لونيس بن علي باحث، وأستاذ النقد الأدبيّ والأدب المقارن بجامعة بجاية. وُلد عام 1980. من مؤلفاته ” تفاحة البربريّ”، “مقالات في النقد الأدبيّ”.. “سرير بروكوست”.
هي مجموعة مقالات في النقد الثقافيّ والأدبيّ، وغيرها. إلى جانب روايته الصادرة عام 2018 بعنوان “عزلة الأشياء الضائعة.. القصّة المريبة لمصرع هاروكي موراكامي”.
في كتابه الصادر عن منشورات “ميم” بعنوان “إدوارد سعيد :من نقد خطاب الإستشراق إلى نقد الرِّواية الكولونياليّة :كيف نؤسس للوعي النقدي “، يدرس الفكر النقديّ للمفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.
وأكد على أهمية مشروعه (إدوارد سعيد ) المعرفي والنقديّ في حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية ، ويوضح كيف أنّه مشروع قائم على مساءلة الثقافة الغربيّة التي تتميز بطابع الهيمنة، التي أنتجت خطابات معرفيّة ونقدية وسردية، ليفضح هذا التوافق بين الثقافة والسلطة، ويكشف عن احتواء هذه الثقافة الغربيّة على قيم الهيمنة والسيطرة والمصادرة .
يرى لونيس بن علي، أنّ عدم قدرتنا على الاستثمار في أفكار إدوارد سعيد لبعث السؤال النقديّ الجذري، الذي يحمل في طياته روح المقاومة، تعد أكبر إشكالية تواجه الفرد العربي اليوم وخاصة المثقف، ويؤكد المؤلف على أنّ قراءة أعمال إدوارد سعيد تكسب قارئها نزعة مقاومة أي شكل من أشكال الوصايا النظرية أو المعرفية أو السياسية أو الأخلاقية.
الكتابات النقدية العربيّة متأثرة حسبه بالنظريات البنيوية والسيميائيّة التي تعتمد في تحليلاتها على النص وتُهمل السياق التّاريخي الذي أنتجه، وكتبَ الباحث :”إنّ الأهمية الإستراتيجية لمشروع إدوارد سعيد النقديّ أنّه قدم درسا في كيفية قراءة مُضمرات الخطاب، والكشف عن القواعد الخفيّة التي تساهم في منح الخطابات سلطتها، وفي إخفاء الحقيقة ، على النحو الّذي بينه في نقده للخطاب الإستشراقي، الّذي كان يُرسخ لرؤية أحادية للحقيقة، مقصيًا أبعادها الأخرى ذات الصلة بالشرق وبالشرقييّن”، فإدوارد سعيد يرى في الإستشراق ” رؤية سياسية للواقع، رؤية الفرق بين المألوف (أوروبا وأمريكا، نحن وبين الغريب (الشرق، هم).
وهذا التحديد للآخر(الشرق) والتمييز له ليس مسألة نفسية لإبداء الفروق الوصفية وحسب، في بلدان مثل بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، بل هو مسألة سياسية تدخل في نطاق التعليم ، والتربية والتبليغ الإعلامي ، وضمن نطاق توجيه السياسة الخارجية لهذه البلدان”.
وبحسب سعيد، هذه النظرة الغربيّة للشرق تتم في إطار القوة، والفوقية، والسلطة وهي طريقة “لا تبدو خاضعة للفكر النقدي ، الّذي يُمارسه الغرب في فهم ذاته، بل لفكر آخر مصدره الإنشاء الإستشراقي، المتشكل، المتصلب الذي أسس في إطار معطيات ومنطلقات أخرى .
وأشار بن علي في كتابه إلى أنّ المفكر العربي إدوارد سعيد قد وضع الثقافة الغربيّة أمام مساءلة معرفية وتاريخية ، وكشف عن تلازمها الدائم لمشاريع الإمبراطوريّة والإمبرياليّة ، فهو واضع المعالم الكبرى للفكر المقاوم والثقافة المقاومة ، أو كما يراه غرامشي “مثقفا نقديا” بامتياز، أو كما يسميه إدوارد سعيد “…المُفكر المستقل “. والذي يعتبره من الشخصيات القليلة الباقية المؤهلة لمقاومة وتنميط كل ما له علاقة بالحياة، فالمثقف بحسب ادوارد سعيد وهو طليعة المجتمع فكريًا، و اجتماعيًا، وثقافيًا، فهو الشخصية المجتمعيّة التي تثير الأسئلة المشروعة، وتتبنى قضايا مجتمعه وهمومه.
حاول الباحث لونيس بن علي في مؤلفه تقصي الأنساق المعرفية التي قام عليها مشروع إدوارد سعيد وأهم معالم نظريته النقدية وطبيعة المفاهيم والمصطلحات التي أنتجها، وقد خصص الفصل الأول لكتاب(الإستشراق ) أما الفصل الثاني فاعتمد فيه على قراءة وتحليل كتاب (العالم والنص والناقد ) فوضع لكل فصل إشكالية محددة تابعة للإشكالية الأم وهي : ما هي الأنساق المعرفية التي قام عليها مشروع إدوارد سعيد النقدي ؟ وما هي أهم معالم نظريته النقدية ؟ وما هي طبيعة المفاهيم والمصطلحات التي أنتجها؟.
اعتمد بن علي، في دراسته النقدية على دراسة ثلاث أعمال فقط :”الإستشراق ” ،” الثقافة والإمبريالية ” و”العالم والنص والناقد “، والتي اعتبرها من الكتب الأساسية لإدوارد سعيد ، في حين أنّ إعداد دراسة نقدية عنه (إدوارد سعيد) أو أي كاتب تتطلب دراسة أهم منجزه الفكري خاصة حين يتعلق الأمر بطرح إشكالية المفاهيم التي أنتجها. مثلا مفهوم “الإستشراق” الذي لا يمكن رصده فقط في كتابه “الإستشراق” بل أيضا يجب تتبعه في كتابه :”تغطية الإسلام “، حيث نجد الصور النمطية التي تقدم للغربي عن الإسلام.
فإدوارد سعيد حين يتتبع مسار بداية” الإستشراق” يرى أنّه بدأ في أواخر القرن الثامن عشر و انطلق واستمر في تحليل الشرق والإسلام من أسباب دينية والحكم عليهما، لكنه تطور كمفهوم متأثرا بعناصر أربعة طرأت وهي :التوسع، المجابهة التاريخية، والتلبس المتعاطف، والتنميط، فأطلقته من عقال التقصي الديني الضيق، ومنحته لمستشرقين، حوّلوه إلى فرع من فروع المعرفة، التي تنتمي إلى المعتقدات العلمانية، وشبه الدينية للقرن الثامن عشر ومهد هؤلاء الطريق أمام إنبعاث الإستشراق، بشكله الحديث، وكتب إدواردسعيد :” فلئن كانت هذه العناصر المتداخلة المترابطة تمثل إتجاها معلمنا. فإن ذلك لا يعني القول بأن الأنساق الدينية القديمة أزيلت، هيهات بل إنها قد أعيد تركيبها ، وموضعتها ،وتوزيعها ضمن الأطر العلمانية ،التي عددت قبل قليل”.
بيد أن الباحث لونيس بن علي أغفل في دراسته تناول محطات حياة إدوارد سعيد وبيئته الفكرية ومصادر فكره، من منطلق أنّه إنسان بقي وفيا لأصوله وجذوره التي امتدت في البيئة التي احتضنته احتضنها. وحملها هما ورسالة إلى مهجره القسري.
وتوصل بن علي في دراسته إلى مجموعة من النتائج منها أنّ مؤلفات إدوارد سعيد تُعد مشروعًا معرفيًا ونقديا متكاملاً، فكل مؤلف من مؤلفاته يمثل لبنة من لبنات هذا المشروع. والكثير من القضايا والأفكار التي تناولها تتكرر. وهي حسبه سمة أسلوبيّة تميز بها المفكر الفلسطينيّ، وتمثل هاجس معرفي جوهري لا يفارقه.