولا يزالون يشاركون بعلمهم وبأفكارهم النيرة في الحركة الثقافية، والنهضة العلمية التي عرفتها، وتعرفها الجزائر في تاريخها المعاصر، ومن بين علمائها ومثـقفيها القدماء الذين أسسوا لنهضتها الثقافية والتعليمية الحديثة في ظروف تاريخية صعبة جدًّا.
المرحوم العالم الجليل “خليفة بن حسن القماري”، فقيه وشاعر (ت: 1796م)، والشيخ علي بن القِيَم (ت: 1842م)، والشيخ الأديب محمد بن بلقاسم بن البرية (ت: 1948م)، والشيخ محمد بن اللقاني (ت: 1939)، والشيخ العلاّمة الحفناوي هالي (ت: 1965).والشيخ العلامة أحمد بن دغمان (تـ: 1981)، والشيخ الشهيد هالي عبد الكريم (ت: 1957) و” علي بن ساعد القماري ” (ت: 1974).. والذي كان عضوا في جمعية العلماء الجزائريين. والعالم “عبد القادر الياجوري” (ت: 1991)، والشيخ ” محمد الطاهر التليلي” (تـ: 2003)، الذي يعد مرجعا في أصول الفقه وفروعه، وهو مفسر، ومحدث لغوي بارع. والمرحوم عمار بن لزعر (ت: 1962م) الذي رسّخ الحركة العلمية والثقافية.والصحوة الدينية بداية من أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، وأحدث انقلابًا فكريا ونهضويا بالمدينة فضايقه الاستعمار وأعوانه، مـمـّا اضطرّه إلى الهجرة مُرغمًا إلى البقاع المقدسة سنة 1937م.
حيث قال في شأنه الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه” خارج السّرب”: «… فإن الحياة العلمية في سُوفْ كانت راكدة لم يترك لها الحكم الفرنسي والنفوذ الطرقي المجال للحركة، لكن الشيخ (الطاهر تليلي) يذكر أن الفضل يرجع إلى الشيخيْن اللقاني، والأزعر في بثّ العلم في قمار، وسوفْ عموما، وفي إيقاظ أهل المنطقة من الجهل، والكسل والركود. وكان الشيخ عمّار الأزعر من أنصار الإصلاح، ومن مؤسسي جمعية العلماء، ولكنه وجد مضايقة كبيرة من أنصار الإدارة الفرنسية، ومن بعض الطرق الصوفية المحلّية فلم يسعْهُ إلاّ مغادرة قمار سنة 1937م مهاجرا منها إلى الحجاز حيث عاش في المدينة المنوّرة مدرِّسًا بالحرم النبوي إلى وفاته.»
ومن علماء قمار المرحوم أحمد مفتاح الخطيب والإمام والشاعر، وكذا الشيخ معمر حنّي (ت: 13/08/ 2014 بوهران). الذي كان من علماء ومدرسي جمعية العلماء، ودرس عنه المرحوم الطاهر وطار في بلدة ” مداوروش” في أواخر الأربعينات من القرن الماضي..
ومن علماء قمار المرحوم الشيخ محمد التجاني زغودة الذي تولّى فرع إدارة المعهد الإسلامي بالمدينة والتدريس به، وقد كان حجّة في اللغة العربية وآدابها (ت: 2006).
نُـخبةٌ أنارت بعد الاستقلال
الدكتور” أبو القاسم سعد الله” عميد المؤرخين، وأحد مؤسسي المدرسة الحديثة للتاريخ بالجزائر الذي أغنى المكتبة العربية بعشرات المؤلفات في التاريخ والإبداع الأدبي والدراسات المختلفة، ومئات الـمقالات.
سعد الله مكتبةٌ متنقلةٌ، إضافة إلى إخوته الدكاترة: إسماعيل، خالد، إبراهيم؛ أضافوا إلى المكتبة الجزائرية والعربية عشرات الُـمؤلفات في القانون الدولي، والرياضيات، والفيزياء، علاوة على العديد من رجال القلم الذين أنْجبتهم هذه المدينة كالدكتور التجاني يوجلخة النابغة في الرياضيات، والدكتور أحمد شنّة، وعبد العزيز خلف المتخصص في الاقتصاد، وبـخاصة القطاع المالي.
ومن كُـتابها ومبدعيها حاليا الشاعر والناقد الدكتور عادل محلو، والكاتب القاص بشير خلف، والكاتب الُمربّي نوار محمد، والشاعر القاص زكريا نوار، والأستاذ الجامعي الباحث في التاريخ مسعود كواتي، والمرحوم الدكتور الباحث في التاريخ مديني بشير، والباحث في العمارة والتاريخ الُمـحلّي الدكتور ماني محمد، والباحث في التاريخ القُماري العقّون التجاني، والباحث في العمارة المحلية الدكتور حسّونة عبد العزيز، وفي علم التصوّف عبد الباقي مفتاح، وشيخ القُرّاء بالمدينة المنوّرة إبراهيم بن القِيّم المقيم بالسعودية، ومن أبناء قمار المرحوم الشيخ بشير الباري مفتي دمشق، وخطيب الجامع الأموي الذي تُوفّي في السنوات الأخيرة.
مدينة التعايش والتسامح
يُعرف عن ساكنة مدينة قمار وضواحيها تمسّكهم بالسلم، والعفو، والتسامح، والتعاضد فيما بينهم، كما ترحيبهم، وحبّهم لكل مقيم ، ومتعامل تجارة من أيّ منطقة من الجزائر، فقد استقرّ بها منذ سنوات إخوة مغاربة شباب يشتغلون بفنّ النقش، وأساتذة سوريون، وعائلة باكستانية عائلها طبيب، تقاعد واستقرّ، كما أن العديد من متقاعدي الجيش، والأسلاك الأمنية من مناطق الشمال اختاروها مقرًّا أخيرًا للسكن بعد تقاعدهم، هذه الميزات الإنسانية الرّاقية نتيجة التنشئة الموفّقة لدى الأسرة القمارية فيما بينها، ومع غيرها بفضل الدور الريّادي للمرأة القمارية.
المرْأة القُمارية.. الأميرة الـمُتوّجة
عُرف، ويُعرفُ عن المرأة القُمارية أنها سيّدة بيت مُـميّزة، مُـتفرِّدة، ذكيّة تحترم زوجها، تحافظ على تماسك أسرتها، والتضحية من أجل أبنائها حتى ولو ترمّلت صغيرة، فإنها لا تعيد الزواج، وتتفرّغ إلى تنشئة أبنائها حتى نهاية عمرها.
من أجل هذا يندر تعدّد الزواج، بل ينعدم في مدينة قمار وضواحيها، حتى أن سكان منطقة وادي سُوف من باب النّكتة يصفون الرّجلَ القماري بـ ” الجبان” لأنه يـخاف من ” زوجته”.
ومنْ يعرف سكان قمار عن قُرْبٍ، تأكّد ويتأكّد أن عدم إقبال الرجل القُماري على إعادة الزواج هو حفاظٌ على تماسك الأسرة وحماية للأبناء من التشرّد والضياع، وسوء التنشئة، فقد يضحّي الزوجُ بالكثير من حقوقه الزوجية من أجل تماسك الأسرة.
الـمرأة القُمارية بِـحُكْم أنها أمٌّ صالحة وناجحة، وذكيّة ومضحّية، وشريكة اقتصادية للرجل، فإنها زوجة (عامرةٌ)، وتعني هذه الكلمة الكثير في مدينة قمار، تعني الاستقلال الاقتصادي والسكني، أي أنها لا تقبل أن تكون هي وأسرتها عالّة على غيرها، حتى ولو كانوا أقارب، من أجل هذا فإنها لا تقبل المكوث في البيت دون عمل.
عامرة تعني أنها لا تقبل أن تكون هي وأسرتها في مسكن ليس لزوجها، حينما يتقدّم أحدُ الشباب لخطبة الفتاة، تسأل هي وأسرتها ألهُ منزلٌ خاصٌّ به؟ وإذا ما لم يتحقّق هذا الشرط في البداية فإنها بعد الزواج تدفعه وتتعاضد معه إن كانت عاملة على بناء المنزل الخاصّ بهما.
تعني كلمة” عامرة” أن المرأة القمارية بمجرّد أن يبدأ ابنها الوظيفة، أوالعمل تدفعه إلى شراء قطعة أرض صالحة للبناء، والشروع في توفير منزله الخاصّ.
المرأة القمارية بهذه الثقافة استطاعت منذ القديم زرْع ثقافة التعمير، والتنشئة الجوارية، التعايشية الْـمُتسامحة، حتى أن اليهود عاشوا في هذه المدينة عشرات السنين، مارسوا شعائرهم الدينية بحريّة، ملكوا أحْسن غابات النخيل، مارسوا تجارتهم بحرية، عاشوا بين الساكنة المسلمين، ولا أحد تعرّض لهم بسوء إلى أن غادروا المدينة أواخر الأربعينات من القرن الماضي من تلقاء أنفسهم.
إنْ كانت الطبقية أثناء وجود الاستعمار الفرنسي موجودة بين الساكنة، إلّا أن روح التكافل، والتعاون، والعيش المشترك سيّدة في المجتمع القماري، وما حدث أنْ وقع تصادم.
تطبّع المجتمع القماري بهذه الروح حتى تاريخنا الحالي، ولا يـزال، ولا أحسبها ستزول.
قمار .. رائدة الفلاحة
عُرفت قمار منذ القديم بزراعة نبات” التبغ” وغراسة النخيل، وإنتاج التمور سيما تمر” دقلة نور”، وإنتاج الخضر؛ لكن بعد الاستقلال بدأ الفلاحون يطوّرون أساليب الزراعة، وتقنيات السّقي، وفي السنوات الأخيرة تخلّوا عن زراعة التبغ، وتوجّهوا بفضل تقنيات الرشّ المحوري، وسقي قطرة، قطرة إلى منتوجات أكثر مردودية، ومدخولًا، ودخل النشاط الفلاحي شبابٌ جامعيون، ومهندسون فلاحيون متمكّنون، مستخدمون لتكنولوجيا الاتصال، والهواتف الذكية للتحكم في تقنيات السقي، ودرجات الحرارة عن بُعْدٍ.
منطقة قمار هي جزء من منطقة سوف التي احتلت الريادة على المستوى الوطني في زراعة البطاطا، مع تطور طرق الزراعة، وتقنياتها في المنطقة، بفضل استثمار الفلاحين، في هذا المجال حققت البطاطا نجاحا باهرا يبعث على الطمأنينة، مثلما نجحت البطاطا نجحت زراعات أخرى بقمار، كالكاوكاو، القمح، بكميات تجارية، الشعير، الذّرّة، البرسيم، الدلاع البطيخ، الطماطم بكميات كبيرة تسويقية محلية ووطنية، الزيتون، وأخيرا: الزعفران، الموز، الفراولة بكميات كبيرة تسويقية مبكرة إلى ربوع الوطن.
وأخيرا ممّا يجب ذكره أنّ مدينة قمار وضواحيها لا تشكو البطالة، بفضل الفلاحة أولا، والتجارة ثانيا، ومستوى معيشة ساكنتها في أريحيّة.
قمار أيقونة الجمال والسياحة
تتميز ولاية الوادي بموقعها الجغرافي الهام المتنوع، وتاريخها العريق، ولعل الآثار الرومانية المختلفة الموجودة بها تعد تراثا تاريخيا مهما يعطي للولاية مكانة مرموقة في مجالي السياحة والثقافة، فهي تستقطب عددا كبيرا من السياح سنويا بفضل ما تزخر به من معالم أثرية جذابة ومناظر طبيعية خلابة.
مـمّا استلزم من السلطات المحلية على ترسيخ الوعي والثقافة السياحية لدى سكان الولاية،
وذلك عبر تنظيم عدة مهرجانات وأيام سياحية وترفيهية وثقافية، آخرها مهرجان قمار السياحي تحت شعار “قمار.. قبلة الزوار”، الذي ينظّمه سنويا ديوان السياحة بالوادي بالتنسيق مع مديريتي الثقافة والشباب، والرياضة المحليين وكذا برعاية العديد من الشركات والممولين، بغية التعريف بالثقافة الصحراوية عامة والوادي خاصة، من خلال عروض ترفيهية وفلكلورية وجولات سياحية ومعارض للمنتجات والألبسة التقليدية، وكذا رالي سيارات بمشاركة جزائرية وأجنبية قبل جائحة كورونا.