فواصل

جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري
تصدر عن مؤسسة الشعب.

الخميس 23 مارس 2023
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
لاتوجد
عرض كل النتائج
فواصل
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
فواصل
لاتوجد
عرض كل النتائج

الآتية

فواصل - فواصل
2021-05-19
في نصوص
0
الآتية
مشاركة على فيس بوكمشاركة على تويتر

قريبا مني توقفت السيارة ذات اللون السماوي اللامع. . كنت على الكرسي الخشبي العمومي أجلس متأملا صف الأشجار الباسقة الممتد على طول الطريق. . وجهت بصري إلى السيارة. . لم أر أحدا فيها. . لم يثر ذلك استغرابي. . ربما نزل من كان فيها دون أن أنتبه إليه، قلت لي، ورحت أواصل تأملي في الأشجار. . وفي العابرين والعابرات. .

الطيب طهوري

تعال، سمعت. . كان الصوت يأتي من جهة السيارة. . نظرت. . باب السائق مفتوح. . ولا أحدا أرى. . لم أعر الصوت اهتماما. . عدت إلى ما كنت عليه. . عدت إلى تأملي. .

أنت، أيها الطيب. . أيها الجالس، تعال. . لم يكن هناك أحد يجلس غيري. .

وقفت. . نحو باب السيارة سرت. .

اركب، قال الصوت. . وركبت. . كيف ركبت؟. . كيف لم أخفْ وركبت؟. . لا ادري. . لم يكن في السيارة أحد وكنت كالمنوَّم مغناطيسيا. .

خذ مفاتيح السيارة. . كانت اليد تمتد إلي. . كانت تجلس على الكرسي الذي بجانبي. . كانت جميلة حد الحقول. .

لم أسألها من تكون؟. . غمرتني ابتسامتها المشرقة. . كان الوقت صباحا. . وكانت صباحيَ المتلألئ. .

عرفني بمدينتك، قالت. . لكنها كانت هي من يعرفني. . هذا حي العصافير. . ذاك مقر جمعية الشروق. . هناك في الجهة اليمنى مبنى مقر الولاية. . في اليسار أماما دار الثقافة. . هكذا راحت تعرفني بمدينتي. . تعرفني بما أعرف وبما لا أعرف. . كنت مشدودا إلى صوتها الفيروزي بكلي. .

حين توغلنا في الأحياء كانت الحفر في كل مكان. . في الشوارع. . في أرصفة الشوارع. . كنت خجولا وهي ترى معي كل ذلك. .

لا تخجل، قالت. . إنها مدينتي مثلما هي مدينتك. .

أنت من هنا إذن؟ سألتها. .

لا. . لست من هنا فقط، أجابت. .

لم أفهم، قلت لها. .

من هنا. . من هناك. . من هنالك. . من الحاضر. . من الماضي. . من المستقبل حتى. . كان صوتها يغوص بعيدا فيَ. . كنت أفهمها. .

جدك يفهمني أكثر، قالت ضاحكة. .

جدي؟. .

جدك زرياب. . لا تنس، بلغه تحياتي. .

تعرفينه؟. .

قل له: الأندلسية تبلغك تحياتها. . قل له: العباسية. . قل له: اليونانية، الهندية، الفارسية. . قل له: الشرقية والغربية. . قل. . قل. . كانت تذكر مختلف القارات والحضارات. .

لنخرج من هنا. . خذني إلى الضواحي. . أسرع. .

و. . كنا في الضواحي. .

حديقة الغرباء، هذه. . غابة المساء تلك. . ذاك نهر الحياة. .

نهر الحياة؟. . ما عادت هناك حياة أيتها الـ. . وتوقف صوتي. . لم أعرف بأي اسم أناديها. .

مدت يدها إلي. . ضغطت على أصابعي. . كل الأسماء لي، قالت فرحة. .

كل الأسماء لك، قلت فرحا مثلها. .

منتصف النهار يقترب. . عد بنا إلى هناك. . أدركت الـ هناك. . وعدت بها. .

ليس اليوم، ردت علي حين اقترحت عليها التوجه إلى مطعم ما للغداء. .

أنزلتني. . واختفت. .

ووجدت نفسي على الكرسي الخشبي مشدودا إلى صف الأشجار التي كانت تداعب الريح أغصانها. .

الأندلسية هنا إذن، صاح جدي سعيدا سعيدا. .

بعد قليل صاح: العباسية هنا، وصاح سعيدا. .

صاح بعدها سعيدا: الصينية هنا. .

ستكون ضيفتنا غدا، لاتنس. . غدا هي ضيفتنا. .

كل الذين كانوا في البيت سألوه وسألوني: من تكون هذه الأندلسية،العباسية، الروسية، الصينية، الـ. . الـ. . . . . ؟

كل اللواتي كن في البيت سألنه وسألنني. .

ستعرفونها غدا، كان جدي زرياب يجيبهم. . أضاف بعد صمت قصير: نادوها باسم الآتية

مرحبا بك في بيتنا، راح جدي يفتح ذراعيه ويحضنها. .

سعيدة جدا جدا بلقائك، راحت تفتح ذراعيها وتحضنه. .

بجانبه أجلسها على الأريكة وراحا يتحدثان. .

بالعربية تحدثا. . بالفرنسية. . بالإنجليزية. . قالت: هذه لغة الروس. . لغة الصين هذه. . وهذه الألمانية. .

من أين لجدي زرياب بمعرفة كل هذه اللغات؟. . كنا نتساءل مندهشين. .

من أين لك بمعرفة كل هذه اللغات؟ سألتها. .

كل هذه اللغات لغاتنا، كان جدي يجيب. . وكانت تجيب. .

فجأة، صاح جدي ومد ذراعيه إلى أقصاهما وهو يراني مشدودا إليها: هذه من كنت أريدها لك يا حفيدي. . قال ذلك وراح يضمني إلى صدره بكل قواه. .

أطلقني وضمها هي الأخرى إلى صدره: هذا من كنت أريده لك أيتها الآتية. .

اسم جميل هذا الذي اخترته لي يا جدي زرياب. . الآتية. . وضمته إليها أكثر. .

قرأنا الفاتحة. . كان جدي زرياب الإصفهاني وليَ أمرها. . وكان أبي خلدون الرشدي وليَ أمري. .

رفضتْ في البدء. . قالت لي: لسنا قاصرين ليكون لك ولي أمر، ويكون لي. . قالت ذلك بأعلى صوتها. . قالته متحدية. . جدي وافقها. . أبي لم يوافق. . قال: لن نخسر شيئا. . نحن نراعي فقط ما تعارف عليه المجتمع. . ولم يقل بأن ولي الأمر ركن من أركان الزواج في مجتمعنا. . أبي كان مقتنعا دائما بان أساس العلاقة الزوجية هو رضى الطرفين. . كان يقول: نحن في القرن الواحد والعشرين. . ظروف الواقع تغيرت يا أبنائي. . لم تعد امرأة اليوم هي جدتها. . المرأة تحررت اقتصاديا ومعرفيا. . نحن في عصر المساواة. . نحن في عصر المساواة يا أبنائي، يكرر. . و. .

تزوجنا. . كان حفل زواجنا بسيطا. . لكنه كان رائعا. .

جدي قال لنا: الزواج علاقات لا شكليات. . حب لا مظاهر. .

في الليلة الأولى من زواجنا صارحتني: لن ننجب إلا بعد سنوات. . ووافقتها. .

قبل نهاية الأسبوع الأول من زواجنا أخرجت من خزانة الجدار لباسا رياضيا لها وآخر لي. . قالت: لا أقبل العيش في واقع الخمول. . لا أقبل أن أكون مثل نساء الأسرة. . جدك رياضي. . يبدو أصغر من أبيك رغم كبره. . ووافقتها. .

كنا نخرج صباحا. . يوما بعد يوم. . كنت وحدي. . كانت معي ولم تكن. . كنت أراها ولا يراها الآخرون. . كانت مضطرة إلى فعل ذلك. . ما يزال مجتمعنا بعيدا، تقول لي. . وأفهمها. . كنا نتحدث أحيانا ونحن نعدو. .

كان البعض ممن يعْدون يسألونني: مع من تتحدث يا طيب؟. .

وكنت أجيبهم: أتخيل آخر يعدو معي، أنافسه وأتحدث معه. . يجعلني ذلك أعدو أكثر. .

صاروا هم الآخرون يتخيلون ويعْدون. .

في كل عدْو كانت تجاور أحدهم. . تظهر له للحظات وتختفي. . تظهر صينية مرة. . مرة أخرى تظهر أوروبية. . سمراء مرة ومرة بيضاء. .

حين نلتقي مساء يخبرني الواحد منهم بما رأى. . أضحك ويضحك معي. .

ابن عمي الذي رأى حديث جدي معها بمختلف اللغات أصر على ان تشتغل معه في وكالته السياحية. . قال لي: زوجتك صيد ثمين، لن أفرط فيه. . ستجعل الآتية من وكالتي أكبر وكالة سياحية في كل البلاد. . ستكون الآتية المرشدة السياحية في وكالتي. . وكان الأمر كما أراد. .

بعد شهور قليلة من زواجنا قال جدي صباحا ونحن على مائدة الإفطار: نريد منكما طفلا يا الآتية. . قال ذلك ووضع كفيه على كتفينا. . يمناه على كتفي الأيسر ويسراه على كتفها الأيمن. . سنسميه الآتي، أضاف. . ورحنا نضحك جميعا. .

مبتسمة نظرت الآتية إلي ثم إليه:

ننتظر الآتي يا جدي. . ننتظر الآتي. .

 

 

وسوم : قصة الآتية
سابقة

تنصيب أول مجلس استشاري للتراث الثقافي

موالية

اليوم السابع

فواصل

فواصل

مشابهةمقالات

المساءلة النقدية لمفهوم الميتافيزيقا في فضاء اللغة عند مارتن هايدغر
رئيسي

المساءلة النقدية لمفهوم الميتافيزيقا في فضاء اللغة عند مارتن هايدغر

2023-02-25
جائزة نوبل للأدب.. نجيب محفوظ وآخرون؟
رئيسي

جائزة نوبل للأدب.. نجيب محفوظ وآخرون؟

2023-02-04
جان فرانسوا ليوتار.. نقد الفكر الشمولي
رئيسي

جان فرانسوا ليوتار.. نقد الفكر الشمولي

2023-01-07
إشتراك
الاتصال عبر
دخول
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
نبّهني عن
guest
أسمح بإنشاء حساب
بموافقتك سيتم إنشاء حساب في موقعنا بناءا على معلوماتك الشخصية في حسابك الإجتماعي.
إلغاءموافق
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
فواصل

فواصل جريدة إلكترونية متخصصة في الشأن الثقافي والفكري تصدر عن مؤسسة الشعب.

© 2020. جميع الحقوق محفوظة ليومية الشعب.

تطوير واستضافة شركة رانوبيت

لاتوجد
عرض كل النتائج
  • الرئيسية
  • أسماء وأمكنة
  • فنون
  • حوارات
  • إصدارات
wpDiscuz
موقع الشعب يستخدم نظام الكوكيز. استمرارك في استخدام هذا الموقع ، فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط. تفضل بزيارة سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط .